01 نوفمبر 2024
تميم البرغوثي والقدس وثورة يناير
نعيش أياماً كاشفة فاضحة، يعربد فيها الكيان الصهيونى في أرض فلسطين، وخصوصاً قدس الأقداس في بيت المقدس، والمسجد الأقصى المغتصب تدنسه اقتحامات الغدر الصهيوني، السياسات تتراوح ما بين التهويد للقدس وانتزاع أراضيها من أهلها، تحت أعين نظم عربيةٍ، لم تعد تجيد سوى الشجب والاستنكار، بل إنها من فرط انبطاحها صارت تمارس السكوت المريب والصمت الرهيب.
تسير إسرائيل الصهيونية فى سياساتها، وتمارس كل أنواع غيّها وطغيانها، من دون أن تجد رد الفعل المكافئ لتلك الاقتحامات التي لم يعد يصلح أن نسميها انتهاكات، المسجد الأقصى يُدنّس ويُستهدف بالحرائق المتعمدة والمتعددة، واختراعات تقوم على التقسيمين، المكاني والزماني، بهدف اغتصابه، وجحافل من قطعان مستوطنين، يقودهم وزراء في الكيان الصهيوني في حماية جيش الكيان الصهيوني، بل صارت تلك القوات تسهم في تلك الاقتحامات بشكل فاجر وسافر.
وفي خضم تلك الاقتحامات المتوالية وغير المسبوقة، تنتدب الأمة عناصر مقاومتها، تستنفر الجهود بلا حدود، تستنهض الهمم من أجل الأقصى وأرضه المباركة حوله. ينتفض هؤلاء المرابطون، وتخرج النسوة وبعض الشيوخ يزأرون بالتكبير، يؤكدون على افتدائهم الأقصى بالروح والدم، أرى ضعفاء الأمة من شيوخ ونسوة بين كر وفر يواجهون اقتحامات المستوطنين، وهم في الحقيقة مغتصبون، يحمل هؤلاء مع بعض شبابٍ نذر حياته ثمناً لحماية الأقصى، بكل ما يملك من طاقة ووسائل دفاع، يحملون عزة الأمة وشرف الأقصى، كما حمله من قبل طفل الحجارة في انتفاضةٍ سطرها تاريخ المقاومة، بكل فخر واعتزاز، تسكن ذاكرة الأمة، وتذكّرهم أمتهم بأنهم حملوا مقاومة هذا الكيان الصهيوني العنصري الغاصب الفاجر بكل شمم وإباء، فأفرز في الأمة خمائر عزها وعزتها، شرفها وكرامتها. زئير متواصل يصدر من حناجرهم، وجعجعة تصدر من حكام صاروا يلوكون فائض الكلام من فرط تكراره صار كلاماً ساكتاً، بل هو كلام يستر عمق المذلة، ويغطى سياسات زاعقة من الانبطاح. نقول، وبأعلى
قبيل هذه الأجواء، يزأر من يزأر بالمقاومة، يساند المرابطين والمرابطات في أجواء الحج والتضحية، ها هو تميم البرغوثي يطل علينا بطلعته في حوار عميق على إحدى أهم الفضائيات، يزأر بكلماته ويدبج تحليلاته، تتفرس وجهه، فتجد قسماته تقطر بالمقاومة والعزة، تحرك كل معاني المقاومة، تطرد كل مسالك المساومة، الوطن وذاكرته لا يمكن إلا أن تقع في ساحات المقاومة لا تعرف المقاولة، قسماته قسمات أسد يصمد، وكلماته زئير لا يتوقف. الأسد يتخيّر مفرادته وكلماته، صاحب قوة وشمم، عزة وشرف، ليس ذئباً يعوى ليداري خوفه، ولا ثعلباً يتحايل، ولا نمراً يَفجُر بقوته وافتراسه، لكنه أسد يتمتع بالجسارة والشمم والشرف والقوة والعزة والحكمة، حينما يطل علينا بطلعته، لا أملك إلا أن أعتدل وأصغي لنداءاته الحركية الحافزة على الفعل والفاعلية، أراه ينهل من ذاكرة الأمة وخزان ذاكرتها المقاوم وشلال ناسها الذين جعلوا من الدفاع عن حياض الأمة همهم وصنعتهم. يتحدث عن الذاكرة الجمعية للأمة وقدرتها، يقول بكلام واضح "أنه ليس محرماً ولا أستحي ولا أخاف أن أكون موصولاً بذاكرة الأمة، لأن هذا هو الأمر الطبيعي والحقيقي". القصيدة تأتي بلغتها، يقول البرغوثي، وتنوع الأداء فيها علامة ثراء وحرية.
يقول من جوف المقاومة، حينما كان الناس في ميدان التحرير في ثورة يناير 2011، الصوت يتردد فى داخلك بلا افتعال، فكانت "يا مصر هانت وبانت كلها كام يوم". الصوت يتردد في داخلك، أبيات تفرض لغة القصيدة، وكأنها تتملى عليك من خيالك ووجدانك. وعند دخول الأميركان بغداد، لا يصلح ألا تحزن، لا يصلح أن تبقى باكياً، القصيدة تُملى عليك بشكلها
الاستعمار والاستبداد والطغيان ملة واحدة، كل منها يقتل حرية الكيان والإنسان. الاستعمار أنشأ وطنيات أليفة مستأنسة، كالقط الأليف لا تؤذيه، تنازل فيه المعنى بالأمر عن المعانى فى الأرض، وصار هناك تعريفاً للوطن الجديد. مفهوم إن لم يكن يتطابق مع الاستعمار، فإنه لا يتعارض. البلد قد يستقل شكلاً، لكنه يتصرف كأنه مُستعمر، في ظل القبول بشكل من أشكال الوطنية الأليفة. للمقاومة قانون آخر إجماع على عدو مشترك، متمثلاً في الكيان الصهيوني، وإيمان بقوة الشارع. الشارع لا يزال في معادلة المقاومة والثورة قوياً ما عاد إلى إجماعه. الأمل في استعادة الشعوب عزتها وإرادتها وإجماعها، للخروج من حلقة مفرغة ممنهجة، لإفقاد الناس الثقة في عقلها، والثقة في ذاتها، والثقة فيما بينها وبين بعضها. الناس لا تزال في صدورها الغضب الكامن وغير راضية، وربما تعلم أن من تقدم للقيادة ليس أهلا لها. الاستبداد كارثة، ولا يأتي إلا بكارثة، والتعاون مع الاستعمار أو مداخل الهزيمة، الحل في الناس وليس "الحل الأفعى". من احتضن الاستبداد، فالاستبداد أفعى تقتله، وحلفاء الاستبداد أو الاستعمار، أو هما معاً، تلحق بهم الأذية الأفعى، لا يجوز استخدام الاستبداد ذريعة للمقاومة. المقاومة حركة حرية من الاستبداد، أو من الاحتلال والاستعمار، والمستبد وكذا المستعمر، يفرّق حتى يسود استبداده وطغيانه.
لن يصح إلا الصحيح، سينتهى الاستبداد، وسيندحر الاستعمار، ستنتهى عدم ثقة الناس في بعضها، ستجتمع الأمة على قيمها وإجماعها. لكن "الأشرار" المستبدين يحاولون تأجيل ذلك، ويحاولون جر من تحالف معهم، والقول الفصل والكلام الجامع والخطاب المانع "يزأر" "لا تحالف مع مستبد ولا مستعمر". الأسد فى جسارته لا يفر، لأسد يصمد لا يتهرب أو يهرب، الأسد لا يغدر لا يناور أو يداور، الأسد لا يساوم إنما يقاوم.
في معاني الثورة والمقاومة، في مساحات الميادين للثورة، وساحات القدس والأقصى للمقاومة، يبرز حضور أمة، فى زئير التكبير وفداء الأقصى، وفى زئير شاعر تهدر كلمات المقاومة، وفى شعار ثورة تحفز الاحتجاج ومقاومة الاستبداد، يبزغ فجر أمة ومستقبل وطن وفاعلية مقاومة وثورة،"يا أمتي السلطان ليس إلا فى خيالك"، "وفي القدس السماءُ تَفَرَّقَتْ في الناسِ تحمينا ونحميها"، "يا مصر هانت وبانت كلها كام يوم".