05 نوفمبر 2024
سورية بين العم سام والدب الروسي
تلاشى الضباب الدبلوماسي الكثيف عن انعدام رؤية لأيّ أفق سياسي جديد في سورية، بعد أن ارتفع سقف التوقعات في الأشهر السابقة، بوجود تفاهمات أولية دولية وإقليمية حول الخطوط العامة للحل السياسي، ما ترافق مع كسر حواجز ملحوظة في هذا السياق، تمثّلت بتنشيط قناة الحوار السعودية- الروسية، وزيارة رئيس المخابرات السوري السابق، علي مملوك، السرية إلى السعودية.
لا يهدف الدعم الروسي العسكري الجديد المكثّف لبشار الأسد إلى تعزيز الجهود الدبلوماسية، بل يعكس فشلها، وفي الوقت نفسه، عملية جراحية سريعة لإنقاذ نظامه الذي بدأ يتهاوى عسكرياً بصورة متسارعة، وغير مسبوقة، وخسر في الأشهر القليلة الماضية وجوده في مساحات شاسعة، وتّوج ذلك بالهزائم المتتالية في محافظة إدلب، ووضع قواته المتبقية المحاصرة المهزوزة في كل من دير الزور ودرعا، فضلاً عن القلق الكبير اليوم على وضع دمشق.
إذاً الروس يسعون إلى الإبقاء على حليفهم، حتى لا يفقدوا أوراقهم كاملة في اللعبة السورية، وهم لذلك يخططون لإبقائه لاعباً في الساحة السورية، حتى لو على مساحة محدودة، وممثلاً لطوائف محدودة من الشعب، أو ما بات يطلق عليه في أوصاف النظام "سورية المفيدة" التي تربط بين دمشق وحمص ومساحة من غرب سورية، وصولاً إلى اللاذقية وطرطوس.
اليوم أكثر المتفائلين والمؤيدين للنظام السوري لم يعودوا يتوقعون، أو يأملون، الحسم العسكري لصالحه. لكن، في الوقت نفسه، تتمثل الرسالة الروسية السافرة الجديدة في أنّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لن يسمح بحسم عسكري للطرف الآخر، حتى لو أدى إلى ذلك إلى تورط عسكري روسي مباشر وكبير لدعم الأسد.
في المقابل، ماذا عن الموقف الأميركي؟ من الطريف أنّ تصريحات الجنرال الأميركي، لويد أوستن، أكبر المسؤولين العسكريين في الشرق الأوسط، أمام الكونغرس، جاءت متزامنة مع
التطور النوعي في الموقف الروسي، إذ اعترف أمام لجنة في الكونغرس بأنّ عدد من تبقى مما تسمى قوات المعارضة المعتدلة الذين دربهم الأميركيون، هم فقط خمسة أو ستة، بعدما قضت جبهة النصرة على الوجبة الأولى، 54 شخصاً، ولم يتبق إلاّ هذا العدد المحدود. وقد بدت تصريحات أوستن أشبه بالنكتة التي تعكس حجم التناقض في الموقف الأميركي، وغياب الاستراتيجية الفاعلة التي كان من الممكن أن تكون حاسمة في إنهاء نظام الأسد مبكّراً، لكنّها اليوم حاسمة في بقاء الأسد وحالة الفوضى الراهنة.
أبعد من ذلك، فإنّ أوباما، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، هو شريك حقيقي للروس وحلفاء الأسد، ويجمعهم هاجسان رئيسان كفيلان بإيجاد الأرضية المشتركة للتعاون التي يتحدث عنها الروس حالياً. الأول يتمثّل بسؤال اليوم التالي لسقوط نظام الأسد، الذي أصبح فزاعة يرفعها المسؤولون الغربيون والأميركيون دوماً في وجه المعارضة والدول العربية المعادية له. ويتمثل الهاجس الثاني في صعود الحركات الإسلامية السنية، وفي مقدمتها تنظيم داعش الذي تعتبر واشنطن قتاله أولوية لها اليوم، وضمنياً يمثّل العدو رقم 1 قبل الأسد.
على الرغم من ذلك، ما زال الرئيس أوباما وإدارته يتمسكان بالموقف المسبق المعلن بعدم قبول الأسد شريكاً في الحرب على الإرهاب، بوصفه السبب الأول والمباشر لصعود تنظيم داعش. لكن، عند هذا التقاطع تحديداً يبدو حجم التناقض في الاستراتيجية الأميركية تجاه سورية بدرجة أولى، والعراق بدرجة ثانية، إذ إنّ الإدارة الأميركية قبلت بالشراكة مع النظام السوري في الحرب على الإرهاب، عبر غياب الدعم الأميركي عن المعارضة المسلحة، وفشل الأميركيين في المشروعات المعلنة لتأطير معارضة معتدلة على مقاس الأجندة الأميركية، ومن ثم الاشتراك مع حلفاء الأسد في توجيه الضربات لتنظيم داعش، ومعه جبهة النصرة التي تنتمي إلى القاعدة، ورفض التعاون مع فصائل أخرى كبيرة، مثل أحرار الشام.
دفعت هذه الأجندة الأميركية المعقّدة في سورية محللين أميركيين إلى الاعتراف (بعد اعتراف الجنرال الأميركي أوستن، وزيادة الدور الروسي) بأنّ المسؤولين في واشنطن أنفسهم لا يدركون ما هي الاستراتيجية الأميركية في سورية، الأمر الذي سيزداد تعقيداً ومفارقاتٍ مع دفع الروس الإدارة الأميركية إلى ضرورة التنسيق معهم في سورية، على الأقل فنياً، لتفادي أي صدام بين القوتين الدوليتين هناك، خصوصاً في الغارات الجوية، في حال قرر الروس المشاركة فيها.
هل ثمّة فشل أميركي، إذاً، في سورية مقابل نجاح روسي؟.. من الصعب الحسم بهذه النتيجة، ذلك أنّ النتيجة الراهنة من تلاشي الحل الدبلوماسي ومزيد من الانخراط في الصراع المسلّح، قد ينظر إليه الأميركيون بأنّه مأزق نجوا منه، ولم يقعوا فيه، بينما يتورط الروس عسكرياً من غير أن يكونوا قادرين على الحسم العسكري، وهو التورط الذي يبدو حالياً محدوداً ومؤطراً، إلاّ أنّه قد يتطور، لاحقاً، ليجد الدب الروسي نفسه في وحلٍ شبيه بالوحل الأفغاني. لكن، في النهاية من الواضح أن السوريين من سيدفعون ثمن هذه المضاربات الدولية.
لا يهدف الدعم الروسي العسكري الجديد المكثّف لبشار الأسد إلى تعزيز الجهود الدبلوماسية، بل يعكس فشلها، وفي الوقت نفسه، عملية جراحية سريعة لإنقاذ نظامه الذي بدأ يتهاوى عسكرياً بصورة متسارعة، وغير مسبوقة، وخسر في الأشهر القليلة الماضية وجوده في مساحات شاسعة، وتّوج ذلك بالهزائم المتتالية في محافظة إدلب، ووضع قواته المتبقية المحاصرة المهزوزة في كل من دير الزور ودرعا، فضلاً عن القلق الكبير اليوم على وضع دمشق.
إذاً الروس يسعون إلى الإبقاء على حليفهم، حتى لا يفقدوا أوراقهم كاملة في اللعبة السورية، وهم لذلك يخططون لإبقائه لاعباً في الساحة السورية، حتى لو على مساحة محدودة، وممثلاً لطوائف محدودة من الشعب، أو ما بات يطلق عليه في أوصاف النظام "سورية المفيدة" التي تربط بين دمشق وحمص ومساحة من غرب سورية، وصولاً إلى اللاذقية وطرطوس.
اليوم أكثر المتفائلين والمؤيدين للنظام السوري لم يعودوا يتوقعون، أو يأملون، الحسم العسكري لصالحه. لكن، في الوقت نفسه، تتمثل الرسالة الروسية السافرة الجديدة في أنّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لن يسمح بحسم عسكري للطرف الآخر، حتى لو أدى إلى ذلك إلى تورط عسكري روسي مباشر وكبير لدعم الأسد.
في المقابل، ماذا عن الموقف الأميركي؟ من الطريف أنّ تصريحات الجنرال الأميركي، لويد أوستن، أكبر المسؤولين العسكريين في الشرق الأوسط، أمام الكونغرس، جاءت متزامنة مع
أبعد من ذلك، فإنّ أوباما، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، هو شريك حقيقي للروس وحلفاء الأسد، ويجمعهم هاجسان رئيسان كفيلان بإيجاد الأرضية المشتركة للتعاون التي يتحدث عنها الروس حالياً. الأول يتمثّل بسؤال اليوم التالي لسقوط نظام الأسد، الذي أصبح فزاعة يرفعها المسؤولون الغربيون والأميركيون دوماً في وجه المعارضة والدول العربية المعادية له. ويتمثل الهاجس الثاني في صعود الحركات الإسلامية السنية، وفي مقدمتها تنظيم داعش الذي تعتبر واشنطن قتاله أولوية لها اليوم، وضمنياً يمثّل العدو رقم 1 قبل الأسد.
على الرغم من ذلك، ما زال الرئيس أوباما وإدارته يتمسكان بالموقف المسبق المعلن بعدم قبول الأسد شريكاً في الحرب على الإرهاب، بوصفه السبب الأول والمباشر لصعود تنظيم داعش. لكن، عند هذا التقاطع تحديداً يبدو حجم التناقض في الاستراتيجية الأميركية تجاه سورية بدرجة أولى، والعراق بدرجة ثانية، إذ إنّ الإدارة الأميركية قبلت بالشراكة مع النظام السوري في الحرب على الإرهاب، عبر غياب الدعم الأميركي عن المعارضة المسلحة، وفشل الأميركيين في المشروعات المعلنة لتأطير معارضة معتدلة على مقاس الأجندة الأميركية، ومن ثم الاشتراك مع حلفاء الأسد في توجيه الضربات لتنظيم داعش، ومعه جبهة النصرة التي تنتمي إلى القاعدة، ورفض التعاون مع فصائل أخرى كبيرة، مثل أحرار الشام.
دفعت هذه الأجندة الأميركية المعقّدة في سورية محللين أميركيين إلى الاعتراف (بعد اعتراف الجنرال الأميركي أوستن، وزيادة الدور الروسي) بأنّ المسؤولين في واشنطن أنفسهم لا يدركون ما هي الاستراتيجية الأميركية في سورية، الأمر الذي سيزداد تعقيداً ومفارقاتٍ مع دفع الروس الإدارة الأميركية إلى ضرورة التنسيق معهم في سورية، على الأقل فنياً، لتفادي أي صدام بين القوتين الدوليتين هناك، خصوصاً في الغارات الجوية، في حال قرر الروس المشاركة فيها.
هل ثمّة فشل أميركي، إذاً، في سورية مقابل نجاح روسي؟.. من الصعب الحسم بهذه النتيجة، ذلك أنّ النتيجة الراهنة من تلاشي الحل الدبلوماسي ومزيد من الانخراط في الصراع المسلّح، قد ينظر إليه الأميركيون بأنّه مأزق نجوا منه، ولم يقعوا فيه، بينما يتورط الروس عسكرياً من غير أن يكونوا قادرين على الحسم العسكري، وهو التورط الذي يبدو حالياً محدوداً ومؤطراً، إلاّ أنّه قد يتطور، لاحقاً، ليجد الدب الروسي نفسه في وحلٍ شبيه بالوحل الأفغاني. لكن، في النهاية من الواضح أن السوريين من سيدفعون ثمن هذه المضاربات الدولية.