09 نوفمبر 2024
لبنان "المليشياوي"
لم تعد الأخبار "الجديدة" في لبنان فنيةً أو ثقافيةً منذ أمد بعيد. الوطن غير قادر على الخروج من تاريخه المعاصر، تاريخ الحرب الأهلية (1975 ـ 1990) وإفرازاتها. الفراغ الرئاسي والخمول الدستوري والكسل التشريعي ثلاثيةٌ تؤجج التراجع العام على المستويين، الاقتصادي والاجتماعي، بموازاة غياب أي دور فاعل، خارج إطار محاولاتٍ فردية، للامركزية الإدارية بقيادات السلطات المحلية، أي البلديات.
بالتالي، لم يعد غريباً أن يخرج سياسي لبناني، وهو وزير سابق، ليس نائباً ولا وزيراً حالياً، ليعلن عن تشكيلٍ "قريب" لمجموعة مسلّحة، أي مليشيا عسكرية محلية. ومع تأكيده أنها "ستكون في خدمة الجيش اللبناني والقوى الأمنية"، إلا أنه كان في وسعه الاستعاضة عنها، بدعوة أنصاره للتطوّع في تلك القوى الشرعية، بدلاً من تأسيس مجموعاتٍ رديفة أو غيره. و"من الطبيعي" في لبنان، أن يؤدي تشكيل مليشيا إلى ولادة أخرى ردّ فعل. وعلى وقع ردود الأفعال المتبادلة، ستولد عشرات المليشيات. كلها تريد الدولة علناً، لكنها لا تريد الانخراط فيها فعلياً.
عدا ذلك، قد يكون اعتيادياً في لبنان أن تسمع عن تدريبات عسكرية لأحزاب قديمة ـ جديدة، في مناطق محدّدة، ولا تتحرّك القوى الأمنية لضبطها أو منعها. لأسباب عدة، منها ارتباط تلك الأحزاب بمحاور صراعٍ خارج البلاد، أو بكل بساطة لأن منعها سيؤدي إلى فتح سجالٍ طائفيٍّ ومناطقيٍّ تحت شعار مزمن "لماذا نحن لا هم؟". يهيمن مبدأ "6 و6 مكرّر" على مختلف جوانب الحياة اللبنانية، من الإدارات حتى توقيف قاتل في جريمة فردية. للسخافة مستويات خيالية.
لكن المبدأ من استيلاد المليشيات حالياً يعود إلى الوضع عينه الذي ساد المرحلة الثانية من الحرب الأهلية اللبنانية، تحديداً بعد عام 1977، حين بات تأسيس المليشيات المحلية مرادفاً للتمويل الخارجي الذي كان يهدف، في ذلك الوقت، إلى تصفية حساباتٍ سياسيةٍ إقليميةٍ معيّنة في لبنان. أي أن الأمر برمّته مجرد "بزنس" دموي، مع رفع شعارٍ عريض له، أو قضيةٍ ما، على أن يتمّ استثماره لجلب مقاتلين أو عاطلين عن العمل (بحكم وجود 30% من اليد العاملة، في خانة البطالة). إذاً، أسس مليشيا، واكسب تمويلاً خارجياً، وسيطر على موقعٍ ميداني، حينها ستكون شريكاً في مرحلة سياسية سلمية لاحقة، أو مقتولاً. المخاطرة ضرورية والرهانات محدودة.
لكن اللبنانيين، بشكل عام، لا يبالون بذلك، لأمرين. الأول، أنهم لم يتمكّنوا، إلى الآن، من الضغط على سياسييهم لرفع النفايات من الشوارع والطرقات، ومعالجتها بالشكل المناسب. والثاني أن الانشغال بالملف الرئاسي، بعد الزخم الذي ناله في الشهر الحالي، وتأثيراته وتداعياته، طغى على كل شيء، ولا يبدو أنه سيتوقف، إلا لدى انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، أو تأكيد استمرار الفراغ في القصر الجمهوري في بعبدا، شرق لبنان.
كما يُمكن اعتبار عملية "التدجين" في اللاوعي حول "طبيعية" وجود مثل تلك المليشيات، الأمر الأخطر في كل ما سبق. ذلك لأنه يمسّ مباشرةً بعدم إتمام عملية المحاسبة، بعد انتهاء الحرب في عام 1990، ولا حتى محاكمة مرتكبيها ومجرميها، فضلاً عن بقاء جزءٍ من اللبنانيين أسرى وهم "عودة الحرب لتصحيح مسارٍ ما" باعتقادهم. أما هيبة القوى الأمنية فتبدو مسحوقةً أمام أنصار تلك المليشيات أو أشباهها، بل تخشى أن يدفع عناصرها ثمن تطبيقهم القانون.
ولتشكيل المليشيات نقطة سلبية، توحي بأن وضع لبنان المستقرّ نسبياً، قياساً إلى دول المشرق العربي، أضحى في خطر، وأن التسخين العسكري والسياسي الحادث في المنطقة قد يطاول البلاد بطريقة ما. مع العلم أنه يُمكن لأيٍّ كان، إن أراد فعلاً أن يكون "جندياً"، الانتساب إلى القوى الشرعية، من دون الحاجة لتشكيلات مرادفة، لكن حاضر لبنان ومستقبله أضعف من ماضيه.
بالتالي، لم يعد غريباً أن يخرج سياسي لبناني، وهو وزير سابق، ليس نائباً ولا وزيراً حالياً، ليعلن عن تشكيلٍ "قريب" لمجموعة مسلّحة، أي مليشيا عسكرية محلية. ومع تأكيده أنها "ستكون في خدمة الجيش اللبناني والقوى الأمنية"، إلا أنه كان في وسعه الاستعاضة عنها، بدعوة أنصاره للتطوّع في تلك القوى الشرعية، بدلاً من تأسيس مجموعاتٍ رديفة أو غيره. و"من الطبيعي" في لبنان، أن يؤدي تشكيل مليشيا إلى ولادة أخرى ردّ فعل. وعلى وقع ردود الأفعال المتبادلة، ستولد عشرات المليشيات. كلها تريد الدولة علناً، لكنها لا تريد الانخراط فيها فعلياً.
عدا ذلك، قد يكون اعتيادياً في لبنان أن تسمع عن تدريبات عسكرية لأحزاب قديمة ـ جديدة، في مناطق محدّدة، ولا تتحرّك القوى الأمنية لضبطها أو منعها. لأسباب عدة، منها ارتباط تلك الأحزاب بمحاور صراعٍ خارج البلاد، أو بكل بساطة لأن منعها سيؤدي إلى فتح سجالٍ طائفيٍّ ومناطقيٍّ تحت شعار مزمن "لماذا نحن لا هم؟". يهيمن مبدأ "6 و6 مكرّر" على مختلف جوانب الحياة اللبنانية، من الإدارات حتى توقيف قاتل في جريمة فردية. للسخافة مستويات خيالية.
لكن المبدأ من استيلاد المليشيات حالياً يعود إلى الوضع عينه الذي ساد المرحلة الثانية من الحرب الأهلية اللبنانية، تحديداً بعد عام 1977، حين بات تأسيس المليشيات المحلية مرادفاً للتمويل الخارجي الذي كان يهدف، في ذلك الوقت، إلى تصفية حساباتٍ سياسيةٍ إقليميةٍ معيّنة في لبنان. أي أن الأمر برمّته مجرد "بزنس" دموي، مع رفع شعارٍ عريض له، أو قضيةٍ ما، على أن يتمّ استثماره لجلب مقاتلين أو عاطلين عن العمل (بحكم وجود 30% من اليد العاملة، في خانة البطالة). إذاً، أسس مليشيا، واكسب تمويلاً خارجياً، وسيطر على موقعٍ ميداني، حينها ستكون شريكاً في مرحلة سياسية سلمية لاحقة، أو مقتولاً. المخاطرة ضرورية والرهانات محدودة.
لكن اللبنانيين، بشكل عام، لا يبالون بذلك، لأمرين. الأول، أنهم لم يتمكّنوا، إلى الآن، من الضغط على سياسييهم لرفع النفايات من الشوارع والطرقات، ومعالجتها بالشكل المناسب. والثاني أن الانشغال بالملف الرئاسي، بعد الزخم الذي ناله في الشهر الحالي، وتأثيراته وتداعياته، طغى على كل شيء، ولا يبدو أنه سيتوقف، إلا لدى انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، أو تأكيد استمرار الفراغ في القصر الجمهوري في بعبدا، شرق لبنان.
كما يُمكن اعتبار عملية "التدجين" في اللاوعي حول "طبيعية" وجود مثل تلك المليشيات، الأمر الأخطر في كل ما سبق. ذلك لأنه يمسّ مباشرةً بعدم إتمام عملية المحاسبة، بعد انتهاء الحرب في عام 1990، ولا حتى محاكمة مرتكبيها ومجرميها، فضلاً عن بقاء جزءٍ من اللبنانيين أسرى وهم "عودة الحرب لتصحيح مسارٍ ما" باعتقادهم. أما هيبة القوى الأمنية فتبدو مسحوقةً أمام أنصار تلك المليشيات أو أشباهها، بل تخشى أن يدفع عناصرها ثمن تطبيقهم القانون.
ولتشكيل المليشيات نقطة سلبية، توحي بأن وضع لبنان المستقرّ نسبياً، قياساً إلى دول المشرق العربي، أضحى في خطر، وأن التسخين العسكري والسياسي الحادث في المنطقة قد يطاول البلاد بطريقة ما. مع العلم أنه يُمكن لأيٍّ كان، إن أراد فعلاً أن يكون "جندياً"، الانتساب إلى القوى الشرعية، من دون الحاجة لتشكيلات مرادفة، لكن حاضر لبنان ومستقبله أضعف من ماضيه.