13 يونيو 2021
سد النهضة والحرث في الماء
تهللت أسارير بعض وسائل الإعلام المصرية، أخيراً، بالاتفاق الذي وقّعته مصر والسودان وإثيوبيا في الخرطوم، في 20 سبتمبر/ أيلول الماضي، لإسناد مهمة الدراسات المتعلقة بالآثار السلبية لسد النهضة، سواء ما يتعلق بالآثار المائية أو حتى الاقتصادية والاجتماعية، لمكتبين فنيين فرنسيين، من المفترض أن ينجزا عملهما خلال عام، بتكلفة تقدر بخمسة ملايين يورو. سبب السعادة أن هذه الوسائل تحاول ترويج بيع الوهم للناس البسطاء، الذين صار خداعهم سياسةً ممنهجة منذ ثلاث سنوات، فهم يرون أن من شأن هذا الاتفاق ردع إثيوبيا باعتباره ملزماً لها، كما أنه يحافظ على مصر ويحميها من أية تأثيرات سلبية للسد عليها، سواء ما يتعلق بإمكانية تناقص حصتها المائية في مرحلة ملء بحيرة السد التي يقدر حجمها بـ 74 مليار متر مكعب، أو التأثيرات المتعلقة بتراجع قدرة محطات توليد الكهرباء في السد العالي على إنتاج الكهرباء، بسبب التراجع الأكيد في الحصة المائية.
لكن كل هذه المفاوضات، التي استغرقت عامين، وما تمخض عنها من اتفاق أخير، لن يؤثر في واقع بناء السد أو تشغيله في شيء. لذا، هي أشبه بسياسة الحرث في الماء التي لا تجدي نفعاً. وليست هذه النتيجة جزافية، وإنما تستند إلى مجموعة من الأسس الواقعية ، فضلا عن مجموعة من التصريحات الرسمية الإثيوبية تحديداً، والتي لا تكذب، ولا تتجمل.
فإثيوبيا كانت حريصةً، منذ اجتماعات اللجنة الثلاثية الوطنية المعنية بمتابعة توصيات لجنة الخبراء الدولية، بخصوص السد، والتي انتهى عملها في يونيو/ حزيران 2013، على ألا تكون لهذه اللجنة الوطنية سلطات فعلية. وبالتالي، رفضت الاقتراح المصري في حينها بأن تكون هذه اللجنة دولية، بحيث يمكن الاحتكام للأجانب عند الاختلاف، كما أنها أصرّت، في أحد الاجتماعات الثلاثية في القاهرة، في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، على ألا تكون توصيات هذه اللجنة، وما ينبثق عنها ملزمة لها، وهو ما أيدته السودان في حينها، واضطر المفاوض المصري إلى القبول به. ومعنى هذا أن تقارير المكاتب الاستشارية الخاصة بالآثار المحتملة المختلفة لسد النهضة غير ملزمة ابتداء، وهو ما أكدته إثيوبيا ثانيةً، ووافقت عليه مصر أيضاً في اتفاق إعلان المبادئ الموقع بين الأطراف الثلاثة في الخرطوم، في مارس/ آذار 2015، حيث كانت إثيوبيا حريصةً أيضا على عدم إلزام نفسها بشيء، يعيق بناء السد أو عملية ملئه أو إدارته. وبالتالي، رفضت جميع الاقتراحات المصرية الخاصة بتأجيل البناء إلى حين الانتهاء من هذه الدراسات، أو الإدارة المشتركة للسد، أو غيرها من أمورٍ تؤثر سلبيا عليها. وكانت ثالثة الأثافي، كما يقولون، تصريح وزير الإعلام الإثيوبي لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية، في مايو/ أيار 2016، بشأن انتهاء بلاده من 70% من أعمال السد، خصوصاً الأعمال الإنشائية والهندسية المدنية، وتركيب التوربينات وغيرها، كما فاجأ الرجل الجميع، خصوصاً وسائل الإعلام المصرية بأن السد قائم. و"لن يتأثر بناؤه بأية تقارير، وإذا كان هناك من يرى، بعد إعداد الدراسات، أنه سيتضرّر، فهذه ليست مشكلتنا". وبذلك يصادر الوزير الإثيوبي مبدئيا تقرير المكاتب الاستشارية، وهو على ثقةٍ، في الوقت نفسه، من أنها ستكون في صالح بلاده. وبالتالي، لا يجوز لأحدٍ من دول المصب، خصوصاً مصر، الادعاء بوجود ضرر عليها، لأن هذا الادعاء لا يلزم بلاده على حد قوله.
وسبب هذه الثقة الزائدة هو قوة المفاوض الإثيوبي الذي نجح في إملاء شروطه على الطرف
المصري، حتى في اختيار المكاتب الاستشارية، حيث أصر على المكتب الفرنسي الذي حظي بـ 70% من المناقصة في مقابل 30% للمكتب الهولندي الذي أيدته مصر، مما اضطر الأخير إلى الانسحاب، ودخول مكتب فرنسي آخر مكانه. أكثر من ذلك، تشوب مبدأ عدم الضرر، الذي يمكن أن تستند إليه مصر، حال إثبات هذه الدراسات وقوع ضرر عليها، أمورٌ عديدة ربما تضعفه، منها الجدل القانوني بداية حول إلزاميته، ثم تعريف ما هو الضرر وحجمه، حيث نصّت المادة الثالثة من الاتفاقية على أن يكون الضرر ذا شأن (كبير)، وهو أمر قد يؤدي إلى وجود خلافات بشأن تقديره، لا سيما أن إثيوبيا تنفي، مراراً وتكراراً، وجود أضرار من الأساس، ناهيك عن أن الاتفاق نفسه نص على أنه، في حالة وجود ضرر، فإن على الدولة المتسببة فيه (إثيوبيا في حالتنا) اتخاذ كل الإجراءات المناسبة بالتنسيق مع الدولة المتضرّرة (مصر) لتخفيف هذا الضرر أو منعه، ومناقشة مسألة التعويض، كلما كان ذلك مناسبًا، خصوصاً في ظل عدم وجود اتفاق مسبق بين الجانبين على الفعل (بناء السد وفق قاعدة الإخطار المسبق).
ومعنى هذا أن على مصر، حال إثبات وقوع ضرر من هذا السد، الرجوع إلى الطرف الإثيوبي، لبحث كيفية احتوائه، أو التعويض المناسب كلما كان ذلك ممكناً. وربما تكون هذه الفائدة الوحيدة من وجود هذين المكتبين، لكن ذلك مرتبط أولاً بإقرار إثيوبيا بنتائجهما من ناحية، ثم مدى رضوخها لمصر في طلب التعويض الذي لن يكون مناسباً، بأي حال، لحرمان مصر من جزء من مياه نيلها، خصوصاً وأن المواطن المصري يعيش، منذ فترة، تحت خط الفقر المائي الذي يقدّر بألف متر مكعب للفرد في العام.
يبقى السؤال، إذا كانت مصر قد عجزت عن مواجهة إثيوبيا في موضوع سد النهضة، فماذا ستفعل عندما تشرع إثيوبيا في بناء 23 سدا آخر لتوليد الكهرباء، وفق خطة قديمة متجدّدة، ليست مفاجئة للجميع. هل سيكون النهج التفاوضي كالنهج الراهن، أم سنشهد تغيرات جوهرية؟.
لكن كل هذه المفاوضات، التي استغرقت عامين، وما تمخض عنها من اتفاق أخير، لن يؤثر في واقع بناء السد أو تشغيله في شيء. لذا، هي أشبه بسياسة الحرث في الماء التي لا تجدي نفعاً. وليست هذه النتيجة جزافية، وإنما تستند إلى مجموعة من الأسس الواقعية ، فضلا عن مجموعة من التصريحات الرسمية الإثيوبية تحديداً، والتي لا تكذب، ولا تتجمل.
فإثيوبيا كانت حريصةً، منذ اجتماعات اللجنة الثلاثية الوطنية المعنية بمتابعة توصيات لجنة الخبراء الدولية، بخصوص السد، والتي انتهى عملها في يونيو/ حزيران 2013، على ألا تكون لهذه اللجنة الوطنية سلطات فعلية. وبالتالي، رفضت الاقتراح المصري في حينها بأن تكون هذه اللجنة دولية، بحيث يمكن الاحتكام للأجانب عند الاختلاف، كما أنها أصرّت، في أحد الاجتماعات الثلاثية في القاهرة، في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، على ألا تكون توصيات هذه اللجنة، وما ينبثق عنها ملزمة لها، وهو ما أيدته السودان في حينها، واضطر المفاوض المصري إلى القبول به. ومعنى هذا أن تقارير المكاتب الاستشارية الخاصة بالآثار المحتملة المختلفة لسد النهضة غير ملزمة ابتداء، وهو ما أكدته إثيوبيا ثانيةً، ووافقت عليه مصر أيضاً في اتفاق إعلان المبادئ الموقع بين الأطراف الثلاثة في الخرطوم، في مارس/ آذار 2015، حيث كانت إثيوبيا حريصةً أيضا على عدم إلزام نفسها بشيء، يعيق بناء السد أو عملية ملئه أو إدارته. وبالتالي، رفضت جميع الاقتراحات المصرية الخاصة بتأجيل البناء إلى حين الانتهاء من هذه الدراسات، أو الإدارة المشتركة للسد، أو غيرها من أمورٍ تؤثر سلبيا عليها. وكانت ثالثة الأثافي، كما يقولون، تصريح وزير الإعلام الإثيوبي لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية، في مايو/ أيار 2016، بشأن انتهاء بلاده من 70% من أعمال السد، خصوصاً الأعمال الإنشائية والهندسية المدنية، وتركيب التوربينات وغيرها، كما فاجأ الرجل الجميع، خصوصاً وسائل الإعلام المصرية بأن السد قائم. و"لن يتأثر بناؤه بأية تقارير، وإذا كان هناك من يرى، بعد إعداد الدراسات، أنه سيتضرّر، فهذه ليست مشكلتنا". وبذلك يصادر الوزير الإثيوبي مبدئيا تقرير المكاتب الاستشارية، وهو على ثقةٍ، في الوقت نفسه، من أنها ستكون في صالح بلاده. وبالتالي، لا يجوز لأحدٍ من دول المصب، خصوصاً مصر، الادعاء بوجود ضرر عليها، لأن هذا الادعاء لا يلزم بلاده على حد قوله.
وسبب هذه الثقة الزائدة هو قوة المفاوض الإثيوبي الذي نجح في إملاء شروطه على الطرف
ومعنى هذا أن على مصر، حال إثبات وقوع ضرر من هذا السد، الرجوع إلى الطرف الإثيوبي، لبحث كيفية احتوائه، أو التعويض المناسب كلما كان ذلك ممكناً. وربما تكون هذه الفائدة الوحيدة من وجود هذين المكتبين، لكن ذلك مرتبط أولاً بإقرار إثيوبيا بنتائجهما من ناحية، ثم مدى رضوخها لمصر في طلب التعويض الذي لن يكون مناسباً، بأي حال، لحرمان مصر من جزء من مياه نيلها، خصوصاً وأن المواطن المصري يعيش، منذ فترة، تحت خط الفقر المائي الذي يقدّر بألف متر مكعب للفرد في العام.
يبقى السؤال، إذا كانت مصر قد عجزت عن مواجهة إثيوبيا في موضوع سد النهضة، فماذا ستفعل عندما تشرع إثيوبيا في بناء 23 سدا آخر لتوليد الكهرباء، وفق خطة قديمة متجدّدة، ليست مفاجئة للجميع. هل سيكون النهج التفاوضي كالنهج الراهن، أم سنشهد تغيرات جوهرية؟.