31 أكتوبر 2024
سورية معرض لبيع القيم العالمية المستهلكة
لن يهدأ عداد أرقام القتلى في جميع الديار السورية، طالما أن ماكينة القتل الروسية حضرت بكامل طاقتها، فأينما ضربت ستكون غلتها في الصيد وافرة، ليس لشطارة من الصياد، ولا بسبب جودة سلاحه ودقة تصويبه، لكنهم السوريون الذين ينتشرون على المخابز في حلب وبساتين الغوطة وطرق المدارس في إدلب وأرياف حمص وحماة ودرعا.
إنها حربٌ على اللحم الحي، ما دام ثوار البلاد من أهلها، من الأحياء، نواطير الأرض والبيوت، حرب لن تكلّف روسيا جهوداً استخباراتية كبيرة، ولا عناء رصد المقاتلين وتعقب تحركاتهم، حرب تقف فيها حاملة الطائرات على مسافة مئات الأميال، لتقصف المقاتلين. وفي الأصل، لا يمكن لأكثر تكنولوجيات المراقبة تطوراً فصل المدني عن المقاتل في سورية، ما دام لهذا المقاتل بيت وعائلة وأطفال يلعبون حوله. وأغلب من هم في سورية ليسوا مقاتلين احترافيين بقدر ما هم آباء يحمون أبناءهم، حماة الدور "المنازل".
إذاً، ليست مفارقةً أن نتائج الضربات ستكون على الدوام إيجابية، بالمعنى العسكري الاحترافي، سيؤشر القائد بعلامة صح على كل دفعة صواريخ، يطلقها الرماة، لأنها بالفعل ستقتل وتصيب عمراناً وبشراً، وسيؤشر القائد على كل صاروخ، وكل طائرة، لكي تتحوّل إلى ماركة للبيع في سوق السلاح، بعد أن جرى اختبارها. هل يستطيع أحد نكران أنها لم تحقّق إصابات؟ هل ينكر أحد فعاليتها! حسناً أنتم تقولون إن أعداد القتلى بالمئات، فمن قتلهم إن لم تكن أسلحتنا؟ ليس مهماً الآن أنكم تقولون إنهم مدنيون. سنسوّي هذه المسألة، وسنصّر على وصفهم إرهابيين، لدينا الوقت الكافي في هذا الخصوص، ونثق بقدراتنا الإقناعية، المهم أن تعترفوا بمزايا أسلحتنا وفعاليتها.
لا نقتل سكان حلب الشرقية وغيرهم في الجغرافية السورية يا سادة فقط. هكذا يقول لسان الروس، نحن نقيم معرض بيع أسلحة، ولدينا الوثائق التي تفيد باستئجارنا المواقع اللازمة
لإقامة المعرض، موقعة من رئيس سورية. أما آلية العمل، فتقوم على أساس التجريب المباشر، وعلى أهداف حيّة، ونقدّم للزبون فرصةً لاختبار جدوى الأسلحة وفعاليتها، فما عليه إلا أن يتابع الفيديوهات التي ستنتشر بعد كل صاروخٍ نطلقه من سفننا البحرية، وسنتكفل نحن بأخذ اللقطات الأولى لانطلاقه، زيادة في المصداقية، ولإثبات أننا لا نغشّ الزبون ولا ندَعي. لكن، من الغباء أن تصدّقوا أن أحياء حلب الشرقية، أو أي مكان آخر في سورية، يستدعي حضور حاملة طائرات وبارجة نووية ومدمرات وفرقاطات، وحتى غواصات.
على ذلك، لن تخيب أي ضربةٍ من ضربات بوتين، إما ستجد أهدافها من أطفال ينتشرون في الأزقة، أنهكهم الحصار، ويبحثون عمّا يسد رمقهم، أو عن حطبٍ يدفئون به عظامهم، أو من نساءٍ يجلبن ما يتيسر لسد جوع بطون الأولاد، وحتى مقاتلين يقفون على تخوم الأحياء، لكي لا تدخل مليشيات الموت، القادمة من أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان، إلى الأحياء خلسةَ، وتستبيح العوائل. لن تخيب ضربات بوتين، طالما أن بنك أهدافه مستشفيات الأطفال وبنوك الدم وبيوت العجزة والمعاقين.
لم يكتف بوتين بقتل ضحاياه في سورية بالصواريخ المجنحة والطائرات، بل صمّم آلة دعائية ضخمة، لضخ الكذب وتشويه الضحايا، تشابه التي استخدمتها النظم النازية والفاشستية، تقوم على تزوير الحقائق، وتغييب الحقيقة، وتصنيع حقائق ملتوية. لكن، من أين لنا بيكاسو يكشف حقيقة غيرنيكا على تلة الباسك التي اغتالت طائرات الموت الهتلرية والموسولونية أسواقها وساحاتها، دفاعاً عن ديكتاتور إسبانيا فرانكو؟ ثم أليس غريباً أن بوتين بدأ حملته الدموية أخيراً على حلب، بعد أول اتصال مع دونالد ترامب، الرئيس الأميركي المنتحب، الذي كان قد أعلن أنه سيمزّق كتاب سياسة سلفه باراك أوباما بشأن سورية، ذلك الكتاب الركيك والمرتبك أصلاً. لربما يريد ترامب الذي يصف نفسه بأنه صانع الصفقات، أن يعقد، على هامش معرض القتل الروسي، أولى صفقاته السياسية التي تجلب لأميركا ربحاً صافياً، ممثلاً بتجنيب أميركا أثمان التدخل في الحرب السورية.
المفارقة في كل هذا المشهد، أنه لا أمم متحدة ولا منظمات حقوق إنسان ولا دول، سألت روسيا وإيران: بأي حقٍّ تقتلان السوريين، وتوجهان لهم الإنذارات، وتطالبانهم بترك ديارهم؟ هل دكّت صواريخ ثوار حلب أحياء موسكو وطهران، حتى يحق لهؤلاء فرض الحصار وإعلان الحرب وتجنيد المرتزقة؟ أليست كل هذه الإجراءات مخالفات صريحة للقانون الدولي الذي يفترض أن يكون الأداة الناظمة للعلاقات بين الدول والشعوب في العصر الحديث! لا يوجد في كل قواعد القانون الدولي، ونصوصه، ما يجيز التحالف بين دولة وأخرى ضد شعب الدولة. التحالفات عادة ما تكون ضد أعداء خارجيين، يقفون على الحدود، وهذا ما هو ليس متوّفراً في الحالة السورية.
يخطئ من يعتقد أنه بقتل السوريين لن يخسر العالم شيئاً. لذا، لا بأس أن تجري العملية بهدوء، وخارج حسابات الربح والخسارة الدولية. ستكون الضحية الأولى السلم العالمي الذي لن يتحقّق في ظل هذه المعادلة القبيحة، وإذا كان العالم قد وارى عورته بعد مذابح راوندا، بذريعة أنه لم يكن يعلم، فإن المذبحة في سورية على الهواء مباشرة، وعلى هامش أكبر معرض لبيع قيم الإنسانية العتيقة والمستهلكة من الشجاعة والأخلاق والحق، فمن يشتري؟
إنها حربٌ على اللحم الحي، ما دام ثوار البلاد من أهلها، من الأحياء، نواطير الأرض والبيوت، حرب لن تكلّف روسيا جهوداً استخباراتية كبيرة، ولا عناء رصد المقاتلين وتعقب تحركاتهم، حرب تقف فيها حاملة الطائرات على مسافة مئات الأميال، لتقصف المقاتلين. وفي الأصل، لا يمكن لأكثر تكنولوجيات المراقبة تطوراً فصل المدني عن المقاتل في سورية، ما دام لهذا المقاتل بيت وعائلة وأطفال يلعبون حوله. وأغلب من هم في سورية ليسوا مقاتلين احترافيين بقدر ما هم آباء يحمون أبناءهم، حماة الدور "المنازل".
إذاً، ليست مفارقةً أن نتائج الضربات ستكون على الدوام إيجابية، بالمعنى العسكري الاحترافي، سيؤشر القائد بعلامة صح على كل دفعة صواريخ، يطلقها الرماة، لأنها بالفعل ستقتل وتصيب عمراناً وبشراً، وسيؤشر القائد على كل صاروخ، وكل طائرة، لكي تتحوّل إلى ماركة للبيع في سوق السلاح، بعد أن جرى اختبارها. هل يستطيع أحد نكران أنها لم تحقّق إصابات؟ هل ينكر أحد فعاليتها! حسناً أنتم تقولون إن أعداد القتلى بالمئات، فمن قتلهم إن لم تكن أسلحتنا؟ ليس مهماً الآن أنكم تقولون إنهم مدنيون. سنسوّي هذه المسألة، وسنصّر على وصفهم إرهابيين، لدينا الوقت الكافي في هذا الخصوص، ونثق بقدراتنا الإقناعية، المهم أن تعترفوا بمزايا أسلحتنا وفعاليتها.
لا نقتل سكان حلب الشرقية وغيرهم في الجغرافية السورية يا سادة فقط. هكذا يقول لسان الروس، نحن نقيم معرض بيع أسلحة، ولدينا الوثائق التي تفيد باستئجارنا المواقع اللازمة
على ذلك، لن تخيب أي ضربةٍ من ضربات بوتين، إما ستجد أهدافها من أطفال ينتشرون في الأزقة، أنهكهم الحصار، ويبحثون عمّا يسد رمقهم، أو عن حطبٍ يدفئون به عظامهم، أو من نساءٍ يجلبن ما يتيسر لسد جوع بطون الأولاد، وحتى مقاتلين يقفون على تخوم الأحياء، لكي لا تدخل مليشيات الموت، القادمة من أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان، إلى الأحياء خلسةَ، وتستبيح العوائل. لن تخيب ضربات بوتين، طالما أن بنك أهدافه مستشفيات الأطفال وبنوك الدم وبيوت العجزة والمعاقين.
لم يكتف بوتين بقتل ضحاياه في سورية بالصواريخ المجنحة والطائرات، بل صمّم آلة دعائية ضخمة، لضخ الكذب وتشويه الضحايا، تشابه التي استخدمتها النظم النازية والفاشستية، تقوم على تزوير الحقائق، وتغييب الحقيقة، وتصنيع حقائق ملتوية. لكن، من أين لنا بيكاسو يكشف حقيقة غيرنيكا على تلة الباسك التي اغتالت طائرات الموت الهتلرية والموسولونية أسواقها وساحاتها، دفاعاً عن ديكتاتور إسبانيا فرانكو؟ ثم أليس غريباً أن بوتين بدأ حملته الدموية أخيراً على حلب، بعد أول اتصال مع دونالد ترامب، الرئيس الأميركي المنتحب، الذي كان قد أعلن أنه سيمزّق كتاب سياسة سلفه باراك أوباما بشأن سورية، ذلك الكتاب الركيك والمرتبك أصلاً. لربما يريد ترامب الذي يصف نفسه بأنه صانع الصفقات، أن يعقد، على هامش معرض القتل الروسي، أولى صفقاته السياسية التي تجلب لأميركا ربحاً صافياً، ممثلاً بتجنيب أميركا أثمان التدخل في الحرب السورية.
المفارقة في كل هذا المشهد، أنه لا أمم متحدة ولا منظمات حقوق إنسان ولا دول، سألت روسيا وإيران: بأي حقٍّ تقتلان السوريين، وتوجهان لهم الإنذارات، وتطالبانهم بترك ديارهم؟ هل دكّت صواريخ ثوار حلب أحياء موسكو وطهران، حتى يحق لهؤلاء فرض الحصار وإعلان الحرب وتجنيد المرتزقة؟ أليست كل هذه الإجراءات مخالفات صريحة للقانون الدولي الذي يفترض أن يكون الأداة الناظمة للعلاقات بين الدول والشعوب في العصر الحديث! لا يوجد في كل قواعد القانون الدولي، ونصوصه، ما يجيز التحالف بين دولة وأخرى ضد شعب الدولة. التحالفات عادة ما تكون ضد أعداء خارجيين، يقفون على الحدود، وهذا ما هو ليس متوّفراً في الحالة السورية.
يخطئ من يعتقد أنه بقتل السوريين لن يخسر العالم شيئاً. لذا، لا بأس أن تجري العملية بهدوء، وخارج حسابات الربح والخسارة الدولية. ستكون الضحية الأولى السلم العالمي الذي لن يتحقّق في ظل هذه المعادلة القبيحة، وإذا كان العالم قد وارى عورته بعد مذابح راوندا، بذريعة أنه لم يكن يعلم، فإن المذبحة في سورية على الهواء مباشرة، وعلى هامش أكبر معرض لبيع قيم الإنسانية العتيقة والمستهلكة من الشجاعة والأخلاق والحق، فمن يشتري؟