07 يوليو 2020
عام على اتفاق الصخيرات الليبي
شكل الاتفاق السياسي الليبي في مدينة الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2015 مدخلاً لحل الصراع السياسي والعسكري في ليبيا، وانبثقت عنه حكومة الوفاق الوطني، برئاسة فايز السراج، حيث واجهت حكومته سلسلة أزمات متراكبة (سياسية، أمنية، اقتصادية وقبلية) قد تعصف بالاتفاق السياسي الليبي، بعد مرور عام من التوقيع عليه. لقد عملت حكومة الوفاق الوطني على تذليل تلك العقوبات، منذ وصولها إلى طرابلس، عبر قيامها بتسوياتٍ مع القوى الأساسية الفاعلة في المشهد الداخلي الليبي، وتزامن التوجه الداخلي للحكومة، مع تأييد ودعم إقليمي ودولي، تمثل في قرار مجلس الأمن رقم 2259 الصادر في 23 ديسمبر 2015 الذي أقرّ بشرعية المجلس الرئاسي الليبي، وضرورة تقديم الدعم اللازم له من جهة، والبيان الوزاري المشترك الصادر عن مؤتمر فيينا في 16 مايو/ أيار 2016 الذي طالب برفع حظر الأسلحة ودعم الحكومة في بناء قوة عسكرية قادرة على ضبط الأمن والاستقرار في ليبيا من جهة أخرى، بالإضافة إلى حزمة دعم متكاملة اقتصادية وأمنية، أبدت عدة دول أوروبية تقديمها، وفي مقدمتها (إيطاليا، فرنسا، بريطانيا). ما يطرح تساؤلاً حول قدرة حكومة الوفاق، برئاسة فايز السراج، على إدارة الأزمة والاستمرار في تحقيق تقدم في ظل صراع داخلي، تتشابك فيه عناصر جهوية وقبيلة وأيديولوجية قد تهدّد اتفاق الصخيرات برمته.
أزمة الشرعية
تحتاج حكومة الوفاق الوطني، وفق اتفاق الصخيرات، أداء اليمين الدستورية أمام البرلمان، من أجل منح الثقة للحكومة، حتى يتسّنى لها الشروع بتنفيذ برنامجها، وتفعيل عمل الوزارات
وتمكينها من استلام مهامها، ولم يتحقّق منح الثقة لحكومة السراج، تحت قبة البرلمان، ما جرى هو صياغة بيان وقع عليه 103 نائب، بغية الموافقة على تشكيل الحكومة، من دون أداء اليمين الدستوري في البرلمان، ما يعكس انقساماً في المؤسسة التشريعية بين تيارين، أحدهما مؤيد منح الثقة للحكومة وآخر معارض يتزعمه رئيس البرلمان، عقيلة صالح، شرق البلاد، وعدد من ثوار الزنتان والرجبان وقبائل الصيعان، الجميل، الرقدالين، و"جيش القبائل" المسيطر على قاعدة الوطية غربي البلاد الموالية لبرلمان طبرق، وللعقيد خليفة حفتر، ويتمسّك هذا التيار بالمادة الثالثة عشرة من اتفاق الصخيرات التي تنص على أن البرلمان المنتخب في يونيو/حزيران 2014 هو الذي يتولى سلطة التشريع للمرحلة الانتقالية، والمخوّل بمنح الثقة للحكومة وسحبها، كما تُعتبر المادة الثامنة من الاتفاق نقطةً خلافيةً، بحكم أنها تمنح مجلس رئاسة الوزراء اختصاصات واسعة، بمجرد حصوله على ثقة البرلمان (كالقيام بأعمال القائد العام للجيش الليبي، وتعيين وإقالة رئيس جهاز المخابرات العامة، وتعيين وإعفاء السفراء وممثلي ليبيا في المنظمات الدولية، بالإضافة إلى تعيين كبار الموظفين وإعفائهم من مهامهم)، ما يعني تقليصاً لصلاحيات (ونفوذ) البرلمان والأطراف السياسية الأخرى التي ترى في حكومة السراج حصان طروادة للتدخل العسكري الخارجي، ويستند أنصار هذا الادعاء على التوافق الأميركي - الأوروبي الذي صاحبه ضغطٌ، ترتفع وتيرته إلى حد التلويح باللجوء إلى القوة، لتأكيد سيطرة حكومة السراج، وفرض عقوبات على القادة السياسيين المعطلين لاتفاق الصخيرات (طاولت العقوبات خليفة الغويل وعقيلة صالح)، بالتوازي مع تحركاتٍ دولية وإقليمية لدعم حكومة الوفاق في إعادة الأمن والاستقرار في ليبيا. وعليه، فإن حكومة السراج أمام تحدٍّ كبير حول الكيفية والقدرة التي تمكّنها من الاستجابة لاحتجاجات البرلمان، الأمر الذي قد يهدّد اتفاق الصخيرات برمته، ويعيد الأمور إلى الصدام بين شرق ليبيا وغربها، على الرغم من حصول السرّاج على شرعيةٍ دولية، تضمن عمل حكومته، خصوصاً بعد مؤتمر فيينا، حيث أصدر القرار رقم 12 القاضي بتفويض 18 وزيراً بأداء مهامهم، إلى حين أداء اليمين الدستورية أمام البرلمان.
الجيش الليبي.. جدلية العلاقة مع حفتر
تعد المؤسسة العسكرية قوة سيادية ضامنة لأمن الدولة واستقرارها. لكن، في الحالة الليبية الجيش منقسمٌ على ذاته، ما يجعل حكومة الوفاق مضطرةً لإيجاد ترتيبات خاصة بوزارة الدفاع، فوفقاً لما جاء في المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات، فإن المجلس الرئاسي يقوم بأعمال القائد العام للجيش الليبي، وبناءً على ذلك صدر عنه القرار رقم 2 بتاريخ 09 /05 /2016 القاضي بإنشاء الحرس الجمهوري، ومقرّه في طرابلس (مهامه: تأمين المقرّات الرئاسية السيادية والمؤسسات العامة في الدولة، وتأمين الأهداف الحيوية، بما في ذلك منافذ الدخول البرية والبحرية والجوية)، في خطوةٍ لإعادة ترتيب أوضاع الجيش وهيكلته، بحكم أنه يعاني من عدم الكفاءة والجهوزية، فضلاً عن ولاء الجيش الذي تقاتل عناصر منه تحت قيادة العقيد خليفة حفتر في الشرق وعناصر أخرى تابعة لحكومة الوفاق، الأمر الذي يدفع الحكومة إلى البحث عن تفاهمات سياسية وحوار بالتنسيق مع قوى إقليمية (مصر، الإمارات، السعودية) لها تأثير على خليفة حفتر للخروج بصيغةٍ، تضمن توحيد الجيش، جعل ولائه للدولة الليبية، ورفع جهوزيته القتالية، لكي يصبح قادراً على ضبط الأمن والاستقرار. ولعل قرار رفع حظر
الأسلحة عن حكومة الوفاق يصب في اتجاه إعادة هيكلة القوة العسكرية الحكومية بالتزامن مع القرار رقم 2 سالف الذكر، حيث يكون الحرس الجمهوري نواةً للجيش الوطني المدعوم دولياً وإقليمياً. لكن ما جرى أن حفتر سيطر في سبتمبر/ أيلول الماضي على منطقة الهلال النفطي التي تعتبر المنطقة الأهم من الناحية الاستراتيجية، ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والعسكري الداخلي، ويزيد الانقسام في ظل ازدواجية غربية في التعاطي مع الملف الليبي، حيث تدعم قوى غربية حفتر عسكرياً ولوجستياً، وفي الوقت نفسه، تتحدّث تلك القوى عن دعمها حكومة الوفاق الوطني الليبية.
داعش والمليشيات المسلحة.. غياب الاستراتيجية
يعود ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في ليبيا إلى 3 فبراير/ شباط 2014 عندما بايع مجلس شورى الشباب الإسلامي وفرع أنصار الشريعة في درنة أمير التنظيم أبو بكر البغدادي، تحت مسمى ولاية برقة، واستثمر تنظيم الدولة عوامل عديدة، ساعدت تمدّده (فوضى السلاح، الاقتتال الداخلي، وعدم قدرة الأحزاب السياسية والقوى العسكرية على التوصل إلى مصالحة وطنية)، وفرض سيطرته على مدن عديدة (درنة، سرت، صبراطة، صرمان) وقام بعمليات عسكرية في منطقة الهلال النفطي (شرق ليبيا)، بهدف الاستحواذ على منابع النفط، خصوصاً ميناءي السدرة وراس لانوف وحقل المبروك جنوب سرت، كمصادر مهمة لتمويله.
وأثارت القوة الصاعدة لتنظيم الدولة وتمدّده مخاوف القوى الدولية، وعلى وجه التحديد، الأوروبية، لارتباط الأمن القومي الليبي بأمن دول الاتحاد الأوروبي (فرنسا، إيطاليا) وكذا دول الجوار (تونس، الجزائر، مصر) وارتباط ملف الهجرة غير الشرعية بملف الإرهاب، خصوصاً أن شبكات تهريب البشر نشطة في ليببا، وبالتالي، محاربة تنظيم الدولة أولوية أساسية لحكومة الوفاق التي تعمل على صياغة استراتيجية واضحة، تقوم على تشكيل غرفة عمليات مشتركة لمحاربة التنظيم في المنطقة الواقعة بين مصراته وسرت، ودعم ذلك رفع حظر الأسلحة والدعم الدولي لها. ولكن، تبقى عقبات عديدة تواجه استراتيجية السراج في محاربة تنظيم الدولة، هي انقسام الجيش في الشرق تحت قيادة حفتر الذي يقود عملية الكرامة تحت مسمى "محاربة الإرهاب"، وفي الغرب، ما يعزّز من احتمال الاصطدام العسكري في سرت على قاعدة محاربة تنظيم الدولة، في ظل فوضى سلاح المليشيات، حيث يوجد ربع مليون عنصر في كتائب مسلحة لا تخضع لسلطة الدولة. ما يجعل من نجاعة استراتيجية محاربة تنظيم الدولة مرهون بتسويات سياسية مع الأطراف الفاعلة في الساحة الليبية، والعمل على دمج المليشيات في قوة أمنية مدّربة، ولديها الخبرة الكافية والكفاءة، تعمل وفق القانون، ليُصار توحيدها في إطار الجيش، بالتزامن مع تنسيق استخباراتي ولوجستي مع الدول الإقليمية. والجدير بالذكر أن القوات الأساسية في عملية البنيان المرصوص هي كتائب ثوار مدينة مصراتة، وهي معارضة لنهج حفتر وسلوكه. ما يزيد من احتمالية المواجهة العسكرية بين كتائب مصراتة، والقوات التابعة لحفتر شرق البلاد، ولا سيما أن حفتر يتهيأ للانقضاض على العاصمة طرابلس، وقد قال رئيس أركانه، عبد الرازق الناظوري، إن عملية دخول قوات حفتر طرابلس ستكون أسهل من "استرداد" منطقة الهلال النفطي.
الواقع الاقتصادي والمصالحة الوطنية
قاد الصراع الدائر إلى استنزاف أصول الاقتصاد الليبي ومقدراته، وتراجعت إيرادات النفط على خلفية تدني الإنتاج، حيث انخفض إلى 350 ألف برميل يومياً، بعد أن كان 1.6 مليون قبل اندلاع الثورة، بالتزامن مع انخفاض أسعار النفط العالمية، ما ساهم في زيادة تأزم الاقتصاد، كما وصل احتياطي القطع الأجنبي إلى 87 مليار دولار أميركي، وحقق نمو الناتج القومي معدلاً سالباً في نهاية 2014، فقد بلغ العجز في الموازنة أكثر من 50%، وانعكس ذلك على الحياة المعيشية للمواطن الليبي، الواقع بين مطرقة الحرب الأهلية وسندان الواقع الاقتصادي المنهار للدولة، وشهدت مناطق الاقتتال حالات نزوح وهروب جماعي، فقد وصل
عدد النازحين داخل ليبيا منتصف عام 2015 إلى نحو 83.6 ألف أسرة، تضم نحو 434 ألف نازح. لذا، كان الجانب الاقتصاد من أهم مرتكزات برنامج حكومة الوفاق الوطني، بعد الأمن والمصالحة الوطنية.
وعلى الرغم من حصولها على تأييد المؤسسات الليبية المهمة (مالية، نفطية، مجالس بلدية، وزارات) فإن عجلة الاقتصاد تحتاج للأمن القائم على المصالحة الوطنية بين مكوّنات المجتمع الليبي، وهي مهمة تحتاج تضافر جهود الحكومة مع قوى المجتمع المدني، وتثبيت وقف إطلاق النار، والوصول إلى مصالحة وطنية (الثوار، أنصار النظام القديم)، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة بشكل عام، والمؤسسات القضائية بشكل خاص، لتستند على القانون في التعامل مع الاتهامات الجنائية والسياسية والفساد الإداري والاقتصادي. فضلاً عن ضرورة حسن إدارة الموارد النفطية وكل موارد البلاد وارتباط ذلك بعدالة توزيع الدخل القومي.
التجاذبات الإقليمية
لا يمكن حصر الصراع الدائر في ليبيا بين شرق وغرب، أو أنصار نظام قديم وثوار، أو حتى إسلاميين وعلمانيين، إنه جزء من مواجهةٍ أوسع في المنطقة بين قوى إقليمية ودولية، لها شبكة مصالح معقدة. وهذا يضع حكومة الوفاق الوطني أمام مهمةٍ صعبة في التوفيق بين مصالح القوى الإقليمية وهواجسها الأمنية والاقتصادية، موقعها الجيوسياسي وارتباط أمنها بأمن كل من مصر التي تدعم العقيد خليفة حفتر في المنطقة الشرقية، وكذا الجزائر تمتلك حدود طويلة، هي الأخرى مع ليبيا، وتخشى من تدفق مجموعات متطرفة إلى أراضيها. ولدى الجزائر تصوّر نتيجة خبرتها في الحرب الأهلية أن القوة لا تحسم الصراع، ولا يمكن لفريقٍ أن يتغلب على الآخر أو يلغيه. لذا، تسعى إلى كسب ثقة جميع الأطراف، تونس تحافظ على حيادها، وهي الأكثر تأثراً بالأزمة الليبية، وتمارس دوراً توفيقياً. والجديد دعم موسكو للعقيد حفتر الذي أجرى زيارتين خلال العام لروسيا، حيث تعتمد موسكو في استعادة نفوذها في ليبيا على ركيزتين أساسيتين، هما القاهرة والجزائر، الداعمتان للعقيد حفتر. في ظل اقتصار التدخل الأميركي على ضربات عسكرية جوية في سرت ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وغياب استراتيجية أمنية ودفاعية أوروبية في ليبيا.
بناءً عليه، فإن حكومة الوفاق الوطني أمام جملة من الأزمات، يتداخل فيها المحلي بالإقليمي والدولي، وفرص نجاحها مرهونةٌ بقدرتها على فتح حوار وطني شامل، والتسريع بمصالحة بين الأطراف الليبية والعمل على إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وجمع السلاح وتوحيد المليشيات في إطار جيش موحد، وتحسين الواقع المعيشي للمواطن الليبي الذي فقد الثقة بالمؤسسة التشريعية والتنفيذية، من خلال محاربة الفساد الإداري والسياسي وإعادة هيكلة اقتصادها، وخصوصاً قطاع الطاقة والاستفادة من أموال الصندوق السيادي الليبي المجمّدة، والتي تصل إلى 65 مليار دولار، واستثمار ذلك في عمليات إعمار ما دمرته الحرب.
أزمة الشرعية
تحتاج حكومة الوفاق الوطني، وفق اتفاق الصخيرات، أداء اليمين الدستورية أمام البرلمان، من أجل منح الثقة للحكومة، حتى يتسّنى لها الشروع بتنفيذ برنامجها، وتفعيل عمل الوزارات
الجيش الليبي.. جدلية العلاقة مع حفتر
تعد المؤسسة العسكرية قوة سيادية ضامنة لأمن الدولة واستقرارها. لكن، في الحالة الليبية الجيش منقسمٌ على ذاته، ما يجعل حكومة الوفاق مضطرةً لإيجاد ترتيبات خاصة بوزارة الدفاع، فوفقاً لما جاء في المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات، فإن المجلس الرئاسي يقوم بأعمال القائد العام للجيش الليبي، وبناءً على ذلك صدر عنه القرار رقم 2 بتاريخ 09 /05 /2016 القاضي بإنشاء الحرس الجمهوري، ومقرّه في طرابلس (مهامه: تأمين المقرّات الرئاسية السيادية والمؤسسات العامة في الدولة، وتأمين الأهداف الحيوية، بما في ذلك منافذ الدخول البرية والبحرية والجوية)، في خطوةٍ لإعادة ترتيب أوضاع الجيش وهيكلته، بحكم أنه يعاني من عدم الكفاءة والجهوزية، فضلاً عن ولاء الجيش الذي تقاتل عناصر منه تحت قيادة العقيد خليفة حفتر في الشرق وعناصر أخرى تابعة لحكومة الوفاق، الأمر الذي يدفع الحكومة إلى البحث عن تفاهمات سياسية وحوار بالتنسيق مع قوى إقليمية (مصر، الإمارات، السعودية) لها تأثير على خليفة حفتر للخروج بصيغةٍ، تضمن توحيد الجيش، جعل ولائه للدولة الليبية، ورفع جهوزيته القتالية، لكي يصبح قادراً على ضبط الأمن والاستقرار. ولعل قرار رفع حظر
داعش والمليشيات المسلحة.. غياب الاستراتيجية
يعود ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في ليبيا إلى 3 فبراير/ شباط 2014 عندما بايع مجلس شورى الشباب الإسلامي وفرع أنصار الشريعة في درنة أمير التنظيم أبو بكر البغدادي، تحت مسمى ولاية برقة، واستثمر تنظيم الدولة عوامل عديدة، ساعدت تمدّده (فوضى السلاح، الاقتتال الداخلي، وعدم قدرة الأحزاب السياسية والقوى العسكرية على التوصل إلى مصالحة وطنية)، وفرض سيطرته على مدن عديدة (درنة، سرت، صبراطة، صرمان) وقام بعمليات عسكرية في منطقة الهلال النفطي (شرق ليبيا)، بهدف الاستحواذ على منابع النفط، خصوصاً ميناءي السدرة وراس لانوف وحقل المبروك جنوب سرت، كمصادر مهمة لتمويله.
وأثارت القوة الصاعدة لتنظيم الدولة وتمدّده مخاوف القوى الدولية، وعلى وجه التحديد، الأوروبية، لارتباط الأمن القومي الليبي بأمن دول الاتحاد الأوروبي (فرنسا، إيطاليا) وكذا دول الجوار (تونس، الجزائر، مصر) وارتباط ملف الهجرة غير الشرعية بملف الإرهاب، خصوصاً أن شبكات تهريب البشر نشطة في ليببا، وبالتالي، محاربة تنظيم الدولة أولوية أساسية لحكومة الوفاق التي تعمل على صياغة استراتيجية واضحة، تقوم على تشكيل غرفة عمليات مشتركة لمحاربة التنظيم في المنطقة الواقعة بين مصراته وسرت، ودعم ذلك رفع حظر الأسلحة والدعم الدولي لها. ولكن، تبقى عقبات عديدة تواجه استراتيجية السراج في محاربة تنظيم الدولة، هي انقسام الجيش في الشرق تحت قيادة حفتر الذي يقود عملية الكرامة تحت مسمى "محاربة الإرهاب"، وفي الغرب، ما يعزّز من احتمال الاصطدام العسكري في سرت على قاعدة محاربة تنظيم الدولة، في ظل فوضى سلاح المليشيات، حيث يوجد ربع مليون عنصر في كتائب مسلحة لا تخضع لسلطة الدولة. ما يجعل من نجاعة استراتيجية محاربة تنظيم الدولة مرهون بتسويات سياسية مع الأطراف الفاعلة في الساحة الليبية، والعمل على دمج المليشيات في قوة أمنية مدّربة، ولديها الخبرة الكافية والكفاءة، تعمل وفق القانون، ليُصار توحيدها في إطار الجيش، بالتزامن مع تنسيق استخباراتي ولوجستي مع الدول الإقليمية. والجدير بالذكر أن القوات الأساسية في عملية البنيان المرصوص هي كتائب ثوار مدينة مصراتة، وهي معارضة لنهج حفتر وسلوكه. ما يزيد من احتمالية المواجهة العسكرية بين كتائب مصراتة، والقوات التابعة لحفتر شرق البلاد، ولا سيما أن حفتر يتهيأ للانقضاض على العاصمة طرابلس، وقد قال رئيس أركانه، عبد الرازق الناظوري، إن عملية دخول قوات حفتر طرابلس ستكون أسهل من "استرداد" منطقة الهلال النفطي.
الواقع الاقتصادي والمصالحة الوطنية
قاد الصراع الدائر إلى استنزاف أصول الاقتصاد الليبي ومقدراته، وتراجعت إيرادات النفط على خلفية تدني الإنتاج، حيث انخفض إلى 350 ألف برميل يومياً، بعد أن كان 1.6 مليون قبل اندلاع الثورة، بالتزامن مع انخفاض أسعار النفط العالمية، ما ساهم في زيادة تأزم الاقتصاد، كما وصل احتياطي القطع الأجنبي إلى 87 مليار دولار أميركي، وحقق نمو الناتج القومي معدلاً سالباً في نهاية 2014، فقد بلغ العجز في الموازنة أكثر من 50%، وانعكس ذلك على الحياة المعيشية للمواطن الليبي، الواقع بين مطرقة الحرب الأهلية وسندان الواقع الاقتصادي المنهار للدولة، وشهدت مناطق الاقتتال حالات نزوح وهروب جماعي، فقد وصل
وعلى الرغم من حصولها على تأييد المؤسسات الليبية المهمة (مالية، نفطية، مجالس بلدية، وزارات) فإن عجلة الاقتصاد تحتاج للأمن القائم على المصالحة الوطنية بين مكوّنات المجتمع الليبي، وهي مهمة تحتاج تضافر جهود الحكومة مع قوى المجتمع المدني، وتثبيت وقف إطلاق النار، والوصول إلى مصالحة وطنية (الثوار، أنصار النظام القديم)، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة بشكل عام، والمؤسسات القضائية بشكل خاص، لتستند على القانون في التعامل مع الاتهامات الجنائية والسياسية والفساد الإداري والاقتصادي. فضلاً عن ضرورة حسن إدارة الموارد النفطية وكل موارد البلاد وارتباط ذلك بعدالة توزيع الدخل القومي.
التجاذبات الإقليمية
لا يمكن حصر الصراع الدائر في ليبيا بين شرق وغرب، أو أنصار نظام قديم وثوار، أو حتى إسلاميين وعلمانيين، إنه جزء من مواجهةٍ أوسع في المنطقة بين قوى إقليمية ودولية، لها شبكة مصالح معقدة. وهذا يضع حكومة الوفاق الوطني أمام مهمةٍ صعبة في التوفيق بين مصالح القوى الإقليمية وهواجسها الأمنية والاقتصادية، موقعها الجيوسياسي وارتباط أمنها بأمن كل من مصر التي تدعم العقيد خليفة حفتر في المنطقة الشرقية، وكذا الجزائر تمتلك حدود طويلة، هي الأخرى مع ليبيا، وتخشى من تدفق مجموعات متطرفة إلى أراضيها. ولدى الجزائر تصوّر نتيجة خبرتها في الحرب الأهلية أن القوة لا تحسم الصراع، ولا يمكن لفريقٍ أن يتغلب على الآخر أو يلغيه. لذا، تسعى إلى كسب ثقة جميع الأطراف، تونس تحافظ على حيادها، وهي الأكثر تأثراً بالأزمة الليبية، وتمارس دوراً توفيقياً. والجديد دعم موسكو للعقيد حفتر الذي أجرى زيارتين خلال العام لروسيا، حيث تعتمد موسكو في استعادة نفوذها في ليبيا على ركيزتين أساسيتين، هما القاهرة والجزائر، الداعمتان للعقيد حفتر. في ظل اقتصار التدخل الأميركي على ضربات عسكرية جوية في سرت ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وغياب استراتيجية أمنية ودفاعية أوروبية في ليبيا.
بناءً عليه، فإن حكومة الوفاق الوطني أمام جملة من الأزمات، يتداخل فيها المحلي بالإقليمي والدولي، وفرص نجاحها مرهونةٌ بقدرتها على فتح حوار وطني شامل، والتسريع بمصالحة بين الأطراف الليبية والعمل على إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وجمع السلاح وتوحيد المليشيات في إطار جيش موحد، وتحسين الواقع المعيشي للمواطن الليبي الذي فقد الثقة بالمؤسسة التشريعية والتنفيذية، من خلال محاربة الفساد الإداري والسياسي وإعادة هيكلة اقتصادها، وخصوصاً قطاع الطاقة والاستفادة من أموال الصندوق السيادي الليبي المجمّدة، والتي تصل إلى 65 مليار دولار، واستثمار ذلك في عمليات إعمار ما دمرته الحرب.