31 أكتوبر 2017
الفلسطينيون ومتطلبات تحوّل بيئة الصراع
ثلاثة تطورات ذات دلائل عميقة حدثت الأسبوع الماضي: إعلان فرنسا تأجيل المؤتمر الدولي الذي كانت قد دعت إليه في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الجاري، لبحث فرص حل الصراع الفلسطيني الصهيوني، قرار تل أبيب تبييض النقاط الاستيطانية التي أقامها المستوطنون في الضفة الغربية بدون إذن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، عبر نقلها إلى أراض فلسطينية خاصة تتم مصادرتها، تأكيد مستشاري الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، أن نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة تتقدّم أولوياته.
تعكس هذه التطورات طابع التحولات المتلاحقة على بيئة الصراع، منذ تم انتخاب ترامب، والتي باتت تضمن لحكومة اليمين المتطرف في تل أبيب الانطلاق بحرية نحو تهويد الضفة الغربية، في ظل أقل قدر من الممانعة الدولية، فسلوك ترامب، حتى قبل أن يبدأ مزاولة مهامه رسمياً يشي بطابع التغيير الجذري المرتقب على السياسة الخارجية الأميركية تجاه الصراع، والمنطقة بشكل عام، وينذر بأن الساكن الجديد في البيت الأبيض عازم على تجاوز بنيامين نتنياهو من اليمين، فالخلفيات الأيدولوجية للأشخاص الذين يعينهم ترامب في المواقع ذات العلاقة بالصراع تدلل على اتجاهات التحول في الموقف الأميركي. فماذا يعني أن يختار ترامب تحديداً سفيراً في إسرائيل اليهودي المتطرّف، ديفيد فريدمان، المعروف بحماسه الشديد للمشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، ومجاهرته بحماسه للرؤى الخلاصية التي يروجها اليهود الحريديم، ودعوته الصريحة إلى ضم الضفة الغربية لإسرائيل، واتهامه منظمات يهودية أميركية باقتفاء أثر النازية، لمجرد أنها تنتقد سلوك إسرائيل. وكيف سيكون السلوك الأميركي تجاه القضية الفلسطينية، عندما يؤكد ترامب أنه ينوي تعيين صهره وزوج ابنته اليهودي، جارد كوشنير، مبعوثاً فوق العادة، لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مع العلم أن الأخير يرأس صندوقاً دشنته عائلته، لتقديم الدعم للمستوطنات في الضفة ومؤسساتها، وضمنها مدرسة دينية، أفتى مديرها بجواز قتل الرضع العرب (هآرتس، 5-12).
من هنا، فإن قرار "تبييض" النقاط الاستيطانية التي تعتبر، حتى وفق "القانون" الإسرائيلي،
غير شرعية، يمثل تجسيداً للرهانات الإسرائيلية على عهد ترامب. تنطلق نخب اليمين الحاكمة في تل أبيب من افتراضٍ مفاده بأن تولي ترامب مهامه يعني توفير الظرف المناسب لتصفية كل المعيقات الدبلوماسية والسياسية التي كانت تعيق استكمال تهويد الضفة، وضمها لإسرائيل. وهذا بالضبط ما يدفع كبار وزراء نتنياهو إلى تقديم مشاريع لربط المدن الصهيونية داخل "الخط الأخضر" بالتجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة، مثل ربط تجمع "غوش عتصيون" الاستيطاني الذي يبتلع منطقة بيت لحم بمدينة بيت شيمش وربط "معاليه أدوميم"، كبرى مستوطنات الضفة، ببلدية الاحتلال في القدس المحتلة، وغيرها.
في الوقت نفسه، يدل قرار فرنسا تأجيل عقد المؤتمر الدولي الذي راهنت السلطة الفلسطينية على أن يمنحها المسوّغ لتبرير مواصلة الرهان على الحراك السياسي لحل الصراع على أن اللاعبين الدوليين يضبطون تحركّاتهم وفق الوتيرة التي يمليها ترامب. ولا حاجة للقول إن التحولات على البيئة الدولية للصراع ستصبح أكثر تعقيداً، وستضاعف التحديات على الفلسطينيين. ففرنسا الوحيدة التي كانت تحاول إبداء موقف مختلفٍ عن الموقف الأميركي على موعد مع تغيير في تركيبة الحكم، قد لا يكون أقل دراماتيكية من فوز ترامب، سواء فاز مرشح اليمين، فرانسوا فيون، المعروف بحماسه الشديد للعلاقة مع إسرائيل، أو مرشحة اليمين المتطرّف، ماري لوبين.
ولا حاجة للحديث عن البيئة الإقليمية التي لم تكن في أي يوم عاطفة على إسرائيل، كما هي عليه الآن. وتكفي فقط الإشارة إلى أن نتنياهو جاهر، قبل أسبوعين، بالقول إن مشروع قناة البحرين الذي تم التوقيع على اتفاقٍ بشأنه مع الأردن يضمن إيصال المياه العذبة التي ستنتجها محطة تحلية المياه في العقبة التي ستدشن ضمن المرحلة الأولى من المشروع إلى التجمع الاستيطاني في منطقة غور الأردن الذي يشكل 28% من الضفة الغربية، بما يضمن "ازدهار" هذا التجمع واتساعه.
قصارى القول، التحول على البيئة الدولية للصراع يجعل من العبث مواصلة التمسك ببعض الشعارات الهاذية التي توظف فقط من أجل تبرير التعايش مع جنون التطرّف الصهيوني، مثل "حل الدولتين". تفرض هذه التحولات على الفلسطينيين تغيير قواعد الاشتباك والمواجهة، من أجل ردع إسرائيل واللاعبين الإقليميين والقوى الدولية عن التعاون من أجل تصفية القضية الفلسطينية.
لكن المشكلة أن التحولات على بيئة الصراع لم تقنع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس،
بإعادة اختبار برنامجه السياسي، وتغيير أنماط سلوكه على الصعيد الوطني، بما يعكس استخلاصاً للعبر مما يجري. فعباس يصرّ على الإضرار بالبيئة الفلسطينية الداخلية، ويقلص من قدرتها على التصدّي لتداعيات التواطؤ الإسرائيلي الأميركي الدولي، من خلال مواصلة التعاون الأمني مع الاحتلال، وتعقب مواطنيه، لمجرد أن "الشبهات" تدور حول علاقتهم بـمقاومة الاحتلال.
وفي المقابل، لا يدلل سلوك حماس على استشعار المخاطر التي تنطوي عليها التحولات على بيئة الصراع، والتي يمكن أن توسّع من هامش المناورة أمام إسرائيل أيضا لضرب المقاومة في غزة، وقتما رأت ذلك. فحركة حماس عالقة أيضاً في الجدل اللانهائي حول حكومة "التوافق"، وتهدّد بالإعلان عن حكومةٍ أخرى، تدير "الوزارات" في القطاع!
من هنا، هناك حاجة لتحرّك فلسطيني نخبوي وجماهيري، يخرج عن دائرة الجدل الفصائلي لممارسة الضغط على قيادة السلطة بشكل أساس، والفصائل لتغيير نمط سلوكها، بحيث يرتقي إلى مستوى المخاطر التي تتهدّد القضية الوطنية، والدفع نحو تشكيل قيادة وطنية جديدة، تتجاوز جدل الشرعيات العقيم، والاتفاق على برنامج نضالي، يكفل إحالة المخاطر الناجمة عن التواطؤ الدولي والإقليمي مع إسرائيل إلى فرص نهوض، لا ضمن إحباط التواطؤ الدولي والإقليمي مع إسرائيل، بل يمكّن أيضاً من استعادة حرب التحرير جذوتها.
تعكس هذه التطورات طابع التحولات المتلاحقة على بيئة الصراع، منذ تم انتخاب ترامب، والتي باتت تضمن لحكومة اليمين المتطرف في تل أبيب الانطلاق بحرية نحو تهويد الضفة الغربية، في ظل أقل قدر من الممانعة الدولية، فسلوك ترامب، حتى قبل أن يبدأ مزاولة مهامه رسمياً يشي بطابع التغيير الجذري المرتقب على السياسة الخارجية الأميركية تجاه الصراع، والمنطقة بشكل عام، وينذر بأن الساكن الجديد في البيت الأبيض عازم على تجاوز بنيامين نتنياهو من اليمين، فالخلفيات الأيدولوجية للأشخاص الذين يعينهم ترامب في المواقع ذات العلاقة بالصراع تدلل على اتجاهات التحول في الموقف الأميركي. فماذا يعني أن يختار ترامب تحديداً سفيراً في إسرائيل اليهودي المتطرّف، ديفيد فريدمان، المعروف بحماسه الشديد للمشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، ومجاهرته بحماسه للرؤى الخلاصية التي يروجها اليهود الحريديم، ودعوته الصريحة إلى ضم الضفة الغربية لإسرائيل، واتهامه منظمات يهودية أميركية باقتفاء أثر النازية، لمجرد أنها تنتقد سلوك إسرائيل. وكيف سيكون السلوك الأميركي تجاه القضية الفلسطينية، عندما يؤكد ترامب أنه ينوي تعيين صهره وزوج ابنته اليهودي، جارد كوشنير، مبعوثاً فوق العادة، لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مع العلم أن الأخير يرأس صندوقاً دشنته عائلته، لتقديم الدعم للمستوطنات في الضفة ومؤسساتها، وضمنها مدرسة دينية، أفتى مديرها بجواز قتل الرضع العرب (هآرتس، 5-12).
من هنا، فإن قرار "تبييض" النقاط الاستيطانية التي تعتبر، حتى وفق "القانون" الإسرائيلي،
في الوقت نفسه، يدل قرار فرنسا تأجيل عقد المؤتمر الدولي الذي راهنت السلطة الفلسطينية على أن يمنحها المسوّغ لتبرير مواصلة الرهان على الحراك السياسي لحل الصراع على أن اللاعبين الدوليين يضبطون تحركّاتهم وفق الوتيرة التي يمليها ترامب. ولا حاجة للقول إن التحولات على البيئة الدولية للصراع ستصبح أكثر تعقيداً، وستضاعف التحديات على الفلسطينيين. ففرنسا الوحيدة التي كانت تحاول إبداء موقف مختلفٍ عن الموقف الأميركي على موعد مع تغيير في تركيبة الحكم، قد لا يكون أقل دراماتيكية من فوز ترامب، سواء فاز مرشح اليمين، فرانسوا فيون، المعروف بحماسه الشديد للعلاقة مع إسرائيل، أو مرشحة اليمين المتطرّف، ماري لوبين.
ولا حاجة للحديث عن البيئة الإقليمية التي لم تكن في أي يوم عاطفة على إسرائيل، كما هي عليه الآن. وتكفي فقط الإشارة إلى أن نتنياهو جاهر، قبل أسبوعين، بالقول إن مشروع قناة البحرين الذي تم التوقيع على اتفاقٍ بشأنه مع الأردن يضمن إيصال المياه العذبة التي ستنتجها محطة تحلية المياه في العقبة التي ستدشن ضمن المرحلة الأولى من المشروع إلى التجمع الاستيطاني في منطقة غور الأردن الذي يشكل 28% من الضفة الغربية، بما يضمن "ازدهار" هذا التجمع واتساعه.
قصارى القول، التحول على البيئة الدولية للصراع يجعل من العبث مواصلة التمسك ببعض الشعارات الهاذية التي توظف فقط من أجل تبرير التعايش مع جنون التطرّف الصهيوني، مثل "حل الدولتين". تفرض هذه التحولات على الفلسطينيين تغيير قواعد الاشتباك والمواجهة، من أجل ردع إسرائيل واللاعبين الإقليميين والقوى الدولية عن التعاون من أجل تصفية القضية الفلسطينية.
لكن المشكلة أن التحولات على بيئة الصراع لم تقنع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس،
وفي المقابل، لا يدلل سلوك حماس على استشعار المخاطر التي تنطوي عليها التحولات على بيئة الصراع، والتي يمكن أن توسّع من هامش المناورة أمام إسرائيل أيضا لضرب المقاومة في غزة، وقتما رأت ذلك. فحركة حماس عالقة أيضاً في الجدل اللانهائي حول حكومة "التوافق"، وتهدّد بالإعلان عن حكومةٍ أخرى، تدير "الوزارات" في القطاع!
من هنا، هناك حاجة لتحرّك فلسطيني نخبوي وجماهيري، يخرج عن دائرة الجدل الفصائلي لممارسة الضغط على قيادة السلطة بشكل أساس، والفصائل لتغيير نمط سلوكها، بحيث يرتقي إلى مستوى المخاطر التي تتهدّد القضية الوطنية، والدفع نحو تشكيل قيادة وطنية جديدة، تتجاوز جدل الشرعيات العقيم، والاتفاق على برنامج نضالي، يكفل إحالة المخاطر الناجمة عن التواطؤ الدولي والإقليمي مع إسرائيل إلى فرص نهوض، لا ضمن إحباط التواطؤ الدولي والإقليمي مع إسرائيل، بل يمكّن أيضاً من استعادة حرب التحرير جذوتها.