05 نوفمبر 2024
المثقفون الفلسطينيون والقضية السورية
يوحي عنوان هذا المقال أن ما يجمع الفلسطينيين والسوريين ليس أنهم عرب، أو شاميون، أو أن أموراً كثيرة تجمع بينهم، خصوصاً الثقافة ومركبات العيش التاريخي المشترك في إقليم جغرافي وبشري معين، بل أنهم أصحاب قضية واحدة، هي الخلاص من الظلم والإجحاف، ظلم الاستبداد الأسدي المقيم على صدور السوريين منذ أكثر من خمسة عقود، وظلم الاحتلال الإسرائيلي الذي يجثم على صدور الفلسطينيين منذ قبل النكبة في 1948.
القضية واحدة، سواء كان مسببها الاحتلال أو الاستبداد، فالاثنان وجهان لعملة واحدة، وإن اختلفت درجات الممارسات والانتهاكات بحق الشعبين، السوري والفلسطيني، لكن السؤال المحيّر: ما الذي يجعل مثقفاً فلسطينياً يقف مع الاستبداد الأسدي، ويتخذ موقفاً مناهضاً من ثورة الشعب السوري، بذرائع زائفة؟
لن نتحدث عن الفلسطينيين في سورية الذين انخرط قسم كبير منهم، منذ البداية، في الثورة السورية، وقدموا شهداء كثيرين، وكان وسام أمين الغول ابن مخيم درعا للاجئين الفلسطينيين، أول شهيد فلسطيني برصاص قوات النظام الأسدي في 23/3/2011، حين كان ينقل جريحين سوريين من المشاركين في الاحتجاجات التي اندلعت شرارتها في درعا. وقتها لم يستطع وسام ورفاقه الوقوف متفرجين على أشقائهم السوريين وهم يقتلون، فدفع ثمن موقفه حيال الحرية، وانخراطه دفاعاً عن الحرية التي يطلبها السوريون.
ويكشف واقع الحال سورية أن الحال الفلسطيني السوري هو حال سورية نفسها، خصوصاً حين يجري الحديث عن السوريين وعبارة "ومن في حكمهم"، التي تعني اللاجئ الفلسطيني في سورية الذي يعرّف نفسه بأنه فلسطيني سوري. أما فيما يخص المثقفين الفلسطينيين، فإن واقع الحال يظهر أنهم، والمثقفين العرب عموماً، انقسموا في مواقفهم من الثورة السورية إلى ثلاث فئات: أولى أعلنت بوضوح وقوفها إلى جانب الثورة، ودافعت، ومازالت، عن مطالب السوريين في الحرية واسترجاع الكرامة وبناء دولةٍ تعدديةٍ ديمقراطية، وتبرز هنا أسماء مفكرين وباحثين وكتاب كثيرين، خصوصاً عزمي بشارة وأحمد برقاوي ويوسف سلامة وبشير نافع وخضر محجز وسلامة كيلة وموسى برهومة ومعن البياري وماجد كيالي، وآخرين قد لا يتسع المجال لذكرهم. وفئة ثانية آثرت الصمت، وغمرت رأسها في رمال الساكت عن قول كلمة الحق. وفئة ثالثة وقفت إلى جانب الاستبداد، أمثال مراد السوداني ووليد أبو بكر ورشاد أبو شاور، وهي فئة من الكتاب والشعراء مكرسة رسمياً، تفتقر لمبادئ الفكر ولفهم الثقافة وناقصة الموهبة، اتخذت مواقف مخزية، وتملك نظرة وفهماً للحرية والعدالة لا تبتعد كثيراً عن نظام الاستبداد الأسدي، الوحشي والبدائي الذي أوغل في الدم السوري، ومارس أبشع أنواع القهر والإجرام بحق الإنسان السوري، وبحق الإنسانية والحياة.
والحق أن من وقفوا ضد الثورة السورية من مثقفين فلسطينيين، وأترابهم تقليديون في معظمهم،
من بقايا أصحاب الفكر الشمولي، وقد نزعت هذه الثورة اللثام عن دعاة هذا الفكر المتقادم، من يحسبون أنفسهم قوميين وشيوعيين ويساريين بشكل عام، وكشفت تهافت مقولاتهم عن القومية والعروبة والشعب والأمة وسواها، إذ لم يتردّد أغلبهم، مخدوعين أو راغبين، في الوقوف إلى جانب نظام الاستبداد الذي يرفع شعارات علمانية وقومية مزيفة، مع شعارات مخاتلة عن الممانعة والمقاومة.
واختبرت الثورة السورية حملة الأفكار القومية واليسارية، في خيارهم الديمقراطي، ومدى اقترابهم والتزامهم بتطلعات الشعوب وحقوقها، وأعادت فرزهم بطريقةٍ لا لبس فيها. وبيّنت أن أحزابهم اليسارية والقومية عاجزة عن إحداث قطيعة معرفية وسياسية مع ماضيها، القائم على الإقصاء والأحادية، وعلى التعبئة الأيديولوجية ذات الاتجاه الوحيد، حيث لا يزال قادتها وممثلوها أسرى العقلية والنهج القديمين.
ومن حقنا أن نستغرب ونتساءل عما إذا كانت العلاقة ما بين المثقف والسلطة المستبدّة لصالح الثقافة أم لصالح السلطة والسلطان؟ ومن حق مثقفي السلطة والسلطان كذلك، أمثال أدونيس ورصفائه، أن تكبر تهويماتهم الثقافوية، حين يزعم أصحابها امتلاكهم قول الحق بثباتنا وجمودنا وبتحوّله وتغيره، وبعدم وجود خلافٍ بين المعاني المتصلة والمتضافرة بين قول المثقف النقدي، وقول أهل السلطة والقوة، مع العلم أن التمييز مايزال قائماً بين لغة الحاكم ولغة المحكوم في أكثر من مكان وواقعة. لكن من يبحث عن حياد العبارة لن يجد في اللغة والمقالات التي تسلكها في بيان وإشارة ما ينبئ بحادثة أو حركة طارئة أو جديدة نتجت عنها الحياة الاجتماعية والعلاقات السياسية والثقافية، ليس في سورية وحدها، بل في البلدان العربية كافة، وفي الثقافة العربية.
ما يثير القلق في مواقف المثقفين الفلسطينيين، والعرب عموماً، المعادي للثورة السورية هو طغيان مزاج عميق للرفض والعدمية، تلتقي مع عدمية النظام الأسدي وعدمية التنظيمات الجهادية والمذهبية، يرافقها موقفٌ كلي من الشك حيال أي حادثةٍ أو حراك في الحياة الثقافية والسياسية في أي بلد عربي. ومشكلتهم نفسها مشكلة أصحاب المشاريع الثقافوية الكبرى الذين عملوا على تجزئة المجزأ في التراث والتاريخ، وتعميمه بوصفه النموذج والمثال، استناداً إلى تهويمات ميتافيزيقا اللغة التي عادةً ما تُدخل كاتبها في نسقها الدلالي والاستدلالي محكم الإغلاق، ومنطقها الكلي والإحالي المرجع، فيُصاب صاحبها بالعمى الثقافي في تلك المنطقة الرمادية التي زجّته فيها لغته. المنطقة التي يضيع فيها التمييز ما بين القاتل والضحية، وبين الظالم والمظلوم.
والواقع أن عديدين ممن يتباكون على نظام المقاومة والممانعة الزائف مصابون بعمى الفكر والبصيرة، ولذلك يلجأ بعضهم إلى مفهومٍ مخاتل، يتجاور فيه كل شيء إلى جانب كل شيء، سوى الحرية والعدالة، حين يتحدثون عن سورية، وعن الثورة بوصفها مؤامرة على نظام الاستبداد فيها. إنه خليط عجيب يخفي تعالياً على الثورة وناسها، ويتشرّط عليها، ويشكّك بها، فيما يضع صاحبه في خانة "تيار السلمية"، أو بالأحرى يتوهم أنه في خانة تيار اللاعنف الغاندي، مع العلم أنه قد لا يعرف عن المهاتما غاندي وثورته إلا شذرات سمعها من هنا وهناك، وقد يستعين أحدهم بنلسون مانديلا، ظناً منه أن مانديلا أو حتى غاندي، لو كان كل منهما سورياً، لفتح صدره عارياً في مواجهة رصاص قوات النظام الأسدي العسكرية والأمنية، ولن يجادل في تسليم رأسه وجسده إلى سيوف الشبيحة والمسعورين من قطعان المليشيات المذهبية المسكونة بثارات قديمة وزائفة، وسيوصي أنصاره أن يستقلبوا قذئف وصواريخ المقاتلات الروسية وبراميل طائرات النظام الأسدي في صفوف طويلة، تلبس الأبيض، وترفع أغصان الزيتون بيد، وتطيّر الحمام الأبيض باليد الأخرى.
حكاية الثورة السورية معروفة للجميع، حيث لا يمكن لأحدٍ نكران مطالبها المشروعة في
التظاهرات السلمية، والمدنية التي بدأت منذ الشرارات الأولى، واستمرّت بزخم شديد أسابيع وشهوراً طويلة وثقيلة. ومازال المتظاهرون السلميون ينتهزون أية فرصةٍ ممكنةٍ حتى في أيامنا هذه، كي يعبروا عن مطالبهم وآمالهم ضد جميع سلطات الأمر الواقع الإسلاموية وسواها. وحدث ذلك كله، وما يزال، قبل أن يواجهها نظام الأسد بالرصاص ويستقدم مليشيات نظام الملالي الإيراني المذهبية، ويبيع البلد للمحتل الروسي.
ولعل أصحاب المواقف والمآخذ على الثورة السورية لا يذكرون شيئاً عن طبيعة الاحتلال الأسدي للدولة والمجتمع الذي لم يتردّد في إقحام قطعات الجيش للهجوم على مناطق المدنيين في مختلف مناطق سورية وبلداتها ومدنها.
ولعل المشكلة في هؤلاء المتشرطين، يضاف إليهم المتشكّكون، أنهم لم يتركوا لحظةً من عمر هذه الثورة، إلا وحاولوا اللهاث وراء أحداث الثورة، محاولين تجميع أخطائها، والتعلق بأية سلبية، لغاياتٍ في أنفسهم. وكان من الممكن، بوصفهم يصنفون أنفسهم في خانة القوى العلمانية واليسارية والديمقراطية، أن يكونوا فاعلين، أو منخرطين في نصرة الثورة، لكنهم كانوا من الهشاشة والخفة، بحيث إنهم لم يقوموا سوى باجترار مقولاتهم ومصطلحاتهم المتقادمة عن المؤامرة الكونية والاستهداف الخارجي، مضيفين فشلاً جديداً إلى فشلهم.
وعلى الرغم من أن الثورة لا يقوم بها الملائكة، بل البشر، بمختلف مشاربهم وأطيافهم وتكويناتهم الفكرية والثقافية، فإن أخطاء الثورة التي ارتكبت أكثر من خمس سنوات، لا يبرّرها أحد، ولا أحد يضع التشكيلات السلفية العدمية في خانة الثورة، بل في الخانة المضادّة لها، ولا تعدم مركبات الثورة من ظهور مبادراتِ وتشكيلاتٍ عديدة تواجه الأخطاء، على الرغم من أن صوت النقد لا يسمع، في الغالب، عندما يطغى هدير الطائرات الحربية الحاملة للموت والدمار، ولا حين تشتد أصوات القصف بكل أنواع القذائف والصواريخ. ولعل الأهم أنه على الرغم من هول التضحيات، فإن ثائرين كثيرين لم يكفوا عن نقد أنفسهم، ونقد تعرّجات مسار ثورتهم، في مقابل خذلان العالم وتهافت أفعال وممارسات فصائل المعارضة السياسية والعسكرية، بمختلف مكوناتها وتحالفاتها وائتلافاتها.
القضية واحدة، سواء كان مسببها الاحتلال أو الاستبداد، فالاثنان وجهان لعملة واحدة، وإن اختلفت درجات الممارسات والانتهاكات بحق الشعبين، السوري والفلسطيني، لكن السؤال المحيّر: ما الذي يجعل مثقفاً فلسطينياً يقف مع الاستبداد الأسدي، ويتخذ موقفاً مناهضاً من ثورة الشعب السوري، بذرائع زائفة؟
لن نتحدث عن الفلسطينيين في سورية الذين انخرط قسم كبير منهم، منذ البداية، في الثورة السورية، وقدموا شهداء كثيرين، وكان وسام أمين الغول ابن مخيم درعا للاجئين الفلسطينيين، أول شهيد فلسطيني برصاص قوات النظام الأسدي في 23/3/2011، حين كان ينقل جريحين سوريين من المشاركين في الاحتجاجات التي اندلعت شرارتها في درعا. وقتها لم يستطع وسام ورفاقه الوقوف متفرجين على أشقائهم السوريين وهم يقتلون، فدفع ثمن موقفه حيال الحرية، وانخراطه دفاعاً عن الحرية التي يطلبها السوريون.
ويكشف واقع الحال سورية أن الحال الفلسطيني السوري هو حال سورية نفسها، خصوصاً حين يجري الحديث عن السوريين وعبارة "ومن في حكمهم"، التي تعني اللاجئ الفلسطيني في سورية الذي يعرّف نفسه بأنه فلسطيني سوري. أما فيما يخص المثقفين الفلسطينيين، فإن واقع الحال يظهر أنهم، والمثقفين العرب عموماً، انقسموا في مواقفهم من الثورة السورية إلى ثلاث فئات: أولى أعلنت بوضوح وقوفها إلى جانب الثورة، ودافعت، ومازالت، عن مطالب السوريين في الحرية واسترجاع الكرامة وبناء دولةٍ تعدديةٍ ديمقراطية، وتبرز هنا أسماء مفكرين وباحثين وكتاب كثيرين، خصوصاً عزمي بشارة وأحمد برقاوي ويوسف سلامة وبشير نافع وخضر محجز وسلامة كيلة وموسى برهومة ومعن البياري وماجد كيالي، وآخرين قد لا يتسع المجال لذكرهم. وفئة ثانية آثرت الصمت، وغمرت رأسها في رمال الساكت عن قول كلمة الحق. وفئة ثالثة وقفت إلى جانب الاستبداد، أمثال مراد السوداني ووليد أبو بكر ورشاد أبو شاور، وهي فئة من الكتاب والشعراء مكرسة رسمياً، تفتقر لمبادئ الفكر ولفهم الثقافة وناقصة الموهبة، اتخذت مواقف مخزية، وتملك نظرة وفهماً للحرية والعدالة لا تبتعد كثيراً عن نظام الاستبداد الأسدي، الوحشي والبدائي الذي أوغل في الدم السوري، ومارس أبشع أنواع القهر والإجرام بحق الإنسان السوري، وبحق الإنسانية والحياة.
والحق أن من وقفوا ضد الثورة السورية من مثقفين فلسطينيين، وأترابهم تقليديون في معظمهم،
واختبرت الثورة السورية حملة الأفكار القومية واليسارية، في خيارهم الديمقراطي، ومدى اقترابهم والتزامهم بتطلعات الشعوب وحقوقها، وأعادت فرزهم بطريقةٍ لا لبس فيها. وبيّنت أن أحزابهم اليسارية والقومية عاجزة عن إحداث قطيعة معرفية وسياسية مع ماضيها، القائم على الإقصاء والأحادية، وعلى التعبئة الأيديولوجية ذات الاتجاه الوحيد، حيث لا يزال قادتها وممثلوها أسرى العقلية والنهج القديمين.
ومن حقنا أن نستغرب ونتساءل عما إذا كانت العلاقة ما بين المثقف والسلطة المستبدّة لصالح الثقافة أم لصالح السلطة والسلطان؟ ومن حق مثقفي السلطة والسلطان كذلك، أمثال أدونيس ورصفائه، أن تكبر تهويماتهم الثقافوية، حين يزعم أصحابها امتلاكهم قول الحق بثباتنا وجمودنا وبتحوّله وتغيره، وبعدم وجود خلافٍ بين المعاني المتصلة والمتضافرة بين قول المثقف النقدي، وقول أهل السلطة والقوة، مع العلم أن التمييز مايزال قائماً بين لغة الحاكم ولغة المحكوم في أكثر من مكان وواقعة. لكن من يبحث عن حياد العبارة لن يجد في اللغة والمقالات التي تسلكها في بيان وإشارة ما ينبئ بحادثة أو حركة طارئة أو جديدة نتجت عنها الحياة الاجتماعية والعلاقات السياسية والثقافية، ليس في سورية وحدها، بل في البلدان العربية كافة، وفي الثقافة العربية.
ما يثير القلق في مواقف المثقفين الفلسطينيين، والعرب عموماً، المعادي للثورة السورية هو طغيان مزاج عميق للرفض والعدمية، تلتقي مع عدمية النظام الأسدي وعدمية التنظيمات الجهادية والمذهبية، يرافقها موقفٌ كلي من الشك حيال أي حادثةٍ أو حراك في الحياة الثقافية والسياسية في أي بلد عربي. ومشكلتهم نفسها مشكلة أصحاب المشاريع الثقافوية الكبرى الذين عملوا على تجزئة المجزأ في التراث والتاريخ، وتعميمه بوصفه النموذج والمثال، استناداً إلى تهويمات ميتافيزيقا اللغة التي عادةً ما تُدخل كاتبها في نسقها الدلالي والاستدلالي محكم الإغلاق، ومنطقها الكلي والإحالي المرجع، فيُصاب صاحبها بالعمى الثقافي في تلك المنطقة الرمادية التي زجّته فيها لغته. المنطقة التي يضيع فيها التمييز ما بين القاتل والضحية، وبين الظالم والمظلوم.
والواقع أن عديدين ممن يتباكون على نظام المقاومة والممانعة الزائف مصابون بعمى الفكر والبصيرة، ولذلك يلجأ بعضهم إلى مفهومٍ مخاتل، يتجاور فيه كل شيء إلى جانب كل شيء، سوى الحرية والعدالة، حين يتحدثون عن سورية، وعن الثورة بوصفها مؤامرة على نظام الاستبداد فيها. إنه خليط عجيب يخفي تعالياً على الثورة وناسها، ويتشرّط عليها، ويشكّك بها، فيما يضع صاحبه في خانة "تيار السلمية"، أو بالأحرى يتوهم أنه في خانة تيار اللاعنف الغاندي، مع العلم أنه قد لا يعرف عن المهاتما غاندي وثورته إلا شذرات سمعها من هنا وهناك، وقد يستعين أحدهم بنلسون مانديلا، ظناً منه أن مانديلا أو حتى غاندي، لو كان كل منهما سورياً، لفتح صدره عارياً في مواجهة رصاص قوات النظام الأسدي العسكرية والأمنية، ولن يجادل في تسليم رأسه وجسده إلى سيوف الشبيحة والمسعورين من قطعان المليشيات المذهبية المسكونة بثارات قديمة وزائفة، وسيوصي أنصاره أن يستقلبوا قذئف وصواريخ المقاتلات الروسية وبراميل طائرات النظام الأسدي في صفوف طويلة، تلبس الأبيض، وترفع أغصان الزيتون بيد، وتطيّر الحمام الأبيض باليد الأخرى.
حكاية الثورة السورية معروفة للجميع، حيث لا يمكن لأحدٍ نكران مطالبها المشروعة في
ولعل أصحاب المواقف والمآخذ على الثورة السورية لا يذكرون شيئاً عن طبيعة الاحتلال الأسدي للدولة والمجتمع الذي لم يتردّد في إقحام قطعات الجيش للهجوم على مناطق المدنيين في مختلف مناطق سورية وبلداتها ومدنها.
ولعل المشكلة في هؤلاء المتشرطين، يضاف إليهم المتشكّكون، أنهم لم يتركوا لحظةً من عمر هذه الثورة، إلا وحاولوا اللهاث وراء أحداث الثورة، محاولين تجميع أخطائها، والتعلق بأية سلبية، لغاياتٍ في أنفسهم. وكان من الممكن، بوصفهم يصنفون أنفسهم في خانة القوى العلمانية واليسارية والديمقراطية، أن يكونوا فاعلين، أو منخرطين في نصرة الثورة، لكنهم كانوا من الهشاشة والخفة، بحيث إنهم لم يقوموا سوى باجترار مقولاتهم ومصطلحاتهم المتقادمة عن المؤامرة الكونية والاستهداف الخارجي، مضيفين فشلاً جديداً إلى فشلهم.
وعلى الرغم من أن الثورة لا يقوم بها الملائكة، بل البشر، بمختلف مشاربهم وأطيافهم وتكويناتهم الفكرية والثقافية، فإن أخطاء الثورة التي ارتكبت أكثر من خمس سنوات، لا يبرّرها أحد، ولا أحد يضع التشكيلات السلفية العدمية في خانة الثورة، بل في الخانة المضادّة لها، ولا تعدم مركبات الثورة من ظهور مبادراتِ وتشكيلاتٍ عديدة تواجه الأخطاء، على الرغم من أن صوت النقد لا يسمع، في الغالب، عندما يطغى هدير الطائرات الحربية الحاملة للموت والدمار، ولا حين تشتد أصوات القصف بكل أنواع القذائف والصواريخ. ولعل الأهم أنه على الرغم من هول التضحيات، فإن ثائرين كثيرين لم يكفوا عن نقد أنفسهم، ونقد تعرّجات مسار ثورتهم، في مقابل خذلان العالم وتهافت أفعال وممارسات فصائل المعارضة السياسية والعسكرية، بمختلف مكوناتها وتحالفاتها وائتلافاتها.