09 يونيو 2017
كيف يمكن للتجارة الحرّة أن تعزز التنمية؟
يعتقد جوزيف ستيغليتز، العالم الاقتصادي الحائز جائزة نوبل، أن التجارة العالمية الحرة يمكن، لو توفرت لها إدارة عادلة، أن تنشئ ازدهاراً عالمياً، يشمل الدول النامية والفقيرة كما الغنية. وفي ذلك تحتاج منظمة التجارة العالمية إلى مجموعة من الإصلاحات، كما يجب إصلاح الإدارات الاقتصادية في العالم، فالبلدان النامية تحتاج إلى مساعدة أساسية، لتمكينها من التكيف مع التغيرات الناشئة، والاستفادة من الفرص الجديدة الناشئة. وبطبيعة الحال، ثمّة سؤال بديهي: ما نوع المساعدة التي ينبغي أن تقدمها البلدان الصناعية المتقدمة؟ ولماذا تعتبر مثل هذه المساعدة مهمة جداً؟ لماذا تكون تكاليف التصحيح بالنسبة للدول النامية أعلى، وقدرتها على تحمل تلك التكاليف أضعف كثيراً عنها بالنسبة للبلدان المتقدمة؟
وضعت الاكتشافات التقنية في القرن الثامن عشر بريطانيا على درب التحول إلى أول اقتصاد ''حديث''، وتضاعف عدد سكان بريطانيا، وكبرت المدن وصارت ضخمة، وزاد متوسط الدخول، وهبط نصيب الزراعة من الإنتاج الإجمالي، وصارت المدن البريطانية ورش العالم، تستورد كميات هائلة من الطعام والمواد الخام، وتصدّر السلع المصنعة إلى أميركا وآسيا وأفريقيا. وتشكلت نهضة صناعية في أميركا واليابان وأستراليا، ثم تحقق تقدم اقتصادي آسيوي في منتصف القرن العشرين، في الهند والصين وشرق آسيا، وهي أمثلة تبين كيف أن التجارة كانت ضرورية للتنمية الصناعية المتواصلة، غير أنها لم تكن كافية، ذلك أن التحرير الاقتصادي أوجد فرصاً للتنمية الاقتصادية، لكن عوامل أخرى حدّدت المدى الذي تحققت به تلك الفرص، ولا يمكن التسليم بمقولة الدول المتقدمة، إن فتح الأسواق وإلغاء الجمارك سيفتحان المجال تلقائيا للتقدم الاقتصادي، فتشير الدلائل إلى أن مكاسب تحرير التجارة تتوقف على عوامل عدة، وهناك كثير مما يمكن القيام به مع تحرير التجارة من جانب البلدان النامية والمتقدمة على السواء، لتأمين فرص تجارية جديدة ذات معنى للبلدان النامية، ولتأمين أن تكون قادرةً على الاستفادة من هذه الفرص. والمؤكد أن دور صندوق النقد الدولي الذي ينحاز إلى تحرير التجارة لم يسهم في التقدم الاقتصادي، وأن تجربة البلدان الناجحة توضح أن عملية الإصلاح يجب إدارتها بتدرّج وبعناية. وباختصار، فإن تحرير التجارة يجب أن يكون سياسة موضوعة وفق أهدافها المحددة، وليس بحجم واحد يناسب كل البلدان.
وهناك أساس وسط بين الموقفين المتطرفيْن لأنصار حرية التجارة ومناهضي العولمة، ويسلم
هذا الأساس الوسط بأنه حتى إذا جرى قبول المرغوبية القصوى لحرية التجارة، فإن التحرير المتعجل قد يكون ضاراً. وفي الأساس الوسط، من الضروري إيجاد السياسات عن طريق استقصاء آثار إخفاقات السوق على تجربة تحرير التجارة في مختلف البلدان. وعلى البلدان النامية أن تحاول تعزيز التنمية بتصحيح إخفاقات السوق هذه من خلال تدخلات السياسة، بما في ذلك السياسات التجارية، وفقط إذا كانت تمثل أفضل الأدوات المتاحة، وعلى صانعي السياسة أن يسلموا باحتمال فشل الحكومات الناتج عن تدخلاتها، وعليهم ألا يتجاهلوا هذه المخاطر، ولا أن يخشوها. وبدلاً من ذلك، عليهم أن يبحثوا عن طريقٍ للتغلب عليها، وأن يقوموا، عندما لا تكون هذه الطرق ظاهرةً، بتقدير وزن المخاطر هذه على نحو ملائم في سياق عملية اختيار سياساتهم.
ويجب أن تقوم البلدان المتقدمة بهذا الدور، فهي تستطيع أن تساعد البلدان النامية على الاندماج في النظام التجاري العالمي، وعلى تأمين استفادته منه، ومن الضروري أن تقوم البلدان المتقدمة بإصلاح سياساتها التجارية بطرقٍ تفتح فرصاً تجارية أمام البلدان النامية.
وللحصول على ميزة الفرص، التي يقدمها تحسين الوصول إلى الأسواق الأجنبية، ستكون البلدان النامية مطالبةً بالقيام باستثمارات في البنية الأساسية من الحكومة، وفي تسهيلات أو تكنولوجيات جديدة من المصدرين، قبل أن يكون في وسعها أن تستفيد من الفرص التي يقدمها تحسين الوصول إلى الأسواق الأجنبية.
والتوصل إلى فهم لتكاليف إصلاح التجارة مهم لسببين، على الأقل. الأول، إذا كان لمحور تركيز التنمية أي معنى، فإن البلدان، أعضاء منظمة التجارة العالمية، يجب أن تكون مدركة حقيقة أن تكلفة التصحيح لاتفاقيات هذه البلدان ستكون لها نتائج منطقية على التنمية، وليس كل ما هناك أن تكاليف التصحيح تقع بقسوة على البلدان الأكثر فقرا في العالم على وجه الخصوص؛ لأنها الأقل قدرة على أن تتحملها، بل إن هذه التكاليف تقوم، أيضاً، باستنفاد الموارد التي كان يمكن إنفاقها في أحوال أخرى على أولويات بديلة للتنمية، وفي نظر أشخاص كثيرين، سيفوق أثر إصلاح التجارة كثيرا تأثيرات برامج أخرى للتنمية الاقتصادية.
ويتمثل الدافع الثاني لفهم تكاليف التصحيح في الحاجة العملية إلى كسب الدعم السياسي للإصلاح. وتعطي التكاليف المرتفعة للتصحيح بعض المجموعات مصلحة ثابتة في الأمر الواقع، ويمكن أن يكون تحديد وتعويض تلك المجموعات طريقة فاعلة لإزالة العقبات أمام التغيرات السياسية المحسنة للرفاهية.
وضعت الاكتشافات التقنية في القرن الثامن عشر بريطانيا على درب التحول إلى أول اقتصاد ''حديث''، وتضاعف عدد سكان بريطانيا، وكبرت المدن وصارت ضخمة، وزاد متوسط الدخول، وهبط نصيب الزراعة من الإنتاج الإجمالي، وصارت المدن البريطانية ورش العالم، تستورد كميات هائلة من الطعام والمواد الخام، وتصدّر السلع المصنعة إلى أميركا وآسيا وأفريقيا. وتشكلت نهضة صناعية في أميركا واليابان وأستراليا، ثم تحقق تقدم اقتصادي آسيوي في منتصف القرن العشرين، في الهند والصين وشرق آسيا، وهي أمثلة تبين كيف أن التجارة كانت ضرورية للتنمية الصناعية المتواصلة، غير أنها لم تكن كافية، ذلك أن التحرير الاقتصادي أوجد فرصاً للتنمية الاقتصادية، لكن عوامل أخرى حدّدت المدى الذي تحققت به تلك الفرص، ولا يمكن التسليم بمقولة الدول المتقدمة، إن فتح الأسواق وإلغاء الجمارك سيفتحان المجال تلقائيا للتقدم الاقتصادي، فتشير الدلائل إلى أن مكاسب تحرير التجارة تتوقف على عوامل عدة، وهناك كثير مما يمكن القيام به مع تحرير التجارة من جانب البلدان النامية والمتقدمة على السواء، لتأمين فرص تجارية جديدة ذات معنى للبلدان النامية، ولتأمين أن تكون قادرةً على الاستفادة من هذه الفرص. والمؤكد أن دور صندوق النقد الدولي الذي ينحاز إلى تحرير التجارة لم يسهم في التقدم الاقتصادي، وأن تجربة البلدان الناجحة توضح أن عملية الإصلاح يجب إدارتها بتدرّج وبعناية. وباختصار، فإن تحرير التجارة يجب أن يكون سياسة موضوعة وفق أهدافها المحددة، وليس بحجم واحد يناسب كل البلدان.
وهناك أساس وسط بين الموقفين المتطرفيْن لأنصار حرية التجارة ومناهضي العولمة، ويسلم
ويجب أن تقوم البلدان المتقدمة بهذا الدور، فهي تستطيع أن تساعد البلدان النامية على الاندماج في النظام التجاري العالمي، وعلى تأمين استفادته منه، ومن الضروري أن تقوم البلدان المتقدمة بإصلاح سياساتها التجارية بطرقٍ تفتح فرصاً تجارية أمام البلدان النامية.
وللحصول على ميزة الفرص، التي يقدمها تحسين الوصول إلى الأسواق الأجنبية، ستكون البلدان النامية مطالبةً بالقيام باستثمارات في البنية الأساسية من الحكومة، وفي تسهيلات أو تكنولوجيات جديدة من المصدرين، قبل أن يكون في وسعها أن تستفيد من الفرص التي يقدمها تحسين الوصول إلى الأسواق الأجنبية.
والتوصل إلى فهم لتكاليف إصلاح التجارة مهم لسببين، على الأقل. الأول، إذا كان لمحور تركيز التنمية أي معنى، فإن البلدان، أعضاء منظمة التجارة العالمية، يجب أن تكون مدركة حقيقة أن تكلفة التصحيح لاتفاقيات هذه البلدان ستكون لها نتائج منطقية على التنمية، وليس كل ما هناك أن تكاليف التصحيح تقع بقسوة على البلدان الأكثر فقرا في العالم على وجه الخصوص؛ لأنها الأقل قدرة على أن تتحملها، بل إن هذه التكاليف تقوم، أيضاً، باستنفاد الموارد التي كان يمكن إنفاقها في أحوال أخرى على أولويات بديلة للتنمية، وفي نظر أشخاص كثيرين، سيفوق أثر إصلاح التجارة كثيرا تأثيرات برامج أخرى للتنمية الاقتصادية.
ويتمثل الدافع الثاني لفهم تكاليف التصحيح في الحاجة العملية إلى كسب الدعم السياسي للإصلاح. وتعطي التكاليف المرتفعة للتصحيح بعض المجموعات مصلحة ثابتة في الأمر الواقع، ويمكن أن يكون تحديد وتعويض تلك المجموعات طريقة فاعلة لإزالة العقبات أمام التغيرات السياسية المحسنة للرفاهية.