04 نوفمبر 2024
جريمة تنتظر النسيان
ما هو بالضبط النفع الذي يعود على الشعب الفلسطيني من وجود سفارةٍ فلسطينيةٍ في صوفيا، بل ومن وجود عشراتٍ مثلها في عواصم عديدة، تُنفَق عليها وعلى موظفيها (كم أعداد المرافقين والسائقين بينهم؟) مصاريفُ مهولة؟ إنْ كانت الجدوى في رفع علم فلسطين على مباني هذه السفارات، لما في الأمر من رمزيةٍ معنويةٍ، فإن هذا لا يعني شيئاً أمام بؤسٍ مقيمٍ في أداء القائمين على كثيرٍ من هذه السفارات، وأمام ما أظهرته واقعة اغتيال الأسير السابق، عمر النايف، في داخل سفارة "دولة فلسطين" في بلغاريا، من كارثيةٍ مريعةٍ في أداء الجهاز الدبلوماسي الفلسطيني، البالغ الرداءة والعديم الكفاءة، منذ التجأ النايف إلى مقر السفارة المذكورة، قبل ثلاثة أشهر. ويُضاعف من بؤس القائمين على هذا الجهاز المتضخّم أن قلة الحياء تكاد تكون سمتَ مسؤولين نافذين فيه. لم يطلّ معالي وزير الخارجية (ما أخبار رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير، فاروق القدومي؟)، أمام الصحافة، ويعلن استقالته، أمام الشعب الفلسطيني، أو أقلّه، يقول الرطانة إيّاها، عن "إصرار" القيادة الفلسطينية على كشف كل الحقيقة بشأن الجريمة غير المسبوقة في العالم، وغير المفاجئة لمن يحدّق في القاع الفلسطيني المكشوف. أما السفير في صوفيا، فلم يتّصف بنزرٍ من الشجاعة، ويعترف بأن فضيحةً حدثت، وهو الذي يعدّ أحد أسبابها. والمعلوم أن "سعادته" لا خبرة، ولا دراية، سابقة له في الدبلوماسية، وقد أعطي وظيفته الرفيعة هذه استحقاقاً لحصّة فصيلٍ سياسيٍ من تعيينات السفراء (!).
منذ طالبت إسرائيل السلطات البلغارية بتسليمها عمر النايف، بدعوى أنه "سجين جنائي هارب"، ثم مطالبة الادعاء العام البلغاري به، ولجوء الشهيد إلى السفارة، كان محسوماً أن حكومة الاحتلال لن تعدم وسيلةً، سياسيةً أو إجرامية، لتحقيق ما تريد، وهي التي لا تنسى أن تمكّن النايف من الهرب من الأسر، قبل أكثر من خمسة وعشرين عاماً، يهزّ صورتها عن نفسها. كانت إسرائيل ستخطف النايف (هل نتذكّر خطف ضرار أبو سيسي في أوكرانيا؟)، أو تغتاله، إذا لم تسلمه بلغاريا التي لا يشتمل أرشيفها على احترامٍ وازنٍ لحقوق الناس، لاجئين فلسطينيين أو سوريين مثلاً، ومن غير المستبعد أن "تقرّر" أن الشهيد قضى انتحاراً. لم تتعامل القيادة الفلسطينية (هل تستحق هذه الصفة؟) مع ذينك الاحتماليْن في مسألة النايف بالمسؤولية العالية، وطنياً وسياسياً وإعلامياً. لم تبادر إلى تأمين الحماية اللازمة والكافية له. لم تنشط في تهيئة شبكة أمان قانوني وإعلامي وسياسي له في بلغاريا وأوروبا. لم يشرّف محمود عباس بلغاريا بزيارة، لدعم معنويات المناضل النايف. لم تتواصل سفارات فلسطين الرثّة، مع تشكيلاتٍ عريضةٍ من المجتمع المدني والحقوقي والإنساني في أوروبا، لتظهير أن العدالة غائبةٌ في محاكم دولة الاحتلال التي تطالب النايف بالعودة إلى سجونها.
بدل أيٍّ من هذه الواجبات، وثمّة كثيرٌ غيرها، تجاه مواطن فلسطيني مناضل، ظنَّ أنه لجأ إلى بيت الفلسطينيين الذي يحميه، عمد السفير في صوفيا إلى الضغط عليه، من أجل تسليم نفسه إلى السلطات البلغارية، وتعاطى مع احتمال تهديد حياته باستخفافٍ غير مسؤول. أما وزير الخارجية الفلسطيني في رام الله فآثر الانشغال باشتباك كلامي مع الجبهة الشعبية التي ينتسب إليها النايف، والتي اتهمته، وسفيره، بضعف إحساسهما العالي بشأن قضية الرجل، وانصرف إلى انتظار ما سيكون، وما ستأتي به الوقائع. ثم كانت جريمة الاغتيال، وكلفتُها عند فخامة الرئيس ومعالي الوزير وسعادة السفير بيانٌ يتأسّف للحادثة، متبوعاً بتشكيل لجنة تحقيق تُنفق بعض الوقت في دفء بلغاريا وشمسها الوديعة، والازورار عن مطالعة مقالاتٍ غاضبةٍ في الجرائد، ثم تذهب القضية إلى النسيان، كما سابقاتٌ غيرها. هذا هو المعهود الذي تحترفه الرئاسة الفلسطينية، وحكومة السلطة الوطنية، وفصائل منظمة التحرير، مع ما يتطلبه الحال من بلادةٍ ومن جلد سميك.. ولا غضاضة في لعن سنسفيل إسرائيل في غير فضائيةٍ، مع الترحّم على الشهيد عمر النايف، حتى يخطف الموساد أو يقتل مناضلاً فلسطينياً آخر.
منذ طالبت إسرائيل السلطات البلغارية بتسليمها عمر النايف، بدعوى أنه "سجين جنائي هارب"، ثم مطالبة الادعاء العام البلغاري به، ولجوء الشهيد إلى السفارة، كان محسوماً أن حكومة الاحتلال لن تعدم وسيلةً، سياسيةً أو إجرامية، لتحقيق ما تريد، وهي التي لا تنسى أن تمكّن النايف من الهرب من الأسر، قبل أكثر من خمسة وعشرين عاماً، يهزّ صورتها عن نفسها. كانت إسرائيل ستخطف النايف (هل نتذكّر خطف ضرار أبو سيسي في أوكرانيا؟)، أو تغتاله، إذا لم تسلمه بلغاريا التي لا يشتمل أرشيفها على احترامٍ وازنٍ لحقوق الناس، لاجئين فلسطينيين أو سوريين مثلاً، ومن غير المستبعد أن "تقرّر" أن الشهيد قضى انتحاراً. لم تتعامل القيادة الفلسطينية (هل تستحق هذه الصفة؟) مع ذينك الاحتماليْن في مسألة النايف بالمسؤولية العالية، وطنياً وسياسياً وإعلامياً. لم تبادر إلى تأمين الحماية اللازمة والكافية له. لم تنشط في تهيئة شبكة أمان قانوني وإعلامي وسياسي له في بلغاريا وأوروبا. لم يشرّف محمود عباس بلغاريا بزيارة، لدعم معنويات المناضل النايف. لم تتواصل سفارات فلسطين الرثّة، مع تشكيلاتٍ عريضةٍ من المجتمع المدني والحقوقي والإنساني في أوروبا، لتظهير أن العدالة غائبةٌ في محاكم دولة الاحتلال التي تطالب النايف بالعودة إلى سجونها.
بدل أيٍّ من هذه الواجبات، وثمّة كثيرٌ غيرها، تجاه مواطن فلسطيني مناضل، ظنَّ أنه لجأ إلى بيت الفلسطينيين الذي يحميه، عمد السفير في صوفيا إلى الضغط عليه، من أجل تسليم نفسه إلى السلطات البلغارية، وتعاطى مع احتمال تهديد حياته باستخفافٍ غير مسؤول. أما وزير الخارجية الفلسطيني في رام الله فآثر الانشغال باشتباك كلامي مع الجبهة الشعبية التي ينتسب إليها النايف، والتي اتهمته، وسفيره، بضعف إحساسهما العالي بشأن قضية الرجل، وانصرف إلى انتظار ما سيكون، وما ستأتي به الوقائع. ثم كانت جريمة الاغتيال، وكلفتُها عند فخامة الرئيس ومعالي الوزير وسعادة السفير بيانٌ يتأسّف للحادثة، متبوعاً بتشكيل لجنة تحقيق تُنفق بعض الوقت في دفء بلغاريا وشمسها الوديعة، والازورار عن مطالعة مقالاتٍ غاضبةٍ في الجرائد، ثم تذهب القضية إلى النسيان، كما سابقاتٌ غيرها. هذا هو المعهود الذي تحترفه الرئاسة الفلسطينية، وحكومة السلطة الوطنية، وفصائل منظمة التحرير، مع ما يتطلبه الحال من بلادةٍ ومن جلد سميك.. ولا غضاضة في لعن سنسفيل إسرائيل في غير فضائيةٍ، مع الترحّم على الشهيد عمر النايف، حتى يخطف الموساد أو يقتل مناضلاً فلسطينياً آخر.