25 أكتوبر 2024
"الإخوان" والنقاش الأميركي لتصنيفها "منظمة إرهابية"
أثار مشروع قانون أجازته اللجنة القضائية في مجلس النواب الأميركي، الشهر الماضي، ويدعو وزارة الخارجية إلى تصنيف جماعة الإخوان المسلمين "منظمة إرهابية"، لغطاً كثيراً حول ما إذا كانت الولايات المتحدة، فعلا، في وارد تصنيف الجماعة كذلك، وذلك كما فعلت، من قبل، روسيا ومصر والإمارات العربية والسعودية. وعلى الرغم من أنه من الواضح أن إدارة الرئيس باراك أوباما ليست في وارد المصادقة على مشروع القانون هذا، حتى وإن صدر عن الكونغرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، غير أن ذلك لا يقلل من خطورته، ليس على الجماعة الإخوانية، فحسب، بل وعلى كثير من مؤسسات العمل الإسلامي الأميركية التي يسعى واضعو مشروع القانون إلى ربطها بهم.
وبعيداً عن تفاصيل مشروع القانون وحيثياته، والذي يقف وراءه أعضاء كونغرس جمهوريون، منهم المرشح الجمهوري للرئاسة، السناتور تيد كروز، قدّموه العام الماضي في مجلسي الشيوخ والنواب، فإن مجرد طرحه في عام انتخابي ينذر بالكثير، في حال فوز الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية أواخر العام الجاري، حيث قد تمضي إدارة جمهورية، في تصنيف الإخوان "منظمة إرهابية" بقرار رئاسي تنفيذي، أو عبر وزارة الخارجية. ومن ثمَّ، من السطحية بمكان أن يفترض الإخوان المسلمون، ومن ينصحهم من الناشطين المسلمين الأميركيين، أن هذه مجرد مناورة سياسية انتخابية، يوظفها اليمين الأميركي ضد الديمقراطيين لابتزازهم وإضعافهم، فالأمر أعقد من ذلك وأخطر.
نعم، غالباً، فإن وزارة الخارجية التي أناط بها مشروع القانون تقديم تقرير حول ما إذا كانت الجماعة مستوفيةً شروط التصنيف كـ"منظمة إرهابية أجنبية" أم لا، ولماذا.. غالباً، ستصدر تقريراً ينفي أن الجماعة مستوفية شروط التصنيف تلك، لكن هذا لا يعني نهاية القصة بالنسبة للإخوان. فالعام الماضي أصدرت لجنة تحقيق بريطانية حكومية خاصة تقريراً، نفت فيه أن تكون الجماعة "إرهابية"، لكنها أوردت، أيضاً، أن الارتباط بها يعد "مؤشراً ممكناً على التطرّف". وتعقيباً على التقرير، قال رئيس الحكومة البريطانية، ديفيد كاميرون، إن لبعض "أقسام حركة الإخوان المسلمين علاقة ملتسبة جدًا بالتشدد الذي يقود إلى العنف، وإنها صارت نقطة عبور لبعض الأفراد والجماعات المرتبطين بالإرهاب".
ستقول الجماعة، محقة، إن التقرير البريطاني كان سياسياً بامتياز، وإنه حاول أن يوازن بين رؤية بريطانيا الجماعة حركة "سلمية" والضغوط التي كانت واقعة تحتها، وتحديداً من مصر والإمارات، لتصنيفها "إرهابية"، غير أن هذا لا ينفي أن ثمة قلقاً، قائماً وموجوداً، بغض النظر عن شرعيته، في بريطانيا، والولايات المتحدة، من الجماعة وبعض مواقفها "المُلْتَبسَةِ". وقد أتيحت لي الفرصة شخصياً، في العامين الماضيين، أن أناقش بعض قادة الجماعة، من فروع ودول عديدة، في مسائل متصلة بموضوع تصنيف الجماعة "إرهابية" من عدمه في الولايات المتحدة. وكانت أفكاري منطلقةً مما يمكن وصفه انطباعاتٍ خرجت بها من نقاشات مع بعض من يُسْمَعُ لهم في الولايات المتحدة، ولا أستطيع أن أحدّد المقصودين هنا.
ثمّة ممانعة في وزارة الخارجية الأميركية، بقيادتها الديمقراطية الحالية، لتصنيف الإخوان
"منظمة إرهابية"، ولكن، في الوقت نفسه، ثمة قلق في الولايات المتحدة مما يرى فيه بعضهم انزلاقاً للخطاب الإخواني، وبعض وسائل الإعلام المحسوبة عليهم، إلى تبرير خطاب "العنف" في مصر، أو حتى تأييده وتبنيه. وفي هذا السياق، يشير هؤلاء إلى جملة تصريحات صدرت عن محمد منتصر، الناطق الرسمي باسم "اللجنة الإدارية" التي تنازع ما تبقى من "مكتب الإرشاد"، على شرعية تمثيل الجماعة. فمنتصر، مثلاً، كان قد طالب في مايو/ أيار الماضي "بثورةٍ لا تبقي ولا تذر.. ثورة تجتز الرؤوس"، تعليقاً على قرار محكمة جنايات القاهرة إحالة أوراق الرئيس محمد مرسي وآخرين إلى مفتي الجمهورية، لاستطلاع رأيه في أحكام إعدام صادرة بحقهم. والمعروف، أن "اللجنة الإدارية" و"مكتب الإرشاد" خاضا صراعاً علنياً عبر صفحات الإنترنت حول "ثثوير" الثورة، ما قد يفهم منه تسليحها، أو "سلميتها". وقد ساهم ترحيب "اللجنة الإدارية" بـ"نداء الكنانة" الذي أصدره عدد من العلماء والدعاة وأساتذة الشريعة في مايو/ أيار الماضي، في تأجيج نار الخلافات بين الطرفين، وتنامي القلق الغربي من "الإخوان"، مدفوعاً بتحريض جَلِيٍّ من بعض الأنظمة العربية. وكان "نداء الكنانة" قد اعتبر "أن الحكام والقضاة والضباط والجنود والمفتين والإعلاميين والسياسيين، وكل من يَثْبُتُ يقينًا اشتراكُهم (في مصر)، ولو بالتحريض، في انتهاك الأعراض وسفك الدماء البريئة وإزهاق الأرواح بغير حق .. حكمهم في الشرع أنهم قتَلةٌ، تسري عليهم أحكام القاتل، ويجب القصاص منهم بضوابطه الشرعية".
بعد ترحيب جناح "اللجنة الإدارية" بـ"نداء الكنانة"، التقيت أحد قادة "الإخوان" المصريين في الخارج، وسألته إن كان "الإخوان" قد خلصوا إلى أنه لا مانع لديهم من المغامرة بتصنيف أميركي محتمل لهم "منظمة إرهابية"، ضمن حسابات مدروسة جيدا، أم أنهم يساقون إلى التصنيف، من دون وعي منهم ولا إرادة؟
يومها قال لي: لا هذه ولا هذه. وكان جوابي أن هذا لا يعقل، فإما هذه أو تلك، وعلى "الإخوان" أن يكونوا متهيئين للتصنيف أميركيا، أو العمل على تجنب ذلك، فتصنيف الولايات المتحدة جماعة الإخوان المسلمين "منظمة إرهابية" سيوصد أبواباً كثيرة في وجهها، ويُضيّق أخرى، وسيقدم هدية غالية لنظام عبد الفتاح السيسي، وأنظمة عربية أخرى، للبدء في شنِّ حملة استئصال جذرية، وأكثر وحشية مما رآه "الإخوان".
أؤمن بأن "الإخوان" في مصر، وفي مناطق أخرى، مظلومون، وما يعانونه في مصر يفوق أي تصور في وحشيته ودناءته. أيضا، يبدو أن بعض شباب "الإخوان" في مصر قد حملوا السلاح دفاعاً عن أنفسهم وأعراضهم أمام بطش نظامٍ مجرم لا يتورع عن الاعتداء على أي حرمة، غير أن هذا شيء، وأن تتبنى أجنحة في الجماعة ذلك، رسمياً، أو حتى أن تباركه ضمنياً، شيء آخر. فهؤلاء الشباب الذين يتبنون، عملياً، "نداء الكنانة"، اتفقنا معهم أم اختلفنا، يمثلون قناعاتهم الخاصة، وما يرونه قضية عادلة بالنسبة لهم. أما عندما يصدر هذا الموقف، حتى وإن كان بشكل ضمني، عن جهة رسمية في الجماعة، فذلك ينقل الأمر من المسؤولية الفردية إلى المسؤولية التنظيمية، وهو ما قد يعزّز رأي القائلين بضرورة تصنيف جماعة الإخوان المسلمين "تنظيماً إرهابياً" في الولايات المتحدة، مع ما يعنيه ذلك من عَنَتٍ سَيلحق بالجماعة بعد ذلك دوليا.
باختصار، ينبغي أن يأخذ نقاش "السلمية" و"الثورية" في مصر طابعاً فكرياً وسياسياً واستشرافياً، بشكل جاد ورصين وواع، وأن لا يبقى أسير المناكفات التنظيمية وتحشيد الأنصار. وفي كل الأحوال، لا يوجد إسناد إقليمي أو دولي لإحداث فوضى في مصر، كما الحال في سورية، يمكن لها أن تستنزف النظام عسكرياً، وهو ما يعني أن من سيفكّر بعسكرة الثورة سيسير بنفسه، ومن يقبل باتباعه، إلى مذبحة. وفوق ذلك احتمال التصنيف "منظمة إرهابية"، بما يعنيه ذلك من حصار خارجي مترافق مع سحق داخلي. طبعاً، ليست هذه دعوة إلى التخلي عن الثورة، لكنها دعوة للتبصر، كما أن ما سبق ليس إدانة للإخوان، وإنما محاولة تسليط ضوء على حقيقة معضلتهم ومظلوميتهم، وفوق هذا وذاك، لا يحمّل هذا المقال "الإخوان" مسؤولية محاولة تصنيفهم "منظمة إرهابية"، وإنما هي محاولة تنبيه أن لا يسهلوا مهمة خصومهم، ولا حتى توسيع دائرتهم.
وبعيداً عن تفاصيل مشروع القانون وحيثياته، والذي يقف وراءه أعضاء كونغرس جمهوريون، منهم المرشح الجمهوري للرئاسة، السناتور تيد كروز، قدّموه العام الماضي في مجلسي الشيوخ والنواب، فإن مجرد طرحه في عام انتخابي ينذر بالكثير، في حال فوز الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية أواخر العام الجاري، حيث قد تمضي إدارة جمهورية، في تصنيف الإخوان "منظمة إرهابية" بقرار رئاسي تنفيذي، أو عبر وزارة الخارجية. ومن ثمَّ، من السطحية بمكان أن يفترض الإخوان المسلمون، ومن ينصحهم من الناشطين المسلمين الأميركيين، أن هذه مجرد مناورة سياسية انتخابية، يوظفها اليمين الأميركي ضد الديمقراطيين لابتزازهم وإضعافهم، فالأمر أعقد من ذلك وأخطر.
نعم، غالباً، فإن وزارة الخارجية التي أناط بها مشروع القانون تقديم تقرير حول ما إذا كانت الجماعة مستوفيةً شروط التصنيف كـ"منظمة إرهابية أجنبية" أم لا، ولماذا.. غالباً، ستصدر تقريراً ينفي أن الجماعة مستوفية شروط التصنيف تلك، لكن هذا لا يعني نهاية القصة بالنسبة للإخوان. فالعام الماضي أصدرت لجنة تحقيق بريطانية حكومية خاصة تقريراً، نفت فيه أن تكون الجماعة "إرهابية"، لكنها أوردت، أيضاً، أن الارتباط بها يعد "مؤشراً ممكناً على التطرّف". وتعقيباً على التقرير، قال رئيس الحكومة البريطانية، ديفيد كاميرون، إن لبعض "أقسام حركة الإخوان المسلمين علاقة ملتسبة جدًا بالتشدد الذي يقود إلى العنف، وإنها صارت نقطة عبور لبعض الأفراد والجماعات المرتبطين بالإرهاب".
ستقول الجماعة، محقة، إن التقرير البريطاني كان سياسياً بامتياز، وإنه حاول أن يوازن بين رؤية بريطانيا الجماعة حركة "سلمية" والضغوط التي كانت واقعة تحتها، وتحديداً من مصر والإمارات، لتصنيفها "إرهابية"، غير أن هذا لا ينفي أن ثمة قلقاً، قائماً وموجوداً، بغض النظر عن شرعيته، في بريطانيا، والولايات المتحدة، من الجماعة وبعض مواقفها "المُلْتَبسَةِ". وقد أتيحت لي الفرصة شخصياً، في العامين الماضيين، أن أناقش بعض قادة الجماعة، من فروع ودول عديدة، في مسائل متصلة بموضوع تصنيف الجماعة "إرهابية" من عدمه في الولايات المتحدة. وكانت أفكاري منطلقةً مما يمكن وصفه انطباعاتٍ خرجت بها من نقاشات مع بعض من يُسْمَعُ لهم في الولايات المتحدة، ولا أستطيع أن أحدّد المقصودين هنا.
ثمّة ممانعة في وزارة الخارجية الأميركية، بقيادتها الديمقراطية الحالية، لتصنيف الإخوان
بعد ترحيب جناح "اللجنة الإدارية" بـ"نداء الكنانة"، التقيت أحد قادة "الإخوان" المصريين في الخارج، وسألته إن كان "الإخوان" قد خلصوا إلى أنه لا مانع لديهم من المغامرة بتصنيف أميركي محتمل لهم "منظمة إرهابية"، ضمن حسابات مدروسة جيدا، أم أنهم يساقون إلى التصنيف، من دون وعي منهم ولا إرادة؟
يومها قال لي: لا هذه ولا هذه. وكان جوابي أن هذا لا يعقل، فإما هذه أو تلك، وعلى "الإخوان" أن يكونوا متهيئين للتصنيف أميركيا، أو العمل على تجنب ذلك، فتصنيف الولايات المتحدة جماعة الإخوان المسلمين "منظمة إرهابية" سيوصد أبواباً كثيرة في وجهها، ويُضيّق أخرى، وسيقدم هدية غالية لنظام عبد الفتاح السيسي، وأنظمة عربية أخرى، للبدء في شنِّ حملة استئصال جذرية، وأكثر وحشية مما رآه "الإخوان".
أؤمن بأن "الإخوان" في مصر، وفي مناطق أخرى، مظلومون، وما يعانونه في مصر يفوق أي تصور في وحشيته ودناءته. أيضا، يبدو أن بعض شباب "الإخوان" في مصر قد حملوا السلاح دفاعاً عن أنفسهم وأعراضهم أمام بطش نظامٍ مجرم لا يتورع عن الاعتداء على أي حرمة، غير أن هذا شيء، وأن تتبنى أجنحة في الجماعة ذلك، رسمياً، أو حتى أن تباركه ضمنياً، شيء آخر. فهؤلاء الشباب الذين يتبنون، عملياً، "نداء الكنانة"، اتفقنا معهم أم اختلفنا، يمثلون قناعاتهم الخاصة، وما يرونه قضية عادلة بالنسبة لهم. أما عندما يصدر هذا الموقف، حتى وإن كان بشكل ضمني، عن جهة رسمية في الجماعة، فذلك ينقل الأمر من المسؤولية الفردية إلى المسؤولية التنظيمية، وهو ما قد يعزّز رأي القائلين بضرورة تصنيف جماعة الإخوان المسلمين "تنظيماً إرهابياً" في الولايات المتحدة، مع ما يعنيه ذلك من عَنَتٍ سَيلحق بالجماعة بعد ذلك دوليا.
باختصار، ينبغي أن يأخذ نقاش "السلمية" و"الثورية" في مصر طابعاً فكرياً وسياسياً واستشرافياً، بشكل جاد ورصين وواع، وأن لا يبقى أسير المناكفات التنظيمية وتحشيد الأنصار. وفي كل الأحوال، لا يوجد إسناد إقليمي أو دولي لإحداث فوضى في مصر، كما الحال في سورية، يمكن لها أن تستنزف النظام عسكرياً، وهو ما يعني أن من سيفكّر بعسكرة الثورة سيسير بنفسه، ومن يقبل باتباعه، إلى مذبحة. وفوق ذلك احتمال التصنيف "منظمة إرهابية"، بما يعنيه ذلك من حصار خارجي مترافق مع سحق داخلي. طبعاً، ليست هذه دعوة إلى التخلي عن الثورة، لكنها دعوة للتبصر، كما أن ما سبق ليس إدانة للإخوان، وإنما محاولة تسليط ضوء على حقيقة معضلتهم ومظلوميتهم، وفوق هذا وذاك، لا يحمّل هذا المقال "الإخوان" مسؤولية محاولة تصنيفهم "منظمة إرهابية"، وإنما هي محاولة تنبيه أن لا يسهلوا مهمة خصومهم، ولا حتى توسيع دائرتهم.