19 سبتمبر 2022
متى ترفضون أن يكون للخراب وطن؟
دعوني أستعير عبارةً قالها القس جوستن بيركنس قبل 150 سنة "قلمي يرفض أن يقول للخراب وطننا". فمتى ترفضون، أيها العراقيون، هذه الطبقة السياسية الحاكمة التي عملت على أن يكون للخراب وطن؟ الكلّ يراقب ما يحدث في العراق من تطورات، وما يدور في المنطقة الخضراء، وما يتداوله بعضهم من مطالب.. ويلعب اليوم السيد مقتدى الصدر دوره من أجل تحقيقها، ويعتكف معتصماً بنفسه بعد اقتحام المنطقة الخضراء التي أمست رمزاً للخراب، صنعه المحتل الأميركي قبل سنوات، فهي منطقة احتوت على كل الفاسدين والمأجورين وسرّاق المال العام.. وكنت أتمنى أن تكون رمزا للبناء والنخوة والنظافة والعمل الخيري والتعايش الوطني. وهنا أسأل: ما فائدة المطالبة بالترقيعات، إذا لم تنادوا بالتغيير الجذري ومحق الطبقة السياسية التي دمّرت العراق وسحقت العراقيين؟
ما يحتاجه العراق، اليوم وغداً، هو أكبر من تنازلات أو توافقات أو مجرد ترقيعات.. وليس المهم الإسراع بتشكيل "أية حكومة". ولكن، المهم ما نوعية تلك الحكومة؟ ليس المهم أن يجمع البرلمان الجديد الأصوات لهذا أو ذاك، بقدر ما يحدثه من تغييراتٍ دستوريةٍ مطالب بإجرائها منذ سنوات! ليس المهم أن يتم الإصرار على أن يحكم هذا (المكون)، كما أسموه، لا ذاك، كما نشهد اليوم، بل المهم البدء في مشروعٍ وطني ومبادرة وطنية، وإعادة تأسيس دولةٍ لا تصادرها طائفةٌ معينة، ولا طبقةٌ سياسيةٌ معينة، ولا بأغبياء يحتكرون الحكم، وهم من المتاجرين بالدين وبالوطن، حتى وإن كانوا يحملون شهاداتٍ عليا، ويسمونهم "تكنوقراط"، ولا يمكن قبول أحزاب سياسية مأجورة، أو كتل طائفية فاسدة أو مليشيات مرتزقة من أجل أخذ الثارات .. إلخ.
يريدون حكومة تكنوقراط، يختارون لها بيادق وإمّعات، ليكونوا مجرد أدواتٍ بأيدي رؤساء الكتل السياسية، ويقف في مقدمتهم رئيس حكومةٍ أثبت الواقع فشله في مهمته فشلاً ذريعاً.. أن الضرورة باتت تقضي باقتلاع الأدغال من جذورها، ولن ينفع التربة أي استصلاح لها من مجرد الأملاح، فقد غدت الطبقة السياسية الحاكمة خائسةً سوداء اللون تزكم الأنوف. وينتظر العراقيون حكومة وبرلماناً يشارك فيهما نسوة ورجال من البناة الأذكياء الحقيقيين المخلصين.
ما يطالب به اليوم بعض العراقيين الذين غدوا صناجةً بأيدي الكبار التافهين يتمثل في السعي إلى "تشكيلة وزارية"، لا تختلف عن سابقتها إلا كونها حكومة "تكنوقراط"، كما يسمونها، ولا أعتقد أن هناك أي مختص يحترم نفسه يقبل ضميره أن يعمل وزيراً في حكومة تافهة. ولقد رشحت أسماء لا يعرفها أحد، وبدت لعبة المحاصصة واضحةً في الترشيحات التي قام بها أناسٌ ترتبط بالمنظومة الحاكمة، ليس المهم، عند هؤلاء، السعي إلى التغيير الشامل والجذري من أجل البدء بعملية سياسية جديدة، لها ركائزها الوطنية، والمضي في الإجراءات القانونية، للتأكد من تغيير الدستور الذي قاد إلى كل هذا الخراب، مع إصدار قوانين صارمة للبدء بحياةٍ سياسيةٍ جديدةٍ، تعمل من دون أية تمايزات جهوية أو من دون تفرقة طائفية، فالشعب يطمح إلى التغيير، ولا يريد إبقاء الحال على ما هو عليه، كي يضحكوا عليه باسم "وزارة تكنوقراط". المهم جداً أن تتم محاسبة كل المقصّرين صناع الخراب، وأن يمثل أمام العدالة كل الفاسدين والمفسدين لينالوا جزاءهم العادل، بعد أن ترفع كل الحصانات عنهم، من دون أن تشفع لهم أية ضمانات. عندما يحدث ذلك، سنصفق للخروج من عنق الزجاجة.
وعلى الرغم من بصيص الأمل لدى بعض العراقيين الذين تحرّكهم عواطفهم الساخنة، ولكن
يبدو أن التشاؤم قد سيطر على أغلب العراقيين. علينا أن نطرح أسئلةً، ونحاول معا الإجابة عليها. وعلى الرغم من تنوع الاتجاهات السياسية والفكرية، إلا أن العراقيين انقسموا إلى قسمين، قسم له منافعه ومفاسده وعلاقاته، فهو قابل بهذا الوضع، ويصفق مع المصفقين لهؤلاء المسؤولين، وقسم له معاناته وشقاء وعيه ورؤيته لما حدث في العراق من انهيارات، ويحلم بالتغيير الحقيقي، وازالة خراب الوطن.. وثمّة حلول ومبادرات، لا يريد سماعها من هو مستفيد من الحالة الراهنة، خصوصا وأن هذه "الحالة"، كما وصفتها جنجر كروز (نائب مفتش عام برنامج إعمار العراق)، أحد تجليات شمولية الفساد، فالفساد في العراق انتشر وتغلغل في كل البنى والمؤسسات، ولم يبق حكراً على الطبقة الحاكمة. شمل الفاسدون في العراق خريجي المدارس والجامعات، وموظفي الدولة والمؤسسات، والتجار والمقاولين والعاملين، وشيوخ العشائر ورجال الدين.. فكيف لا يطاول النواب والوزراء والرؤساء؟ السؤال: هل سنبقى أسرى هذا الوضع المأساوي، ونحن نشهد شمولية جرائم الفساد وشلالات الدم، من خلال صفقاتٍ مشبوهة، لم تزل تجري في كلّ العراق؟ هل في وسع العراقيين فعل شيء؟
لن تقبل الطبقة السياسية الحاكمة أن تتنازل عن مصالحها، ولن تقبل بحلّ الأحزاب والكتل، ولا بمحاسبة رئيس الوزراء السابق ورهطه، لما جنوه بحق العراق وأهله.. معللين ذلك بالشرعية الانتخابية، وقد كُشف ما حصل من تزويرات مفضوحة. إنهم يضيّعون الوقت بتشكيل حكومة تكنوقراط، والعراق يسير مسرعاً إلى انهيار اقتصادي مريع ، فما نفع تشكيل حكومة تكنوقراط من وزراء (دكاترة لا يفرقون بين الضاد والظاء)، وبضمنهم رئيسهم، حيدر العبادي، الذي لا أعرف كيف يحمل الدكتوراه منذ 35 سنة، وهو لم ينشر في حياته خلاصة بحث واحد؟ إنهم يقومون في الحقيقة بطلاء الخراب، ليس عن غباء وسذاجة، بل لأنهم يعملون على إبقاء الخراب.. المسؤولون اليوم عن العراق ومؤسساته، لا يمتّون بصلة إلى هذا العصر. يريدون سحق كل الجماليات وإبقاء القبيح على قبحه. المشكلة أنهم يسوّقون أنفسهم باسم الدين والطائفية والتوافقية، والتراقص على نهش الكعكعة، وما تبقى منها. ولكن، يبدو أن الفرقاء لا يقبلون بمبدأ المشاركة أصلاً.. أي حتى المشاركة أصبحت مرفوضة.. علينا ألا نتخيل الإصلاح والتغيير قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ، فكلّ الذين يقودون هم ينتمون إلى أحزاب طائفية، أو دينية، لا يهمهم ما نطالب به.. تهمهم أشياء وأمور أخرى. إنها مشكلة انقسامية بنيوية، تتحكم في مصير المجتمع العراقي على امتداد أزمنة قادمة.
وعليه، فان تعابير، كالوطنية والثورة والتغيير وغيرها، لا يمكن أن تكون مستهلكة من دون فعل، ولا بديل للعراقيين عنها.. ولا يمكن إحداث التغيير، ما لم يبدأ العمل بمشروعٍ وطنيٍّ، يعمل في إطار مبادئ أو ركائز أساسية لبناء عقد اجتماعي بين الدولة والمجتمع، بعيداً عن الخراب.. إن أية حكومة تكنوقراط يتوجب أن يكون أعضاؤها من الأذكياء وذوي تجارب حقيقية، ومستقلين عن أي حزبٍ، أو طرف أو إقليم أو طائفة أو دين.. إنها حكومة عمل، وتنفيذ قوانين، لا حكومة تسلط ومناصب. لا أعتقد أبدا أن الشعب سيقول كلمته في التغيير الجذري، إلا حين تعلن ساعة الصفر، فالشعب مغلوب على أمره اليوم.. ولكن التغيير سيأتي في لحظةٍ تاريخيةٍ مفاجئةٍ للجميع، ضمن أسبابٍ معينة، وضمن خططٍ معينةٍ، مع توفر مناخ ملائم لحدوثه، ينطلق به عراقيون يرفضون أن يكون للخراب وطن.
ما يحتاجه العراق، اليوم وغداً، هو أكبر من تنازلات أو توافقات أو مجرد ترقيعات.. وليس المهم الإسراع بتشكيل "أية حكومة". ولكن، المهم ما نوعية تلك الحكومة؟ ليس المهم أن يجمع البرلمان الجديد الأصوات لهذا أو ذاك، بقدر ما يحدثه من تغييراتٍ دستوريةٍ مطالب بإجرائها منذ سنوات! ليس المهم أن يتم الإصرار على أن يحكم هذا (المكون)، كما أسموه، لا ذاك، كما نشهد اليوم، بل المهم البدء في مشروعٍ وطني ومبادرة وطنية، وإعادة تأسيس دولةٍ لا تصادرها طائفةٌ معينة، ولا طبقةٌ سياسيةٌ معينة، ولا بأغبياء يحتكرون الحكم، وهم من المتاجرين بالدين وبالوطن، حتى وإن كانوا يحملون شهاداتٍ عليا، ويسمونهم "تكنوقراط"، ولا يمكن قبول أحزاب سياسية مأجورة، أو كتل طائفية فاسدة أو مليشيات مرتزقة من أجل أخذ الثارات .. إلخ.
يريدون حكومة تكنوقراط، يختارون لها بيادق وإمّعات، ليكونوا مجرد أدواتٍ بأيدي رؤساء الكتل السياسية، ويقف في مقدمتهم رئيس حكومةٍ أثبت الواقع فشله في مهمته فشلاً ذريعاً.. أن الضرورة باتت تقضي باقتلاع الأدغال من جذورها، ولن ينفع التربة أي استصلاح لها من مجرد الأملاح، فقد غدت الطبقة السياسية الحاكمة خائسةً سوداء اللون تزكم الأنوف. وينتظر العراقيون حكومة وبرلماناً يشارك فيهما نسوة ورجال من البناة الأذكياء الحقيقيين المخلصين.
ما يطالب به اليوم بعض العراقيين الذين غدوا صناجةً بأيدي الكبار التافهين يتمثل في السعي إلى "تشكيلة وزارية"، لا تختلف عن سابقتها إلا كونها حكومة "تكنوقراط"، كما يسمونها، ولا أعتقد أن هناك أي مختص يحترم نفسه يقبل ضميره أن يعمل وزيراً في حكومة تافهة. ولقد رشحت أسماء لا يعرفها أحد، وبدت لعبة المحاصصة واضحةً في الترشيحات التي قام بها أناسٌ ترتبط بالمنظومة الحاكمة، ليس المهم، عند هؤلاء، السعي إلى التغيير الشامل والجذري من أجل البدء بعملية سياسية جديدة، لها ركائزها الوطنية، والمضي في الإجراءات القانونية، للتأكد من تغيير الدستور الذي قاد إلى كل هذا الخراب، مع إصدار قوانين صارمة للبدء بحياةٍ سياسيةٍ جديدةٍ، تعمل من دون أية تمايزات جهوية أو من دون تفرقة طائفية، فالشعب يطمح إلى التغيير، ولا يريد إبقاء الحال على ما هو عليه، كي يضحكوا عليه باسم "وزارة تكنوقراط". المهم جداً أن تتم محاسبة كل المقصّرين صناع الخراب، وأن يمثل أمام العدالة كل الفاسدين والمفسدين لينالوا جزاءهم العادل، بعد أن ترفع كل الحصانات عنهم، من دون أن تشفع لهم أية ضمانات. عندما يحدث ذلك، سنصفق للخروج من عنق الزجاجة.
وعلى الرغم من بصيص الأمل لدى بعض العراقيين الذين تحرّكهم عواطفهم الساخنة، ولكن
لن تقبل الطبقة السياسية الحاكمة أن تتنازل عن مصالحها، ولن تقبل بحلّ الأحزاب والكتل، ولا بمحاسبة رئيس الوزراء السابق ورهطه، لما جنوه بحق العراق وأهله.. معللين ذلك بالشرعية الانتخابية، وقد كُشف ما حصل من تزويرات مفضوحة. إنهم يضيّعون الوقت بتشكيل حكومة تكنوقراط، والعراق يسير مسرعاً إلى انهيار اقتصادي مريع ، فما نفع تشكيل حكومة تكنوقراط من وزراء (دكاترة لا يفرقون بين الضاد والظاء)، وبضمنهم رئيسهم، حيدر العبادي، الذي لا أعرف كيف يحمل الدكتوراه منذ 35 سنة، وهو لم ينشر في حياته خلاصة بحث واحد؟ إنهم يقومون في الحقيقة بطلاء الخراب، ليس عن غباء وسذاجة، بل لأنهم يعملون على إبقاء الخراب.. المسؤولون اليوم عن العراق ومؤسساته، لا يمتّون بصلة إلى هذا العصر. يريدون سحق كل الجماليات وإبقاء القبيح على قبحه. المشكلة أنهم يسوّقون أنفسهم باسم الدين والطائفية والتوافقية، والتراقص على نهش الكعكعة، وما تبقى منها. ولكن، يبدو أن الفرقاء لا يقبلون بمبدأ المشاركة أصلاً.. أي حتى المشاركة أصبحت مرفوضة.. علينا ألا نتخيل الإصلاح والتغيير قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ، فكلّ الذين يقودون هم ينتمون إلى أحزاب طائفية، أو دينية، لا يهمهم ما نطالب به.. تهمهم أشياء وأمور أخرى. إنها مشكلة انقسامية بنيوية، تتحكم في مصير المجتمع العراقي على امتداد أزمنة قادمة.
وعليه، فان تعابير، كالوطنية والثورة والتغيير وغيرها، لا يمكن أن تكون مستهلكة من دون فعل، ولا بديل للعراقيين عنها.. ولا يمكن إحداث التغيير، ما لم يبدأ العمل بمشروعٍ وطنيٍّ، يعمل في إطار مبادئ أو ركائز أساسية لبناء عقد اجتماعي بين الدولة والمجتمع، بعيداً عن الخراب.. إن أية حكومة تكنوقراط يتوجب أن يكون أعضاؤها من الأذكياء وذوي تجارب حقيقية، ومستقلين عن أي حزبٍ، أو طرف أو إقليم أو طائفة أو دين.. إنها حكومة عمل، وتنفيذ قوانين، لا حكومة تسلط ومناصب. لا أعتقد أبدا أن الشعب سيقول كلمته في التغيير الجذري، إلا حين تعلن ساعة الصفر، فالشعب مغلوب على أمره اليوم.. ولكن التغيير سيأتي في لحظةٍ تاريخيةٍ مفاجئةٍ للجميع، ضمن أسبابٍ معينة، وضمن خططٍ معينةٍ، مع توفر مناخ ملائم لحدوثه، ينطلق به عراقيون يرفضون أن يكون للخراب وطن.