23 ابريل 2017
هل تُغيّر زيارة مودي السعودية شيئاً؟
في إطار سياسة الهند الاستباقية الهادفة إلى التقرب من قوى مؤثرة في الخليج العربي، قام رئيس الوزراء الهندي، ناريندا مودي، بزيارة للسعودية دامت يومين. وكانت آخر زيارة قام بها مسؤول هندي رفيع المستوى للمملكة في فبراير/شباط 2010، قام بها رئيس الوزراء السابق، مانموهان سينغ. وكان مودي رئيس وزراء ولاية غوجارت. وقد استقبلت المملكة زائرها بالبروتوكول الذي اعتادت أن تقدمه لأي رئيس دولة أو حكومة يزورها. وخلافا لتوقعات الطرف الهندي قبل الزيارة، لم تنقلب الرياض على باكستان، غير أن ما يحزن الباكستانيين بشدة هو منح أعلى وسام سعودي إلى شخصٍ مسؤول عن عمليات قتل جماعي، وبذلك يجوز افتراض أن مودي قد يستخدم هذا التقدير السعودي الكبير له لملاحقة المسلمين بشكل أكثر عدائية، ذلك أن تكريم الرياض له قد يتم تفسيره بأنها لا تهتم بما يحدث للمسلمين تحت حكم الهندوس.
وقبل عودة مودي إلى بلاده، كان الجدال حول البيان المشترك المتعلق بقضايا الإرهاب قد وصل إلى حده. فالبلدان، طبقا لنص البيان، "دعيا جميع الدول إلى رفض استخدام الإرهاب ضد دول أخرى، وإلى تفكيك البنى التحتية للإرهاب حيث توجد، والقطع مع أي نوعٍ من الدعم والتمويل المتوجّه إلى الإرهابيين، كما دعا البيان أيضاً إلى عدم السماح بارتكاب عمليات إرهابيةٍ فوق أراضي دول ضد دول أخرى، وإلى تقديم مرتكبي الأعمال الإرهابية إلى العدالة". ويبدو أن دلهي افترضت في مضامين البيان إشارة ضمنية عن باكستان، فقد ابتهجت وسائل الإعلام الهندية به، غير أن المسؤولين السعوديين كانوا يؤشرون، في البيان، إلى إيران، أي الشريك الاستراتيجي والتجاري الرئيسي للهند.
وهنا، بالغت الهند قليلاً في توقعاتها. فكيف يمكن للعربية السعودية أن تتهم باكستان بتمويل الإرهاب، في حين أنها شريك رسمي للرياض في تحالفها الذي يضم 34 دولة. وللتذكير، فإن العلاقات السعودية الباكستانية كانت، ولا تزال، مزدهرة منذ سنة 1940. وليس بعيداً عن تاريخنا اليوم، فقد عرض التحالف الذي تقوده الرياض على قائد الجيش الباكستاني المتقاعد، الجنرال راحيل شريف، قيادة القوة العسكرية الإسلامية متعدّدة الجنسيات. وعلى الرغم من ذلك كله، تحاول الهند أن تتخذ موقفاً محايداً، يمكن تفسيره، بشكل لبق، نوعاً من فك الرباط مع باكستان، لكنه، في الوقت نفسه، محاولةٌ لحشد قاعدة دعم كبيرة في الشرق الأوسط، من أجل التوصل إلى صيغةٍ مع مجلس الأمن الدولي. ومهما تكن الحقيقة، فإن البيان المشترك سيُستغل من أجل تسييج الغضب ضد باكستان، بغرض تحقيق مكاسب سياسية داخل الهند. ولكن، ما يبدو "تصوراً مشتركاً للإرهاب" ليس بالضبط كذلك. لأنه، وإلى جانب ذلك، وقّعت الرياض ودلهي على خمس اتفاقياتٍ تتضمن مسائل متعلقة بتمويل الإرهاب، وتشجيع الاستثمار المتبادل، ورعاية العمال الهنود، والحفاظ على التراث، وتوحيد المنتجات.
وخلافاً لتقييم محللين يدّعي أن السعودية ستكون مع الهند، وأن باكستان ستنفصل عن إيران،
فإن لا شيء من هذا القبيل يتحقق في منطق الدبلوماسية الذي عوض أن يلغي الآخر، فإنه يسعى إلى تحقيق أقصى قدر من المصلحة الذاتية. وهكذا، لم تكن زيارة ناريندا مودي لتضر بالعلاقات بين إسلام أباد والرياض. وتتوفر جارة باكستان الشرقية وزعيمها على رأس مال محدود، خصوصاً في السعودية، حيث لا يمكن تجاهل دور دلهي التاريخي في أثناء الحرب الباردة، وكذلك مسار العلاقات مع طهران. وقبل أيام من زيارة مودي، حظرت كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية جماعات ذات صلة بالإرهاب على الصعيد العالمي، بما في ذلك الجماعة المسلحة "لشكر طيبة" التابعة لـ"كشمير السلفية"؛ وهذا ما أشاع تفاؤلاً كثيراً في أوساط حاكمة في نيودلهي، إلا أن ما يضر باكستان حقا هو التطور المتزايد للتجارة والاستثمارات السعودية الهندية. فقد قامت السفارات الهندية بأعمال ظاهرة في فتح مجالات التجارة والاستثمار وتصدير اليد العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي. ووفقا لمزاعم هندية، فإن عدد اليد العاملة في المملكة وحدها يرتفع إلى 2.9 مليون، أي ما يعادل تقريباً اليد العاملة الباكستانية هناك. وقد ارتفعت حصة الهند من الصادرات إلى المملكة بشكل ثابت منذ منتصف العقد الماضي، وازدهرت في السنوات الخمس الماضية.
ما يشوّه صورة السفارات الباكستانية هناك السفراء المعتدّون بأنفسهم، والذين نادراً ما يقومون بمبادرات للتواصل الفعال مع المواطنين. وفي حين أن باكستان استنفدت كل الاهتمام في محاربة المتشدّدين والإرهابيين، فإن نصيبها من التجارة لم يتنام في دول مجلس التعاون الخليجي. كما أن صورة البعثات الدبلوماسية لإسلام أباد متشوهة، بسبب المشادات الداخلية والرسميات وأجندات السفراء الشخصية. فيما تنشط بعثات الهند الدبلوماسية من أجل إنجاز أهداف سياسية طويلة وقصيرة المدى.
وبشكل عام، لم تمنح دول الخليج باكستان مكانة متساوية مع الهند في العلاقات الاقتصادية والتجارية، وهنا تتجلى "التفضيلية". نعم، إسلام أباد دائما مطلوبة عند وجود أي أزمة، أو تهديد خارجي، لكن الثمار تسقط في الجانب الهندي بكثافة. وباكستان ضعيفة اقتصاديا، لكنها قوية عسكرياً. ولا يمكن للسعوديين، ودول الخليج الأخرى، أن يذهبوا بعيداً في استرضاء الهند أو الغرب. حان الوقت لربط ميناء جوادر الباكستاني مع خط أنابيب لتوفير النفط، ليس فقط لأحد الحلفاء، ولكن على طول الطريق إلى الصين. وإلى جانب ذلك، يتموضع بحر العرب، استراتيجياً، على الساحل المقابل للصناعة السعودية، لكي يتم تشغيله بقوة عاملة بتكلفة أقل. هذه هي الفرص التي تنتظر استغلالها، فالرياض بحاجة ماسة لاحتواء تغلغل إيران الناعم في باكستان، مثل أي مكان آخر في العالم الإسلامي.
بإيجاز شديد، فإن احتمال اتجاه المملكة العربية السعودية نحو الهند، وإخلال علاقاتها مع باكستان في المستقبل ضئيل للغاية. فالهند وإيران يربطهما تعاون عميق على محاور متعددة. لذا، لن يستطيع السعوديون إمالة دلهي لصالحهم، حتى وإن رغبوا في ذلك. وفي الوقت نفسه، لا تستطيع إسلام أباد حفظ العلاقات على أساس المشاعر أو التضامن الإسلامي. لذلك، قد تكون أبسط علاقات اقتصادية جدار الحماية الأمثل لكلا الطرفين.
وقبل عودة مودي إلى بلاده، كان الجدال حول البيان المشترك المتعلق بقضايا الإرهاب قد وصل إلى حده. فالبلدان، طبقا لنص البيان، "دعيا جميع الدول إلى رفض استخدام الإرهاب ضد دول أخرى، وإلى تفكيك البنى التحتية للإرهاب حيث توجد، والقطع مع أي نوعٍ من الدعم والتمويل المتوجّه إلى الإرهابيين، كما دعا البيان أيضاً إلى عدم السماح بارتكاب عمليات إرهابيةٍ فوق أراضي دول ضد دول أخرى، وإلى تقديم مرتكبي الأعمال الإرهابية إلى العدالة". ويبدو أن دلهي افترضت في مضامين البيان إشارة ضمنية عن باكستان، فقد ابتهجت وسائل الإعلام الهندية به، غير أن المسؤولين السعوديين كانوا يؤشرون، في البيان، إلى إيران، أي الشريك الاستراتيجي والتجاري الرئيسي للهند.
وهنا، بالغت الهند قليلاً في توقعاتها. فكيف يمكن للعربية السعودية أن تتهم باكستان بتمويل الإرهاب، في حين أنها شريك رسمي للرياض في تحالفها الذي يضم 34 دولة. وللتذكير، فإن العلاقات السعودية الباكستانية كانت، ولا تزال، مزدهرة منذ سنة 1940. وليس بعيداً عن تاريخنا اليوم، فقد عرض التحالف الذي تقوده الرياض على قائد الجيش الباكستاني المتقاعد، الجنرال راحيل شريف، قيادة القوة العسكرية الإسلامية متعدّدة الجنسيات. وعلى الرغم من ذلك كله، تحاول الهند أن تتخذ موقفاً محايداً، يمكن تفسيره، بشكل لبق، نوعاً من فك الرباط مع باكستان، لكنه، في الوقت نفسه، محاولةٌ لحشد قاعدة دعم كبيرة في الشرق الأوسط، من أجل التوصل إلى صيغةٍ مع مجلس الأمن الدولي. ومهما تكن الحقيقة، فإن البيان المشترك سيُستغل من أجل تسييج الغضب ضد باكستان، بغرض تحقيق مكاسب سياسية داخل الهند. ولكن، ما يبدو "تصوراً مشتركاً للإرهاب" ليس بالضبط كذلك. لأنه، وإلى جانب ذلك، وقّعت الرياض ودلهي على خمس اتفاقياتٍ تتضمن مسائل متعلقة بتمويل الإرهاب، وتشجيع الاستثمار المتبادل، ورعاية العمال الهنود، والحفاظ على التراث، وتوحيد المنتجات.
وخلافاً لتقييم محللين يدّعي أن السعودية ستكون مع الهند، وأن باكستان ستنفصل عن إيران،
ما يشوّه صورة السفارات الباكستانية هناك السفراء المعتدّون بأنفسهم، والذين نادراً ما يقومون بمبادرات للتواصل الفعال مع المواطنين. وفي حين أن باكستان استنفدت كل الاهتمام في محاربة المتشدّدين والإرهابيين، فإن نصيبها من التجارة لم يتنام في دول مجلس التعاون الخليجي. كما أن صورة البعثات الدبلوماسية لإسلام أباد متشوهة، بسبب المشادات الداخلية والرسميات وأجندات السفراء الشخصية. فيما تنشط بعثات الهند الدبلوماسية من أجل إنجاز أهداف سياسية طويلة وقصيرة المدى.
وبشكل عام، لم تمنح دول الخليج باكستان مكانة متساوية مع الهند في العلاقات الاقتصادية والتجارية، وهنا تتجلى "التفضيلية". نعم، إسلام أباد دائما مطلوبة عند وجود أي أزمة، أو تهديد خارجي، لكن الثمار تسقط في الجانب الهندي بكثافة. وباكستان ضعيفة اقتصاديا، لكنها قوية عسكرياً. ولا يمكن للسعوديين، ودول الخليج الأخرى، أن يذهبوا بعيداً في استرضاء الهند أو الغرب. حان الوقت لربط ميناء جوادر الباكستاني مع خط أنابيب لتوفير النفط، ليس فقط لأحد الحلفاء، ولكن على طول الطريق إلى الصين. وإلى جانب ذلك، يتموضع بحر العرب، استراتيجياً، على الساحل المقابل للصناعة السعودية، لكي يتم تشغيله بقوة عاملة بتكلفة أقل. هذه هي الفرص التي تنتظر استغلالها، فالرياض بحاجة ماسة لاحتواء تغلغل إيران الناعم في باكستان، مثل أي مكان آخر في العالم الإسلامي.
بإيجاز شديد، فإن احتمال اتجاه المملكة العربية السعودية نحو الهند، وإخلال علاقاتها مع باكستان في المستقبل ضئيل للغاية. فالهند وإيران يربطهما تعاون عميق على محاور متعددة. لذا، لن يستطيع السعوديون إمالة دلهي لصالحهم، حتى وإن رغبوا في ذلك. وفي الوقت نفسه، لا تستطيع إسلام أباد حفظ العلاقات على أساس المشاعر أو التضامن الإسلامي. لذلك، قد تكون أبسط علاقات اقتصادية جدار الحماية الأمثل لكلا الطرفين.