03 يوليو 2019
مسوخ الديكتاتور
أوسعني أعوان أحمد الجربا شتماً، ولم يجرؤ أيٌّ منهم، أو من نسائهم، وقد شاركن أيضاً في حملة ردحٍ ضدي، على أن ينفي بصورةٍ قاطعةٍ صحة رسالة، قالت صحيفة معاريف العبرية إن الرجل بعث بها إلى إسرائيل، عارضاً استعداده للقاء قادتها، بمجرد أن فرغ من تأسيس ما سماه "تيار الغد السوري"، تحت رعاية نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وكنت أتمنى لو كتب أيٌّ من هؤلاء ما يستحق النقاش، أو يفتح باب الجدل، حول محتوى مقالة لي نشرتها "العربي الجديد" (1 أبريل/ نيسان الجاري)، تحت عنوان "الجربا بالعبرية في حضن السيسي"، وحللت فيه الخبر المتداول على نطاق واسع، بالاستناد إلى معطياتٍ سياسيةٍ معلنة، منها بيان ولادة تيار الجربا، واسم قابلته التي ولد على يديها، وشهود مولده، فضلاً عن إطاره التاريخي، والجغرافي، بما لهما من دلالاتٍ تثير الريبة.
لكن، وبدلاً من أن يرد "تيار الغد" بنفي الخبر، مثلاً، لو أنه كان غير صحيح، أو بتفنيد ما قلت، وعوضاً عن أن يقدّم ما قد يبدّد الشكوك المحيطة بتأسيسه، انبرى محدثو العمل السياسي والإعلامي في صفوفه، ليكتبوا ما يشير إلى أنهم مازالوا أبناء أصيلين للنظام السوري، حتى بعد خمس سنوات طوال من زعمهم الاختلاف معه، وعنه، وذلك باختيارهم الشتم والتخوين وسيلةً لمواجهة من ينتقدهم؛ تتساءل، مثلاً، عن معنى خلو تصريحات الجربا من أية إشاراتٍ إلى إسقاط الأسد، ولماذا صارت محاربة الإرهاب، في المقابل، اللازمة اللصيقة بلسانه، فيأتيك الجواب كأنه صيغ في جريدة البعث، أو في قاعة أخبار تلفزيون الدنيا، لا بل يتعالى الصراخ، عن المؤامرة التي يحيكها ساسة الغاز وقناة الجزيرة والإخوان المسلمون وعزمي بشارة وبنيامين نتنياهو، على مجموعة الجربا هذه المرة، لا على حكّام دمشق.
وإنْ أنت قلّلت عقلك، وبحثت عن سبب توجيه الاتهام لكل هؤلاء وغيرهم، بسبب مقالة لكاتب سياسي، يقول فيها رأيه الذي قد يصيب وقد يخطئ، فعبثاً تفعل، لأن البحث الأجدى هنا ينبغي أن يكون ذا طابع سيكولوجي، وسوسيولوجي، هدفه فهم التشوهات التربوية والاجتماعية التي تجعل المعارض، بعد نصف قرن من الخضوع للديكتاتورية، يصير شبيهاً بالطاغية، أو يتحول إلى نسخةٍ مسخة منه، بافتراض أنه يعارضه فعلاً، وليس عميلاً له، كما هي الحال في ما خصّ أسماء معروفة، كانت الأجهزة الأمنية السورية سمحت لها بالعمل قبل الثورة تحت يافطة حقوق الإنسان، ثم سرعان ما قفزت إلى واجهة الثورة.
وبالعودة إلى نماذج من مثل هذه الردود، ستجد أن إحداهن نشرت رداً تحت اسم مستعار، على موقع إلكتروني لبناني، أذهبته الركاكة والشتائم إلى غير ما أراد، فبدا للقارئ نوعاً من التأكيد في معرض النفي، على ما كنت ذهبت إليه في مقالتي من تحليل لرسالة الجربا، أقول فيه إنه ربما "أدرك، أخيراً، بغريزته، أو بفعل فاعل، سر بقاء الأسد، على الرغم من كل ما ارتكب هذا من جرائم ضد الإنسانية، فتوجه إلى أهل الحل والعقد في تل أبيب، ليقدّم نفسه بديلاً، بالشرط المعروف إياه؛ حماية أمن إسرائيل".
ولمّا لم يؤتِ رد صاحبتنا غرض كتابته ونشره، تنطّح زوجها لنشر رد آخر، في مواقع عدة، يبدأ بالتذكير بأن مساهماتي الإعلامية، أنا العبد الفقير إلى رحمة الله، كانت مكسباً للثورة السورية، وينتهي، من دون أن يرفّ له جفن، إلى تخويني، لأنني انتقدت رسالة الجربا إلى إسرائيل.
إنه منطق الطاغية نفسه؛ ففي معادلة الصراع مع بشار الأسد، صار الأخير، وفق رأي جماعته، هو الدولة وهو الوطن، يلخصهما في شخصه، ومن يعاديه يعاديهما، وفي معادلة الاختلاف مع أحمد الجربا، صار هذا الأخير كذلك، في نظر أعوانه، هو الثورة وهو الوطن، يختزلهما في شخصه، ومن يعاديه يعاديهما.
أما من مصحّاتٍ عقلية في هذه المنطقة من العالم؟
وكنت أتمنى لو كتب أيٌّ من هؤلاء ما يستحق النقاش، أو يفتح باب الجدل، حول محتوى مقالة لي نشرتها "العربي الجديد" (1 أبريل/ نيسان الجاري)، تحت عنوان "الجربا بالعبرية في حضن السيسي"، وحللت فيه الخبر المتداول على نطاق واسع، بالاستناد إلى معطياتٍ سياسيةٍ معلنة، منها بيان ولادة تيار الجربا، واسم قابلته التي ولد على يديها، وشهود مولده، فضلاً عن إطاره التاريخي، والجغرافي، بما لهما من دلالاتٍ تثير الريبة.
لكن، وبدلاً من أن يرد "تيار الغد" بنفي الخبر، مثلاً، لو أنه كان غير صحيح، أو بتفنيد ما قلت، وعوضاً عن أن يقدّم ما قد يبدّد الشكوك المحيطة بتأسيسه، انبرى محدثو العمل السياسي والإعلامي في صفوفه، ليكتبوا ما يشير إلى أنهم مازالوا أبناء أصيلين للنظام السوري، حتى بعد خمس سنوات طوال من زعمهم الاختلاف معه، وعنه، وذلك باختيارهم الشتم والتخوين وسيلةً لمواجهة من ينتقدهم؛ تتساءل، مثلاً، عن معنى خلو تصريحات الجربا من أية إشاراتٍ إلى إسقاط الأسد، ولماذا صارت محاربة الإرهاب، في المقابل، اللازمة اللصيقة بلسانه، فيأتيك الجواب كأنه صيغ في جريدة البعث، أو في قاعة أخبار تلفزيون الدنيا، لا بل يتعالى الصراخ، عن المؤامرة التي يحيكها ساسة الغاز وقناة الجزيرة والإخوان المسلمون وعزمي بشارة وبنيامين نتنياهو، على مجموعة الجربا هذه المرة، لا على حكّام دمشق.
وإنْ أنت قلّلت عقلك، وبحثت عن سبب توجيه الاتهام لكل هؤلاء وغيرهم، بسبب مقالة لكاتب سياسي، يقول فيها رأيه الذي قد يصيب وقد يخطئ، فعبثاً تفعل، لأن البحث الأجدى هنا ينبغي أن يكون ذا طابع سيكولوجي، وسوسيولوجي، هدفه فهم التشوهات التربوية والاجتماعية التي تجعل المعارض، بعد نصف قرن من الخضوع للديكتاتورية، يصير شبيهاً بالطاغية، أو يتحول إلى نسخةٍ مسخة منه، بافتراض أنه يعارضه فعلاً، وليس عميلاً له، كما هي الحال في ما خصّ أسماء معروفة، كانت الأجهزة الأمنية السورية سمحت لها بالعمل قبل الثورة تحت يافطة حقوق الإنسان، ثم سرعان ما قفزت إلى واجهة الثورة.
وبالعودة إلى نماذج من مثل هذه الردود، ستجد أن إحداهن نشرت رداً تحت اسم مستعار، على موقع إلكتروني لبناني، أذهبته الركاكة والشتائم إلى غير ما أراد، فبدا للقارئ نوعاً من التأكيد في معرض النفي، على ما كنت ذهبت إليه في مقالتي من تحليل لرسالة الجربا، أقول فيه إنه ربما "أدرك، أخيراً، بغريزته، أو بفعل فاعل، سر بقاء الأسد، على الرغم من كل ما ارتكب هذا من جرائم ضد الإنسانية، فتوجه إلى أهل الحل والعقد في تل أبيب، ليقدّم نفسه بديلاً، بالشرط المعروف إياه؛ حماية أمن إسرائيل".
ولمّا لم يؤتِ رد صاحبتنا غرض كتابته ونشره، تنطّح زوجها لنشر رد آخر، في مواقع عدة، يبدأ بالتذكير بأن مساهماتي الإعلامية، أنا العبد الفقير إلى رحمة الله، كانت مكسباً للثورة السورية، وينتهي، من دون أن يرفّ له جفن، إلى تخويني، لأنني انتقدت رسالة الجربا إلى إسرائيل.
إنه منطق الطاغية نفسه؛ ففي معادلة الصراع مع بشار الأسد، صار الأخير، وفق رأي جماعته، هو الدولة وهو الوطن، يلخصهما في شخصه، ومن يعاديه يعاديهما، وفي معادلة الاختلاف مع أحمد الجربا، صار هذا الأخير كذلك، في نظر أعوانه، هو الثورة وهو الوطن، يختزلهما في شخصه، ومن يعاديه يعاديهما.
أما من مصحّاتٍ عقلية في هذه المنطقة من العالم؟