02 نوفمبر 2024
ليبيا... تحدّيات تواجه حكومة السرّاج
جاء فائز السرّاج إلى ليبيا والناس في ظمأ إلى السلام بعد أن أدمتهم الحرب، وفي شوقٍ إلى الوفاق، بعد أن أرهقتهم الفرقة، فكسب، للوهلة الأولى، من حلوله في طرابلس قدراً كبيراً من تعاطف الناس، وتأييدهم حكومته الوليدة، وتقاطرت على المجلس الرئاسي بيانات الولاء من جهاتٍ رسميةٍ ومدنية عديدة، من قبيل أعيان القبائل، والاتحاد الوطني لعمّال ليبيا، ومؤسسة النفط الوطنية، ومصرف ليبيا المركزي، والمشرفين على البلديات، ووزراء حكومة الإنقاذ المنحلّة، ووجدت حكومة الوفاق الوطني دعماً دبلوماسياً سخيّا في أروقة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومن دول الجوار الليبي. وبدا أنّ التوجّه الغالب هو الميل إلى تثبيت الحكومة الجديدة، والنأي بها عن التجاذبات السياسية. والمراد المعلن لمّ كيان ليبيا المتصدّع، وتجنيب البلاد ويلات الحرب الأهلية، والتأسيس لنواة دولة جمهورية.
غير أنّ ما تحظى به حكومة السراج من تأييدٍ في الداخل والخارج لا يمنع من أنّها تواجه تحدّياتٍ كثيرة، منها ما هو أمني، ومنها ما هو اقتصادي/ اجتماعي، ومنها ما هو دستوري/ حقوقي. فمن الناحية الأمنية، تواجه حكومة الوفاق الوطني معضلة انتشار السلاح، وعدم احتكار الدولة صلاحيات الردع الشرعي، بسبب كثرة المليشيات المسلّحة، وتنافسها على السلطة، ومواقع النفوذ في شرق البلاد وغربها. ويقتضي تجريد تلك الجماعات من السلاح، وإدماجها ضمن مؤسسة الجيش، أو جهاز الشرطة، جهداً ووقتاً كثيرين، لأنّ بعض تلك المليشيات مؤدلج، وبعضها محسوبٌ على طرف قبلي أو سياسي معيّن، وترى في انخراطها ضمن أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية تقليصاً لنفوذها وتهديداً لمصالحها. ويبقى حضور داعش في عدد من المدن الليبية، وسعيه إلى السيطرة على منابع النفط، والامتداد في المناطق الحدودية والداخلية، التحدّي الأمني الأبرز الذي يواجه حكومة السرّاج، فما يتوفّر عليه التنظيم من عدد (حوالى 5 آلاف مقاتل)، وعُدّة، وخلايا نائمة، وما يتميّز به من قدرة على التجنيد والقتال والانغماس، يجعل عكس الهجوم ضدّه، عمليّة صعبة وطويلة المدى، تقتضي درجةً عاليةً من الجاهزية لدى القوى الأمنية والعسكرية الليبية، مما يستدعي إعادة هيكلة مؤسّسة الجيش وتأهيلها لملاحقة "داعش"، والقيام بعمليات استباقية ضدّه. ومعلومٌ أنّ الفشل في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، واستمرار حالة الانقسام في الداخل الليبي يزيد من اتّساع رقعة "داعش"، ويؤذن بتهديد السلم الأهلي والاستقرار الأمني، والانتقال الاقتصادي بالبلاد.
وتشهد ليبيا، على الصعيد الاجتماعي، حالةً من الاستقطاب الحادّ بين أنصار الثورة وأشياع
النظام القديم، وكذا بين فئةٍ قليلةٍ ميّالةٍ إلى الانفصال، وجموع غفيرة متمسّكة بوحدة التراب الليبي، وتعرف صراعاً على الشرعية الثورية، وصعوداً واضحاً لخطاب الكراهية، وثقافة الإقصاء والإقصاء المضاد، وهو ما يجعل مهمّة حكومة السرّاج في الخروج بالبلاد من حال النّزاع والتشتت إلى حال الوفاق والتآلف أمراً على غايةٍ من الصعوبة. ويعزّز ذلك ما تعانيه ليبيا من مشكلاتٍ اجتماعية، ومعضلاتٍ اقتصاديةٍ خانقة، في مقدّمتها ارتفاع نسبة البطالة (19%)، وانتشار الفساد المالي والإداري، وتدهور قيمة الدينار الليبي، وشيوع الاحتكار، وارتفاع الأسعار، في مقابل تراجع المقدرة الشرائية للمواطن، وانحسار نسبة النمو. ويعود ذلك إلى غياب استراتيجيةٍ تنمويةٍ واضحة المعالم، طويلة المدى ومتعدّدة الموارد. ذلك أنّ الاقتصاد الليبي يعاني من هشاشةٍ ظاهرة، مردّها قيامه على نموذج تنموي ريعي، يستفيد أساساً من عوائد النفط التي تراجعت بسبب الحرب، وإقفال جلّ الموانئ النفطية الليبية، بداية من منتصف سنة 2013، وبسبب الانخفاض غير المسبوق لسعر برميل النفط (38 دولارا) مع موفى سنة 2015، وهو ما زاد من متاعب الاقتصاد الليبي. يضاف إلى ذلك نفور المستثمرين الأجانب، وتراجع مساهمة الاستثمار الخارجي في الناتج الإجمالي العام من 25.5 % سنة 2010 إلى 8 % سنة 2014، بحسب بيانات مصرف ليبيا المركزي، وذلك نتيجة إغلاق شركاتٍ أجنبية أبوابها، وهروب المستثمرين خوفاً من تداعيات النزاع المسلّح في البلاد. وهو ما يجعل الحكومة الجديدة معنيّة بوضع خطط مرحلية واستراتيجية ناجعة لإنعاش الاقتصاد الليبي، وذلك عبر تنويع مصادر الدخل ومسالك الإنتاج والتوزيع، وإطلاق مشروع إعادة المهجّرين والنازحين، وإعمار ما دمّرته الحرب.
على الصعيد الحقوقي/ الدستوري، لم تتمكن ليبيا، بعد خمس سنوات من إطاحة العقيد معمّر القذافي، من إقامة أركان دولةٍ جمهوريةٍ ديمقراطية، ولم تتمكّن من تحويل منجزها الثوري إلى منجز دستوري، تقدّمي، يحظى بتوافق معظم الليبيين. كما أنّ مأسسة الدولة المدنية، وإقامة العدالة الانتقالية، ونشر ثقافة الحق والواجب مشاريع معلّقة. فهل تتمكّن حكومة فائز السرّاج من تجاوز عثرات الحكومات السابقة، وتبني معالم ليبيا الجديدة؟
غير أنّ ما تحظى به حكومة السراج من تأييدٍ في الداخل والخارج لا يمنع من أنّها تواجه تحدّياتٍ كثيرة، منها ما هو أمني، ومنها ما هو اقتصادي/ اجتماعي، ومنها ما هو دستوري/ حقوقي. فمن الناحية الأمنية، تواجه حكومة الوفاق الوطني معضلة انتشار السلاح، وعدم احتكار الدولة صلاحيات الردع الشرعي، بسبب كثرة المليشيات المسلّحة، وتنافسها على السلطة، ومواقع النفوذ في شرق البلاد وغربها. ويقتضي تجريد تلك الجماعات من السلاح، وإدماجها ضمن مؤسسة الجيش، أو جهاز الشرطة، جهداً ووقتاً كثيرين، لأنّ بعض تلك المليشيات مؤدلج، وبعضها محسوبٌ على طرف قبلي أو سياسي معيّن، وترى في انخراطها ضمن أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية تقليصاً لنفوذها وتهديداً لمصالحها. ويبقى حضور داعش في عدد من المدن الليبية، وسعيه إلى السيطرة على منابع النفط، والامتداد في المناطق الحدودية والداخلية، التحدّي الأمني الأبرز الذي يواجه حكومة السرّاج، فما يتوفّر عليه التنظيم من عدد (حوالى 5 آلاف مقاتل)، وعُدّة، وخلايا نائمة، وما يتميّز به من قدرة على التجنيد والقتال والانغماس، يجعل عكس الهجوم ضدّه، عمليّة صعبة وطويلة المدى، تقتضي درجةً عاليةً من الجاهزية لدى القوى الأمنية والعسكرية الليبية، مما يستدعي إعادة هيكلة مؤسّسة الجيش وتأهيلها لملاحقة "داعش"، والقيام بعمليات استباقية ضدّه. ومعلومٌ أنّ الفشل في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، واستمرار حالة الانقسام في الداخل الليبي يزيد من اتّساع رقعة "داعش"، ويؤذن بتهديد السلم الأهلي والاستقرار الأمني، والانتقال الاقتصادي بالبلاد.
وتشهد ليبيا، على الصعيد الاجتماعي، حالةً من الاستقطاب الحادّ بين أنصار الثورة وأشياع
على الصعيد الحقوقي/ الدستوري، لم تتمكن ليبيا، بعد خمس سنوات من إطاحة العقيد معمّر القذافي، من إقامة أركان دولةٍ جمهوريةٍ ديمقراطية، ولم تتمكّن من تحويل منجزها الثوري إلى منجز دستوري، تقدّمي، يحظى بتوافق معظم الليبيين. كما أنّ مأسسة الدولة المدنية، وإقامة العدالة الانتقالية، ونشر ثقافة الحق والواجب مشاريع معلّقة. فهل تتمكّن حكومة فائز السرّاج من تجاوز عثرات الحكومات السابقة، وتبني معالم ليبيا الجديدة؟