07 اغسطس 2024
زلزال ترامب .. الخطير
لا أحد في دوائر السياسة والإعلام الأميركية يعلم، على وجه الدقة، تبعات فوز دونالد ترامب بترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة. الأكيد أن فوز ترامب بترشيح الجمهوريين، والذي بات في حكم المؤكد، هو بمثابة زلزال سياسي من العيار الثقيل، وغير المسبوق في العقود الأخيرة، ولن يمرّ من دون تبعاتٍ خطيرة. أول هذه التبعات، وأكثرها مباشرةً، يرتبط بالحزب الجمهوري نفسه، ففي الأيام الأخيرة، ظهر عدد لا بأس به من المقالات عن رفض بعض أكبر قادة الحزب الجمهوري دعم ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ومنهم عائلة بوش والمرشح الرئاسي الجمهوري السابق ميت رومني والكاتبان بيل كريستل وروبرات كاجن، وكلاهما من أشهر الكتاب الجمهوريين وأكثر تعبيرا عن نخب الحزب الجمهوري التقليدية في السياسة والإعلام.
أضف إلى ذلك قضية ثانية، على أعلى قدر من الأهمية، وهي العلاقة بين قادة الحزب الجمهوري وقواعده الجماهيرية، فخلال العام الماضي، ومنذ إعلان ترامب نيته المنافسة على منصب مرشح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسية الأميركية (نوفمبر/ تشرين الثاني 2016) وعدد لا بأس به من قادة الحزب الجمهوري يعملون على إفشال ذلك الترشيح. ولم يخف هؤلاء رفضهم ترشح ترامب ومساعيهم إلى إفشاله، ليس فقط لضعف التزامه الحزب، ولأنه من خارج أروقة الحزب وقياداته. ولكن، أيضا لطبيعة خطابه التي تتناقض، بشكل واضح، مع القيم الأميركية المعلنة، مثل الترحيب بالأجانب والمهاجرين والأقليات، فعلى الرغم من أن الحزب الجمهوري احتوى دائماً على توجهاتٍ مناهضة للأجانب والأقليات والمهاجرين، إلا أن تلك التوجهات كانت غير رسمية أو غير معلنة، وظل قادة الحزب يتحدثون، في خطاباتهم الرسمية، عن نوع من المحافظة السياسية التقليدية القائمة على القيم الدينية والتعاطف مع الآخرين.
خرج ترامب عن تلك المعادلة السياسية بشكل صريح، وتبنى خطاباً رسمياً، يطالب بترحيل المهاجرين غير الشرعيين، ويرفض دخول المسلمين أميركا، بل ويسخر من النساء والمعاقين، في خطاب ذكوري شوفيني ومعاد للأجانب بشكل صريح. وكان من شأن كل هذه العوامل أن يتحول ترامب إلى خطر على صورة الحزب الجمهوري وعلاقته بالأقليات والعالم. أما فوز ترامب بترشيح الحزب الجمهوري فهو يمثل خطراً أكبر، لأنه، باختصار، يقول إن قواعد الحزب الرئيسية، أو الأكثرية، تدعم ما يقوله ترامب وتريد تطبيقه، وأن القضية لا تتعلق بمرشح متشدّد، وإنما ترتبط بمعتقدات قواعد الحزب الجمهوري الجماهيرية نفسها، والتي رفضت، في الشهور الأخيرة، مختلف مرشحي مؤسسة الحزب الجمهوري الرئيسيين، وفي مقدمتهم أمثال جيب بوش، وتيد كروز (مرشح المحافظين المتدينين) وماركو روبيو (السيناتور الجمهوري من أصول لاتينية).
حاول المرشحون السابقون وغيرهم مخاطبة قواعد الحزب الجمهوري، مستخدمين تنويعات مختلفة من الخطاب الجمهوري التقليدي السائد، والذي يركّز بدرجاتٍ مختلفةٍ على المحافظة الدينية والسياسة الخارجية القوية والحكومة الصغيرة التي تخفض الضرائب، وتقلل من البرامج الحكومية، وتحترم الأقليات والتنوع علنا. أما ترامب فقد تبنى برنامجاً مخالفاً لكثير من تلك القيم والركائز الأيدلوجية الأساسية، فهو غير معروف بالمحافظة الدينية، ويبدو انعزالياً في سياسته الخارجية، فقد عارض حرب العراق بصراحة، ويريد أن يركّز على الداخل الأميركي، وأن تتحمل الدول المختلفة جزءاً كبيراً من فاتورة تحقيق الاستقرار والأمن الدوليين، كما أنه يعادي التحالفات الدولية بشكل كبير، حيث يدعم، على سبيل المثال، تصويت البريطانيين للانفصال عن الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء المقبل في يونيو/ حزيران المقبل. حتى أن محليين رأوا في مواقف ترامب الخارجية تقويضاً للنظام الدولي الذي أسسته أميركا منذ الحرب العالمية الثانية، القائم على المؤسسات والتحالفات الدولية الكبرى بقيادة الولايات المتحدة.
على الصعيد الداخلي، يتبنى ترامب مواقف متناقضة، لكنه يتحدّث عن سعيه إلى الحفاظ على ضرائب منخفضة، وبرامج حكومية واسعة في الوقت نفسه، ويريد الحفاظ على برامج الرعاية الصحية القائمة، والتي شهدت توسعاً في عهد باراك أوباما. ويتبنى ترامب أيضاً موقفاً محيراً من اتفاقات التجارة الدولية، والتي كانت تعد من ركائز فكر الجمهوريين على الساحة الدولة، فالحزب الجمهوري تقليدياً هو حزب رجال الأعمال والشركات الكبرى، وقد دعمت هذه الشركات، باستمرار، التوسع الاقتصادي الخارجي، وتوقيع مزيد من الاتفاقات الدولية الهادفة إلى خفض الجمارك وتحرير التجارة والاقتصاد عبر العالم، على أساس أن أميركا هي القوة الاقتصادية الكبرى حول العالم، وأنها المستفيد الأكبر من انهيار جدران الحماية الاقتصادية بالدول المختلفة. ويخوض ترامب الانتخابات ببرنامج مناقض لذلك بشكل واضح، ولعل من أبرز مواقفه السياسية معارضته اتفاقات التجارة الدولية، ومطالبته بفرض مزيد الجمارك الأميركية على السلع الأجنبية، سعياً منه إلى إعادة التوازن للميزان التجاري الأميركي. وهو يتبنى، أيضاً، مواقف فجة في تشدّدها ضد الأقليات والمهاجرين.
وبسبب كل ما سبق، تمثل توجهات ترامب، والدعم الشعبي الذي تحظى به في أوساط قواعد الحزب الجمهوري مصدر حيرة واستنكار لدى كثيرين من قادة الحزب الجمهوري، باعتبارها انقلاباً على كثير من قناعات قادة الجمهوريين أنفسهم عن توجهات حزبهم، وقواعدهم الجماهيرية، ولعل أفضل تفسير لأسباب هذا الانقلاب هو العامل الاقتصادي، أو انتشار الفقر (النسبي) في أوساط أعداد كبيرة من الطبقات العاملة والوسطى الأميركية البيضاء، فقد باتت هذه الشرائح تشعر بشكل مستمر بتراجع مكانتها داخل أميركا وخارجها، وبأنه لم يعد في وسعها الحفاظ على مستويات معيشتها السابقة، خصوصاً مع انتشار الأزمات الاقتصادية والبطالة، وسرعة تغير أنماط الإنتاج وتحرّك رؤوس الأموال حول العالم، وصعود المنافسة الاقتصادية والسياسية من دول مختلفة، وفي مقدمتها الصين، وتزايد أعداد الأقليات داخل المجتمع الأميركي، وصعود وزنهم الاقتصادي والسياسي، وهي عوامل جعلت الشرائح الفقيرة والمتوسطة البيضاء تشعر بخوفٍ عميق على مستقبلها ومكانتها.
هذا الخوف هو الذي استغله ترامب، بوضوح وبشعبويةٍ تقوم على الخطاب القوي الخالي من المضمون، والذي خاطب، بشكل مباشر، مخاوف القواعد الجماهيرية البيضاء للحزب الجمهوري، معلناً عزمه بناء أسوار حول أميركا تحميهم من العالم، سور ضد المهاجرين اللاتينين على الحدود مع المكسيك، وسور في المطارات ضد المسلمين، وسور في الجمارك ضد السلع الأجنبية.
باختصار، أثبت ترامب أن قواعد الحزب الجمهوري البيضاء باتت مشغولةً بمخاوف أعمق بكثير من التي تتحدث عنها قياداته، مخاوف مدفوعة بالفقر وتراجع المكانة داخلياً وخارجياً. كما أثبت ترامب أن الحزب يحمل، بين طياته، تياراً قوياً من اليمين الراديكالي، المشابه لنظيره الأوروبي المعادي للخارج والمهاجرين والأقليات، وأن هذا التيار ذو تأثير ضخم، وربما يعبر عن أكثرية، ما فتح الباب لتساؤلاتٍ عميقةٍ على غرار هل يمكن أن يستمر الحزب الجمهوري بهذا الشكل؟ هل سينقسم لتيارين، أحدهما يميني محافظ تقليدي والآخر يمين راديكالي؟ وكيف سيؤثر ذلك على موازين القوى في واشنطن، وعلى سياسات أميركا الداخلية والخارجية بشكل عام؟
أضف إلى ذلك قضية ثانية، على أعلى قدر من الأهمية، وهي العلاقة بين قادة الحزب الجمهوري وقواعده الجماهيرية، فخلال العام الماضي، ومنذ إعلان ترامب نيته المنافسة على منصب مرشح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسية الأميركية (نوفمبر/ تشرين الثاني 2016) وعدد لا بأس به من قادة الحزب الجمهوري يعملون على إفشال ذلك الترشيح. ولم يخف هؤلاء رفضهم ترشح ترامب ومساعيهم إلى إفشاله، ليس فقط لضعف التزامه الحزب، ولأنه من خارج أروقة الحزب وقياداته. ولكن، أيضا لطبيعة خطابه التي تتناقض، بشكل واضح، مع القيم الأميركية المعلنة، مثل الترحيب بالأجانب والمهاجرين والأقليات، فعلى الرغم من أن الحزب الجمهوري احتوى دائماً على توجهاتٍ مناهضة للأجانب والأقليات والمهاجرين، إلا أن تلك التوجهات كانت غير رسمية أو غير معلنة، وظل قادة الحزب يتحدثون، في خطاباتهم الرسمية، عن نوع من المحافظة السياسية التقليدية القائمة على القيم الدينية والتعاطف مع الآخرين.
خرج ترامب عن تلك المعادلة السياسية بشكل صريح، وتبنى خطاباً رسمياً، يطالب بترحيل المهاجرين غير الشرعيين، ويرفض دخول المسلمين أميركا، بل ويسخر من النساء والمعاقين، في خطاب ذكوري شوفيني ومعاد للأجانب بشكل صريح. وكان من شأن كل هذه العوامل أن يتحول ترامب إلى خطر على صورة الحزب الجمهوري وعلاقته بالأقليات والعالم. أما فوز ترامب بترشيح الحزب الجمهوري فهو يمثل خطراً أكبر، لأنه، باختصار، يقول إن قواعد الحزب الرئيسية، أو الأكثرية، تدعم ما يقوله ترامب وتريد تطبيقه، وأن القضية لا تتعلق بمرشح متشدّد، وإنما ترتبط بمعتقدات قواعد الحزب الجمهوري الجماهيرية نفسها، والتي رفضت، في الشهور الأخيرة، مختلف مرشحي مؤسسة الحزب الجمهوري الرئيسيين، وفي مقدمتهم أمثال جيب بوش، وتيد كروز (مرشح المحافظين المتدينين) وماركو روبيو (السيناتور الجمهوري من أصول لاتينية).
حاول المرشحون السابقون وغيرهم مخاطبة قواعد الحزب الجمهوري، مستخدمين تنويعات مختلفة من الخطاب الجمهوري التقليدي السائد، والذي يركّز بدرجاتٍ مختلفةٍ على المحافظة الدينية والسياسة الخارجية القوية والحكومة الصغيرة التي تخفض الضرائب، وتقلل من البرامج الحكومية، وتحترم الأقليات والتنوع علنا. أما ترامب فقد تبنى برنامجاً مخالفاً لكثير من تلك القيم والركائز الأيدلوجية الأساسية، فهو غير معروف بالمحافظة الدينية، ويبدو انعزالياً في سياسته الخارجية، فقد عارض حرب العراق بصراحة، ويريد أن يركّز على الداخل الأميركي، وأن تتحمل الدول المختلفة جزءاً كبيراً من فاتورة تحقيق الاستقرار والأمن الدوليين، كما أنه يعادي التحالفات الدولية بشكل كبير، حيث يدعم، على سبيل المثال، تصويت البريطانيين للانفصال عن الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء المقبل في يونيو/ حزيران المقبل. حتى أن محليين رأوا في مواقف ترامب الخارجية تقويضاً للنظام الدولي الذي أسسته أميركا منذ الحرب العالمية الثانية، القائم على المؤسسات والتحالفات الدولية الكبرى بقيادة الولايات المتحدة.
على الصعيد الداخلي، يتبنى ترامب مواقف متناقضة، لكنه يتحدّث عن سعيه إلى الحفاظ على ضرائب منخفضة، وبرامج حكومية واسعة في الوقت نفسه، ويريد الحفاظ على برامج الرعاية الصحية القائمة، والتي شهدت توسعاً في عهد باراك أوباما. ويتبنى ترامب أيضاً موقفاً محيراً من اتفاقات التجارة الدولية، والتي كانت تعد من ركائز فكر الجمهوريين على الساحة الدولة، فالحزب الجمهوري تقليدياً هو حزب رجال الأعمال والشركات الكبرى، وقد دعمت هذه الشركات، باستمرار، التوسع الاقتصادي الخارجي، وتوقيع مزيد من الاتفاقات الدولية الهادفة إلى خفض الجمارك وتحرير التجارة والاقتصاد عبر العالم، على أساس أن أميركا هي القوة الاقتصادية الكبرى حول العالم، وأنها المستفيد الأكبر من انهيار جدران الحماية الاقتصادية بالدول المختلفة. ويخوض ترامب الانتخابات ببرنامج مناقض لذلك بشكل واضح، ولعل من أبرز مواقفه السياسية معارضته اتفاقات التجارة الدولية، ومطالبته بفرض مزيد الجمارك الأميركية على السلع الأجنبية، سعياً منه إلى إعادة التوازن للميزان التجاري الأميركي. وهو يتبنى، أيضاً، مواقف فجة في تشدّدها ضد الأقليات والمهاجرين.
وبسبب كل ما سبق، تمثل توجهات ترامب، والدعم الشعبي الذي تحظى به في أوساط قواعد الحزب الجمهوري مصدر حيرة واستنكار لدى كثيرين من قادة الحزب الجمهوري، باعتبارها انقلاباً على كثير من قناعات قادة الجمهوريين أنفسهم عن توجهات حزبهم، وقواعدهم الجماهيرية، ولعل أفضل تفسير لأسباب هذا الانقلاب هو العامل الاقتصادي، أو انتشار الفقر (النسبي) في أوساط أعداد كبيرة من الطبقات العاملة والوسطى الأميركية البيضاء، فقد باتت هذه الشرائح تشعر بشكل مستمر بتراجع مكانتها داخل أميركا وخارجها، وبأنه لم يعد في وسعها الحفاظ على مستويات معيشتها السابقة، خصوصاً مع انتشار الأزمات الاقتصادية والبطالة، وسرعة تغير أنماط الإنتاج وتحرّك رؤوس الأموال حول العالم، وصعود المنافسة الاقتصادية والسياسية من دول مختلفة، وفي مقدمتها الصين، وتزايد أعداد الأقليات داخل المجتمع الأميركي، وصعود وزنهم الاقتصادي والسياسي، وهي عوامل جعلت الشرائح الفقيرة والمتوسطة البيضاء تشعر بخوفٍ عميق على مستقبلها ومكانتها.
هذا الخوف هو الذي استغله ترامب، بوضوح وبشعبويةٍ تقوم على الخطاب القوي الخالي من المضمون، والذي خاطب، بشكل مباشر، مخاوف القواعد الجماهيرية البيضاء للحزب الجمهوري، معلناً عزمه بناء أسوار حول أميركا تحميهم من العالم، سور ضد المهاجرين اللاتينين على الحدود مع المكسيك، وسور في المطارات ضد المسلمين، وسور في الجمارك ضد السلع الأجنبية.
باختصار، أثبت ترامب أن قواعد الحزب الجمهوري البيضاء باتت مشغولةً بمخاوف أعمق بكثير من التي تتحدث عنها قياداته، مخاوف مدفوعة بالفقر وتراجع المكانة داخلياً وخارجياً. كما أثبت ترامب أن الحزب يحمل، بين طياته، تياراً قوياً من اليمين الراديكالي، المشابه لنظيره الأوروبي المعادي للخارج والمهاجرين والأقليات، وأن هذا التيار ذو تأثير ضخم، وربما يعبر عن أكثرية، ما فتح الباب لتساؤلاتٍ عميقةٍ على غرار هل يمكن أن يستمر الحزب الجمهوري بهذا الشكل؟ هل سينقسم لتيارين، أحدهما يميني محافظ تقليدي والآخر يمين راديكالي؟ وكيف سيؤثر ذلك على موازين القوى في واشنطن، وعلى سياسات أميركا الداخلية والخارجية بشكل عام؟