26 سبتمبر 2018
البرازيل من اليسار إلى اليمين بعد عزل ديلما روسيف
لم يتمكن حزب العمال البرازيلي الذي تنتمي إليه الرئيسة، ديلما روسيف، من الحيلولة دون التصويت بالأغلبية لصالح قرار سحب الثقة منها وإطاحتها من منصب الرئاسة، ثم مقاضاتها بتهمة الفساد الإداري، واعترف الحزب بفشله في هذه المهمّة رسمياً، بعد أن تمكّن من الحكم حقبة طويلة. ويُذكر أنّ ديلما روسيف من أصول بلغارية، هاجر والدها بيتر روسيف إلى البرازيل عام 1929، وحقّق نجاحاً ملحوظاً في عمله محامياً ومدير أعمال، تزوج ورزق بثلاثة أبناء، منهم ديلما التي ناضلت ضدّ النظام الدكتاتوري. اعتقلت في العام 1970 وعذّبت نحو الشهر، بعد أن شاركت في عمليات معارضةٍ مسلّحة، ثمّ توجّهت إلى العمل السياسي. شغلت منصب وزيرة الطاقة والمناجم في الفترة 2003 – 2005، وفي 21 يونيو/ حزيران 2005، شغلت منصب رئيسة مكتب الرئيس، لويس لولا دا سيلفا، وتمكنت من الفوز بمنصب الرئاسة في العام 2010.
أسباب المطالبة بتنحيتها عن الحكم
يرى خبراء ومحللون عديدون أنّ تنحية ديلما روسيف عن السلطة في البرازيل بالطريقة المهينة التي جرت فيها بمثابة النهاية لمسيرتها السياسية، وهي أول رئيس في البرازيل تُسحبُ منه الثقة، ليتولّى المهام نائبه ميشيل تامر حتى نهاية حقبة روسيف الرئاسية في العام 2018، أو قبل ذلك إذا ثبتت براءتها من التهم الموجّهة إليها. ويرى كثيرون أنّ فشلها ينهي فترة حكم امتدت طوال السنوات الثلاث عشرة الماضية لحزب العمال اليساري.
خلال نصف القرن الماضي، حكم البرازيل بصورة ديمقراطية، ومن خلال صناديق الاقتراع أربعة رؤساء، طرح ضدّ اثنين منهم مشروع حجب الثقة أمام البرلمان، وصوّت لصالح المشروع الثاني، أخيراً، ما يزيد على ثلثي النواب الموجودين في البرلمان، وستتم مقاضاتها ومساءلتها في مرحلةٍ مقبلة. وتوجّهت روسيف بخطاب للمواطنين، معتبرة ما حدث انقلاباً من الأحزاب المعارضة، رافضة كل الاتهامات الموجّهة إليها بالتورّط في الفساد وقبول الرشوة وعدم بذل الجهود الممكنة لمكافحة الفساد الإداري، ووعدت بمواصلة نضالها لإثبات براءتها. وستقوم لجنة خاصّة بالتحقيق بملف الاتهامات الموجّهة لديلما روسيف، وقد تستمر هذه التحقيقات 180 يوماً، وحال تأكيدها والمصادقة عليها، تتم المصادقة نهائيًا على قرار عزلها من السلطة.
تعود الأسباب الرئيسية التي أدّت إلى تنحيتها إلى أخطاء إدارية، تمثّلت بلجوئها إلى بنوك
خاضعة للسلطة الحاكمة، لتمويل برامج اجتماعية ومشاريع في المرافق العامة. ظهرت المشكلات والتعقيدات المرافقة لسوء إدارة موازنة الدولة منذ العام 2013، قبل انتخابها لولاية رئاسية ثانية، مثالاً على ذلك برامج المساعدات المالية للعائلات الفقيرة في البرازيل، الممنوحة في مقابل استمرار تعليم الأطفال وتلقيحهم ضدّ الأمراض السارية والمعدية. وفي هذه الحالات، تقدّم الأموال عادة للبنوك المعتمدّة لتوزيعها على المواطنين، لكن أحد هذه البنوك اشتكى خلال العام 2013 من عدم حصوله على المنح المالية، وإجباره على تقديم هذه الأموال من مقدّراته الخاصّة. وتفاقمت هذه المشكلات في السنوات التالية، ليرتفع حجم العجز المالي لدى البنوك المخوّلة بمساعدة المحتاجين إلى عشرات مليارات الدولارات. وشهدت الرئاسة السابقة كذلك مشكلات مشابهة. ولكن، ليس إلى هذا الحدّ، حيث بلغ معدّل المديونية للبنوك الوطنية، مع بداية القرن الحالي، نحو 290 مليون دولار، في مقابل 15 مليار دولار في 2014.
الأبعاد السياسية
حسب المعارضين لسياسة ديلما روسيف، صادقت الرئيسة على ستة مراسيم رئاسية، خلال العام 2015، لتوزيع أموال من الموازنة الفيدرالية، من دون العودة إلى البرلمان، وهذا بحدّ ذاته سبب كافٍ لحجب الثقة عنها. أمّا أنصارها فيشيرون إلى أنّ الأزمة الاقتصادية وارتفاع ميزان العجز المالي في البلاد اضطرّها لاتخاذ هذه الخطوة، لتحقيق الموازنة السنوية، وتغطية الديون المتراكمة، ما أدّى إلى تأخير دفع هذه المستحقات للبنوك المؤهلة لمنحها للمحتاجين والفقراء، لكن فئات عريضة من الشعب البرازيلي حمّلتها مسؤولية تراجع النمو الاقتصادي، وتنامي حجم البرامج والخطط الحكومية غير المجدية والغارقة بالفساد ونهج سلب المال العام. وبالتالي، انخفاض مستوى المعيشة لمعدّلات غير مسبوقة.
اتهمها البرلمان البرازيلي كذلك بتزوير بيانات الموازنة العامة، وتحسينها، لتتوافق النتائج مع الأهداف التي وضعها البرلمان للسنة المالية 2015. تأتي هذه التبعات في أكبر أزمة اقتصادية تمرّ بها البرازيل، منذ ثلاثينيات القرن الماضي. وكانت البرازيل قد شهدت، في السنوات القليلة الماضية، فضائح سياسية متتالية، طاولت النخبة السياسية في البرازيل، مصحوبة بارتفاع معدّلات البطالة. وتفيد بيانات مؤسسات العناية الاجتماعية بأنّ ثلاثة ملايين برازيلي فقدوا أعمالهم في العام 2015.
أدى انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية في السنوات القليلة الماضية إلى تراجع النمو الاقتصادي في البرازيل إلى -4%، مقارنة بمعدّل الدخل القومي البرازيلي، ما حثّ وكالة Fitch على خفض معدّل التقييم الائتماني في البرازيل إلى مستوى “BB” بدلاً من مستوى “BB+”، في إشارة إلى توقّعات الوكالة استمرار الكساد الاقتصادي. وقد تلجأ وكالاتٌ أخرى إلى خفض توقعاتها بشأن النمو الاقتصادي في البرازيل، الأمر الذي ساهم في خفض مصداقية الرئيسة روسيف، وتراجع إقبال الاستثمارات الأجنبية في البلاد، وتنحيتها عن السلطة.
أقالت روسيف أعضاء مجلسها الوزاري الذي ترأسه، ليبدأ نائبها ميشيل تامر تشكيل حكومة بديلة، لكنّه هو أيضاً مهدّد بحجب الثقة عنه، للأسباب نفسها التي تواجهها روسيف. وفي هذه الحالة، من المتوقّع أن تتولّى منصب رئاسة البلاد، حال حجب الثقة عن الرئيس تامر ومقاضاته، امرأة أخرى هي كارمن لوسيا، نائبة رئيس المحكمة العليا، حسب بنود الدستور البرازيلي.
رفض "الانقلاب"
ديلما روسيف هي الزعيمة الوحيدة التي تنحّت عن منصبها، بخطبة رنّانة رافضة للاتهامات
الموجّهة إليها، معتبرة ما حدث انقلاباً على الشرعية. وكتبت على صفحتها في "فيسبوك" "ربّما قمت ببعض الأخطاء، لكنّي لم أرتكب جريمة". وصرّحت أمام طاقمها الوزاري وعشرات كبار الموظفين الذي شغلوا مناصب رفيعة في حكومتها "لم أتوقّع يوماً ما أنّ علي أن أواجه ثانية انقلاباً جديدًا في بلادي"، وتعتبر روسيف من كبار النشطاء في حزب العمال، واعتقلت مراتٍ، وواجهت عمليات تعذيب وتنكيل في أثناء الحكم العسكري في البرازيل.
وذكرت روسيف كيف واجهت السرطان الذي أصابها خلال العام 2010 وانتصرت عليه، لكنّ الألم الذي شعرت به، بعد التصويت على تنحيتها عن منصبها، لا يقارن بأيّ معاناةٍ أخرى عايشتها من قبل. وقالت إنّ 54 مليون مواطن برازيلي صوّتوا لصالحها، وإنّ قرار التنحية ومشروع مقاضاتها ومساءلتها موجّه ضدّ هؤلاء المواطنين، أيضاً. وأنكرت تورطها بقبول رشواتٍ مالية، وأكّدت أنّها واجهت الفساد منذ تولّت السلطة، لكن المعارضة أصرّت على العبث بالاستقرار السياسي في البلاد، وهيّأت الأجواء المناسبة لمواجهة حكومتها، وتسريع إسقاطها عن السلطة الشرعية، ثمّ غادرت القصر الرئاسي، ليؤدّي نائبها ميشيل تامر، على الفور، القسم الدستوري لتولّي منصب الرئاسة. وحسب خبراء كثيرين، تعتبر عملية إقصائها عن الحكم سياسية أكثر منها قضائية، لفشلها في تحقيق طموح الشعب البرازيلي بشأن رفع مستوى الحياة، ومواجهة مشكلتي البطالة والفقر المستشري بين فئات عريضة في البلاد.
الحزب الليبرالي اليميني في الحكم
احتفل ما يزيد على مائة مليون برازيلي بإطاحة سلطة الرئيسة ديلما روسيف، معتبرين ذلك انتصاراً للشعب البرازيلي، لكنّ الشعب أدرك أنّ البلاد ما زالت في مركز العاصفة الاقتصادية التي لم تشهد مثيلاً لها من قبل، صاحبها ارتفاع معدّلات البطالة والعجز المالي، وأدركوا أنّ البلاد تحتاج عمليات إصلاح عاجلة، لا يمكن تمريرها من دون مصادقة البرلمان الوطني، في وقت يخضع نحو 60% من أعضائه لمساءلاتٍ قضائيةٍ لتورطهم في قضايا فساد على نطاق واسع، وليس من المتوقع مصادقتهم، لتنفيذ عمليات الإصلاح المطلوبة.
باتت صلاحيات الحكم بين أيدي نائب الرئيس ميشيل تامر، لكنّ شعبيته، هو الآخر، متدنية للغاية. وعليه أن يواجه مشكلة المعارضة السياسية التي لن تتوانى لحظة عن الفتّ في عضد حكومته، ويمكن لتامر أن يتولى السلطة ستة أشهر وحتى السنتين، اعتمادًا على نتائج لجنة التحقيق مع الرئيسة المخلوعة. والمعروف أنّ تامر لا يرغب بالترشّح للانتخابات المقبلة، كما إنّ القانون لا يسمح له بذلك، لأنّ توليه منصب الرئاسة يحرمه من الترشّح لأية مناصب سياسية أخرى طوال ثماني سنوات مقبلة، وليس من المتوقع كذلك أن يصوّت لصالحه ما يزيد على 2% فقط من المواطنين، لتورّطه في صفقاتٍ ماليةٍ مريبة في حملته الانتخابية.
لكن، وعلى الرغم من كلّ هذه السلبيات، يمتلك الرئيس تامر الفرصة، ليحسّن مستوى شعبيته،
ويكتب تاريخاً جديدًا بشأن تسريع اعتماد مشاريع الإصلاح في البرلمان، خصوصاً وأن الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي ينتمي إليه يمتلك أكبر عدد من النواب في شقّي البرلمان، وحال التمكّن من ذلك سيلقّن حزبه درساً لحزب العمال اليساري الذي تنتمي إليه ديلما روسيف.
نشرت قناة التلفزة CNN تقريراً جاء فيه أن تامر معروف في "وول ستريت" أكثر من البرازيل، ومن المتوقع أن يتّخذ إجراءات اقتصادية عاجلة لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية، ورفع مستوى التبادل التجاري في الأسواق الداخلية. وقد لا تروق هذه السياسة للأوليغارسيا، وهم كثيرون، خصوصاً ما بين النخبة السياسية في البرازيل. وإذا تراجع عن هذه الخطوات، ستنشط المظاهرات والاعتصامات ثانيةً في كل أنحاء البلاد، الأمر الذي يخشاه تامر وحزبه الليبرالي الديمقراطي. لكنّ الحكومة اليمينية الجديدة ستجري تعديلاتٍ إداريةً، تشمل خفض الجهاز الحكومي الهائل، وقد لا تروق هذه الخطوات لكثيرين. لكن، لا توجد بدائل أخرى في الوقت الراهن.
على أيّة حال، مازال الوقت مبكّراً، ولم يعلن تامر عن اتخاذه خطوات عملية محدّدة، باستثناء بعض التغييرات الليبرالية في السياسة الاقتصادية، والشروع بخصخصة المرافق والشركات الحكومية، ووضع سقفٍ لميزان الصرف الحكومي، والتدقيق في كل برامج الدعم الاجتماعي. كما قدّم وعودًا بدعم عمليات التحقيق في الفضيحة السياسية المعروفة باسم "بتروبراس"، لتوضيح كل الملابسات المرافقة لها. يمكن الإشارة إلى أنّ البلاد، وعلى الرغم من كلّ هذا التشاؤم الذي يعصف بها قد تمكّنت من تجاوز حالة الشلل السياسي التي عايشتها، في فترة التصويت على إقصاء الرئيسة روسيف، والتحقيق معها ومقاضاتها.
أسباب المطالبة بتنحيتها عن الحكم
يرى خبراء ومحللون عديدون أنّ تنحية ديلما روسيف عن السلطة في البرازيل بالطريقة المهينة التي جرت فيها بمثابة النهاية لمسيرتها السياسية، وهي أول رئيس في البرازيل تُسحبُ منه الثقة، ليتولّى المهام نائبه ميشيل تامر حتى نهاية حقبة روسيف الرئاسية في العام 2018، أو قبل ذلك إذا ثبتت براءتها من التهم الموجّهة إليها. ويرى كثيرون أنّ فشلها ينهي فترة حكم امتدت طوال السنوات الثلاث عشرة الماضية لحزب العمال اليساري.
خلال نصف القرن الماضي، حكم البرازيل بصورة ديمقراطية، ومن خلال صناديق الاقتراع أربعة رؤساء، طرح ضدّ اثنين منهم مشروع حجب الثقة أمام البرلمان، وصوّت لصالح المشروع الثاني، أخيراً، ما يزيد على ثلثي النواب الموجودين في البرلمان، وستتم مقاضاتها ومساءلتها في مرحلةٍ مقبلة. وتوجّهت روسيف بخطاب للمواطنين، معتبرة ما حدث انقلاباً من الأحزاب المعارضة، رافضة كل الاتهامات الموجّهة إليها بالتورّط في الفساد وقبول الرشوة وعدم بذل الجهود الممكنة لمكافحة الفساد الإداري، ووعدت بمواصلة نضالها لإثبات براءتها. وستقوم لجنة خاصّة بالتحقيق بملف الاتهامات الموجّهة لديلما روسيف، وقد تستمر هذه التحقيقات 180 يوماً، وحال تأكيدها والمصادقة عليها، تتم المصادقة نهائيًا على قرار عزلها من السلطة.
تعود الأسباب الرئيسية التي أدّت إلى تنحيتها إلى أخطاء إدارية، تمثّلت بلجوئها إلى بنوك
الأبعاد السياسية
حسب المعارضين لسياسة ديلما روسيف، صادقت الرئيسة على ستة مراسيم رئاسية، خلال العام 2015، لتوزيع أموال من الموازنة الفيدرالية، من دون العودة إلى البرلمان، وهذا بحدّ ذاته سبب كافٍ لحجب الثقة عنها. أمّا أنصارها فيشيرون إلى أنّ الأزمة الاقتصادية وارتفاع ميزان العجز المالي في البلاد اضطرّها لاتخاذ هذه الخطوة، لتحقيق الموازنة السنوية، وتغطية الديون المتراكمة، ما أدّى إلى تأخير دفع هذه المستحقات للبنوك المؤهلة لمنحها للمحتاجين والفقراء، لكن فئات عريضة من الشعب البرازيلي حمّلتها مسؤولية تراجع النمو الاقتصادي، وتنامي حجم البرامج والخطط الحكومية غير المجدية والغارقة بالفساد ونهج سلب المال العام. وبالتالي، انخفاض مستوى المعيشة لمعدّلات غير مسبوقة.
اتهمها البرلمان البرازيلي كذلك بتزوير بيانات الموازنة العامة، وتحسينها، لتتوافق النتائج مع الأهداف التي وضعها البرلمان للسنة المالية 2015. تأتي هذه التبعات في أكبر أزمة اقتصادية تمرّ بها البرازيل، منذ ثلاثينيات القرن الماضي. وكانت البرازيل قد شهدت، في السنوات القليلة الماضية، فضائح سياسية متتالية، طاولت النخبة السياسية في البرازيل، مصحوبة بارتفاع معدّلات البطالة. وتفيد بيانات مؤسسات العناية الاجتماعية بأنّ ثلاثة ملايين برازيلي فقدوا أعمالهم في العام 2015.
أدى انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية في السنوات القليلة الماضية إلى تراجع النمو الاقتصادي في البرازيل إلى -4%، مقارنة بمعدّل الدخل القومي البرازيلي، ما حثّ وكالة Fitch على خفض معدّل التقييم الائتماني في البرازيل إلى مستوى “BB” بدلاً من مستوى “BB+”، في إشارة إلى توقّعات الوكالة استمرار الكساد الاقتصادي. وقد تلجأ وكالاتٌ أخرى إلى خفض توقعاتها بشأن النمو الاقتصادي في البرازيل، الأمر الذي ساهم في خفض مصداقية الرئيسة روسيف، وتراجع إقبال الاستثمارات الأجنبية في البلاد، وتنحيتها عن السلطة.
أقالت روسيف أعضاء مجلسها الوزاري الذي ترأسه، ليبدأ نائبها ميشيل تامر تشكيل حكومة بديلة، لكنّه هو أيضاً مهدّد بحجب الثقة عنه، للأسباب نفسها التي تواجهها روسيف. وفي هذه الحالة، من المتوقّع أن تتولّى منصب رئاسة البلاد، حال حجب الثقة عن الرئيس تامر ومقاضاته، امرأة أخرى هي كارمن لوسيا، نائبة رئيس المحكمة العليا، حسب بنود الدستور البرازيلي.
رفض "الانقلاب"
ديلما روسيف هي الزعيمة الوحيدة التي تنحّت عن منصبها، بخطبة رنّانة رافضة للاتهامات
وذكرت روسيف كيف واجهت السرطان الذي أصابها خلال العام 2010 وانتصرت عليه، لكنّ الألم الذي شعرت به، بعد التصويت على تنحيتها عن منصبها، لا يقارن بأيّ معاناةٍ أخرى عايشتها من قبل. وقالت إنّ 54 مليون مواطن برازيلي صوّتوا لصالحها، وإنّ قرار التنحية ومشروع مقاضاتها ومساءلتها موجّه ضدّ هؤلاء المواطنين، أيضاً. وأنكرت تورطها بقبول رشواتٍ مالية، وأكّدت أنّها واجهت الفساد منذ تولّت السلطة، لكن المعارضة أصرّت على العبث بالاستقرار السياسي في البلاد، وهيّأت الأجواء المناسبة لمواجهة حكومتها، وتسريع إسقاطها عن السلطة الشرعية، ثمّ غادرت القصر الرئاسي، ليؤدّي نائبها ميشيل تامر، على الفور، القسم الدستوري لتولّي منصب الرئاسة. وحسب خبراء كثيرين، تعتبر عملية إقصائها عن الحكم سياسية أكثر منها قضائية، لفشلها في تحقيق طموح الشعب البرازيلي بشأن رفع مستوى الحياة، ومواجهة مشكلتي البطالة والفقر المستشري بين فئات عريضة في البلاد.
الحزب الليبرالي اليميني في الحكم
احتفل ما يزيد على مائة مليون برازيلي بإطاحة سلطة الرئيسة ديلما روسيف، معتبرين ذلك انتصاراً للشعب البرازيلي، لكنّ الشعب أدرك أنّ البلاد ما زالت في مركز العاصفة الاقتصادية التي لم تشهد مثيلاً لها من قبل، صاحبها ارتفاع معدّلات البطالة والعجز المالي، وأدركوا أنّ البلاد تحتاج عمليات إصلاح عاجلة، لا يمكن تمريرها من دون مصادقة البرلمان الوطني، في وقت يخضع نحو 60% من أعضائه لمساءلاتٍ قضائيةٍ لتورطهم في قضايا فساد على نطاق واسع، وليس من المتوقع مصادقتهم، لتنفيذ عمليات الإصلاح المطلوبة.
باتت صلاحيات الحكم بين أيدي نائب الرئيس ميشيل تامر، لكنّ شعبيته، هو الآخر، متدنية للغاية. وعليه أن يواجه مشكلة المعارضة السياسية التي لن تتوانى لحظة عن الفتّ في عضد حكومته، ويمكن لتامر أن يتولى السلطة ستة أشهر وحتى السنتين، اعتمادًا على نتائج لجنة التحقيق مع الرئيسة المخلوعة. والمعروف أنّ تامر لا يرغب بالترشّح للانتخابات المقبلة، كما إنّ القانون لا يسمح له بذلك، لأنّ توليه منصب الرئاسة يحرمه من الترشّح لأية مناصب سياسية أخرى طوال ثماني سنوات مقبلة، وليس من المتوقع كذلك أن يصوّت لصالحه ما يزيد على 2% فقط من المواطنين، لتورّطه في صفقاتٍ ماليةٍ مريبة في حملته الانتخابية.
لكن، وعلى الرغم من كلّ هذه السلبيات، يمتلك الرئيس تامر الفرصة، ليحسّن مستوى شعبيته،
نشرت قناة التلفزة CNN تقريراً جاء فيه أن تامر معروف في "وول ستريت" أكثر من البرازيل، ومن المتوقع أن يتّخذ إجراءات اقتصادية عاجلة لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية، ورفع مستوى التبادل التجاري في الأسواق الداخلية. وقد لا تروق هذه السياسة للأوليغارسيا، وهم كثيرون، خصوصاً ما بين النخبة السياسية في البرازيل. وإذا تراجع عن هذه الخطوات، ستنشط المظاهرات والاعتصامات ثانيةً في كل أنحاء البلاد، الأمر الذي يخشاه تامر وحزبه الليبرالي الديمقراطي. لكنّ الحكومة اليمينية الجديدة ستجري تعديلاتٍ إداريةً، تشمل خفض الجهاز الحكومي الهائل، وقد لا تروق هذه الخطوات لكثيرين. لكن، لا توجد بدائل أخرى في الوقت الراهن.
على أيّة حال، مازال الوقت مبكّراً، ولم يعلن تامر عن اتخاذه خطوات عملية محدّدة، باستثناء بعض التغييرات الليبرالية في السياسة الاقتصادية، والشروع بخصخصة المرافق والشركات الحكومية، ووضع سقفٍ لميزان الصرف الحكومي، والتدقيق في كل برامج الدعم الاجتماعي. كما قدّم وعودًا بدعم عمليات التحقيق في الفضيحة السياسية المعروفة باسم "بتروبراس"، لتوضيح كل الملابسات المرافقة لها. يمكن الإشارة إلى أنّ البلاد، وعلى الرغم من كلّ هذا التشاؤم الذي يعصف بها قد تمكّنت من تجاوز حالة الشلل السياسي التي عايشتها، في فترة التصويت على إقصاء الرئيسة روسيف، والتحقيق معها ومقاضاتها.