09 نوفمبر 2024
بريطانيا و"الجيش الأوروبي"
لم يكن لأوروبا، بشقيها الغربي والشرقي، بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، دور منفصل عن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. كان الأوروبيون جزءاً من منظومتين، إما حلف شمال الأطلسي بقيادة واشنطن، أو حلف وارسو بقيادة موسكو. في المنظومتين، كان الأوروبيون مجرّد أطرافٍ في صراعٍ أكبر منهم، تجلّى في الحرب الباردة (1947 ـ 1991).
منذ أكثر من 18 شهراً، وفقاً للصحف البريطانية، بوشرت دراسة فكرة "تشكيل جيش أوروبي". غني عن التعريف أن الفكرة نشأت في ظروفٍ، شهدت فيها ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، ربيع عام 2014، وبدء النزاع الدموي في الشرق الأوكراني. وعلى الرغم من السرية التي أُحيطت بها المباحثات بين القادة الأوروبيين، إلا أن الفكرة التي تسّوقها ألمانيا أساساً، خرجت إلى العلن، في اليومين الماضيين، لتُصبح جزءاً من الشعارات المرفوعة في استفتاء بريطانيا في 23 يونيو/ حزيران المقبل الذي، بموجبه، سيُقرّر الناخبون البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه.
لم يكن رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، رافضاً الفكرة، لكنه طلب تأجيل طرحها علناً إلى ما بعد الاستفتاء، ليتمكّن من ترويجها بين البريطانيين. ذلك لأن فكرة "جيش أوروبي" ليست مرغوبةً في القاموس العسكري في لندن، خصوصاً أن الجيش البريطاني يعمل بشكل مستقلّ، ولو بالتحالف مع الولايات المتحدة أساساً. كما أن البريطانيين، المعتادين على تصنيف أنفسهم، حكومة وشعباً، دولة عظمى، لن يقبلوا، والكلام وفقاً لصحيفة "ذا إندبندنت"، أن يؤدي جنودهم التحية العسكرية لقائدٍ كرواتي أو فرنسي، على سبيل المثال. كاميرون، على الرغم من كونه محافظاً، إلا أنه أكثر واقعيةً من أسلافه. وهو ما دفعه إلى طيّ صفحة "أوراق بنما" سريعاً، والتوجّه نحو تخصيص وقته لضمان بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي في استفتاء 23 يونيو/ حزيران المقبل.
لماذا "جيش أوروبي"؟ لم يعد في وسع القارة الأوروبية، حالياً، تحمّل تحوّلها إلى ساحة صراعٍ واسعة ومباشرة بين الروس والأميركيين، تحت مسمى الأطلسي. هم من يتحمّل وزر الهجرة من الشرق وشمال إفريقيا، وهم من يعانون من الحرب الأوكرانية، وهم من يدفعون ثمن التوترات الناجمة عن مناورات حلف الأطلسي في بعض بلدان أوروبا الشرقية والبلطيق، وهم من يعانون من الانتهاكات العسكرية الروسية، في الشمال الأوروبي تحديداً، من دون أي ردّ فعلٍ من "الأطلسي". وما زاد الوضع سوءاً، هو إقرار الأخير بأنه "غير قادر على مواجهة أي عمل عسكري روسي". لذلك، تمّ الإعلان، قبل أكثر من أسبوع، عن نشر أربع أو خمس كتائب عسكرية، في شرق أوروبا، فقط لـ"ردع الروس، لا للهجوم عليهم".
بالتالي، قد لا يكون "الأطلسي" الذي وجد نفسه متأخراً عن القدرة العسكرية الروسية، في عهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حارساً ذا قيمة لأوروبا، في حال تدهورت الأوضاع بين القارة وموسكو. من هنا، تأتي أهمية "الجيش الأوروبي" لألمانيا أساساً، التي تعمل على تمويل مختلف العمليات العسكرية الأوروبية الاعتيادية، في سياق تحويل أوروبا قوةً عسكريةً، مماثلةً للقوة الاقتصادية.
كما أن سبباً إضافياً يجعل محبّذي فكرة "الجيش الأوروبي" يندفعون باتجاه إنشائه، وهو "الابتعاد الأميركي". باتت أوروبا مقتنعةً بأن الولايات المتحدة، تعمل على تحقيق اختراق واسع في آسيا، انطلاقاً من الاتفاق النووي مع إيران من جهة، وترسيخ التعاون مع دول جنوب شرق آسيا، وأخرها فييتنام، من جهة ثانية. على أن يؤدي هذان المساران الآسيويان إلى اختراق أميركي واسع للسوق الشرق الآسيوي، تحديداً الصين واليابان. بالتالي، لن يتورّط الأميركيون في أي مواجهة أوروبية ـ روسية، بل سيكونون أقرب إلى مبدأ "إسداء النصائح"، و"الدعوة إلى ضبط النفس".
أن تجمع 28 دولة أوروبية في قالب عسكري واحد، عليك أن تكون ألمانياً، أما في حال أردت عرقلته، فعليك أن تكون بريطانياً. هكذا هي أوروبا حالياً.
منذ أكثر من 18 شهراً، وفقاً للصحف البريطانية، بوشرت دراسة فكرة "تشكيل جيش أوروبي". غني عن التعريف أن الفكرة نشأت في ظروفٍ، شهدت فيها ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، ربيع عام 2014، وبدء النزاع الدموي في الشرق الأوكراني. وعلى الرغم من السرية التي أُحيطت بها المباحثات بين القادة الأوروبيين، إلا أن الفكرة التي تسّوقها ألمانيا أساساً، خرجت إلى العلن، في اليومين الماضيين، لتُصبح جزءاً من الشعارات المرفوعة في استفتاء بريطانيا في 23 يونيو/ حزيران المقبل الذي، بموجبه، سيُقرّر الناخبون البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه.
لم يكن رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، رافضاً الفكرة، لكنه طلب تأجيل طرحها علناً إلى ما بعد الاستفتاء، ليتمكّن من ترويجها بين البريطانيين. ذلك لأن فكرة "جيش أوروبي" ليست مرغوبةً في القاموس العسكري في لندن، خصوصاً أن الجيش البريطاني يعمل بشكل مستقلّ، ولو بالتحالف مع الولايات المتحدة أساساً. كما أن البريطانيين، المعتادين على تصنيف أنفسهم، حكومة وشعباً، دولة عظمى، لن يقبلوا، والكلام وفقاً لصحيفة "ذا إندبندنت"، أن يؤدي جنودهم التحية العسكرية لقائدٍ كرواتي أو فرنسي، على سبيل المثال. كاميرون، على الرغم من كونه محافظاً، إلا أنه أكثر واقعيةً من أسلافه. وهو ما دفعه إلى طيّ صفحة "أوراق بنما" سريعاً، والتوجّه نحو تخصيص وقته لضمان بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي في استفتاء 23 يونيو/ حزيران المقبل.
لماذا "جيش أوروبي"؟ لم يعد في وسع القارة الأوروبية، حالياً، تحمّل تحوّلها إلى ساحة صراعٍ واسعة ومباشرة بين الروس والأميركيين، تحت مسمى الأطلسي. هم من يتحمّل وزر الهجرة من الشرق وشمال إفريقيا، وهم من يعانون من الحرب الأوكرانية، وهم من يدفعون ثمن التوترات الناجمة عن مناورات حلف الأطلسي في بعض بلدان أوروبا الشرقية والبلطيق، وهم من يعانون من الانتهاكات العسكرية الروسية، في الشمال الأوروبي تحديداً، من دون أي ردّ فعلٍ من "الأطلسي". وما زاد الوضع سوءاً، هو إقرار الأخير بأنه "غير قادر على مواجهة أي عمل عسكري روسي". لذلك، تمّ الإعلان، قبل أكثر من أسبوع، عن نشر أربع أو خمس كتائب عسكرية، في شرق أوروبا، فقط لـ"ردع الروس، لا للهجوم عليهم".
بالتالي، قد لا يكون "الأطلسي" الذي وجد نفسه متأخراً عن القدرة العسكرية الروسية، في عهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حارساً ذا قيمة لأوروبا، في حال تدهورت الأوضاع بين القارة وموسكو. من هنا، تأتي أهمية "الجيش الأوروبي" لألمانيا أساساً، التي تعمل على تمويل مختلف العمليات العسكرية الأوروبية الاعتيادية، في سياق تحويل أوروبا قوةً عسكريةً، مماثلةً للقوة الاقتصادية.
كما أن سبباً إضافياً يجعل محبّذي فكرة "الجيش الأوروبي" يندفعون باتجاه إنشائه، وهو "الابتعاد الأميركي". باتت أوروبا مقتنعةً بأن الولايات المتحدة، تعمل على تحقيق اختراق واسع في آسيا، انطلاقاً من الاتفاق النووي مع إيران من جهة، وترسيخ التعاون مع دول جنوب شرق آسيا، وأخرها فييتنام، من جهة ثانية. على أن يؤدي هذان المساران الآسيويان إلى اختراق أميركي واسع للسوق الشرق الآسيوي، تحديداً الصين واليابان. بالتالي، لن يتورّط الأميركيون في أي مواجهة أوروبية ـ روسية، بل سيكونون أقرب إلى مبدأ "إسداء النصائح"، و"الدعوة إلى ضبط النفس".
أن تجمع 28 دولة أوروبية في قالب عسكري واحد، عليك أن تكون ألمانياً، أما في حال أردت عرقلته، فعليك أن تكون بريطانياً. هكذا هي أوروبا حالياً.