09 نوفمبر 2024
انتخابات لبنان: شاورما وقهوة
تبدأ غداً الأحد أولى مراحل الانتخابات البلدية اللبنانية، في أول انتخاباتٍ يشارك فيها اللبنانيون منذ الانتخابات البلدية نفسها في عام 2010. ست سنوات كافية لظهور جيل جديد من الناخبين، بموازاة مؤثراتٍ عدة دخلت على خط الوعي السياسي في البلاد، ولو بالحدّ الأدنى. تبدأ تلك المؤثرات من الربيع العربي الذي انطلق مع إحراق التونسي محمد البوعزيزي نفسه في 17 ديسمبر /كانون الأول 2010، وتمرّ بملف النزوح السوري في البلاد، وتنتهي بملف النفايات الذي تحوّل إلى مرضٍ قاتل في الشوارع والبيوت في لبنان.
أمام اللبنانيين فرصة جديدة للتغيير، انطلاقاً مما سبق، لنقل البلاد إلى مرحلة جديدة في تاريخها، وهم الذين اعتادوا، في المبدأ، على ديمقراطيةٍ متناسلة، تعطّلت فعلياً في الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990)، وعملياً في الاشتباك السياسي الحاصل منذ ما بعد الانسحاب السوري من لبنان في 26 إبريل/ نيسان 2005، الذي أدى، بعد عام 2010، إلى إطاحة المواعيد الدستورية، كالانتخابات النيابية 2013، فضلاً عن التمديد لقادة أمنيين ومسؤولين سياسيين في مختلف مؤسسات الدولة الأمنية والسياسية. ولكن هذه الفرصة التغييرية، أيضاً في المبدأ، ستذهب أدراج الرياح، بفعل سببٍ واحد، ساهم النظام اللبناني، بتركيبته الطوائفية ـ الإقطاعية، في تكريسه منذ الاستقلال عام 1943، وهو الفساد.
باتت منظومة الفساد متأصلة في الداخل اللبناني أمراً واقعاً لا مفرّ منه، إلى الحدّ الذي بات التغيير فيه، في بعض المحطات، يقتصر على استبدال فاسدٍ بفاسدٍ آخر، في ظلّ "خشية" الطوائف اللبنانية من بعضها، عبر خطاب طائفي ـ مناطقي، يستخدمه معظم سياسيي لبنان وأحزابه لتثبيت مواقعهم السلطوية.
بالتالي، سمح ذلك في بعض المناطق في ظهور تحالفٍ شاملٍ لكل أقطاب السلطة، على الرغم من صراعهم السياسي العلني، كما يحصل في العاصمة بيروت بالذات، في مواجهة لوائح شعبية. لا يعني ذلك سوى أن السلطة في لبنان، معارضةً وموالاة، تتصارع على الحصص فيما بينها، من دون تقديم الخطط الإنمائية والاجتماعية للمواطنين، والأدلّة في هذا الصدد كثيرة.
في ملف الكهرباء، مثلاً، هُدرت مليارات الدولارات، لا الليرات، منذ عام 1992، من دون حلول. أما المياه (ولبنان مشهور بوفرة مياهه) فتنقطع في فصل الشتاء بصورة موازيةٍ لانقطاعها صيفاً. ويطاول الهدر أيضاً ملفات اجتماعية حسّاسة، كملف الطبابة، فتعاني فئة كبيرة اللبنانيين من غياب السند المالي طبياً، ما يؤدي إلى ازدياد الوفيات على مداخل المستشفيات، بسبب منع المرضى من دخولها لأسباب مادية. التعليم غير بعيد عن الهدر، مع استمرار هيمنة مؤسسات دينيةٍ كثيرة على قطاع التعليم، والتلذّذ برفع الأقساط المدرسية سنوياً، مع تراجع الدعم الدولتي للمدارس الرسمية، على الرغم من الوضع المعيشي المزري في وطن الأرز. في النهاية، يجد عديدون من المسؤولين عن قطاعي الطبابة والتعليم فيهما "مؤسساتٍ مالية تدرّ الأرباح"، لا مؤسسات تهدف إلى تأمين الشفاء للمرضى والتعليم الكافي للطلاب.
أما ملف النفايات الذي يُعالج بطريقة أقلّ من بدائية، أي الطمر العشوائي والحرق، فصورة معبّرة عن "تعاضد" الطبقة السياسية "وتكافلها" لتوزيع الحصص المالية فيما بينها. مع العلم أن هذه المعالجة أدت إلى انتشار أمراض محددة في البلاد، كالسرطان والأمراض الصدرية.
مع ذلك، تخرج الطبقة السياسية الحاكمة، بأحزابها وعائلاتها ومستقليها، لتعمل على "شراء" الناخبين، بأسعار متفاوتة، وفقاً لأهمية كل منطقة لتلك الأحزاب والعائلات والمستقلين. في بعض الأماكن، تعدّى "سعر الصوت" الـ500 دولار. وفي أماكن أخرى، يكفي سندويش من الشاورما مع فنجاني قهوة لـ"شراء" ناخب. كما أن الضغط والترهيب بقطع الأرزاق، أو الاعتداء الجسدي والمعنوي وإطلاق النار، بات من "شِيم" تلك الانتخابات. لا يمكن تسمية ما يحصل في معظم الأراضي اللبنانية "انتخابات"، بل محاولة ديكتاتورية باسم الديمقراطية لاستكمال مسيرة الفساد، ولا يُمكن وقف مساره إلا بقرارٍ من الشعب فقط.
أمام اللبنانيين فرصة جديدة للتغيير، انطلاقاً مما سبق، لنقل البلاد إلى مرحلة جديدة في تاريخها، وهم الذين اعتادوا، في المبدأ، على ديمقراطيةٍ متناسلة، تعطّلت فعلياً في الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990)، وعملياً في الاشتباك السياسي الحاصل منذ ما بعد الانسحاب السوري من لبنان في 26 إبريل/ نيسان 2005، الذي أدى، بعد عام 2010، إلى إطاحة المواعيد الدستورية، كالانتخابات النيابية 2013، فضلاً عن التمديد لقادة أمنيين ومسؤولين سياسيين في مختلف مؤسسات الدولة الأمنية والسياسية. ولكن هذه الفرصة التغييرية، أيضاً في المبدأ، ستذهب أدراج الرياح، بفعل سببٍ واحد، ساهم النظام اللبناني، بتركيبته الطوائفية ـ الإقطاعية، في تكريسه منذ الاستقلال عام 1943، وهو الفساد.
باتت منظومة الفساد متأصلة في الداخل اللبناني أمراً واقعاً لا مفرّ منه، إلى الحدّ الذي بات التغيير فيه، في بعض المحطات، يقتصر على استبدال فاسدٍ بفاسدٍ آخر، في ظلّ "خشية" الطوائف اللبنانية من بعضها، عبر خطاب طائفي ـ مناطقي، يستخدمه معظم سياسيي لبنان وأحزابه لتثبيت مواقعهم السلطوية.
بالتالي، سمح ذلك في بعض المناطق في ظهور تحالفٍ شاملٍ لكل أقطاب السلطة، على الرغم من صراعهم السياسي العلني، كما يحصل في العاصمة بيروت بالذات، في مواجهة لوائح شعبية. لا يعني ذلك سوى أن السلطة في لبنان، معارضةً وموالاة، تتصارع على الحصص فيما بينها، من دون تقديم الخطط الإنمائية والاجتماعية للمواطنين، والأدلّة في هذا الصدد كثيرة.
في ملف الكهرباء، مثلاً، هُدرت مليارات الدولارات، لا الليرات، منذ عام 1992، من دون حلول. أما المياه (ولبنان مشهور بوفرة مياهه) فتنقطع في فصل الشتاء بصورة موازيةٍ لانقطاعها صيفاً. ويطاول الهدر أيضاً ملفات اجتماعية حسّاسة، كملف الطبابة، فتعاني فئة كبيرة اللبنانيين من غياب السند المالي طبياً، ما يؤدي إلى ازدياد الوفيات على مداخل المستشفيات، بسبب منع المرضى من دخولها لأسباب مادية. التعليم غير بعيد عن الهدر، مع استمرار هيمنة مؤسسات دينيةٍ كثيرة على قطاع التعليم، والتلذّذ برفع الأقساط المدرسية سنوياً، مع تراجع الدعم الدولتي للمدارس الرسمية، على الرغم من الوضع المعيشي المزري في وطن الأرز. في النهاية، يجد عديدون من المسؤولين عن قطاعي الطبابة والتعليم فيهما "مؤسساتٍ مالية تدرّ الأرباح"، لا مؤسسات تهدف إلى تأمين الشفاء للمرضى والتعليم الكافي للطلاب.
أما ملف النفايات الذي يُعالج بطريقة أقلّ من بدائية، أي الطمر العشوائي والحرق، فصورة معبّرة عن "تعاضد" الطبقة السياسية "وتكافلها" لتوزيع الحصص المالية فيما بينها. مع العلم أن هذه المعالجة أدت إلى انتشار أمراض محددة في البلاد، كالسرطان والأمراض الصدرية.
مع ذلك، تخرج الطبقة السياسية الحاكمة، بأحزابها وعائلاتها ومستقليها، لتعمل على "شراء" الناخبين، بأسعار متفاوتة، وفقاً لأهمية كل منطقة لتلك الأحزاب والعائلات والمستقلين. في بعض الأماكن، تعدّى "سعر الصوت" الـ500 دولار. وفي أماكن أخرى، يكفي سندويش من الشاورما مع فنجاني قهوة لـ"شراء" ناخب. كما أن الضغط والترهيب بقطع الأرزاق، أو الاعتداء الجسدي والمعنوي وإطلاق النار، بات من "شِيم" تلك الانتخابات. لا يمكن تسمية ما يحصل في معظم الأراضي اللبنانية "انتخابات"، بل محاولة ديكتاتورية باسم الديمقراطية لاستكمال مسيرة الفساد، ولا يُمكن وقف مساره إلا بقرارٍ من الشعب فقط.