01 نوفمبر 2024
ثورة مصر... معركة الذاكرة
صدر أخيراً سِفرٌ (كتاب) مهم عن ثورة مصر في جزءين، وهو كتابٌ يجمع بين دفتيه ثلاث قيم: تتمثل الأولى في المركز العربي للبحوث ودراسة السياسات الذي أصدره، وتتشكل الثانية من قيمة القضية التي يعالجها، وهي ثورة مصر في الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني. وتتمثل القيمة الثالثة في الكاتب، بما يحمله من رسالةٍ نضاليةٍ، وبما يمثله من طاقة للمقاومة حقيقية. تجتمع القيم الثلاث في هذا السفر الكبير، لتعبّر عن إضافةٍ حقيقيةٍ، ليس فقط للمكتبة العربية، أو باعتباره مرجعاً عن الثورة المصرية، لكن الأمر أبعد من ذلك، إنه تأريخ للثورة المصرية، يقدّم فيه كاتبه حالةً نضالية يخوض، بريادته، أول المعارك وأشدها خطورةً، وهي "معركة الذاكرة". وهذه من أهم المعارك التي يمكن أن تُدّشنَ حالةً بحثيةً غاية في الأهمية. ويفتتح الكتاب مقدمته بالقول إنه "لا يمكن بدء دراسة الثورة المصرية بيوم 25 كانون الثاني/ يناير 2011 والتحضير له، ولا حتى في انتخابات عام 2010 المزوّرة، أو بمقتل خالد سعيد، كما يفعل صحافيون أجانب أحياناً"، الأمر في الحقيقة يُعنى بالذاكرة والتنويه إلى أهميتها، فحينما تُستهدف الذاكرة من أطرافٍ عدة، ويحاول كل منها أن يقوم بكل أمرٍ يتعلق بمحاولةٍ حثيثةٍ وخبيثةٍ بمحو الذاكرة، فإن هذا الكتاب يعبر ضمن ما يعبر عنه عن حقيقةٍ كبرى، إنه "كتابٌ لحماية الذاكرة".
هذا الكتاب مواجهة حقيقية مع من يحاولون طمس هذه الذاكرة، والتعتيم على ثورةٍ تعدّ من أنصع صفحات تاريخ مصر المعاصر، إذّ تعبر عن حالةٍ شعبيةٍ حقيقيةٍ، وتعبر عن ساعة تغييرٍ، حان وقتها، حملت أهدافها، وأكدت على فعلها عملاً ممتداً، لا يجوز بأي حال أن نتخلى عنه، أو ننفصل عن وجدانه ومقامه، وصناعة الأمل والمستقبل فيه.
ومن ثم، يشكل هذا الكتاب في جزءيه حالةً معلوماتية فريدة، يقدّم فيها الكاتب عن قصدٍ كمّاً هائلاً من المعلومات، وما أدراك ما المعلومات؟ إنها تعبر، في الحقيقة، عن حدثٍ يؤرخ له من خلال منظومة معلوماتٍ متتابعةٍ ومتراكمةٍ، وتحمل عناصر رؤيةٍ موثقة، تقوم على فرز هذه المعلومات بقدرةٍ فائقةٍ، لتنسج صورة لحدث عميق وكبير، وكأنك تشاهده ببعض تفاصيله وعلى حقيقته. بدت هذه الحالة المعلوماتية في أبهى صورها في المجلد الثاني من هذا الكتاب، لتعبّر، في حقيقة الأمر، عن معلوماتٍ أوليةٍ شق فيها الكاتب أوعر طريقٍ برصانةٍ منقطعة النظير، لتصوّر الحدث متصلاً، ضمن نسيج صورة أقرب ما تكون إلى مشاهد بصرية متتابعة، نابضة بروح الثورة مفعمة بعبقها.
في الأحداث الكبرى من الأهمية أن يكون هناك كيان من المعلومات، لا يتصف بالتراكم فحسب، ولكنه كذلك يمتلك جوهر المصداقية، في إطارٍ يعرف للمعلومة مقامها وفاعلية توظيفها، قدّم الكاتب معنى المعرفة في المعلومة، وقيمة الحكمة في المعرفة، فصارت المعلومات مبصرةً بصيرةً تعرف طريقها، وتنسج خيوطها، لتعبر عن حالةٍ بحثيةٍ، تتمتع بأشد درجات الوثوقية والمصداقية. كل هذه الأمور ليست بعيدة بأي حال عن معركة الذاكرة.
لم يتوقف الأمر فحسب عند كيان المعلومات المبصرة والبصيرة، لكن مؤلف الكتاب، الدكتور عزمي بشارة، في واقع الأمرـ اتخذ لهذا الكتاب غرضاً، يتلخص في إنتاج بحثٍ توثيقي عن ثورة مصر 2011، حمل التوثيق بداخله عناصر تدقيقٍ وتحقيق، ليعبر بذلك عن حماية الذاكرة فترة عامرة بالأحداث، لا يمكن، بأيِّ حالٍ، أن تترك هكذا نهباً لكل خابط أو عبثا لأي عابث. في الحقيقة، أن التوثيق والتدقيق والتحقيق أمور لم تكن بعيدة بأي حال عن معركة الذاكرة.
حينما نشاهد كل تلك المحاولات، خصوصاً بعد الحقبة الانقلابية التي شكلت، في حقيقة الأمر،
بمنقلبيها رأس حربة للثورة المضادة التي أعلنت حرباً لا هوادة فيها على الذاكرة، فجعلت السرديات والروايات حول الثورة نهباً من أطرافٍ كثيرةٍ ذات مصلحةٍ مباشرة وغير مباشرة في طمس الذاكرة. واتخذ الأمر في طمس الذاكرة صوراً شتى بين التعتيم على الحدث والتغييب المقصود للوقائع ومفاصل الأيام، وبين بعض هؤلاء الذين حاولوا تزييف وتزوير الذاكرة في مهمة خطيرة لرسم أسوأ صورةٍ للثورة، صورةٍ أرادوها بائسةً يائسةً، قام كل هؤلاء ومن كل طريق باغتيال الذاكرة.
نحن، في الحقيقة، في قلب معركة الذاكرة، نشهد عملياتٍ خطيرةً تنال من تلك الذاكرة ضمن أخطر عملية تغرير وتزوير، ذلك أن هؤلاء الذين يقومون على الصحف القومية، على سبيل المثال، قد مسحوا ومحوا كل ما يتعلق بروايات الثورة، أو أخبارها، أو حتى مقالات الرأي فيها، عن عمدٍ وسبق إصرارٍ وترصّد، وكأنهم أرادوا أن يُسقطوا هذه الأيام المهمة في تاريخ الثورة المصرية، لاستعادة كرامة المواطن ومكانة الوطن، من مسار الأحداث، ومن مسيرة التاريخ.
بل هناك بعض القائمين على الصحف وغيرها قد محوا اللقطات المصوّرة والأحداث الموثقة، ممن لهم مصلحة أن يطمسوها عن سبق إصرار، وخرج بعضهم علينا من مسارب شتى، يحاول أن يدبّج روايةً للثورة على هواه، يحاول أن يرسم صورةً لدوره، وكأنه هو من قاد ثورةً أو هو مفجرها. هكذا بدت الأمور في عملية محوٍ كبرى لذاكرة الثورة، وعملية طمسٍ أكبر لوقائعها، وعملية تزوير أخطر لكل ما يتعلق بقيمها وآمالها وأشواقها.
هذا الكتاب بحق عملية نضالية كبرى، لحماية ذاكرة ثورة يناير وإنقاذها، باعتبار أن هذا الحدث الكبير والجليل مما يجب أن يزود عنه ويناضل عن حياضه شرفاء يستشرفون، وينشدون تغييراً حقيقياً في معادلات الاستبداد بلوغاً لحالة ديمقراطية، ورفع أعلام التحرير والحرية. من هنا، يبدو لنا أن ذلك التوثيق هو أخطر ميدانٍ في معركة الذاكرة، وما يحمله من طاقةٍ تسرد أحداث الثورة، وكأنك تشاهدها، تقف عند الفاعلين فيها، والناشطين في ميدانها، ليدعموا المعلومة بالتوثيق، والتوثيق بالشهادة والشهود، عمليات بعضها من بعض، تعني، ضمن ما تعني، أن للذاكرة كياناً من المعلومات ومبنى، وأن لها رسالة ومعنى، وتملك فاعليةً ورؤية ومغزى، كتاب "ثورة مصر" من أهم الصفحات التي خُطت في ميادين معركة الذاكرة.
هذا الكتاب مواجهة حقيقية مع من يحاولون طمس هذه الذاكرة، والتعتيم على ثورةٍ تعدّ من أنصع صفحات تاريخ مصر المعاصر، إذّ تعبر عن حالةٍ شعبيةٍ حقيقيةٍ، وتعبر عن ساعة تغييرٍ، حان وقتها، حملت أهدافها، وأكدت على فعلها عملاً ممتداً، لا يجوز بأي حال أن نتخلى عنه، أو ننفصل عن وجدانه ومقامه، وصناعة الأمل والمستقبل فيه.
ومن ثم، يشكل هذا الكتاب في جزءيه حالةً معلوماتية فريدة، يقدّم فيها الكاتب عن قصدٍ كمّاً هائلاً من المعلومات، وما أدراك ما المعلومات؟ إنها تعبر، في الحقيقة، عن حدثٍ يؤرخ له من خلال منظومة معلوماتٍ متتابعةٍ ومتراكمةٍ، وتحمل عناصر رؤيةٍ موثقة، تقوم على فرز هذه المعلومات بقدرةٍ فائقةٍ، لتنسج صورة لحدث عميق وكبير، وكأنك تشاهده ببعض تفاصيله وعلى حقيقته. بدت هذه الحالة المعلوماتية في أبهى صورها في المجلد الثاني من هذا الكتاب، لتعبّر، في حقيقة الأمر، عن معلوماتٍ أوليةٍ شق فيها الكاتب أوعر طريقٍ برصانةٍ منقطعة النظير، لتصوّر الحدث متصلاً، ضمن نسيج صورة أقرب ما تكون إلى مشاهد بصرية متتابعة، نابضة بروح الثورة مفعمة بعبقها.
في الأحداث الكبرى من الأهمية أن يكون هناك كيان من المعلومات، لا يتصف بالتراكم فحسب، ولكنه كذلك يمتلك جوهر المصداقية، في إطارٍ يعرف للمعلومة مقامها وفاعلية توظيفها، قدّم الكاتب معنى المعرفة في المعلومة، وقيمة الحكمة في المعرفة، فصارت المعلومات مبصرةً بصيرةً تعرف طريقها، وتنسج خيوطها، لتعبر عن حالةٍ بحثيةٍ، تتمتع بأشد درجات الوثوقية والمصداقية. كل هذه الأمور ليست بعيدة بأي حال عن معركة الذاكرة.
لم يتوقف الأمر فحسب عند كيان المعلومات المبصرة والبصيرة، لكن مؤلف الكتاب، الدكتور عزمي بشارة، في واقع الأمرـ اتخذ لهذا الكتاب غرضاً، يتلخص في إنتاج بحثٍ توثيقي عن ثورة مصر 2011، حمل التوثيق بداخله عناصر تدقيقٍ وتحقيق، ليعبر بذلك عن حماية الذاكرة فترة عامرة بالأحداث، لا يمكن، بأيِّ حالٍ، أن تترك هكذا نهباً لكل خابط أو عبثا لأي عابث. في الحقيقة، أن التوثيق والتدقيق والتحقيق أمور لم تكن بعيدة بأي حال عن معركة الذاكرة.
حينما نشاهد كل تلك المحاولات، خصوصاً بعد الحقبة الانقلابية التي شكلت، في حقيقة الأمر،
نحن، في الحقيقة، في قلب معركة الذاكرة، نشهد عملياتٍ خطيرةً تنال من تلك الذاكرة ضمن أخطر عملية تغرير وتزوير، ذلك أن هؤلاء الذين يقومون على الصحف القومية، على سبيل المثال، قد مسحوا ومحوا كل ما يتعلق بروايات الثورة، أو أخبارها، أو حتى مقالات الرأي فيها، عن عمدٍ وسبق إصرارٍ وترصّد، وكأنهم أرادوا أن يُسقطوا هذه الأيام المهمة في تاريخ الثورة المصرية، لاستعادة كرامة المواطن ومكانة الوطن، من مسار الأحداث، ومن مسيرة التاريخ.
بل هناك بعض القائمين على الصحف وغيرها قد محوا اللقطات المصوّرة والأحداث الموثقة، ممن لهم مصلحة أن يطمسوها عن سبق إصرار، وخرج بعضهم علينا من مسارب شتى، يحاول أن يدبّج روايةً للثورة على هواه، يحاول أن يرسم صورةً لدوره، وكأنه هو من قاد ثورةً أو هو مفجرها. هكذا بدت الأمور في عملية محوٍ كبرى لذاكرة الثورة، وعملية طمسٍ أكبر لوقائعها، وعملية تزوير أخطر لكل ما يتعلق بقيمها وآمالها وأشواقها.
هذا الكتاب بحق عملية نضالية كبرى، لحماية ذاكرة ثورة يناير وإنقاذها، باعتبار أن هذا الحدث الكبير والجليل مما يجب أن يزود عنه ويناضل عن حياضه شرفاء يستشرفون، وينشدون تغييراً حقيقياً في معادلات الاستبداد بلوغاً لحالة ديمقراطية، ورفع أعلام التحرير والحرية. من هنا، يبدو لنا أن ذلك التوثيق هو أخطر ميدانٍ في معركة الذاكرة، وما يحمله من طاقةٍ تسرد أحداث الثورة، وكأنك تشاهدها، تقف عند الفاعلين فيها، والناشطين في ميدانها، ليدعموا المعلومة بالتوثيق، والتوثيق بالشهادة والشهود، عمليات بعضها من بعض، تعني، ضمن ما تعني، أن للذاكرة كياناً من المعلومات ومبنى، وأن لها رسالة ومعنى، وتملك فاعليةً ورؤية ومغزى، كتاب "ثورة مصر" من أهم الصفحات التي خُطت في ميادين معركة الذاكرة.