04 أكتوبر 2024
في بورصةِ حقوقِ الإنسان
في بلاد الغرب، وفي توابعه من بلاد الاستبداد، يتحدثون كثيراً عن حقوق الإنسان. يتكلمون عن مراعاتهم لهذه الحقوق وقيم الإنسانية، لكنهم، في حقيقة الأمر، يحرّضون على الإنسان والإنسانية، يقتلون الإنسان والكيان، يهدمون البنيان والعمران. ومع ذلك، يتحدّثون عن حقوق الإنسان. ما لِهؤلاء يتشدّقون بهذه الحقوق، ويحاولون أن يُطّلوا على الإنسانية بدور الأُستاذيةِ حول حقوق الإنسان والتبشير بالديمقراطية؟ حتى المستبد في بلادنا يتحدّث عن حقوق الإنسان والديمقراطية. وعلى الرغم من أنه ينتهكها كل يوم، فإنه يتحدث بملءِ فيهِ إنه يلتزمُ بالحقوق الإنسانية. يده تقطر بالدم، قوله يقطر بالكراهية، خطابه يتسم بالتحريض، أما أفعاله فالمطاردة والاعتقال. وفي النهاية، لا يتورّع عن أن يمارس القتل بالحرق والخنق والقتل والذبح. وفي كل مرةٍ، سيصدع بالكلمة إنه يحافظ على حقوق الإنسان. يبرّر قتله في كل آن وزمان، في كل بلد ومكان، إنه في حقيقة الأمر يهدم بنيان الإنسان.
في كلِ يومٍ تطلّ علينا وكالاتُ الأنباء بمئات القتلى، لكنهم من جنسٍ واحدٍ، هو جنس العرب، فتصل الأمورُ إلى ارتكابِ مذابحَ يوميةٍ، وقصف جوي ببراميل متفجرة، وصواريخ متطورة. يهدم بها البنيان على رأس الإنسان، أترى حلب وما يحدث فيها؟ أترى عموم سورية، ومن يُقتل من أهلها؟ أترى أهل الفلوجة الذين يُقْتلون كل يوم في حال تطهير عرقيٍّ، لا نعرف لها نهاية ولا نعرف لها بداية؟ أترى هؤلاء المقتولين في اليمن، في تعز وعدن، يموتون بالمئات، يجوعون يحاصرون يتضورون، وفي النهاية يموتون.
تحت نظر العالم الأعشى، بل قل الأعمى، يموت الإنسان، لكنهم لا يُقِيمون لذلك وزناً، هذا الطفل الرضيع الذي لم يصل عمره إلا إلى أشهر معدودة. وهذا الشيخ الكبير الذي تخطى السبعين، وهذه المرأة الضعيفة تئنُ تحت الأنقاض ومعها رضيعها، لكنهم، في كل وقت وحين، لا يرون، يتعامون، يتغافلون، لكنهم لم ينقطعوا مرة عن الحديث والكلام عن الطنطنة والرطانة بالالتزام بحقوق الإنسان.
أين الإنسان، مقاماً ومكاناً، في بورصة حقوق الإنسان؟ أين الإنسان من مستبدٍّ صار يلغُ في الدماء من غير حسابٍ أو عقاب؟ يبْقّون عليه، يدعمونه، لأنه، في النهاية، واجهة مصالحهم وأداة خدمتهم، لا يفرّطون فيه، فإن قتل أغمضوا عيونهم، وإن ذبح تغافلوا عنه. المهم أنه، في النهاية، سيحقق المصالح، ويحفظ أمن إسرائيل. هذه هي القضية، قضية رخص الإنسان واستباحة نفسه ودمه وروحه، من أجل مصالح آنية وأنانية دنيئة.
يتواطأُ الجميع في هذا المشهد على استباحة حياة الإنسان. لا يريدون من ذلك إلا حماية أهدافهم وتحالفاتهم التي تتواطأ على قتل الإنسان بدم باردٍ، لا تقيم وزناً له، ولا لحرمة نفسه، ولا حتى لطفلٍ رضيعٍ، يحاول أن يجد له مقاماً في حياة البشر، لكنهم يقتلونه ويئدونه، حتى وكأننا نسمع السؤال الأبدي (وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنبٍ قتلت). لا ثمن لهذا الإنسان الرخيص، يلقي بنفسه في التهلكة، حتى يجد له موضع قدم في بلدٍ يحترم حقوق الإنسان. يذهب إلى بلادٍ تُسهم في قتله على أرضه، وتغلق حدودها في وجهه. يُخاطر بحياته ونفسه، فيركب القارب، ينقلب به ويموت الإنسان. يذهب إلى كل مكان لاجئاً ومهاجراً، فلا يجد القوت، ولا يجد المأوى، ويموت الإنسان، وتجتمع الأمم المتحدة بأجهزتها الإنسانية، لتقرّر قراراتٍ شكلية. قرّر هؤلاء المجتمعون في رحابها أن يُسقطوا المعونات الغذائية على الإنسان بالطائرات منّاً، ومحاولة منهم لأن يُسقطوا الضمير الإنساني الذي تواطأ على حصارهم، المرة تلو المرة، والسكوت على جوعهم في كل مرة، لكنهم يجدون أن هناك موانع فنية، حتى يُسقطوا الأغذية بالطائرات الجوية، فيجوع من يجوع، ويموت من يموت في مضايا وغيرها من بلاد. وفي النهاية، يتحدثون ويصَدعون رؤوسنا عن التزامهم بحقوق الإنسان.
فليمت الآلاف، ولتزهق الأرواح، وليجُع ضعفاء الناس، ويتعرّون فلا يجدون من مأوى، فإن
هؤلاء يعتبرونهم قنبلةً موقوتة، ألا ترى معي أنهم لا يزالون يؤمنون بـ"خرافة مالتوس السكانية"، حينما لا يجدون حلاً إلا في الحروب لقتل الإنسان والإنسانية. ولكن، عن أي إنسانٍ يتحدثون. الإنسان الذي يقع تحت سيف القتل من مستبد طاغيةٍ، أو من غربٍ يتواطأ على قتل هؤلاء، على الرغم من أنه يتحدّث عن قوة أسلحته وأساطيله العاتية، لا يستأهل هؤلاء الحياة، ومن لم يطله الموت بالبراميل المتفجرة يدركه الموت بالجوع وفقدان المأوى.
هذا مستبدٌ جزارٌ يمارس القتل ليل نهار، وهذا مستبدٌ آخر في بلاد مصر المحبوسة، يعتقل الناس بالشبهة ويقتل ويطارد ويخنق ويحرق، ويوحي لقضاته بأحكام الإعدامات اليومية، فليذهب الإنسان إلى الجحيم، لا حرمة له، ولا تقدير لدمه وكيانه وروحه ونفسه، إنهم في كل مرة يقتلون البشر، ثم يقولون إنهم يواجهون الإرهاب المحتمل.
يا سادة، هذا الأمر حول خطاب الإرهاب المحتمل، وقتل الناس بلا جريرةٍ أو ثمن، صار أمراً لا يحتمل. ما هذا النفاق الذي يتعلق بعموم الإنسانية، حينما تحدث عملية إرهابية في بلاد الغرب، يموت عدد يعد على أصابع اليدين ويقتل ناسٌ يمكن أن يصل عددهم إلى العشرات، فتقوم الدنيا ولا تقعد، ويتداعى زعماء الشرق والغرب، ويذهبون إلى الدعم والمساندة. مات أحد الغربيين ونال منه إرهابي، لكنهم انتفضوا جميعاً، عربي وغربي، ليولولونَ على ضحاياهم. نعم من حقهم، ونؤكد لكل أحد أنه (من قتل نفساً بغير نفس، أو فسادٍ في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا). هكذا تعلمنا شرعة الفطرة أن حرمة النفس من قواعد التأسيس، وأن حق الحياة من الحقوق التي لا يجوز التنازل عنها، أو التفريط فيها، أو التواطؤ عليها. الإنسان هو الإنسان. الإنسان لا يُعرض في بورصةٍ، فيكون ثمنه هنا غالٍ، ودمه هناك مستباح. هذا نفاق الإنسانية، حينما لا ترى في النفس الإنسانية حرمةً واحدةً وكرامةً أساسية، وتُميّز بين الناس لا في حياتهم ومعاشهم، لكنها تُميّز بين الناس عنصريةً، حتى في مماتهم هذا يعقل في بورصة حقوق الإنسان.
هل تصدّق أن طائرة قد سقطت أو أُسقطت، أو أن سُياحاً ومصريين قد قتلوا في سيارة واحدة، سياح مكسيكيون ومرافقون مصريون. ولكن، عند التعويض، هذا يأخذ الملايين، وذاك ما له من نصيب إلا الملاليم. أليس هؤلاء ماتوا تحت الظرف نفسه، وفي مكانٍ واحد، وباستهدافٍ واحد. حتى في الموت يتمايز الإنسان، يتواطأ أهل الغرب والعرب من مستبدٍّ دولي ومستبد محلي، فلا يقيمون وزناً لإنسان العرب يموت بلا ثمن، ولا يحرّك أحدٌ له أي شجن، وكأننا، في كل مرة، نتحدّث عن قاعدة التمييز الظالمة (قتلُ امرئٍ جريمةٌ لا تغتفر، وقتلُ شعبٍ بأسره مسألةٌ فيها نظر). هل يمكن أن نجعل بعد ذلك للإنسان بورصة؟ نعم انعدمت الإنسانية في بورصة الإنسان.
في كلِ يومٍ تطلّ علينا وكالاتُ الأنباء بمئات القتلى، لكنهم من جنسٍ واحدٍ، هو جنس العرب، فتصل الأمورُ إلى ارتكابِ مذابحَ يوميةٍ، وقصف جوي ببراميل متفجرة، وصواريخ متطورة. يهدم بها البنيان على رأس الإنسان، أترى حلب وما يحدث فيها؟ أترى عموم سورية، ومن يُقتل من أهلها؟ أترى أهل الفلوجة الذين يُقْتلون كل يوم في حال تطهير عرقيٍّ، لا نعرف لها نهاية ولا نعرف لها بداية؟ أترى هؤلاء المقتولين في اليمن، في تعز وعدن، يموتون بالمئات، يجوعون يحاصرون يتضورون، وفي النهاية يموتون.
تحت نظر العالم الأعشى، بل قل الأعمى، يموت الإنسان، لكنهم لا يُقِيمون لذلك وزناً، هذا الطفل الرضيع الذي لم يصل عمره إلا إلى أشهر معدودة. وهذا الشيخ الكبير الذي تخطى السبعين، وهذه المرأة الضعيفة تئنُ تحت الأنقاض ومعها رضيعها، لكنهم، في كل وقت وحين، لا يرون، يتعامون، يتغافلون، لكنهم لم ينقطعوا مرة عن الحديث والكلام عن الطنطنة والرطانة بالالتزام بحقوق الإنسان.
أين الإنسان، مقاماً ومكاناً، في بورصة حقوق الإنسان؟ أين الإنسان من مستبدٍّ صار يلغُ في الدماء من غير حسابٍ أو عقاب؟ يبْقّون عليه، يدعمونه، لأنه، في النهاية، واجهة مصالحهم وأداة خدمتهم، لا يفرّطون فيه، فإن قتل أغمضوا عيونهم، وإن ذبح تغافلوا عنه. المهم أنه، في النهاية، سيحقق المصالح، ويحفظ أمن إسرائيل. هذه هي القضية، قضية رخص الإنسان واستباحة نفسه ودمه وروحه، من أجل مصالح آنية وأنانية دنيئة.
يتواطأُ الجميع في هذا المشهد على استباحة حياة الإنسان. لا يريدون من ذلك إلا حماية أهدافهم وتحالفاتهم التي تتواطأ على قتل الإنسان بدم باردٍ، لا تقيم وزناً له، ولا لحرمة نفسه، ولا حتى لطفلٍ رضيعٍ، يحاول أن يجد له مقاماً في حياة البشر، لكنهم يقتلونه ويئدونه، حتى وكأننا نسمع السؤال الأبدي (وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنبٍ قتلت). لا ثمن لهذا الإنسان الرخيص، يلقي بنفسه في التهلكة، حتى يجد له موضع قدم في بلدٍ يحترم حقوق الإنسان. يذهب إلى بلادٍ تُسهم في قتله على أرضه، وتغلق حدودها في وجهه. يُخاطر بحياته ونفسه، فيركب القارب، ينقلب به ويموت الإنسان. يذهب إلى كل مكان لاجئاً ومهاجراً، فلا يجد القوت، ولا يجد المأوى، ويموت الإنسان، وتجتمع الأمم المتحدة بأجهزتها الإنسانية، لتقرّر قراراتٍ شكلية. قرّر هؤلاء المجتمعون في رحابها أن يُسقطوا المعونات الغذائية على الإنسان بالطائرات منّاً، ومحاولة منهم لأن يُسقطوا الضمير الإنساني الذي تواطأ على حصارهم، المرة تلو المرة، والسكوت على جوعهم في كل مرة، لكنهم يجدون أن هناك موانع فنية، حتى يُسقطوا الأغذية بالطائرات الجوية، فيجوع من يجوع، ويموت من يموت في مضايا وغيرها من بلاد. وفي النهاية، يتحدثون ويصَدعون رؤوسنا عن التزامهم بحقوق الإنسان.
فليمت الآلاف، ولتزهق الأرواح، وليجُع ضعفاء الناس، ويتعرّون فلا يجدون من مأوى، فإن
هذا مستبدٌ جزارٌ يمارس القتل ليل نهار، وهذا مستبدٌ آخر في بلاد مصر المحبوسة، يعتقل الناس بالشبهة ويقتل ويطارد ويخنق ويحرق، ويوحي لقضاته بأحكام الإعدامات اليومية، فليذهب الإنسان إلى الجحيم، لا حرمة له، ولا تقدير لدمه وكيانه وروحه ونفسه، إنهم في كل مرة يقتلون البشر، ثم يقولون إنهم يواجهون الإرهاب المحتمل.
يا سادة، هذا الأمر حول خطاب الإرهاب المحتمل، وقتل الناس بلا جريرةٍ أو ثمن، صار أمراً لا يحتمل. ما هذا النفاق الذي يتعلق بعموم الإنسانية، حينما تحدث عملية إرهابية في بلاد الغرب، يموت عدد يعد على أصابع اليدين ويقتل ناسٌ يمكن أن يصل عددهم إلى العشرات، فتقوم الدنيا ولا تقعد، ويتداعى زعماء الشرق والغرب، ويذهبون إلى الدعم والمساندة. مات أحد الغربيين ونال منه إرهابي، لكنهم انتفضوا جميعاً، عربي وغربي، ليولولونَ على ضحاياهم. نعم من حقهم، ونؤكد لكل أحد أنه (من قتل نفساً بغير نفس، أو فسادٍ في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا). هكذا تعلمنا شرعة الفطرة أن حرمة النفس من قواعد التأسيس، وأن حق الحياة من الحقوق التي لا يجوز التنازل عنها، أو التفريط فيها، أو التواطؤ عليها. الإنسان هو الإنسان. الإنسان لا يُعرض في بورصةٍ، فيكون ثمنه هنا غالٍ، ودمه هناك مستباح. هذا نفاق الإنسانية، حينما لا ترى في النفس الإنسانية حرمةً واحدةً وكرامةً أساسية، وتُميّز بين الناس لا في حياتهم ومعاشهم، لكنها تُميّز بين الناس عنصريةً، حتى في مماتهم هذا يعقل في بورصة حقوق الإنسان.
هل تصدّق أن طائرة قد سقطت أو أُسقطت، أو أن سُياحاً ومصريين قد قتلوا في سيارة واحدة، سياح مكسيكيون ومرافقون مصريون. ولكن، عند التعويض، هذا يأخذ الملايين، وذاك ما له من نصيب إلا الملاليم. أليس هؤلاء ماتوا تحت الظرف نفسه، وفي مكانٍ واحد، وباستهدافٍ واحد. حتى في الموت يتمايز الإنسان، يتواطأ أهل الغرب والعرب من مستبدٍّ دولي ومستبد محلي، فلا يقيمون وزناً لإنسان العرب يموت بلا ثمن، ولا يحرّك أحدٌ له أي شجن، وكأننا، في كل مرة، نتحدّث عن قاعدة التمييز الظالمة (قتلُ امرئٍ جريمةٌ لا تغتفر، وقتلُ شعبٍ بأسره مسألةٌ فيها نظر). هل يمكن أن نجعل بعد ذلك للإنسان بورصة؟ نعم انعدمت الإنسانية في بورصة الإنسان.