02 أكتوبر 2024
معنى "دولة يهودية"
بمناسبة إطلاق ما باتت تعرف بـ"المبادرة الفرنسية للسلام في الشرق الأوسط" أخيراً، تواتر الحديث عن "شرط" يطرحه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بشأن الاعتراف بيهودية إسرائيل، بصفته شرطاً أساسياً لأي تسوية يتم التوصل إليها مع الفلسطينيين في المستقبل.
ولا يحمل موقف نتنياهو هذا أي تجديد لمن تابع تصريحاته، حتى قبل وصوله إلى رئاسة الحكومة قبل عقدين (1996)، فقد سبق أن أعلن، وهو في المعارضة، ضرورة اشتراط الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية من أجل استئناف المفاوضات. بمعنى آخر، ضرورة مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية إسرائيل، قبل بدء الحديث عن أي موضوع آخر، مهما يكن نوعه.
وبمتابعة خطابات نتنياهو وتصريحاته في هذا الشأن، يمكن القول إنه يصرّ على أن يكون أي اتفاق مع الجانب الفلسطيني مؤسّساً على "مبدأين": أولاً، أمن دولة الاحتلال؛ ثانياً، الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية. ويعتبر "المبدأ" الثاني أنه، في حال انتزاع مثل هذا الاعتراف، "لن تكون أي علامة استفهام على حق الشعب اليهودي في فلسطين، ولا على عدالة طريقه وممارساته، ولا على كيانه كشعب حرّ في بلده"!.
وقد طرح نتنياهو مطلبه هذا في خطاب بار إيلان 1 عام 2009، ثم في خطاب بار إيلان 2 عام 2013. كما أنه لا يدع مناسبةً إلا ويتحدّث فيها عن مطلبه هذا، حتى استحال الحديث حول "يهودية إسرائيل" إلى قضية منافسةٍ حزبيةٍ تتسابق الأحزاب اليهودية في توكيدها، والسعي إلى قوننتها. ولم يكن نتنياهو السياسي الإسرائيلي الأول الذي طالب الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، فقد أثار الموضوعَ بدرجاتٍ متفاوتة قادةٌ إسرائيليون عديدون، فقد سبقته إلى ذلك تسيبي ليفني وإيهود أولمرت مثلاً. وترافق التشديد على الاعتراف بيهودية إسرائيل من الخارج بتشديدٍ على ضرورة تأكيد يهودية إسرائيل تجاه الداخل، وبالذات حيال فلسطينيي 48.
ولعل من شأن متابعة مسار تطوّر المطالبة بالاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، وقد تزامن ذلك مع حملة لقوننة هذه اليهودية، فيما يتعدّى العلاقات مع الفلسطينيين والعرب إلى محاصرة تيارات "يسارية علمانية"، أن تشير إلى أن هذا الموضوع تحوّل تدريجياً، خلال الأعوام القليلة الفائتة، إلى أحد الموضوعات المركزية التي يتشكّل على إيقاعها الخطاب القومي والحزبي الداخلي في دولة الاحتلال من جهة، والخطاب السياسي الدبلوماسي الموجه نحو الخارج من جهة أخرى. وفي هذا السياق كذلك، جرى إعلاء المطالبة بالاعتراف بإسرائيل دولةً يهوديةً إلى مصاف القضايا الجوهرية المطروحة في المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، تماماً مثل قضية "الترتيبات الأمنية".
وفيما قابل الجانب الفلسطيني هذا الموقف بالرفض، فإن مراجعة أسباب الرفض تحيل إلى أنها تراوحت ما بين اعتبار الأمر "شأنًا داخلياً إسرائيلياً" حيناً، أو اعتباره مسّاً بحقوق اللاجئين وحقوق الفلسطينيين في مناطق 48 حينًا آخر.
وبغض النظر عن المكاسب التي يحاول الجانب الإسرائيلي أن يحصدها سياسياً من مطالبته الاعتراف بإسرائيل دولةً يهودية، تبقى من الأهمية بمكان مناقشة معنى الدولة اليهودية وتجلياتها، من أجل الوقوف على الترجمة العملية لمثل هذه الدولة بالذات، في علاقتها مع الفلسطينيين عموماً، وفي علاقتها مع البعد التاريخي للقضية الفلسطينية.
هذا ما لا يني يشدّد عليه فلسطينيون كثيرون في مناطق 48. وسبق أن لفت إليه المفكر العربي، عزمي بشارة، منذ نحو عقد، منوهاً إلى أنَّ القضية الأعمق، في هذه السيرورة، هي تطلّع إسرائيل إلى أنْ يتحوّل الاعتراف بها إلى اعترافٍ بالصهيونية وممارساتها الكولونيالية. وبالتالي، يتحوّل الاعتراف العربي من اعترافٍ بحكم الأمر الواقع إلى اعترافٍ مبدئيٍّ بشرعيتها التاريخية، وهذا لا يعني إلاّ أنها كانت تاريخياً على حقّ، والعرب على خطأ.
وفي ما عدا التخلي عن حق العودة للاجئين الفلسطينيّين، فإنَّ مثل هذا الاعتراف إذا ما حدث هو، برأي بشارة، "إنجازٌ سياسيٌّ معنويٌّ ثقافي (للحركة الصهيونية ولدولة الاحتلال) يعادل إقامة الدولة، لا في الواقع الملموس فحسب، بل في الثقافة والفكر والخطاب السياسي أيضاً".
ولا يحمل موقف نتنياهو هذا أي تجديد لمن تابع تصريحاته، حتى قبل وصوله إلى رئاسة الحكومة قبل عقدين (1996)، فقد سبق أن أعلن، وهو في المعارضة، ضرورة اشتراط الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية من أجل استئناف المفاوضات. بمعنى آخر، ضرورة مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية إسرائيل، قبل بدء الحديث عن أي موضوع آخر، مهما يكن نوعه.
وبمتابعة خطابات نتنياهو وتصريحاته في هذا الشأن، يمكن القول إنه يصرّ على أن يكون أي اتفاق مع الجانب الفلسطيني مؤسّساً على "مبدأين": أولاً، أمن دولة الاحتلال؛ ثانياً، الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية. ويعتبر "المبدأ" الثاني أنه، في حال انتزاع مثل هذا الاعتراف، "لن تكون أي علامة استفهام على حق الشعب اليهودي في فلسطين، ولا على عدالة طريقه وممارساته، ولا على كيانه كشعب حرّ في بلده"!.
وقد طرح نتنياهو مطلبه هذا في خطاب بار إيلان 1 عام 2009، ثم في خطاب بار إيلان 2 عام 2013. كما أنه لا يدع مناسبةً إلا ويتحدّث فيها عن مطلبه هذا، حتى استحال الحديث حول "يهودية إسرائيل" إلى قضية منافسةٍ حزبيةٍ تتسابق الأحزاب اليهودية في توكيدها، والسعي إلى قوننتها. ولم يكن نتنياهو السياسي الإسرائيلي الأول الذي طالب الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، فقد أثار الموضوعَ بدرجاتٍ متفاوتة قادةٌ إسرائيليون عديدون، فقد سبقته إلى ذلك تسيبي ليفني وإيهود أولمرت مثلاً. وترافق التشديد على الاعتراف بيهودية إسرائيل من الخارج بتشديدٍ على ضرورة تأكيد يهودية إسرائيل تجاه الداخل، وبالذات حيال فلسطينيي 48.
ولعل من شأن متابعة مسار تطوّر المطالبة بالاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، وقد تزامن ذلك مع حملة لقوننة هذه اليهودية، فيما يتعدّى العلاقات مع الفلسطينيين والعرب إلى محاصرة تيارات "يسارية علمانية"، أن تشير إلى أن هذا الموضوع تحوّل تدريجياً، خلال الأعوام القليلة الفائتة، إلى أحد الموضوعات المركزية التي يتشكّل على إيقاعها الخطاب القومي والحزبي الداخلي في دولة الاحتلال من جهة، والخطاب السياسي الدبلوماسي الموجه نحو الخارج من جهة أخرى. وفي هذا السياق كذلك، جرى إعلاء المطالبة بالاعتراف بإسرائيل دولةً يهوديةً إلى مصاف القضايا الجوهرية المطروحة في المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، تماماً مثل قضية "الترتيبات الأمنية".
وفيما قابل الجانب الفلسطيني هذا الموقف بالرفض، فإن مراجعة أسباب الرفض تحيل إلى أنها تراوحت ما بين اعتبار الأمر "شأنًا داخلياً إسرائيلياً" حيناً، أو اعتباره مسّاً بحقوق اللاجئين وحقوق الفلسطينيين في مناطق 48 حينًا آخر.
وبغض النظر عن المكاسب التي يحاول الجانب الإسرائيلي أن يحصدها سياسياً من مطالبته الاعتراف بإسرائيل دولةً يهودية، تبقى من الأهمية بمكان مناقشة معنى الدولة اليهودية وتجلياتها، من أجل الوقوف على الترجمة العملية لمثل هذه الدولة بالذات، في علاقتها مع الفلسطينيين عموماً، وفي علاقتها مع البعد التاريخي للقضية الفلسطينية.
هذا ما لا يني يشدّد عليه فلسطينيون كثيرون في مناطق 48. وسبق أن لفت إليه المفكر العربي، عزمي بشارة، منذ نحو عقد، منوهاً إلى أنَّ القضية الأعمق، في هذه السيرورة، هي تطلّع إسرائيل إلى أنْ يتحوّل الاعتراف بها إلى اعترافٍ بالصهيونية وممارساتها الكولونيالية. وبالتالي، يتحوّل الاعتراف العربي من اعترافٍ بحكم الأمر الواقع إلى اعترافٍ مبدئيٍّ بشرعيتها التاريخية، وهذا لا يعني إلاّ أنها كانت تاريخياً على حقّ، والعرب على خطأ.
وفي ما عدا التخلي عن حق العودة للاجئين الفلسطينيّين، فإنَّ مثل هذا الاعتراف إذا ما حدث هو، برأي بشارة، "إنجازٌ سياسيٌّ معنويٌّ ثقافي (للحركة الصهيونية ولدولة الاحتلال) يعادل إقامة الدولة، لا في الواقع الملموس فحسب، بل في الثقافة والفكر والخطاب السياسي أيضاً".