05 نوفمبر 2024
أين تلك الآمال على روحاني؟
يمتلك السؤال عن الآمال التي عُلقت، في بعض البلدان العربية والعالم، على مجيء حسن روحاني إلى منصب الرئاسة في إيران، وجاهةً، بعد التأزم والتوتر اللذيْن أثارهما النظام الإيراني في المنطقة العربية، خصوصاً مع وصول محمود أحمدي نجاد إلى رئاسته، واعتماده أسلوب مواجهةٍ مع دول المنطقة والعالم، وإصراره على المضي في مشروع هيمنة، قومي أيديولوجي، يختفي وراء حجبٍ دينيةٍ مذهبيةٍ، ظهرت ملامحه التوسعية، في لبنان والعراق واليمن، وتأكدت مع تدخله السافر في سورية، وإقحامه مليشياتٍ مذهبية، لبنانية وعراقية وأفغانية، في معركة الدفاع عن النظام السوري.
وكانت تلك الآمال التي عُلقت على مجيء روحاني هشّة وواهية، بالنظر إلى أن إيران محكومة من طرف نظام الولي الفقيه الذي يمنح خامنئي سلطة ثيوقراطية مطلقة، لا تفترق عن سلطة أي ديكتاتور شرقي مستبد.
ولم يكن روحاني يمتلك، حينما جاء إلى منصب الرئاسة الإيرانية عام 2013، أية مؤهلاتٍ شخصيةٍ تشي بإمكانية خروجه عن عباءة الولي الفقيه، وتقديم الطاعة العمياء له، لأنه لو كان كذلك لما استطاع المرور من مصفاة "مصلحة النظام"، القابضة على أنفاس عامة الإيرانيين والكاتمة أصواتهم. ولعل تقبيل روحاني يد خامنئي، بعد "انتخابه"، وانحنائه أمامه حتى الركوع، فيه دلالة رمزية كبيرة، تشير إلى مدى توزّع السلطة بين الرجلين في نظام الملالي الإيراني.
والأهم من ذلك كله أن كل ما قام به روحاني، منذ تسلمه الرئاسة، لا يخرج عن الإطار العام لإستراتيجية النظام الإيراني، ذلك أن المسألة لا تكمن فيما سمي "اعتدال روحاني ومرونته"، بل في النظام الإيراني نفسه، وعلى رأسه المرشد الأعلى لإيران، على خامنئي، ومن خلفه المؤسسات الموالية له، وفي مقدمتها الحرس الثوري.
إنها تركيبة خاصة بالنظام الإيراني، القابض عليه حاكم منزّه، يُدعى الولي الفقيه، يمتلك صلاحياتٍ أكبر بكثير من صلاحيات الرئيس، وصلاحيات سواه، وهي مطلقة، مغلفة بغلاف ديني مقدس.
ومن المفيد التذكير بأن حسن روحاني لم يأت من خارج مؤسسة النظام المذهبية والسياسية، بل من صلبها، حيث لم يُظهر أي موقف ناقد للمؤسسة الدينية السياسية الحاكمة في إيران، ولسياساتها وسلوكها العنيف في الداخل الإيراني وخارجه.
ولعل كل مواقف روحاني وتصريحاته لا تشير إلى افتراقه على باقي ملالي إيران، وآخرها
التصريح الذي اعتبر فيه أن بلاده، "لبّت نداء استغاثة شعوب المنطقة في التصدّي لتهديدات الجماعات الإرهابية"، وأن "الأمن والحيوية في كل محافظات إيران، في منطقة مضطربة، مكسب لها"، وتفاخر محيياً "إيران التي وفّرت الأمن والرفاه والحيوية على أراضيها، من دون اعتبار للمذهب أو القومية". ويبطن كل هذا الكلام مخاتلة وزيفاً، إذ لم تلبّ بلاده استغاثة شعوب المنطقة، كما يدّعي، بل أسهمت في خراب المنطقة وقتل سكانها، وهي تحاول تغيير بنيتها الديموغرافية، خصوصاً في سورية والعراق، ناهيك عن دورها التخريبي في كل من لبنان واليمن. كما أن روحاني لم يخجل، حين يدّعي أن نظامه وفّر الأمن والرفاه والحيوية على أراضيه، وتناسى ما يفعله بسكان الأهواز وسواها، كما تناسى أن نظامه قائم على عنصرية مذهبية مقيتة.
ويبدو أن روحاني يريد تسويق أن ما تقوم به إيران من قتلٍ وترهيبٍ لغالبية السوريين، هو نصرة لهم، خصوصاً وأن نظامه وقف بقوة، ومنذ بداية الثورة السورية، ضد مطالب السوريين وطموحاتهم في الحرية والخلاص، وراح يدعم رصيفه السوري، بالمال والسلاح والرجال، بل ودفع مليشيا الحرس الثوري ومليشا حزب الله اللبناني ومليشيات عراقية وأفغانية، إلى خوض معركة الدفاع عن نظام الإجرام الأسدي. ولم يكفّ ساسة إيران عن المفاخرة في أنهم يخوضون المعارك، من أجل تثبيت حكم الأسد، وتكريس سطوته ضد إرادة غالبية السوريين، وتحدثوا علانيةً عن دور بلادهم في استمرار بقاء نظام البراميل المتفجرة جاثماً على السوريين.
ولا شك في أن معرفة تركيبة النظام الإيراني، ومعرفة طبيعة "الاعتدال" الذي حمله حسن روحاني، يجعل الآمال التي علقت عليه في تغيير سياسات النظام الإيراني وتوجهاته في مهب الريح ودائرة الخيبة، خصوصاً وأنها تطاول قدرته على التغيير السياسي لوجهة النظام الإيراني الذي لا يسمح لروحاني، ولا لغيره، بتجاوز مشروعه التوسعي الذي يتخذ تلاوين مختلفة في المنطقة، ويقف وراءه عقلٌ سياسي، يزاوج بين الديني والقومي، أي ما بين العقيدة المؤولة مذهبياً، وفق فهم رجال دين متزمتين، وبين الطموح القومي الضارب في عمق الأيديولوجيا والتاريخ الغابر، ما يجعل منه مشروعاً جامعاً بين السعي إلى الهيمنة والإلحاق وإلى التغيير، وهادفاً إلى تحقيقهما بمختلف الوسائل، المشروعة وغير المشروعة. ولعل ما قام به روحاني في السنوات الثلاث الماضية يصب في إطار توجهات نظام الملالي، الساعي إلى تنفيذ معادلاتٍ، تنهض على قيام إيران بدور الدولة المحورية بأسنان نووية، كي تتزعم المشرق الإسلامي تحت يافطةٍ ذرائعيةٍ خادعة، فحواها الصراع مع إسرائيل ومجابهة الولايات المتحدة الأميركية، تتستر بواسطتها على المشروع الإيراني الارتدادي الذي يضرب عمقه في التاريخ، وتحكمه مرجعياتُ الثأر من عرب الأمس، لمعارك ومواجهات قديمة، لم يخضها عرب اليوم، ولا يسألون عنها، على الرغم من أنهم يشكلون الآخر، المختلف معه مذهبياً وعرقياً حسب التصنيف الإيراني، مع العلم أن العرب الذين دخلوا إيران، في غابر الأزمان، دخلوها مسلمين، وفاتحين، ولم يكنوا العداء للشعوب الإيرانية التي دخلت الإسلام من دون إكراه.
حاول النظام الإيراني، منذ 1979 تصدير نموذجه، وسعى إلى إيجاد أوراقٍ ومرتكزاتٍ له في دول المشرق العربي، وبلدان الخليج العربي، بدءاً من العراق الذي تمكّن فيه من إيجاد قوى سياسية مذهبية، فاعلة على الأرض، مكونة من مليشيات وأحزاب مذهبية، تنفذ سياساته وتوجهاته. وعمل أيضاً على تشكيل حزب الله اللبناني، وجعله الذراع الطويلة له في المنطقة، ولم يتوقف، بالتعاون مع النظام السوري، عن تقويته، من خلال تزويده بالرجال والمال والسلاح. كما دعم النظام الإيراني مجموعاتٍ مذهبيةً في بلدان الخليج العربي، وخصوصاً جماعة الحوثيين في اليمن، ومدّهم بالأسلحة والمال، واستخدمهم في معركةٍ ذات أبعاد إقليمية واضحة.
كان الأجدى بروحاني، وسواه من الملالي، أن يلتفتوا إلى معالجة الإخفاقات الداخلية التي سببها سلوك نظامهم على مختلف الصعد، وأن يكفوا عن بحثهم المحموم في تعويض تلك الإخفاقات، سواء بالبرنامج النووي، أو بمدّ الأذرع الاخطبوطية التدخلية، والعزف على وتر العصبوية القومية، المصبوغة بلوثة التفوق الآري، الممزوجة بوهم التفوق المذهبي وولاية الفقيه، وما ينتج عن ذلك من عنصريةٍ قوميةٍ دينيةٍ مركّبة، يبيعها النظام، بدلاً من أن يلتفت إلى حاجات غالبية الإيرانيين المسحوقين ومشكلاتهم، والتصالح مع عالم اليوم على أسس المصالح المشتركة، واحترام حقوق الإنسان، والديمقراطية، وسائر قيم العصر.
وكانت تلك الآمال التي عُلقت على مجيء روحاني هشّة وواهية، بالنظر إلى أن إيران محكومة من طرف نظام الولي الفقيه الذي يمنح خامنئي سلطة ثيوقراطية مطلقة، لا تفترق عن سلطة أي ديكتاتور شرقي مستبد.
ولم يكن روحاني يمتلك، حينما جاء إلى منصب الرئاسة الإيرانية عام 2013، أية مؤهلاتٍ شخصيةٍ تشي بإمكانية خروجه عن عباءة الولي الفقيه، وتقديم الطاعة العمياء له، لأنه لو كان كذلك لما استطاع المرور من مصفاة "مصلحة النظام"، القابضة على أنفاس عامة الإيرانيين والكاتمة أصواتهم. ولعل تقبيل روحاني يد خامنئي، بعد "انتخابه"، وانحنائه أمامه حتى الركوع، فيه دلالة رمزية كبيرة، تشير إلى مدى توزّع السلطة بين الرجلين في نظام الملالي الإيراني.
والأهم من ذلك كله أن كل ما قام به روحاني، منذ تسلمه الرئاسة، لا يخرج عن الإطار العام لإستراتيجية النظام الإيراني، ذلك أن المسألة لا تكمن فيما سمي "اعتدال روحاني ومرونته"، بل في النظام الإيراني نفسه، وعلى رأسه المرشد الأعلى لإيران، على خامنئي، ومن خلفه المؤسسات الموالية له، وفي مقدمتها الحرس الثوري.
إنها تركيبة خاصة بالنظام الإيراني، القابض عليه حاكم منزّه، يُدعى الولي الفقيه، يمتلك صلاحياتٍ أكبر بكثير من صلاحيات الرئيس، وصلاحيات سواه، وهي مطلقة، مغلفة بغلاف ديني مقدس.
ومن المفيد التذكير بأن حسن روحاني لم يأت من خارج مؤسسة النظام المذهبية والسياسية، بل من صلبها، حيث لم يُظهر أي موقف ناقد للمؤسسة الدينية السياسية الحاكمة في إيران، ولسياساتها وسلوكها العنيف في الداخل الإيراني وخارجه.
ولعل كل مواقف روحاني وتصريحاته لا تشير إلى افتراقه على باقي ملالي إيران، وآخرها
ويبدو أن روحاني يريد تسويق أن ما تقوم به إيران من قتلٍ وترهيبٍ لغالبية السوريين، هو نصرة لهم، خصوصاً وأن نظامه وقف بقوة، ومنذ بداية الثورة السورية، ضد مطالب السوريين وطموحاتهم في الحرية والخلاص، وراح يدعم رصيفه السوري، بالمال والسلاح والرجال، بل ودفع مليشيا الحرس الثوري ومليشا حزب الله اللبناني ومليشيات عراقية وأفغانية، إلى خوض معركة الدفاع عن نظام الإجرام الأسدي. ولم يكفّ ساسة إيران عن المفاخرة في أنهم يخوضون المعارك، من أجل تثبيت حكم الأسد، وتكريس سطوته ضد إرادة غالبية السوريين، وتحدثوا علانيةً عن دور بلادهم في استمرار بقاء نظام البراميل المتفجرة جاثماً على السوريين.
ولا شك في أن معرفة تركيبة النظام الإيراني، ومعرفة طبيعة "الاعتدال" الذي حمله حسن روحاني، يجعل الآمال التي علقت عليه في تغيير سياسات النظام الإيراني وتوجهاته في مهب الريح ودائرة الخيبة، خصوصاً وأنها تطاول قدرته على التغيير السياسي لوجهة النظام الإيراني الذي لا يسمح لروحاني، ولا لغيره، بتجاوز مشروعه التوسعي الذي يتخذ تلاوين مختلفة في المنطقة، ويقف وراءه عقلٌ سياسي، يزاوج بين الديني والقومي، أي ما بين العقيدة المؤولة مذهبياً، وفق فهم رجال دين متزمتين، وبين الطموح القومي الضارب في عمق الأيديولوجيا والتاريخ الغابر، ما يجعل منه مشروعاً جامعاً بين السعي إلى الهيمنة والإلحاق وإلى التغيير، وهادفاً إلى تحقيقهما بمختلف الوسائل، المشروعة وغير المشروعة. ولعل ما قام به روحاني في السنوات الثلاث الماضية يصب في إطار توجهات نظام الملالي، الساعي إلى تنفيذ معادلاتٍ، تنهض على قيام إيران بدور الدولة المحورية بأسنان نووية، كي تتزعم المشرق الإسلامي تحت يافطةٍ ذرائعيةٍ خادعة، فحواها الصراع مع إسرائيل ومجابهة الولايات المتحدة الأميركية، تتستر بواسطتها على المشروع الإيراني الارتدادي الذي يضرب عمقه في التاريخ، وتحكمه مرجعياتُ الثأر من عرب الأمس، لمعارك ومواجهات قديمة، لم يخضها عرب اليوم، ولا يسألون عنها، على الرغم من أنهم يشكلون الآخر، المختلف معه مذهبياً وعرقياً حسب التصنيف الإيراني، مع العلم أن العرب الذين دخلوا إيران، في غابر الأزمان، دخلوها مسلمين، وفاتحين، ولم يكنوا العداء للشعوب الإيرانية التي دخلت الإسلام من دون إكراه.
حاول النظام الإيراني، منذ 1979 تصدير نموذجه، وسعى إلى إيجاد أوراقٍ ومرتكزاتٍ له في دول المشرق العربي، وبلدان الخليج العربي، بدءاً من العراق الذي تمكّن فيه من إيجاد قوى سياسية مذهبية، فاعلة على الأرض، مكونة من مليشيات وأحزاب مذهبية، تنفذ سياساته وتوجهاته. وعمل أيضاً على تشكيل حزب الله اللبناني، وجعله الذراع الطويلة له في المنطقة، ولم يتوقف، بالتعاون مع النظام السوري، عن تقويته، من خلال تزويده بالرجال والمال والسلاح. كما دعم النظام الإيراني مجموعاتٍ مذهبيةً في بلدان الخليج العربي، وخصوصاً جماعة الحوثيين في اليمن، ومدّهم بالأسلحة والمال، واستخدمهم في معركةٍ ذات أبعاد إقليمية واضحة.
كان الأجدى بروحاني، وسواه من الملالي، أن يلتفتوا إلى معالجة الإخفاقات الداخلية التي سببها سلوك نظامهم على مختلف الصعد، وأن يكفوا عن بحثهم المحموم في تعويض تلك الإخفاقات، سواء بالبرنامج النووي، أو بمدّ الأذرع الاخطبوطية التدخلية، والعزف على وتر العصبوية القومية، المصبوغة بلوثة التفوق الآري، الممزوجة بوهم التفوق المذهبي وولاية الفقيه، وما ينتج عن ذلك من عنصريةٍ قوميةٍ دينيةٍ مركّبة، يبيعها النظام، بدلاً من أن يلتفت إلى حاجات غالبية الإيرانيين المسحوقين ومشكلاتهم، والتصالح مع عالم اليوم على أسس المصالح المشتركة، واحترام حقوق الإنسان، والديمقراطية، وسائر قيم العصر.