04 أكتوبر 2024
الدولار الأميركي والجنيه المصري
هذه رمزية لحوار بين الدولار الأميركي والجنيه المصري يعبّر، في حقيقة الأمر، عن حقيقة العلاقات المصرية الأميركية، خصوصاً بعد الانقلاب العسكري في مصر، إذ يعبّر ذلك عن حالةٍ خطيرةٍ في انفصام الرؤية وانعدام البصيرة، فالدولار هو السيد الآمر الناهي، والجنيه المصري هو العبد التابع. بين السيد والعبد مسافة تتراكم وتزداد، هذه المسافة تعبّر عن تصريحاتٍ تصدر هنا وهناك، تعبّر عن حالةٍ من التبعية القائمة الدائمة، ومع ذلك، لا يفتأ إِعلاميو الإفك، ليل نهار، يتحدثوا عن أن مصر مستهدفة من مؤامرة أميركية، وأن السيسي المنقلب يؤدّب الولايات المتحدة بعلاقاته الروسية، لكن الأمر ينفضح، حينما يعبر المنقلب، في كل تصريحاته، إن أميركا هي محطّ أمله ومتانة علاقاته، بل هي السند الأكبر له في كل سياساته. يأتي بعض هؤلاء، فيتحدّثون، بكل سِبَابٍ وهجاء، عن أوباما فاتهموه أنه إخواني، كما اتهموا "الإخوان المسلمين" أنهم وراء أزمة الدولار، وأن حسن مالك، أحد رجال أعمال "الإخوان" هو المسؤول عن أزمة الدولار. أعلنوا ذلك قبل أشهر. وعلى الرغم من أنه الآن في سجونهم، إلا أن الدولار يمرح ويزداد سعره، بشكل جنوني وغير مسبوق.
وفي السياق نفسه، يقول بعض إعلام الإفك إن السيسي أسر قائد الأسطول السادس، وهذا "مرمى" في سجنه، عقاباً له وتأديباً على سوء عمله، في خيالاتٍ كاذبةٍ وأوهامٍ مفجعة. وفي كل مرةٍ، يَخرج العسكر يتحدّثون عن علاقاتهم الوثيقة بالولايات المتحدة الأميركية، فهذا أحد قادة المجلس العسكري الفائت يتحدّث، إن الجيش المصري هو الذي يحمي المصالح الأميركية، ونرى وزيراً سابقاً للخارجية يؤكد، في كلامه، أن العلاقة بالولايات المتحدة ليست مجرد علاقة ليلةٍ عابرةٍ، أو نزوةٍ مؤقتة، لكنها، وفق تعبيره، "علاقة دائمة" دافئة.
هكذا سنجد هذا الخطاب المتناقض يتوزّع بين تأكيد علاقات وثيقة وإعلام يروج مؤامرة أميركية خطيرة على مصر ومواجهة تقوم بها مصر. بين هذا وذاك، وفي ظل هذه البيئة المتناقضة، نتخيّل ذلك الحوار بين الجنيه المصري والدولار الأميركي، الدولار الذي يستأسد، ويؤكد تمكّن سلطانه من عسكر مصر وجنرالاتها، يتمدّد الدولار من خلال بيئةٍ فاسدةٍ ومشاريع وهمية حالمة، وتأخر أحوال كاسدة في النواحي الاقتصادية كافة، إنتاجاً واستثماراً.
يقول الدولار: أنا السيد المهاب، أتجول في أرجاء مصر في حماية العسكر، سعري يزيد بفساد عسكركم وإفقارهم الشعوب، هؤلاء الذين يتحكّمون فيكم، ويغتنون بما يوضع في حساباتهم من دولاراتٍ، فلا يجدون في ذلك حرجاً، ولا يقيمون لشعبهم وزناً. وها هو الجنيه المصري يطلّ علينا منهكاً خائراً يقول: أنا البائس الضعيف الفقير، مادة الفقراء ومرتباتهم القليلة، لم أعد أقدر على سدِّ حاجاتهم الكثيرة، كل يوم أصحو على زيادةٍ كبيرة، في الدولار والأسعار، وعلى تدهور حالي باستمرار. ولكن، أتعرفون لماذا أنا في ضعفي هذا؟، لأن جنرالات العسكر يقولون، ليل نهار، إننا نشنُّ حرباً لا هوادة فيها على إرهابٍ محتملٍ، فدشنوا بذلك حال بؤس وعدم استقرار لا يحمل أي بصيصٍ من ازدهار. هذه الحال بيئة طاردة لأي استثمار. ومن هنا، تدهور حالي وقل شرائي.
يواصل الجنيه: أتعرفون لماذا ضعف حالي، وتآكلت قيمتي، وتدهورت مكانتي، لأنهم قزّموا
مصر، فتقزّم حالي وضعف ثمني وسعري. يرتبط ذلك كله بحال ترويعٍ واستبداد وبحال انحرافٍ وفساد. وهذا وذاك عمّ أرجاء البلاد وساد. الفساد يأكلني والاستبداد يقمعُني. إن فقري في فقركم، وتغوّل الدولار يعني مزيداً من رفع أسعاركم، وتآكل دخولكم، إنه الإفقار المتعمد يقوم به هؤلاء اللصوص المُتَغلّبة بالسيطرة على الأراضي، ويحتكرون كل الموارد لتكون دُولَةً بينهم، فليس من هدفهم قضاء حوائجكم. مالي حيلة في ذلك. العسكر، وقد أسهموا في تدهور حالي وسوء مآلي، لا يهمهم الشعوب، يهمهم ملء الجيوب، جيوبهم وفقط، يتقوّلون على شعوبهم، فهم يصفونهم بالشعب "الجعان، المتنيل بنيلة"، وفق مقولة عباس كامل، في تسريباته الفاضحة المهينة.
يقول الدولار إنّ الأزمة ليست "أزمة دولار"، لكنها أزمة دولة فاسدة، تمارس أعتى ألوان التدليس والتلبيس، والكذب والتلفيق، فهذه بياناتٌ وتصريحاتٌ تصدر هنا وهناك. تارة تتهم الشعب بالمسؤولية، وأخرى تتهم "الإخوان" بالمؤامرة الجهنمية، لكنها تنفي، في كل مرة، أيّ مسؤولية. تعفي نفسها من أي فشلٍ خطير، عسكر لا يبحثون إلا عن مصالحهم الأنانية والآنية، وتارة أيضاً يتحدثون عن جشع التجار، أو انعدام الضمير، أو المؤامرة الدولية، لكنهم أبداً لا يتحدثون عن أطماعهم وجشعهم، ولا إثمهم وفسادهم، أزمة الدولار ببساطة ناتجةٌ، يا سادة، على من كانوا عبيداً للدولار، وقاموا بكل سياسة توقف كل مصادر جلب العملة الأجنبية في ما بعد انقلاب عسكري مهين، أدّى إلى خراب مقيم.
فقناة السويس، مثلاً، قلَّ دخلها، والسياحة جفَّ كل أمر يتعلق بتجدّد مصادرها، بسبب الكوارث التي ارتكبها النظام، بشكل مباشر، ضد السياح، تارةً بضرب السياح المكسيكيين بالطيران الحربي في الصحراء الغربية، ومرّة بالإهمال الجسيم الذي أدّى إلى تهريب قنبلةٍ إلى الطائرة الروسية فوق سيناء. وها هو التصدير يتوقف، وتُعَوّق كل إمكاناته، لأسبابٍ تتعلق بضعف الإنتاج المحلي المعتمد على خامات وأدوات إنتاج خارجية، بالإضافة إلى حالة تخبط اقتصادي وإداري وتشريعي أدى إلى هروبٍ كبير لغالبية الشركات العالمية التي نقلت أعمالها إلى دولٍ أخرى إقليمية. وكذا، فإن الاحتياطي الأجنبي الذي كان موجوداً في البنك المركزي تم استنزافه بغرابةٍ في مشروعات فنكوش فاشلة، من حفر تفريعة قناة السويس بدون دراسة جدوى حقيقية، بالإضافة إلى شبهات الفساد والمحاباة في عطاءات البنك المركزي للبنوك، لشراء الدولار، والذي أدى إلى استنزافاتٍ خطيرة وكبيرة، بدعوى الإصلاح، ووقف تقدّم سعر الدولار.
يقول الدولار: هم من يرفعونني بغبائهم وحماقتهم، يقومون بكل عملٍ ضد مصلحة بلادهم، ويضر بعملتهم ونقدهم، ويترعرع ذلك كله في بيئة فسادهم. ويقول الجنيه المصري: أنا المسكين في بلدٍ سيطرت عليه عصابة الفاسدين المفسدين، فهل يمكن أن تقوم لي قائمة أو تزيد لي قيمة؟ يا سادة، إن جنرالات العسكر هم من تسبّبوا برفع الدولار، وتدهور الجنيه، ضمن علاقات السيد والعبد مع الولايات المتحدة الأميركية، وعلاقات السيد والعبد بين الجنيه والدولار.
وفي السياق نفسه، يقول بعض إعلام الإفك إن السيسي أسر قائد الأسطول السادس، وهذا "مرمى" في سجنه، عقاباً له وتأديباً على سوء عمله، في خيالاتٍ كاذبةٍ وأوهامٍ مفجعة. وفي كل مرةٍ، يَخرج العسكر يتحدّثون عن علاقاتهم الوثيقة بالولايات المتحدة الأميركية، فهذا أحد قادة المجلس العسكري الفائت يتحدّث، إن الجيش المصري هو الذي يحمي المصالح الأميركية، ونرى وزيراً سابقاً للخارجية يؤكد، في كلامه، أن العلاقة بالولايات المتحدة ليست مجرد علاقة ليلةٍ عابرةٍ، أو نزوةٍ مؤقتة، لكنها، وفق تعبيره، "علاقة دائمة" دافئة.
هكذا سنجد هذا الخطاب المتناقض يتوزّع بين تأكيد علاقات وثيقة وإعلام يروج مؤامرة أميركية خطيرة على مصر ومواجهة تقوم بها مصر. بين هذا وذاك، وفي ظل هذه البيئة المتناقضة، نتخيّل ذلك الحوار بين الجنيه المصري والدولار الأميركي، الدولار الذي يستأسد، ويؤكد تمكّن سلطانه من عسكر مصر وجنرالاتها، يتمدّد الدولار من خلال بيئةٍ فاسدةٍ ومشاريع وهمية حالمة، وتأخر أحوال كاسدة في النواحي الاقتصادية كافة، إنتاجاً واستثماراً.
يقول الدولار: أنا السيد المهاب، أتجول في أرجاء مصر في حماية العسكر، سعري يزيد بفساد عسكركم وإفقارهم الشعوب، هؤلاء الذين يتحكّمون فيكم، ويغتنون بما يوضع في حساباتهم من دولاراتٍ، فلا يجدون في ذلك حرجاً، ولا يقيمون لشعبهم وزناً. وها هو الجنيه المصري يطلّ علينا منهكاً خائراً يقول: أنا البائس الضعيف الفقير، مادة الفقراء ومرتباتهم القليلة، لم أعد أقدر على سدِّ حاجاتهم الكثيرة، كل يوم أصحو على زيادةٍ كبيرة، في الدولار والأسعار، وعلى تدهور حالي باستمرار. ولكن، أتعرفون لماذا أنا في ضعفي هذا؟، لأن جنرالات العسكر يقولون، ليل نهار، إننا نشنُّ حرباً لا هوادة فيها على إرهابٍ محتملٍ، فدشنوا بذلك حال بؤس وعدم استقرار لا يحمل أي بصيصٍ من ازدهار. هذه الحال بيئة طاردة لأي استثمار. ومن هنا، تدهور حالي وقل شرائي.
يواصل الجنيه: أتعرفون لماذا ضعف حالي، وتآكلت قيمتي، وتدهورت مكانتي، لأنهم قزّموا
يقول الدولار إنّ الأزمة ليست "أزمة دولار"، لكنها أزمة دولة فاسدة، تمارس أعتى ألوان التدليس والتلبيس، والكذب والتلفيق، فهذه بياناتٌ وتصريحاتٌ تصدر هنا وهناك. تارة تتهم الشعب بالمسؤولية، وأخرى تتهم "الإخوان" بالمؤامرة الجهنمية، لكنها تنفي، في كل مرة، أيّ مسؤولية. تعفي نفسها من أي فشلٍ خطير، عسكر لا يبحثون إلا عن مصالحهم الأنانية والآنية، وتارة أيضاً يتحدثون عن جشع التجار، أو انعدام الضمير، أو المؤامرة الدولية، لكنهم أبداً لا يتحدثون عن أطماعهم وجشعهم، ولا إثمهم وفسادهم، أزمة الدولار ببساطة ناتجةٌ، يا سادة، على من كانوا عبيداً للدولار، وقاموا بكل سياسة توقف كل مصادر جلب العملة الأجنبية في ما بعد انقلاب عسكري مهين، أدّى إلى خراب مقيم.
فقناة السويس، مثلاً، قلَّ دخلها، والسياحة جفَّ كل أمر يتعلق بتجدّد مصادرها، بسبب الكوارث التي ارتكبها النظام، بشكل مباشر، ضد السياح، تارةً بضرب السياح المكسيكيين بالطيران الحربي في الصحراء الغربية، ومرّة بالإهمال الجسيم الذي أدّى إلى تهريب قنبلةٍ إلى الطائرة الروسية فوق سيناء. وها هو التصدير يتوقف، وتُعَوّق كل إمكاناته، لأسبابٍ تتعلق بضعف الإنتاج المحلي المعتمد على خامات وأدوات إنتاج خارجية، بالإضافة إلى حالة تخبط اقتصادي وإداري وتشريعي أدى إلى هروبٍ كبير لغالبية الشركات العالمية التي نقلت أعمالها إلى دولٍ أخرى إقليمية. وكذا، فإن الاحتياطي الأجنبي الذي كان موجوداً في البنك المركزي تم استنزافه بغرابةٍ في مشروعات فنكوش فاشلة، من حفر تفريعة قناة السويس بدون دراسة جدوى حقيقية، بالإضافة إلى شبهات الفساد والمحاباة في عطاءات البنك المركزي للبنوك، لشراء الدولار، والذي أدى إلى استنزافاتٍ خطيرة وكبيرة، بدعوى الإصلاح، ووقف تقدّم سعر الدولار.
يقول الدولار: هم من يرفعونني بغبائهم وحماقتهم، يقومون بكل عملٍ ضد مصلحة بلادهم، ويضر بعملتهم ونقدهم، ويترعرع ذلك كله في بيئة فسادهم. ويقول الجنيه المصري: أنا المسكين في بلدٍ سيطرت عليه عصابة الفاسدين المفسدين، فهل يمكن أن تقوم لي قائمة أو تزيد لي قيمة؟ يا سادة، إن جنرالات العسكر هم من تسبّبوا برفع الدولار، وتدهور الجنيه، ضمن علاقات السيد والعبد مع الولايات المتحدة الأميركية، وعلاقات السيد والعبد بين الجنيه والدولار.