06 نوفمبر 2024
"وعد بلفور" وما بعده
بغض النظر عن المآل المنتظر لدعوة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (في مؤتمر القمة العربية أخيراً في نواكشوط) إلى مقاضاة بريطانيا من جرّاء إصدارها "وعد بلفور" (1917)، فإنها تسلط الضوء على حقيقة تاريخية، تتعلق بـ"التأسيس البريطاني للوطن القومي اليهودي".
ووضعت العبارة الأخيرة بين مزدوجين لكونها عنوان كتاب سحر الهنيدي، صدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية عام 2003، وتصدّرته مقدمة لوليد الخالدي، نوّه فيها إلى أنه، بحسب علمه، هذا أول كتاب عن الموضوع، يجمع بين دفتيه مثل هذا التنوّع الواسع والخصب للمصادر الأساسية.
وأعاد الخالدي إلى الأذهان أنه يسود في الغرب أحياناً الاعتقاد أن الصهيونية هي، على العموم، إحدى ظواهر ما بعد الهولوكوست، وأن جذور القضية الفلسطينية (والصراع العربي- الإسرائيلي الناجم عنها) تكمن في "غزو" الأقطار العربية المجاورة الدولة اليهودية الوليدة في مايو/ أيار 1948، ويذكّرنا هذا الكتاب، على نحو ملائم، بأن الصهيونية والمشكلة الفلسطينية سبقتا الهولوكوست والحرب العربية- الإسرائيلية عام 1948 بوقت طويل.
يتناول كتاب الهنيدي فترة هربرت صامويل (1920- 1925)، وهو أول مندوب سام بريطاني بين المندوبين السبعة الذي حكموا فلسطين خلال سنوات الانتداب المصيرية، التي بلغت ذروتها في السيطرة البريطانية على فلسطين عام 1948. وكانت إدارة صامويل بمثابة فترة التكوين المؤثرة في الانتداب، إذ عملت حلقة وصل بالغة الأهمية بين صهيونية ما قبل "وعد بلفور" وصهيونية ما بعده، وأعطت للثانية زخماً جعل إمكان قيام الدولة اليهودية النهائيّ أمرًا ممكنًا.
ووفقًا للكتاب، في ضوء توجيهات صامويل وإدارته، تمت ترجمة الدعم الذي أتاحته أكبر قوة كولونيالية آنذاك، إلى سياسة عملية وتشريعات، وإلى بنى أساسية مؤسساتية ضرورية وحقائق اقتصادية وديموغرافية. ويخلص إلى نتيجةٍ فحواها أن ولاية صامويل شهدت إتمام عملية إضفاء "الشرعية" الدولية على "وعد بلفور".
على صلةٍ بذلك، يجري في ثنايا الدعاية الصهيونية أيضاً "إشهار" أن ما يُعرف باسم "اتفاقية فيصل- وايزمان" (1919) أضفت "شرعيةً عربية" على جوهر هذا الوعد.
ففي الموقع الإلكتروني الإسرائيلي الاستخباراتي "إسرائيل في العربية" (يجري تعريفه بأنه "موقع إسرائيلي ناطق بالعربية وموجّه إلى العالم العربي")، ورد ضمن مادة تحت عنوان "الاتفاق المنسيّ بين الدولة العربية واليهودية" منشورة منذ عام 2011، أنه "خلافًا للخط الأيديولوجي الذي يمثل جزءًا من القادة العرب والإسلاميين اليوم، لم يجد شريف مكة وملك الحجاز حسين بن علي، وابنه الأمير فيصل، بالدولة اليهودية تهديدًا للعرب أو الإسلام، لا بل اعترفوا بحق شعب إسرائيل في إقامة دولةٍ له، مباركين حقه في استعادة سيادته على أرضه التاريخية".
ويتابع: لا بل أكثر من ذلك، اعتبرت عودة المنفيين اليهود وانضمامهم إلى إخوتهم في منطقة فلسطين عملاً رائعًا.
وبغية إثبات ذلك، يقتبس الموقع مقالة من عام 1918 نشرتها جريدة "القبلة" (صدرت في مكة في أغسطس/ آب 1916 واستمرت حتى سبتمبر/ أيلول 1924) حول منطقة فلسطين، جاء فيها:
"حتى الآن، لم تُستثمر موارد البلاد، إلا إنه سيتم تطويرها واستغلالها على أكمل وجه على أيدي اليهود المهاجرين... شهدت منطقة فلسطين، في الآونة الأخيرة، ظاهرةً مدهشةً تمثلت برحيل الفلسطيني من بلاده باتجاه الأوقيانوس، ولم تكن الأرض القاحلة قادرةً على الاحتفاظ به. في المقابل، تشهد المنطقة تدفقًا يهوديًا من كافة أرجاء العالم، عاكسةً سببًا لا يمكن تجاهله، يتمثل بقوة العلاقة العميقة التي تربطهم بالعليّ، وهم على يقين أن هذه الأرض عُدت لأبنائها الأصليين، ورغم اختلافهم تبقى مرتعهم وأرضهم المقدسة والعزيزة… عودة المنفيين هؤلاء إلى وطنهم ستؤول إيجابًا على إخوتهم الموجودين معهم في الحقول والمعامل، على كل الأصعدة الحياتية لا سيما تلك المتعلقة بالأرض والرزق، ماديًا ومعنويًا على حد سواء".
وختم الموقع الإسرائيلي: في (عمق) ذلك الاتفاق المنسيّ، تم التعبير عن دعم "وعد بلفور" الذي نادى بوطن قومي لليهود في أرضهم التاريخية، معترفاً بهوية أرض منطقة فلسطين اللاعربية، مُنادياً بالتعاون المشترك وحسن الجوار، في حال قيام دولة عربية مع الدولة اليهودية.
ووضعت العبارة الأخيرة بين مزدوجين لكونها عنوان كتاب سحر الهنيدي، صدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية عام 2003، وتصدّرته مقدمة لوليد الخالدي، نوّه فيها إلى أنه، بحسب علمه، هذا أول كتاب عن الموضوع، يجمع بين دفتيه مثل هذا التنوّع الواسع والخصب للمصادر الأساسية.
وأعاد الخالدي إلى الأذهان أنه يسود في الغرب أحياناً الاعتقاد أن الصهيونية هي، على العموم، إحدى ظواهر ما بعد الهولوكوست، وأن جذور القضية الفلسطينية (والصراع العربي- الإسرائيلي الناجم عنها) تكمن في "غزو" الأقطار العربية المجاورة الدولة اليهودية الوليدة في مايو/ أيار 1948، ويذكّرنا هذا الكتاب، على نحو ملائم، بأن الصهيونية والمشكلة الفلسطينية سبقتا الهولوكوست والحرب العربية- الإسرائيلية عام 1948 بوقت طويل.
يتناول كتاب الهنيدي فترة هربرت صامويل (1920- 1925)، وهو أول مندوب سام بريطاني بين المندوبين السبعة الذي حكموا فلسطين خلال سنوات الانتداب المصيرية، التي بلغت ذروتها في السيطرة البريطانية على فلسطين عام 1948. وكانت إدارة صامويل بمثابة فترة التكوين المؤثرة في الانتداب، إذ عملت حلقة وصل بالغة الأهمية بين صهيونية ما قبل "وعد بلفور" وصهيونية ما بعده، وأعطت للثانية زخماً جعل إمكان قيام الدولة اليهودية النهائيّ أمرًا ممكنًا.
ووفقًا للكتاب، في ضوء توجيهات صامويل وإدارته، تمت ترجمة الدعم الذي أتاحته أكبر قوة كولونيالية آنذاك، إلى سياسة عملية وتشريعات، وإلى بنى أساسية مؤسساتية ضرورية وحقائق اقتصادية وديموغرافية. ويخلص إلى نتيجةٍ فحواها أن ولاية صامويل شهدت إتمام عملية إضفاء "الشرعية" الدولية على "وعد بلفور".
على صلةٍ بذلك، يجري في ثنايا الدعاية الصهيونية أيضاً "إشهار" أن ما يُعرف باسم "اتفاقية فيصل- وايزمان" (1919) أضفت "شرعيةً عربية" على جوهر هذا الوعد.
ففي الموقع الإلكتروني الإسرائيلي الاستخباراتي "إسرائيل في العربية" (يجري تعريفه بأنه "موقع إسرائيلي ناطق بالعربية وموجّه إلى العالم العربي")، ورد ضمن مادة تحت عنوان "الاتفاق المنسيّ بين الدولة العربية واليهودية" منشورة منذ عام 2011، أنه "خلافًا للخط الأيديولوجي الذي يمثل جزءًا من القادة العرب والإسلاميين اليوم، لم يجد شريف مكة وملك الحجاز حسين بن علي، وابنه الأمير فيصل، بالدولة اليهودية تهديدًا للعرب أو الإسلام، لا بل اعترفوا بحق شعب إسرائيل في إقامة دولةٍ له، مباركين حقه في استعادة سيادته على أرضه التاريخية".
ويتابع: لا بل أكثر من ذلك، اعتبرت عودة المنفيين اليهود وانضمامهم إلى إخوتهم في منطقة فلسطين عملاً رائعًا.
وبغية إثبات ذلك، يقتبس الموقع مقالة من عام 1918 نشرتها جريدة "القبلة" (صدرت في مكة في أغسطس/ آب 1916 واستمرت حتى سبتمبر/ أيلول 1924) حول منطقة فلسطين، جاء فيها:
"حتى الآن، لم تُستثمر موارد البلاد، إلا إنه سيتم تطويرها واستغلالها على أكمل وجه على أيدي اليهود المهاجرين... شهدت منطقة فلسطين، في الآونة الأخيرة، ظاهرةً مدهشةً تمثلت برحيل الفلسطيني من بلاده باتجاه الأوقيانوس، ولم تكن الأرض القاحلة قادرةً على الاحتفاظ به. في المقابل، تشهد المنطقة تدفقًا يهوديًا من كافة أرجاء العالم، عاكسةً سببًا لا يمكن تجاهله، يتمثل بقوة العلاقة العميقة التي تربطهم بالعليّ، وهم على يقين أن هذه الأرض عُدت لأبنائها الأصليين، ورغم اختلافهم تبقى مرتعهم وأرضهم المقدسة والعزيزة… عودة المنفيين هؤلاء إلى وطنهم ستؤول إيجابًا على إخوتهم الموجودين معهم في الحقول والمعامل، على كل الأصعدة الحياتية لا سيما تلك المتعلقة بالأرض والرزق، ماديًا ومعنويًا على حد سواء".
وختم الموقع الإسرائيلي: في (عمق) ذلك الاتفاق المنسيّ، تم التعبير عن دعم "وعد بلفور" الذي نادى بوطن قومي لليهود في أرضهم التاريخية، معترفاً بهوية أرض منطقة فلسطين اللاعربية، مُنادياً بالتعاون المشترك وحسن الجوار، في حال قيام دولة عربية مع الدولة اليهودية.