02 نوفمبر 2024
صور من المأساة السورية
خلال يوم واحد، تواترت في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي ثلاثة مشاهد مرعبة، أخبرت بفداحة الحالة السورية، وبانتهاك الإنسان في بلاد الشام. وجاءت معبّرة عن معاناة آلاف المدنيين السوريين الذين تقطّعت بهم السّبل وأدمتهم الحرب، وأكلتهم المعتقلات. فدفعوا من حياتهم وأجسادهم وكينونتهم ثمن حربٍ لم يختاروها، بل فرضت عليهم، وتحوّل معها شوقهم إلى العيش في كنف الحرّية والعدالة والكرامة التي ثاروا من أجلها إلى كابوس لا يكاد ينتهي...حرب تعدّد الفاعلون فيها، وتنوّعت فيها الجريمة وأدوات التدمير، وكان السوري ضحيّتها الأبرز. في المشهد الأوّل، صورة صادمة لطفل سوري في عمر الزهور اسمه عمران (5 سنوات)، من حلب، داهمته الطائرات الهادرة والقاذفات القاتلة، وهو في منزله وبين ذويه، فحوّلت بيت أهله ركاماً، وبعثت الهلع في النفوس، وجعلت الوجوه مكفهرّة من شدّة الفزع وقوّة الدمار وعمق الجراح. وظهر عمران في ذلك الخراب صامتاً، مشدوهاً، مضرّج الوجه بالدماء والغبار. كان جالساً في سيّارة إسعاف، يتحسّس محيّاه الجريح، ولا ينبس ببنت شفة، لم يكن يبكي، لأنّ الصورة كانت تبوح بما فوق البكاء، ولأنّ فؤاده كان مسكوناً بالصدمة والحيرة وكان وجهه المشوّه بالشظايا يسائل بوتين وبشّار وزعماء العالم أن بأيّ ذنب أقصف؟ وبأيّ سبب تنتهك طفولتي؟ وبأيّ شرعةٍ يهدم بيتي، ويُشرّد أفراد أسرتي؟ ويسائل ضمير الإنسانية أن كيف أحمي حياتي من ويلات هذه الحمم النازلة من السماء؟ أين سأمضي ليلتي المقبلة؟ أين سأبيت وقد أصبحت بلا بيت؟ أليس من حقّي أن أعيش مثل أطفال العالم؟ أسئلة يعجّ بها ذهن الطفل المنكوب، وتفيض بها صورته الصادمة المعبّرة في آن. صورة هي صرخة إدانة في وجه مجتمع دولي غير مسؤول، لزم الحياد والصمت إزاء الجرائم المرتكبة ضدّ الأطفال وعموم المدنيين في سورية.
المشهد الثاني اختزله تقرير منظمة العفو الدولية "إنه يكسر الإنسان: التعذيب والمرض والموت في السجون السورية"، وجاء فيه أن أكثر من 17 ألف شخص قضوا في أثناء الاعتقال ما بين مارس/ آذار 2011، تاريخ اندلاع الثورة ضد النظام الحاكم، وديسمبر/ كانون الأول 2015. ما يعني أن عشرة أشخاص ماتوا يومياً، و300 أو أكثر في الشهر، بحسب المنظمة التي وثقت نتائج التقرير من خلال مقابلات أجرتها مع 65 ناجياً من التعذيب، وأكّدوا، في إفاداتهم، بشاعة المعاملة التي يلقاها السجناء في معسكرات الاعتقال التابعة للنظام والمليشيات
الموالية له، بدءاً بحفلة الترحيب الرهيبة، مرورا بالتفتيش الأمني المهين، وصولاً إلى التجريد من الثياب والمنع من النوم ومن الزيارة، والصعق الكهربائي وانتزاع الأظافر، والاغتصاب، وغير ذلك من ألوان التعذيب الدالّة على الاستهانة بقيمة الإنسان، والإمعان في انتهاك كرامته وإهدار حقوقه، بسبب رأيه المخالف للنظام أو بسبب خروجه في مظاهرة سلميةٍ معارضة للسلطة الحاكمة، أو حتى بسبب إطالته شعره وتشبّهه بوليد جنبلاط، بحسب رواية أحدهم.
ومدار المأساة أن البلد أصبح سجنا كبيراً، فمن لم يَطُله أوار الحرب، ولم يُهجّره وطيس المعارك، يجد نفسه فجأة ضحيّة اعتقال تعسّفي من أعوان النظام، أو من المليشيات المعارضة، فيتمّ زج آلافٍ في زنازين بدائية، تفتقر للتهوئة، ولأبسط الشروط الصحية، ويتمّ التنكيل بالضحايا، ويُحال بينهم وبين العالم، فلا الأهل يدرون مكان اعتقالهم، ولا المنظمات الحقوقية الدولية تجد سبيلاً للتواصل معهم، والاطلاع على أحوالهم، فالسجون السرية أو المعلنة التابعة لأطراف النزاع في الداخل السوري ممنوعةٌ على الصحافيين والحقوقيين والمراقبين الدوليين. ومعلوم أنّ ذلك يزيد من انتهاكات حقوق الإنسان، ومن معاناة المعتقلين وذويهم على السواء. ويُفترض أن تتخذ جامعة الدول العربية والأمم المتحدة والقوى الدولية الفاعلة تدابير فورية إجرائية لإلزام النظام السوري والأطراف المتصارعة باحترام حقوق المساجين، والسماح للبعثات الحقوقية بزيارة معسكرات الاعتقال، وأن يتم تأمين مفاوضات إفراج متبادل عن الأسرى لدى الأطراف المتحاربة، والمراد إنقاذ الإنسان ووضع حدّ لمسلسل التعذيب الرهيب.
الصورة الثالثة من المأساة جلاّها حصار آلاف المدنيين السوريين في مضايا، والزبداني، وداريا، ومخيّم اليرموك، والغوطة الشرقية، والفوعة، وكفريا، وغيرها، ومنعهم من الماء والغذاء والدواء أسابيع، عملا بآلية العقاب الجماعي العشوائي على متساكنين عُزّل، لا ذنب لهم سوى أنّهم سكنوا تلك المناطق، أو أنّهم تظاهروا سلمياً ضدّ النظام أو ضدّ خصومه، فيُحال بينهم والمساعدات الإنسانية، حتّى مات آلاف الأطفال والنساء والشيوخ من شدّة الجوع وندرة الدواء وقلّة ذات اليد. وهذا المشهد التراجيدي وصمة عار في جبين الإنسانية، وخضوع لعدمية "الجوع أو الركوع" التي يحاول المحاصِرون فرضها على المدنيين. وأحرى بالمجتمع الدولي أن يستجمع قوّته، لفرض وصول المساعدات إلى المنكوبين، وفتح ممرّاتٍ آمنةٍ لتحرير المحاصرين. ومن المهمّ، في هذا الخصوص، التفعيل الفوري لقانون الأمم المتحدة لحماية المدنيين، ودفع المتنازعين إلى طاولة الحوار، لبلورة حلّ سياسي عادل للأزمة السورية، ولوضع حدّ لمعاناة المدنيين الذين توزّعوا بين المقابر والسجون والمنافي.
المشهد الثاني اختزله تقرير منظمة العفو الدولية "إنه يكسر الإنسان: التعذيب والمرض والموت في السجون السورية"، وجاء فيه أن أكثر من 17 ألف شخص قضوا في أثناء الاعتقال ما بين مارس/ آذار 2011، تاريخ اندلاع الثورة ضد النظام الحاكم، وديسمبر/ كانون الأول 2015. ما يعني أن عشرة أشخاص ماتوا يومياً، و300 أو أكثر في الشهر، بحسب المنظمة التي وثقت نتائج التقرير من خلال مقابلات أجرتها مع 65 ناجياً من التعذيب، وأكّدوا، في إفاداتهم، بشاعة المعاملة التي يلقاها السجناء في معسكرات الاعتقال التابعة للنظام والمليشيات
ومدار المأساة أن البلد أصبح سجنا كبيراً، فمن لم يَطُله أوار الحرب، ولم يُهجّره وطيس المعارك، يجد نفسه فجأة ضحيّة اعتقال تعسّفي من أعوان النظام، أو من المليشيات المعارضة، فيتمّ زج آلافٍ في زنازين بدائية، تفتقر للتهوئة، ولأبسط الشروط الصحية، ويتمّ التنكيل بالضحايا، ويُحال بينهم وبين العالم، فلا الأهل يدرون مكان اعتقالهم، ولا المنظمات الحقوقية الدولية تجد سبيلاً للتواصل معهم، والاطلاع على أحوالهم، فالسجون السرية أو المعلنة التابعة لأطراف النزاع في الداخل السوري ممنوعةٌ على الصحافيين والحقوقيين والمراقبين الدوليين. ومعلوم أنّ ذلك يزيد من انتهاكات حقوق الإنسان، ومن معاناة المعتقلين وذويهم على السواء. ويُفترض أن تتخذ جامعة الدول العربية والأمم المتحدة والقوى الدولية الفاعلة تدابير فورية إجرائية لإلزام النظام السوري والأطراف المتصارعة باحترام حقوق المساجين، والسماح للبعثات الحقوقية بزيارة معسكرات الاعتقال، وأن يتم تأمين مفاوضات إفراج متبادل عن الأسرى لدى الأطراف المتحاربة، والمراد إنقاذ الإنسان ووضع حدّ لمسلسل التعذيب الرهيب.
الصورة الثالثة من المأساة جلاّها حصار آلاف المدنيين السوريين في مضايا، والزبداني، وداريا، ومخيّم اليرموك، والغوطة الشرقية، والفوعة، وكفريا، وغيرها، ومنعهم من الماء والغذاء والدواء أسابيع، عملا بآلية العقاب الجماعي العشوائي على متساكنين عُزّل، لا ذنب لهم سوى أنّهم سكنوا تلك المناطق، أو أنّهم تظاهروا سلمياً ضدّ النظام أو ضدّ خصومه، فيُحال بينهم والمساعدات الإنسانية، حتّى مات آلاف الأطفال والنساء والشيوخ من شدّة الجوع وندرة الدواء وقلّة ذات اليد. وهذا المشهد التراجيدي وصمة عار في جبين الإنسانية، وخضوع لعدمية "الجوع أو الركوع" التي يحاول المحاصِرون فرضها على المدنيين. وأحرى بالمجتمع الدولي أن يستجمع قوّته، لفرض وصول المساعدات إلى المنكوبين، وفتح ممرّاتٍ آمنةٍ لتحرير المحاصرين. ومن المهمّ، في هذا الخصوص، التفعيل الفوري لقانون الأمم المتحدة لحماية المدنيين، ودفع المتنازعين إلى طاولة الحوار، لبلورة حلّ سياسي عادل للأزمة السورية، ولوضع حدّ لمعاناة المدنيين الذين توزّعوا بين المقابر والسجون والمنافي.