31 أكتوبر 2017
المصالحة الفتحاوية: ما فات القاهرة وعمّان
يكتسب مخطط وزير الحرب الصهيوني، أفيغدور ليبرمان، المعلن الهادف إلى إيجاد "قيادة فلسطينية" بديلة في الضفة الغربية، زخماً متزايداً، بعد انضمام مزيد من وزراء اليمين الصهيوني ونوابه لتأييد هذا المخطط. ونظراً للجدية التي تتعامل بها تل أبيب معه، فقد تقرّر أن يتم قريباً عقد جلسة خاصة للمجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن لبحثه. ويستدل من سلسلة المقابلات التي أجراها ليبرمان مع المراسلين العسكريين الإسرائيليين، أخيراً، أن المخطط يهدف إلى العودة بالفلسطينيين إلى مرحلة ما قبل ظهور "الوطنية" الفلسطينية، عبر تصميم البيئة السياسية الداخلية في الضفة الغربية، لتخدم أهداف اليمين الصهيوني المتطرف، من خلال إعادة إنتاج نسخةٍ أخرى من "روابط القرى" العميلة التي عملت حكومة مناحيم بيغن على تشكلها مطلع ثمانينيات القرن الماضي، لمواجهة منظمة التحرير. يريد ليبرمان بلورة "قياداتٍ" فلسطينية محلية متحرّرة من أية التزامات وطنية، تكون فقط طرفاً في الإشراف على إدارة الشؤون الحياتية للناس، بما يضمن استمرار الاحتلال من دون أي شكل من الممانعة الفلسطينية.
وقد حاول ليبرمان تسويغ مخططه هذا بتحميل رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، والمقربين منه، المسؤولية عن تدهور الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية، واتهمهم بتأسيس "منظومة فسادٍ لا تضمن إصلاح الأوضاع الاقتصادية المتدهورة" (هآرتس، 28-8). وللتدليل على أنه قطع شوطاً في وضع هذه الخطة موضع التنفيذ، ادعى ليبرمان أنه أجرى لقاءاتٍ مع عدد كبير من رجال الأعمال الفلسطينيين، وينوي عقد لقاءاتٍ مع "أكاديميين وسياسيين"، لتجاوز قيادة السلطة الفلسطينية؛ ناهيك عن أمره بتدشين موقع إخباري بالعربية تابع للجيش، بهدف تحسين قدرة إسرائيل على نقل الرسائل المباشرة للجمهور الفلسطيني، لكسر احتكار السلطة والفصائل الفلسطينية للفضاء الإعلامي الفلسطيني.
لكن، على الرغم من أن ليبرمان مهّد لمخططه هذا بمهاجمة عباس وشيطنته، فإن أهم ما يمكن استخلاصه من جملة المقابلات التي أجراها، والخطوات التي شرع بها بالفعل، يتمثل في أنه غير مستعد للتعامل مع أية قيادةٍ فلسطينيةٍ، تتبنى أي سقفٍ من المطالب الوطنية الفلسطينية، ولو من باب رفع العتب. من هنا، هناك ما يدلل على أن ليبرمان قد تراجع عن فكرة الاستعانة بمحمد دحلان، المفصول من حركة فتح؛ على الرغم من أنه كان متحمساً للغاية للدفع به إلى رأس الهرم القيادي في السلطة خلفا لعباس.
ويعود التحول في موقف ليبرمان من مكانة دحلان المستقبلية في النظام السياسي للسلطة الفلسطينية إلى سببين رئيسيين:
أولا: اقتناعه بما أجمعت عليه محافل التقدير الاستراتيجي في الجيش والاستخبارات الإسرائيلية
من أن الفلسطينيين لن يختاروا بعد عباس إلا شخصيةً "متطرّفة"، أو على الأقل تتبنى سقف مطالب أعلى من الذي ظل عباس متمسكاً به. ثانياً: إدراك ليبرمان أن البيئة السياسية الداخلية في إسرائيل لا تسمح بتمرير أية خطوات سياسية، يمكنها أن تعزّز من مكانة أية قيادة تمثل الفلسطينيين، وتتشبث بأي سقفٍ من المطالب الوطنية. ومما يدلل على هذا الواقع حقيقة أن بعض الوزراء والنواب الصهاينة يعترضون على خطة ليبرمان، لأنها تضمنت إعادة انتشار قوات الاحتلال في بعض مناطق الضفة، من أجل تحسين فرص بروز "القيادات" المحلية.
المفارقة أن تحرّك ليبرمان يأتي في وقتٍ يبذل كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني جهوداً كبيرةً لتحقيق مصالحةٍ فتحاويةٍ داخليةٍ، تمهيداً لمرحلة ما بعد عباس. وقد أسفر التحرك المصري الأردني المشترك الذي بلغ ذروته في لقاء السيسي وعبد الله الثاني في القاهرة قبل أيام، عن بوادر لتحقيق هذه المصالحة، تتمثل في سيادة لغة تصالحية بين معسكري عباس ودحلان، إلى جانب تقديم حركة فتح قوائم موحدة لخوض الانتخابات المحلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وسماح السلطة بعودة بعض مقربي دحلان إلى الضفة.
من الواضح أن استنفار الرئيس المصري والعاهل الأردني لتحقيق المصالحة الفتحاوية جاء بسبب الموقف العدائي لنظامي الحكم في القاهرة وعمّان من جماعة الإخوان المسلمين، والخوف من أن تفيد حركة حماس، وهي امتداد للجماعة، من حالة الانقسام الفتحاوي، فتفوز في الانتخابات المحلية ثم الرئاسية والتشريعية التي يفترض أن تنظم في حال غادر عباس مشهد الأحداث. في الوقت ذاته، السيسي وعبد الله الثاني معنيان بوجود قيادة فلسطينية "معتدلة"، مستعدة للتعايش مع السقف الذي تسمح به حكومة اليمين المتطرّف في تل أبيب، خشية أن يفضي الصدام بين إسرائيل وقيادة فلسطينية تعبر عن آمال الشعب الفلسطيني وطموحاته إلى تبعاتٍ تؤثر على نظامي الحكم في الأردن ومصر.
من الواضح أن الفشل سيكون مصير خطة ليبرمان وتحرّك عمّان والقاهرة على حد سواء، فلا حاجة لتدبيج الكلمات، لتبيان أن الفلسطينيين لن يقبلوا قياداتٍ تتجاهل حقوقهم الوطنية، كما يسعى ليبرمان. كما أنهم، في المقابل، لن يمنحوا شرعيةً لأي قيادةٍ تساعد إسرائيل على مواصلة استراتيجية إدارة الصراع، كما يهدف تحرك السيسي وعبد الله الثاني اللذين في وسعهما محاصرة "حماس"، وتقليص شعبيتها من خلال مساعدة خصومها في "فتح" على تقديم إنجازات للشعب الفلسطيني، عبر توظيف الأردن ومصر أوراقهما المهمة لدى إسرائيل، والضغط على حكومتها لتغيير تعاطيها مع القضية الفلسطينية، بما يضفي صدقيةً على برنامج حركة فتح السياسي في نظر الفلسطينيين.
لكن، في حال واصلت مصر والأردن التعاون الأمني والاستخباري والشراكة الاستراتيجية مع إسرائيل، في وقت تصادر الأرض الفلسطينية وتستوطنها وتهوّد القدس، فإن هذا إسهام غير مباشر في تعزيز خصوم "فتح".
وقد حاول ليبرمان تسويغ مخططه هذا بتحميل رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، والمقربين منه، المسؤولية عن تدهور الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية، واتهمهم بتأسيس "منظومة فسادٍ لا تضمن إصلاح الأوضاع الاقتصادية المتدهورة" (هآرتس، 28-8). وللتدليل على أنه قطع شوطاً في وضع هذه الخطة موضع التنفيذ، ادعى ليبرمان أنه أجرى لقاءاتٍ مع عدد كبير من رجال الأعمال الفلسطينيين، وينوي عقد لقاءاتٍ مع "أكاديميين وسياسيين"، لتجاوز قيادة السلطة الفلسطينية؛ ناهيك عن أمره بتدشين موقع إخباري بالعربية تابع للجيش، بهدف تحسين قدرة إسرائيل على نقل الرسائل المباشرة للجمهور الفلسطيني، لكسر احتكار السلطة والفصائل الفلسطينية للفضاء الإعلامي الفلسطيني.
لكن، على الرغم من أن ليبرمان مهّد لمخططه هذا بمهاجمة عباس وشيطنته، فإن أهم ما يمكن استخلاصه من جملة المقابلات التي أجراها، والخطوات التي شرع بها بالفعل، يتمثل في أنه غير مستعد للتعامل مع أية قيادةٍ فلسطينيةٍ، تتبنى أي سقفٍ من المطالب الوطنية الفلسطينية، ولو من باب رفع العتب. من هنا، هناك ما يدلل على أن ليبرمان قد تراجع عن فكرة الاستعانة بمحمد دحلان، المفصول من حركة فتح؛ على الرغم من أنه كان متحمساً للغاية للدفع به إلى رأس الهرم القيادي في السلطة خلفا لعباس.
ويعود التحول في موقف ليبرمان من مكانة دحلان المستقبلية في النظام السياسي للسلطة الفلسطينية إلى سببين رئيسيين:
أولا: اقتناعه بما أجمعت عليه محافل التقدير الاستراتيجي في الجيش والاستخبارات الإسرائيلية
المفارقة أن تحرّك ليبرمان يأتي في وقتٍ يبذل كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني جهوداً كبيرةً لتحقيق مصالحةٍ فتحاويةٍ داخليةٍ، تمهيداً لمرحلة ما بعد عباس. وقد أسفر التحرك المصري الأردني المشترك الذي بلغ ذروته في لقاء السيسي وعبد الله الثاني في القاهرة قبل أيام، عن بوادر لتحقيق هذه المصالحة، تتمثل في سيادة لغة تصالحية بين معسكري عباس ودحلان، إلى جانب تقديم حركة فتح قوائم موحدة لخوض الانتخابات المحلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وسماح السلطة بعودة بعض مقربي دحلان إلى الضفة.
من الواضح أن استنفار الرئيس المصري والعاهل الأردني لتحقيق المصالحة الفتحاوية جاء بسبب الموقف العدائي لنظامي الحكم في القاهرة وعمّان من جماعة الإخوان المسلمين، والخوف من أن تفيد حركة حماس، وهي امتداد للجماعة، من حالة الانقسام الفتحاوي، فتفوز في الانتخابات المحلية ثم الرئاسية والتشريعية التي يفترض أن تنظم في حال غادر عباس مشهد الأحداث. في الوقت ذاته، السيسي وعبد الله الثاني معنيان بوجود قيادة فلسطينية "معتدلة"، مستعدة للتعايش مع السقف الذي تسمح به حكومة اليمين المتطرّف في تل أبيب، خشية أن يفضي الصدام بين إسرائيل وقيادة فلسطينية تعبر عن آمال الشعب الفلسطيني وطموحاته إلى تبعاتٍ تؤثر على نظامي الحكم في الأردن ومصر.
من الواضح أن الفشل سيكون مصير خطة ليبرمان وتحرّك عمّان والقاهرة على حد سواء، فلا حاجة لتدبيج الكلمات، لتبيان أن الفلسطينيين لن يقبلوا قياداتٍ تتجاهل حقوقهم الوطنية، كما يسعى ليبرمان. كما أنهم، في المقابل، لن يمنحوا شرعيةً لأي قيادةٍ تساعد إسرائيل على مواصلة استراتيجية إدارة الصراع، كما يهدف تحرك السيسي وعبد الله الثاني اللذين في وسعهما محاصرة "حماس"، وتقليص شعبيتها من خلال مساعدة خصومها في "فتح" على تقديم إنجازات للشعب الفلسطيني، عبر توظيف الأردن ومصر أوراقهما المهمة لدى إسرائيل، والضغط على حكومتها لتغيير تعاطيها مع القضية الفلسطينية، بما يضفي صدقيةً على برنامج حركة فتح السياسي في نظر الفلسطينيين.
لكن، في حال واصلت مصر والأردن التعاون الأمني والاستخباري والشراكة الاستراتيجية مع إسرائيل، في وقت تصادر الأرض الفلسطينية وتستوطنها وتهوّد القدس، فإن هذا إسهام غير مباشر في تعزيز خصوم "فتح".