20 اغسطس 2017
السودان إلى أين؟
في خطابه بمناسبة ذكرى إعلان استقلال السودان الذي يصادف الأول من يناير/ كانون الثاني، أعلن الرئيس عمر البشير عن تمديد الحكومة وقف إطلاق النار شهراً إضافياً. لم تمضِ سوى ساعات قليلة من تصريحات البشير، حتى استيقظ السودانيون على أحداث مؤسفة في منقطة نيرتتي وسط إقليم دارفور المضطرب، راح ضحيتها عدد غير قليل من القتلى والجرحى.
تضاربت الآراء والاتهامات بين الحكومة والحركات المسلحة، حيث اتهم الطرف الأول حركة تحرير السودان التي يقودها عبدالواحد محمد نور بالتسلل وارتكاب المذبحة، بينما سارعت الحركات المسلحة وأحزاب سياسية إلى تحميل الجيش السوداني مسؤولية ارتكاب الجريمة المؤسفة التي صادفت ذكرى يوم الاستقلال.
تتهم رواية ثالثة المليشيات المتحالفة مع القوات الحكومية بالوقوف وراء الجريمة، ويرى أصحاب هذه الفرضية أنّ المليشيات يصعب السيطرة عليها، خصوصاً إذا ما تعرّضت لاستفزازات، يبرهنون على ذلك بأنّ تلك القوات فقدت أحد عناصرها ووجدته مقتولاً قبل أيام في المنطقة نفسها.
في ظلّ عدم إعلان أيّ طرف مسؤوليته عن أحداث نيرتتي، يفترض في الحكومة السودانية والبعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في دارفور "يوناميد"، أن يجريا تحقيقاً عاجلاً لمعرفة المتورطين في المذبحة، ومحاسبتهم على إزهاق الأرواح البريئة.
في موضوع غير بعيد، وبعد يومين من أحداث محلية نيرتتي، استدعى البرلمان السوداني وزير الداخلية عصمت عبدالرحمن، بخصوص قضية جبل عامر الذي يقع في الإقليم نفسه الذي يشهد حرباً لم تتوقف منذ العام 2003. وأدلى الوزير من داخل قبّة البرلمان بتصريح أقام الدنيا ولم يقعدها، حيث كشف عن وجود ثلاثة آلاف من القوات الأجنبية (لم يحدّد جنسياتهم) مدججين بالسلاح وعربات الدفع الرباعي، قال إنّهم يسيطرون على منطقة جبل عامر الغنية بالذهب، وطالب وزير الداخلية بتدخل القوات المسلحة لفرض هيبة الدولة، وأعلن أنّ الأمر يتطلّب دبابات وأسلحة ثقيلة وطائرات للقضاء على المجموعات المسلحة بالمنطقة!، موضحاً أنّ قوات الشرطة وحدها لا تستطيع مقاتلة ما وصفه بالكم الهائل من الأجانب، وعناصر القبائل المتداخلة.
فعلياً، منطقة جبل عامر خارج سيطرة القوات الحكومية منذ العام 2013، الذي شهد معارك بين مكوّنات قبلية. لهذا السبب، ربما لم تتدخل القوات المسلحة في الصراع، أي لأنّها (القوات الحكومية) تتكوّن من القبائل المتصارعة نفسها. لكن السؤال: أين تذهب الميزانيات الضخمة التي تُوّجه للأمن والدفاع بأفرعه وأجهزته المختلفة، إن كانت هذه المجموعات الغازية تمتلك أسلحة أكثر تطوّراً من أسلحة الدولة نفسها (حسب وصف الوزير)؟ فقد تابع الرأي العام قبل أيام قليلة، إعلان ميزانية الدولة للعام الحالي 2017 التي ذهب أكثر من ثلثيها لبند الأمن والدفاع، حتى ميزانية الأمن ذهب جزء مقدّر منها إلى ما تسمّى قوات "الدعم السريع"، ولعلّ ناساً كثيرين يتساءلون عن أسباب تشكيل هذه القوات من الأساس، طالما أنّ الجيش الوطني موجود، وهو من أقوى الجيوش في المنطقة وأكثرها خبرة في القتال والمعارك.
المُضحك المُبكي أنّ تقريراً لمجلة "Foreign Policy" الأميركية تحدّث عن حصول موسى هلال (زعيم قبيلة المحاميد) وأتباعه على 54 مليون دولار سنوياً من السيطرة المباشرة على 400 منجم ذهب في جبل عامر الذي يسمّى أيضاً جبل الذهب وجبل الكنز. يحدث هذا في وقت تشكو فيه خزائن بنك السودان المركزي من شحّ في النقد الأجنبي، دفع به إلى تحرير سعر صرف الجنيه، إثر تدهوره أمام العملات الأجنبية بصورة غير مسبوقة.
في هذه الأثناء، تتواتر أنباء في مواقع التواصل الاجتماعي عن نية الحكومة السودانية منح الصين أراضٍ زراعية بتسهيلات كبيرة نسبةً لفشلها في سداد التزامات مالية، خصوصاً بقروض أخذها السودان من صناديق ومؤسسات صينية. فضلت الحكومة الصمت التام، لم تؤكد تلك الأنباء ولم تنفها، الأمر الذي أتاح الفرصة للناشطين لترويج هذه الأخبار والشائعات.
بموازاة ذلك، يشتكي المواطنون السودانيون من ندرة في الخبز، ويكشف أصحاب المخابز عن نقصان حصتهم من دقيق القمح التي توّزعها عليهم شركات المطاحن، ما يشير إلى زيادة متوقعة في أسعار الخبز وربما غاز الطبخ، إذا حدث ذلك لا سمح الله، قد تخرج الأوضاع عن السيطرة نسبة للتذمر الواضح الذي لا يخفيه السودانيون من أداء حكومتهم ورغبتهم في تغيير أوضاعهم إلى الأفضل.
يحتاج الأمر وقفات، أولها أن تُراجع الدولة خططها الأمنية التي أظهرت فشلاً ذريعاً، على الرغم من الأموال الهائلة التي تنفقها عليها خصماً على ميزانية الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية والزراعة وغير ذلك. فضلاً عن ضرورة انتهاج سياسة الشفافية وعدم إخفاء الحقائق عن المواطن السوداني، مهما كانت قاسية، يُضاف إلى ذلك العمل على وضع حلول عاجلة للأزمة الاقتصادية، بدلاً عن سياسة الاعتماد على الضرائب وغيرها من الإيرادات المالية السهلة.
تضاربت الآراء والاتهامات بين الحكومة والحركات المسلحة، حيث اتهم الطرف الأول حركة تحرير السودان التي يقودها عبدالواحد محمد نور بالتسلل وارتكاب المذبحة، بينما سارعت الحركات المسلحة وأحزاب سياسية إلى تحميل الجيش السوداني مسؤولية ارتكاب الجريمة المؤسفة التي صادفت ذكرى يوم الاستقلال.
تتهم رواية ثالثة المليشيات المتحالفة مع القوات الحكومية بالوقوف وراء الجريمة، ويرى أصحاب هذه الفرضية أنّ المليشيات يصعب السيطرة عليها، خصوصاً إذا ما تعرّضت لاستفزازات، يبرهنون على ذلك بأنّ تلك القوات فقدت أحد عناصرها ووجدته مقتولاً قبل أيام في المنطقة نفسها.
في ظلّ عدم إعلان أيّ طرف مسؤوليته عن أحداث نيرتتي، يفترض في الحكومة السودانية والبعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في دارفور "يوناميد"، أن يجريا تحقيقاً عاجلاً لمعرفة المتورطين في المذبحة، ومحاسبتهم على إزهاق الأرواح البريئة.
في موضوع غير بعيد، وبعد يومين من أحداث محلية نيرتتي، استدعى البرلمان السوداني وزير الداخلية عصمت عبدالرحمن، بخصوص قضية جبل عامر الذي يقع في الإقليم نفسه الذي يشهد حرباً لم تتوقف منذ العام 2003. وأدلى الوزير من داخل قبّة البرلمان بتصريح أقام الدنيا ولم يقعدها، حيث كشف عن وجود ثلاثة آلاف من القوات الأجنبية (لم يحدّد جنسياتهم) مدججين بالسلاح وعربات الدفع الرباعي، قال إنّهم يسيطرون على منطقة جبل عامر الغنية بالذهب، وطالب وزير الداخلية بتدخل القوات المسلحة لفرض هيبة الدولة، وأعلن أنّ الأمر يتطلّب دبابات وأسلحة ثقيلة وطائرات للقضاء على المجموعات المسلحة بالمنطقة!، موضحاً أنّ قوات الشرطة وحدها لا تستطيع مقاتلة ما وصفه بالكم الهائل من الأجانب، وعناصر القبائل المتداخلة.
فعلياً، منطقة جبل عامر خارج سيطرة القوات الحكومية منذ العام 2013، الذي شهد معارك بين مكوّنات قبلية. لهذا السبب، ربما لم تتدخل القوات المسلحة في الصراع، أي لأنّها (القوات الحكومية) تتكوّن من القبائل المتصارعة نفسها. لكن السؤال: أين تذهب الميزانيات الضخمة التي تُوّجه للأمن والدفاع بأفرعه وأجهزته المختلفة، إن كانت هذه المجموعات الغازية تمتلك أسلحة أكثر تطوّراً من أسلحة الدولة نفسها (حسب وصف الوزير)؟ فقد تابع الرأي العام قبل أيام قليلة، إعلان ميزانية الدولة للعام الحالي 2017 التي ذهب أكثر من ثلثيها لبند الأمن والدفاع، حتى ميزانية الأمن ذهب جزء مقدّر منها إلى ما تسمّى قوات "الدعم السريع"، ولعلّ ناساً كثيرين يتساءلون عن أسباب تشكيل هذه القوات من الأساس، طالما أنّ الجيش الوطني موجود، وهو من أقوى الجيوش في المنطقة وأكثرها خبرة في القتال والمعارك.
المُضحك المُبكي أنّ تقريراً لمجلة "Foreign Policy" الأميركية تحدّث عن حصول موسى هلال (زعيم قبيلة المحاميد) وأتباعه على 54 مليون دولار سنوياً من السيطرة المباشرة على 400 منجم ذهب في جبل عامر الذي يسمّى أيضاً جبل الذهب وجبل الكنز. يحدث هذا في وقت تشكو فيه خزائن بنك السودان المركزي من شحّ في النقد الأجنبي، دفع به إلى تحرير سعر صرف الجنيه، إثر تدهوره أمام العملات الأجنبية بصورة غير مسبوقة.
في هذه الأثناء، تتواتر أنباء في مواقع التواصل الاجتماعي عن نية الحكومة السودانية منح الصين أراضٍ زراعية بتسهيلات كبيرة نسبةً لفشلها في سداد التزامات مالية، خصوصاً بقروض أخذها السودان من صناديق ومؤسسات صينية. فضلت الحكومة الصمت التام، لم تؤكد تلك الأنباء ولم تنفها، الأمر الذي أتاح الفرصة للناشطين لترويج هذه الأخبار والشائعات.
بموازاة ذلك، يشتكي المواطنون السودانيون من ندرة في الخبز، ويكشف أصحاب المخابز عن نقصان حصتهم من دقيق القمح التي توّزعها عليهم شركات المطاحن، ما يشير إلى زيادة متوقعة في أسعار الخبز وربما غاز الطبخ، إذا حدث ذلك لا سمح الله، قد تخرج الأوضاع عن السيطرة نسبة للتذمر الواضح الذي لا يخفيه السودانيون من أداء حكومتهم ورغبتهم في تغيير أوضاعهم إلى الأفضل.
يحتاج الأمر وقفات، أولها أن تُراجع الدولة خططها الأمنية التي أظهرت فشلاً ذريعاً، على الرغم من الأموال الهائلة التي تنفقها عليها خصماً على ميزانية الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية والزراعة وغير ذلك. فضلاً عن ضرورة انتهاج سياسة الشفافية وعدم إخفاء الحقائق عن المواطن السوداني، مهما كانت قاسية، يُضاف إلى ذلك العمل على وضع حلول عاجلة للأزمة الاقتصادية، بدلاً عن سياسة الاعتماد على الضرائب وغيرها من الإيرادات المالية السهلة.
مقالات أخرى
19 يوليو 2017
22 مايو 2017
16 مايو 2017