07 نوفمبر 2024
السيسي والزي العسكري
يبدو عبد الفتاح السيسي مغرماً بالزي العسكري، ويستمد منه قوته وتقديره لنفسه، ففي خطابه الذي أعلن فيه ترشّحه لرئاسة الجمهورية، قال إنها ستكون المرة الأخيرة التي يراه المصريون فيها بالزي العسكري، لكنه أخلف وعده، وظهر بالبزة العسكرية مرات، كان جديدها عندما ارتدى الزي العسكري في أثناء افتتاحه أعمال تطوير ميناء سفاجا وافتتاح قيادة الأسطول الجنوبي للقوات البحرية في الخامس من يناير/ كانون الثاني الحالي. وكانت المرة الأولى عند زيارته سيناء منتصف عام 2015، بعد هجوم مسلح أودى بجنود من الجيش، والثانية في حفل افتتاح تفريعة قناة السويس، عندما أراد أن يظهر كأنه أحد الزعماء العظماء، لكن مشهد وقوفه في يخت المحروسة، يرتدي نظارة شمسية ويتطلع إلى القناة، أعطى انطباعا بأنه أحد جنرالات أفريقيا الذين يثيرون السخرية، وقد شبهه المفكر عزمي بشارة بأنه مثل الجنرال عيدي أمين ديكتاتور أوغندا السابق.
ويبدو أن السيسي كان يريد تقمص أكثر من شخصية في الحفل. فمن ناحيةٍ، يريد أن يكون الحفل فاخرا وباذخا ليستلهم عظمة حفل افتتاح قناة السويس الأولى في عهد الخديوي إسماعيل، ويتأكد ذلك عندما نرى أوبرا عايدة في حفل افتتاح القناة في عهد السيسي، وهو استلهام للأوبرا نفسها التي عزفت للمرة الأولى في حفل الخديوي إسماعيل. ومن ناحية ثانية، يتقمص السيسي شخصية الرئيس أنور السادات الذي يبدو أنه مغرم به، فقد ارتدى الأخير الزي العسكري أيضاً عندما أعاد افتتاح قناة السويس عام 1975 بعد حرب أكتوبر. ومن ناحية ثالثة، أراد السيسي استلهام أجواء البذخ الملكي، عبر ركوبه يخت "المحروسة" الخاص بالأسرة العلوية التي حكمت مصر، وكان اليخت الخاص بالملك فاروق الذي غادر عبره مصر إلى إيطاليا، بعد عزله من منصبه ونفيه.
كان السادات أيضاً مغرماً بالزي العسكري، ويحرص على ارتدائه في مناسبات عديدة، فيما لم
يعرف عنه تحقيق أي إنجاز عسكري، وكان مجرد ضابط لاسلكي في سلاح الإشارة ثلاث سنوات فقط قبل فصله من الجيش في العهد الملكي، حتى عاد إلى الخدمة قبل يوليو/ تموز 1952 بفترة قصيرة، ومن بعدها لم يحتك السادات بالجيش، وعمل في وظائف مدنية حتى اغتياله. لكن السيسي يعتبر السادات أحد ملهميه، وحكى، في إحدى التسريبات، أنه يرى أن السادات أخطأ عندما سحب قراراته الخاصة برفع الدعم عن السلع الأساسية بعد اندلاع انتفاضة 1977، كما حكى عن حلم رأى فيه السادات، وأخبره فيه أنه سيصبح رئيسا لمصر.
حرص السيسي أيضاً على منح نفسه رتبة "المشير"، قبل أن يترك الجيش ليترشح للرئاسة، على الرغم من أن من المفترض أن يحصل على هذه الرتبة الضابط الذي خاض حرباً وانتصر فيها، لكن السيسي لم يخض أي حربٍ منذ تخرجه من الكلية الحربية عام 1977، لكنه الحرص على بلوغ أقصى ما يمكن تحقيقه في السلك العسكري الذي لم يعرف غيره طوال حياته، وبالتالي، أصبح مثل المشير عبد الحكيم عامر الذي أعطى لنفسه هذه الرتبة من دون أي استحقاق، على الرغم من انقطاع صلته بالعسكرية.
ويبدو عبد الفتاح السيسي غير مرتاح في البدلة المدنية، ويشرح الخبير النفسي محمد المهدي ذلك قائلا: "السيسي كان يبدو أكثر انسجاماً وتناغماً وراحةً وثقةً وفخراً وتألقاً، وهو يرتدي البذلة العسكرية المزركشة والمشمرة الذراعين. أما حين ارتدى البذلة المدنية، فقد بدا أقصر قامةً وأقل حجماً وأضعف بريقاً، وبدت علامات الحزن والانكسار في عينيه، ولم يعد يظهر بذات القوام المشدود والحركة العسكرية"، أي أن السيسي يدين للزي العسكري في الحقيقة بما حققه، وليس لقدراتٍ خاصة به. ولذلك، يريد استعادة تلك القدرات المزعومة، عندما يرتدي الزي العسكري، وهو رئيس.
لا يقتصر ارتباط السيسي بالعسكرية على الزي فقط، فشخصيته أيضا اكتسبت كثيراً من تلك
السمات، فمن صفات الشخصية العسكرية عدم تقبلها الرأي الآخر، وتعوّدها على إلقاء الأوامر من دون مناقشة، وهو ما يبدو أن السيسي لا يختلف فيه عن أي ضابط آخر، ففي أول لقاء تلفزيوني له عقب إعلانه الترشح لرئاسة الجمهورية، وأول ظهور له بالزي المدني بعيداً عن الزي العسكري، حذّر إبراهيم عيسى من أن يقول كلمة "عسكر"، وقال إنه لن يسمح له بقول تلك الكلمة مرة أخرى. وتكرّر الأمر نفسه في حوار السيسي مع ثلاث قنوات فضائية، موجهاً كلامه للمذيع الذي قال له إن بعضهم يرى أن "مصر تتسوّل"، في إشارة منه إلى مساعدات الدول العربية، فكان رد السيسي نهيه عن قول تلك الكلمة. وعندما حاول المذيع توضيح وجهة نظره، قاطعه مرة أخرى بقول كلمة "لا" أكثر من خمس مرات. وفي خطابه في فبراير/ شباط 2015، طالب السيسي المصريين بعدم الاستماع إلى أحدٍ غيره، وعندما كان يبرّر التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، طالب المصريين بعدم الحديث في الموضوع مرة أخرى، معتبراً أن من يتحدث عن الموضوع فإنه "يسيء لنفسه". وعندما أنهى السيسي كلمته، وطلب أحد الحضور الكلمة، قال السيسي إنه لم يأذن لأحد بالكلام. قائلا إنه لم يعط "الإذن" لأحد بالكلام.
من سمات الشخصية العسكرية أيضاً اهتمامها بتحقيق المستهدف، بغض النظر عن أي نتائج أخرى، وقد رأينا إصرار السيسي على افتتاح تفريعة قناة السويس خلال عام من أجل الحصول على الدعاية التي يريدها، ولو أدى ذلك إلى ارتفاع رهيب في كلفة الإنشاء، واستنزاف الاحتياطي النقدي الذي لا زالت البلاد تعاني منه، وذلك كله من أجل "هدية مصر إلى العالم"، وهي هدية لم يعد يحتاجها العالم، بعد انخفاض حركة التجارة العالمية، ما أدى إلى انخفاض دخل القناة بصورة كبيرة، وجاء خبر الإعلان عن قطار نقل البضائع من الصين إلى بريطانيا ليمثل الضربة القاضية لحركة النقل عبر القناة التي لا شك ستتأثر بشدة.
كان آكين أوزتورك، قائد القوات الجوية التركي السابق، يتمتع بالهيبة والفخامة عندما كان مرتدياً الزي العسكري والنظارة الشمسية التي أحدثت حوله جواً من الغموض والمهابة. لكن، بعد القبض عليه، بتهمة قيادة محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو/ تموز الماضي، ظهر الرجل مرتدياً قميصاً عادياً باهتاً، ورآه الناس على حقيقته: مجرد رجل عجوز يمتلئ وجهه بالتجاعيد، ويسير بصعوبة، ولا يتميّز عن غيره، ويتضح أنه "لا شيء" بدون الزي العسكري.
ويبدو أن السيسي كان يريد تقمص أكثر من شخصية في الحفل. فمن ناحيةٍ، يريد أن يكون الحفل فاخرا وباذخا ليستلهم عظمة حفل افتتاح قناة السويس الأولى في عهد الخديوي إسماعيل، ويتأكد ذلك عندما نرى أوبرا عايدة في حفل افتتاح القناة في عهد السيسي، وهو استلهام للأوبرا نفسها التي عزفت للمرة الأولى في حفل الخديوي إسماعيل. ومن ناحية ثانية، يتقمص السيسي شخصية الرئيس أنور السادات الذي يبدو أنه مغرم به، فقد ارتدى الأخير الزي العسكري أيضاً عندما أعاد افتتاح قناة السويس عام 1975 بعد حرب أكتوبر. ومن ناحية ثالثة، أراد السيسي استلهام أجواء البذخ الملكي، عبر ركوبه يخت "المحروسة" الخاص بالأسرة العلوية التي حكمت مصر، وكان اليخت الخاص بالملك فاروق الذي غادر عبره مصر إلى إيطاليا، بعد عزله من منصبه ونفيه.
كان السادات أيضاً مغرماً بالزي العسكري، ويحرص على ارتدائه في مناسبات عديدة، فيما لم
حرص السيسي أيضاً على منح نفسه رتبة "المشير"، قبل أن يترك الجيش ليترشح للرئاسة، على الرغم من أن من المفترض أن يحصل على هذه الرتبة الضابط الذي خاض حرباً وانتصر فيها، لكن السيسي لم يخض أي حربٍ منذ تخرجه من الكلية الحربية عام 1977، لكنه الحرص على بلوغ أقصى ما يمكن تحقيقه في السلك العسكري الذي لم يعرف غيره طوال حياته، وبالتالي، أصبح مثل المشير عبد الحكيم عامر الذي أعطى لنفسه هذه الرتبة من دون أي استحقاق، على الرغم من انقطاع صلته بالعسكرية.
ويبدو عبد الفتاح السيسي غير مرتاح في البدلة المدنية، ويشرح الخبير النفسي محمد المهدي ذلك قائلا: "السيسي كان يبدو أكثر انسجاماً وتناغماً وراحةً وثقةً وفخراً وتألقاً، وهو يرتدي البذلة العسكرية المزركشة والمشمرة الذراعين. أما حين ارتدى البذلة المدنية، فقد بدا أقصر قامةً وأقل حجماً وأضعف بريقاً، وبدت علامات الحزن والانكسار في عينيه، ولم يعد يظهر بذات القوام المشدود والحركة العسكرية"، أي أن السيسي يدين للزي العسكري في الحقيقة بما حققه، وليس لقدراتٍ خاصة به. ولذلك، يريد استعادة تلك القدرات المزعومة، عندما يرتدي الزي العسكري، وهو رئيس.
لا يقتصر ارتباط السيسي بالعسكرية على الزي فقط، فشخصيته أيضا اكتسبت كثيراً من تلك
من سمات الشخصية العسكرية أيضاً اهتمامها بتحقيق المستهدف، بغض النظر عن أي نتائج أخرى، وقد رأينا إصرار السيسي على افتتاح تفريعة قناة السويس خلال عام من أجل الحصول على الدعاية التي يريدها، ولو أدى ذلك إلى ارتفاع رهيب في كلفة الإنشاء، واستنزاف الاحتياطي النقدي الذي لا زالت البلاد تعاني منه، وذلك كله من أجل "هدية مصر إلى العالم"، وهي هدية لم يعد يحتاجها العالم، بعد انخفاض حركة التجارة العالمية، ما أدى إلى انخفاض دخل القناة بصورة كبيرة، وجاء خبر الإعلان عن قطار نقل البضائع من الصين إلى بريطانيا ليمثل الضربة القاضية لحركة النقل عبر القناة التي لا شك ستتأثر بشدة.
كان آكين أوزتورك، قائد القوات الجوية التركي السابق، يتمتع بالهيبة والفخامة عندما كان مرتدياً الزي العسكري والنظارة الشمسية التي أحدثت حوله جواً من الغموض والمهابة. لكن، بعد القبض عليه، بتهمة قيادة محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو/ تموز الماضي، ظهر الرجل مرتدياً قميصاً عادياً باهتاً، ورآه الناس على حقيقته: مجرد رجل عجوز يمتلئ وجهه بالتجاعيد، ويسير بصعوبة، ولا يتميّز عن غيره، ويتضح أنه "لا شيء" بدون الزي العسكري.