06 نوفمبر 2024
مغسلة الكلمــات
رأت تحليلات صحافية إسرائيلية مستجدّة أن من "منافع" الإدارة الأميركية، برئاسة دونالد ترامب، بروز "ظاهرة جديدة" في سلوك "الدول الغربية الديمقراطية"، فحواها تحويل مسار الانتقادات من دولة الاحتلال الإسرائيلية نحو الولايات المتحدة، كما عبّرت عن ذلك ردّات الفعل العالمية، ولا سيما الأوروبية، على القرار الرئاسي من واشنطن، تعليق منح تأشيرات دخولٍ إلى مواطنين من عدة دول إسلامية.
بموجب أحد هذه التحليلات، كانت أي شرفةٍ أو جدارٍ يتم إقامتهما في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 موضوعًا لنوبات عصبية في أروقة الاتحاد الأوروبي والبيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية. وكانت منظمة الأمم المتحدة التي وصفها كاتب التحليل بأنها "دولة فاقدة الحدود ومنطقة السيادة الإقليمية"، تعقد اجتماعًا لمجلس الأمن الذي شبّهه بـ"المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي السابق" أو "السوفييت الأعلى"، وتقرّ فيه "مواصلة الحرب التي لا تقف عند حدود ضد يهود فلسطين".
يحيل هذا التحليل إلى آلية "غسيل الكلمات"، وهو مصطلح مترجم من language) laundering) التي صُكّت لتوصيف إحدى وسائل غسل دماغ الرأي العام، والقصد وسيلة الكلمات المغسولة لتحقيق غاية التدليس والإنكار.
وتركت الآلة الإعلامية الدعائية لدولة الاحتلال، ولا تزال، كثيراً من "البصمات الحصرية" على هذه الآلية، في نطاق سياستها المرتبطة بالفلسطينيين وقضيتهم الوطنية. وتضيق المساحة للنمذجة على تمثلات هذه الآلية.
مثلًا، قبل عقد ونصف العقد، وبعد فترة وجيزة من انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية (عام 2000)، كتب أحد الأساتذة الجامعيين الراديكاليين في إسرائيل أنه نظرًا إلى أن العالم لا يسمح بإبادة كاملة، فإن ما تقوم به دولة الاحتلال هو إبادة رمزية للشعب الواقع تحت الاحتلال. وما هي "إبادة الشعب الرمزية"؟... لكل شعب رموز؛ قيادات وطنية وتنظيمات سياسية، أرض الوطن، أجيال الماضي والمستقبل، الآمال. وكل هذه تمثل رموزًا للشعب، وإسرائيل تمس بها وتدمرها، وتغتالها بمنهجيةٍ وجفافٍ بيروقراطي لا يوصفان، إذ يطلق الجيش اسم "بنك الأهداف" على قائمة القياديين الفلسطينيين المُرشحين للاغتيال، وتندرج في "بنك الأهداف" هذا كل القيادة التي ترمز إلى الشعب الفلسطيني.
بموازاة ذلك، أرض فلسطين مسلوبة من المستوطنات الكولونيالية، ومُقسّمة نتيجة الحواجز العسكرية. وعقب الانتفاضة، أمست هذه الأرض مفكّكة رسميًا بواسطة ما يسمونه، بلغة البيروقراطية، "الجدار الأمني"، وهو ليس إلا تفكيكًا لمساحة أخيرة بقيت للشعب الفلسطيني، كي يحلم بها أساساً إقليمياً لقيام دولة مستقلة.
وجزم هذا الأستاذ الجامعي، في حينه، بأن هذا يعني، بشكل غير قابل للتأويل، أن إسرائيل تنفّذ خطة ممنهجة مدبّرة، وتحت غطاء مغسلة كلمات "خريطة الطريق" و"المسيرة السلمية" آنذاك، تغتال ليس فقط القياديين الفلسطينيين، بل المستقبل الفعلي للفلسطينيين وآمالهم بنيل الاستقلال أيضًا.
وتمرّ الأعوام حتى نصل، هذه الأيام، إلى ما يُسمّى، وفق مغسلة الكلمات عينها، "قانون التسوية" الذي يرمي إلى شرعنة نهب الأرض الفلسطينية. وتنسحب المغسلة كذلك على "معارضة" المستشار القانوني لحكومة نتنياهو هذا القانون، فهي تتذرّع بتسويغٍ فحواه أنه "لن يصمد أمام اختبار المحكمة الإسرائيلية العليا"، وفيه ما يوحي بأن تلك المحكمة تمثّل "هيئة عليا للعدل" في دولة الاحتلال. وفي واقع الأمر، أجازت هذه المحكمة، منذ عام 1979، نهب أراض فلسطينية، لكنها حدّدت ذلك بأن يكون لـ"غايات عسكرية"!.
مثل هذه "الغايات العسكرية" لا تموت، بل تتناسل، كما تتناسل الكلمات المغسولة التي تشفّ عن إحدى أهم وسائل الإنكار والتدليس في دولة الاحتلال.
ثمّة أشياء أخرى لا تموت. ومنها، كما يُلاحظ بين الفينة والأخرى/ تهمة معاداة السامية، وحتى هتلر. فبعد أسبوعين من الحرب الإسرائيلية الأولى على لبنان (عام 1982)، استهجن الكاتب الإسرائيلي، عاموس عوز، وجود دافع غريب لدى رئيس حكومة دولة الاحتلال في ذلك الوقت، مناحيم بيغن، لإحياء هتلر في سبيل قتله يوميًا على شاكلة "مخربين فلسطينيين"، واصفًا ذلك بأنه "هوسٌ عقلي"، وخطر من شأنه أن يقود إلى طريقٍ مرعبةٍ بمخاطرها.
بموجب أحد هذه التحليلات، كانت أي شرفةٍ أو جدارٍ يتم إقامتهما في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 موضوعًا لنوبات عصبية في أروقة الاتحاد الأوروبي والبيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية. وكانت منظمة الأمم المتحدة التي وصفها كاتب التحليل بأنها "دولة فاقدة الحدود ومنطقة السيادة الإقليمية"، تعقد اجتماعًا لمجلس الأمن الذي شبّهه بـ"المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي السابق" أو "السوفييت الأعلى"، وتقرّ فيه "مواصلة الحرب التي لا تقف عند حدود ضد يهود فلسطين".
يحيل هذا التحليل إلى آلية "غسيل الكلمات"، وهو مصطلح مترجم من language) laundering) التي صُكّت لتوصيف إحدى وسائل غسل دماغ الرأي العام، والقصد وسيلة الكلمات المغسولة لتحقيق غاية التدليس والإنكار.
وتركت الآلة الإعلامية الدعائية لدولة الاحتلال، ولا تزال، كثيراً من "البصمات الحصرية" على هذه الآلية، في نطاق سياستها المرتبطة بالفلسطينيين وقضيتهم الوطنية. وتضيق المساحة للنمذجة على تمثلات هذه الآلية.
مثلًا، قبل عقد ونصف العقد، وبعد فترة وجيزة من انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية (عام 2000)، كتب أحد الأساتذة الجامعيين الراديكاليين في إسرائيل أنه نظرًا إلى أن العالم لا يسمح بإبادة كاملة، فإن ما تقوم به دولة الاحتلال هو إبادة رمزية للشعب الواقع تحت الاحتلال. وما هي "إبادة الشعب الرمزية"؟... لكل شعب رموز؛ قيادات وطنية وتنظيمات سياسية، أرض الوطن، أجيال الماضي والمستقبل، الآمال. وكل هذه تمثل رموزًا للشعب، وإسرائيل تمس بها وتدمرها، وتغتالها بمنهجيةٍ وجفافٍ بيروقراطي لا يوصفان، إذ يطلق الجيش اسم "بنك الأهداف" على قائمة القياديين الفلسطينيين المُرشحين للاغتيال، وتندرج في "بنك الأهداف" هذا كل القيادة التي ترمز إلى الشعب الفلسطيني.
بموازاة ذلك، أرض فلسطين مسلوبة من المستوطنات الكولونيالية، ومُقسّمة نتيجة الحواجز العسكرية. وعقب الانتفاضة، أمست هذه الأرض مفكّكة رسميًا بواسطة ما يسمونه، بلغة البيروقراطية، "الجدار الأمني"، وهو ليس إلا تفكيكًا لمساحة أخيرة بقيت للشعب الفلسطيني، كي يحلم بها أساساً إقليمياً لقيام دولة مستقلة.
وجزم هذا الأستاذ الجامعي، في حينه، بأن هذا يعني، بشكل غير قابل للتأويل، أن إسرائيل تنفّذ خطة ممنهجة مدبّرة، وتحت غطاء مغسلة كلمات "خريطة الطريق" و"المسيرة السلمية" آنذاك، تغتال ليس فقط القياديين الفلسطينيين، بل المستقبل الفعلي للفلسطينيين وآمالهم بنيل الاستقلال أيضًا.
وتمرّ الأعوام حتى نصل، هذه الأيام، إلى ما يُسمّى، وفق مغسلة الكلمات عينها، "قانون التسوية" الذي يرمي إلى شرعنة نهب الأرض الفلسطينية. وتنسحب المغسلة كذلك على "معارضة" المستشار القانوني لحكومة نتنياهو هذا القانون، فهي تتذرّع بتسويغٍ فحواه أنه "لن يصمد أمام اختبار المحكمة الإسرائيلية العليا"، وفيه ما يوحي بأن تلك المحكمة تمثّل "هيئة عليا للعدل" في دولة الاحتلال. وفي واقع الأمر، أجازت هذه المحكمة، منذ عام 1979، نهب أراض فلسطينية، لكنها حدّدت ذلك بأن يكون لـ"غايات عسكرية"!.
مثل هذه "الغايات العسكرية" لا تموت، بل تتناسل، كما تتناسل الكلمات المغسولة التي تشفّ عن إحدى أهم وسائل الإنكار والتدليس في دولة الاحتلال.
ثمّة أشياء أخرى لا تموت. ومنها، كما يُلاحظ بين الفينة والأخرى/ تهمة معاداة السامية، وحتى هتلر. فبعد أسبوعين من الحرب الإسرائيلية الأولى على لبنان (عام 1982)، استهجن الكاتب الإسرائيلي، عاموس عوز، وجود دافع غريب لدى رئيس حكومة دولة الاحتلال في ذلك الوقت، مناحيم بيغن، لإحياء هتلر في سبيل قتله يوميًا على شاكلة "مخربين فلسطينيين"، واصفًا ذلك بأنه "هوسٌ عقلي"، وخطر من شأنه أن يقود إلى طريقٍ مرعبةٍ بمخاطرها.