04 نوفمبر 2024
أستانة... وهم ولادة لحمل كاذب
يشغل خبر مؤتمر أستانة المقترح الحيّز الأكبر من مداولات مختلف أطراف الصراع السوري، وبينما تنفي المعارضة علمها بأية تفاصيل حوله، وتطرح الشكوك بشأن النوايا الروسية، وتؤكد أنها لم تتلق دعوة بخصوصه، تتوالى من هنا وهناك معلوماتٌ عن جدول أعماله، وأسماء المزمع مشاركتهم به، بل النتائج التي ستترتّب على انعقاده، في ظل تحضيراتٍ أمميةٍ لعقد جلسة تفاوضية جديدة في جنيف، نهاية الأسبوع الأول من فبراير/ شباط 2016.
لعل ذلك يؤكد من جديد اللا قرار الدولي، أو انعدام الحسم الدولي، بخصوص حل القضية السورية، حيث تسدّ فرص الحل السياسي، ليحل مكانها مجرّد تفاهمات جزئية هنا وهناك، وحيث يتلو الجميع ترانيم اللا حل بوسائل السلاح، بفعل التدخل العسكري الروسي والإيراني في حلب وريف دمشق، وتتابع عمليات التهجير القسري، ومعها تفاصيل "خريطة الطريق" الروسية التي أنتجت، حتى اليوم، مئات نقاط الهدن المحلية على امتداد الأرض السورية.
ما المطلوب من مؤتمر أستانة؟ وما الغاية التي تدعو موسكو إلى إشراك كل من تركيا، الدولة الصديقة للمعارضة السورية، وإيران التي ترى كل من يقف في مواجهة الأسد إرهابياً وعدواً لها؟ ومن هم الشركاء المحتملون الذين تود روسيا تسميتهم "معارضةً" من هذه الأطراف؟
ترى "معارضة موسكو"، بقيادة قدري جميل، أن الفرصة مواتية لها الآن لتتصدّر المشهد، لكن السؤال الملح هنا: إذا كانت روسيا ترى أنها هي المعارضة المناسبة للتفاوض مع النظام، وهي تحت جناحها أصلاً، فلماذا تدعو إلى مؤتمر في أستانة إذن؟ ومن جهتها، فإن "معارضة حميميم" التي تتنفس من خلال النظام، وتتحرّك بموافقةٍ منه، وتمارس نشاطها داخل نطاق سيطرته الأمنية، ومسار حركتها دمشق موسكو دمشق، ما حاجتها إلى مؤتمر أستانة، لتطرح تصوّرها حول سورية وحول النظام؟
فإذا كانت تلك الأطراف ليست الهدف من الجلسات الحوارية "التفاوضية"، المزمع عقدها في
أستانة، فلا شك أن جمعها مع أطرافٍ من المعارضة المسلحة التي كانت هي أصلا تجرّمها وتضعها في خانة الإرهاب، هي الغاية التي تريد روسيا منها شرعنة من تسميهم "معارضة الداخل" أو تدجين من كانت تسميهم إرهابيين حتى لحظة انعقاد الاجتماع الثلاثي في موسكو، والذي خرج عنه ما تعتقده تلك الأطراف "المرجعية الجديدة للتفاوض".
لا شك أن معركة حلب، والمقتلة الكبرى التي حدثت خلالها، غيّرت موازين القوى على الأرض، فهي، وإن اعتبرناها بمثابة هزيمة للمعارضة المسلحة، إلا أنها، في الآن نفسه، ليست انتصارا للنظام، بل هزيمة له بالتساوي، كونها أخرجته هو أيضاً من معادلة الحل السوري، لتحلّ مكانها معادلة روسيا، وبالشروط التي تتأقلم مع مصالحها دولياً وإقليمياً، وحتى سورياً. هذه المصالح التي تتقاطع، في بعض محاورها، مع مصلحة تركيا، حيث الملف الكردي الضاغط عليها، والعلاقة المتأرجحة مع الإدارة الأميركية، وموجبات تحالفها مع روسيا.
أمام هذه المعطيات، يبدو أن مؤتمر أستانة مجرّد تلويح بالعصا للمعارضة السورية المتمثلة بـ"الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" و"الهيئة العليا للتفاوض"، ومحاولة لتلزيم تركيا بفرض مشاركة فصائل المعارضة المسلحة العاملة على الأرض من خلال نافذتها، أو الحليفة لها، من جهة. ومن جهة ثانيةٍ تختبر روسيا حقيقة دور إيران بالنسبة لإمكانية اندماجها في "سياسي" يوقف أحلام حليفها الأسد بشأن حسم المعركة عسكرياً. وتالياً، تطويع كامل الأراضي السورية لسيطرته من جديد، الأمر الذي تراه طهران بات قاب قوسين أو أدنى. وثمّة أيضا الموقف الجديد للإدارة الأميركية، برئاسة دونالد ترامب (بعد أسابيع)، الضاغط على إيران، الذي يرى ضرورة إعادة النظر في الاتفاق النووي الذي فتح الأفق أمامها لاستعادة موقعها دوليا.
لا شك أن روسيا ضاقت ذرعا بمرجعية جنيف 2012 التي جعلت من "الائتلاف" ممثلاً عن المعارضة بداية، وبعده "الهيئة العليا للتفاوض"، وكلاهما في مركبٍ لا يصل إلى ما تريده،
ولا يعمل وفق منظور الحل المقترح منها. كما أن روسيا كانت وراء "مؤتمر فيينا"، أصلا، ليحل مرجعية للقضية السورية بدل مرجعية جنيف 1. وهي أيضا تجد الآن أن من شأن ما نتج عن التفاهمات الروسية ـ الإيرانية ـ التركية أن يكون قاعدة انطلاق إلى ذلك الهدف، في ظل الصمت الأميركي المعبّر، في الظاهر، عن لا مبالاة الإدارة الأميركية كلياً في الملف السوري.
وفقا لذلك، قد تعتقد روسيا أن المرجعية الجديدة تتطلب كياناً موازياً، أيضاً، ربما يلغي بوجوده "الهيئة العليا للتفاوض"، من خلال دعوة شخصياتٍ من مكونات الهيئة، تتماهى مع المتطلبات الروسية للحل المنشود في سورية، وتقبل مرجعية موسكو، وبقرار مجلس الأمن 2254 حسب التفسير الروسي له، أي إلغاء وحدانية الطرف المفاوض للمعارضة، وقبول أطراف عديدة، بينها معارضات موسكو وحميميم وقوات سورية الديمقراطية، إضافة إلى منصة القاهرة والمنتج الجديد لمعارضة الداخل "الجبهة التقدمية".
تأسيساً على ما تقدم، يصبح مؤتمر أستانة المزمع انعقاده بعيداً عن الأطراف الفاعلة في المعارضة السورية مجرّد حجر لتحريك بركة راكدة، قد لا ينتج منه سوى رؤية أوساخها.
في المعارك ربح وخسارة، ونصر وهزيمة، وكذلك في جولات التفاوض. لكن، في الثورات التي تنطلق من لحظة الأزمة التاريخية للشعوب، هناك معبر واحد لا يمكن الرهان على فقدانه، وهو المضي نحو الهدف المنشود، أي إقامة نظام ديمقراطي يضمن حقوق كل المواطنين، ونفض كل ما علق به من أسلمة الثورة وتطييفها، ومن عسكرةٍ تحمل مشاريع الممولين بعيداً عن الهدف الوطني، وهو حماية الشعب السوري من تغوّل أجهزة القمع على مفردات حياته اليومية والمعاشية، وصولاً إلى نبذ كل مدّعٍ بأنه يمثل من لا يمثلهم حقاً.
مؤتمر أستانة المزمع عقده بمرجعية "بيان موسكو" ليس انقلاباً على شرعية المعارضة التي يسميها بعضهم "الخارجية"، وإنما هو، في شكله المعلن حتى الآن، وقبل أن يتلقى أي طرف معارض حقيقي دعوتها، ليس أكثر من توهّمات ألم ولادة بحمل كاذب. وعلى أية حال، ثمّة شكوكٌ مازالت تطرح، بل تتزايد، حول انعقاد هذا المؤتمر، وحول الأطراف المشاركة فيه، وحول جدواه... وعلى الأقل، لم تحسم المعارضة السورية حتى الآن أمرها في هذا الخصوص، بل إن انحسار الزخم الذي رافق بيان موسكو، وبعده إعلان أنقرة، يؤكد أن ما يحصل مجرّد حمل كاذب، أو طبخة بحص.
لعل ذلك يؤكد من جديد اللا قرار الدولي، أو انعدام الحسم الدولي، بخصوص حل القضية السورية، حيث تسدّ فرص الحل السياسي، ليحل مكانها مجرّد تفاهمات جزئية هنا وهناك، وحيث يتلو الجميع ترانيم اللا حل بوسائل السلاح، بفعل التدخل العسكري الروسي والإيراني في حلب وريف دمشق، وتتابع عمليات التهجير القسري، ومعها تفاصيل "خريطة الطريق" الروسية التي أنتجت، حتى اليوم، مئات نقاط الهدن المحلية على امتداد الأرض السورية.
ما المطلوب من مؤتمر أستانة؟ وما الغاية التي تدعو موسكو إلى إشراك كل من تركيا، الدولة الصديقة للمعارضة السورية، وإيران التي ترى كل من يقف في مواجهة الأسد إرهابياً وعدواً لها؟ ومن هم الشركاء المحتملون الذين تود روسيا تسميتهم "معارضةً" من هذه الأطراف؟
ترى "معارضة موسكو"، بقيادة قدري جميل، أن الفرصة مواتية لها الآن لتتصدّر المشهد، لكن السؤال الملح هنا: إذا كانت روسيا ترى أنها هي المعارضة المناسبة للتفاوض مع النظام، وهي تحت جناحها أصلاً، فلماذا تدعو إلى مؤتمر في أستانة إذن؟ ومن جهتها، فإن "معارضة حميميم" التي تتنفس من خلال النظام، وتتحرّك بموافقةٍ منه، وتمارس نشاطها داخل نطاق سيطرته الأمنية، ومسار حركتها دمشق موسكو دمشق، ما حاجتها إلى مؤتمر أستانة، لتطرح تصوّرها حول سورية وحول النظام؟
فإذا كانت تلك الأطراف ليست الهدف من الجلسات الحوارية "التفاوضية"، المزمع عقدها في
لا شك أن معركة حلب، والمقتلة الكبرى التي حدثت خلالها، غيّرت موازين القوى على الأرض، فهي، وإن اعتبرناها بمثابة هزيمة للمعارضة المسلحة، إلا أنها، في الآن نفسه، ليست انتصارا للنظام، بل هزيمة له بالتساوي، كونها أخرجته هو أيضاً من معادلة الحل السوري، لتحلّ مكانها معادلة روسيا، وبالشروط التي تتأقلم مع مصالحها دولياً وإقليمياً، وحتى سورياً. هذه المصالح التي تتقاطع، في بعض محاورها، مع مصلحة تركيا، حيث الملف الكردي الضاغط عليها، والعلاقة المتأرجحة مع الإدارة الأميركية، وموجبات تحالفها مع روسيا.
أمام هذه المعطيات، يبدو أن مؤتمر أستانة مجرّد تلويح بالعصا للمعارضة السورية المتمثلة بـ"الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" و"الهيئة العليا للتفاوض"، ومحاولة لتلزيم تركيا بفرض مشاركة فصائل المعارضة المسلحة العاملة على الأرض من خلال نافذتها، أو الحليفة لها، من جهة. ومن جهة ثانيةٍ تختبر روسيا حقيقة دور إيران بالنسبة لإمكانية اندماجها في "سياسي" يوقف أحلام حليفها الأسد بشأن حسم المعركة عسكرياً. وتالياً، تطويع كامل الأراضي السورية لسيطرته من جديد، الأمر الذي تراه طهران بات قاب قوسين أو أدنى. وثمّة أيضا الموقف الجديد للإدارة الأميركية، برئاسة دونالد ترامب (بعد أسابيع)، الضاغط على إيران، الذي يرى ضرورة إعادة النظر في الاتفاق النووي الذي فتح الأفق أمامها لاستعادة موقعها دوليا.
لا شك أن روسيا ضاقت ذرعا بمرجعية جنيف 2012 التي جعلت من "الائتلاف" ممثلاً عن المعارضة بداية، وبعده "الهيئة العليا للتفاوض"، وكلاهما في مركبٍ لا يصل إلى ما تريده،
وفقا لذلك، قد تعتقد روسيا أن المرجعية الجديدة تتطلب كياناً موازياً، أيضاً، ربما يلغي بوجوده "الهيئة العليا للتفاوض"، من خلال دعوة شخصياتٍ من مكونات الهيئة، تتماهى مع المتطلبات الروسية للحل المنشود في سورية، وتقبل مرجعية موسكو، وبقرار مجلس الأمن 2254 حسب التفسير الروسي له، أي إلغاء وحدانية الطرف المفاوض للمعارضة، وقبول أطراف عديدة، بينها معارضات موسكو وحميميم وقوات سورية الديمقراطية، إضافة إلى منصة القاهرة والمنتج الجديد لمعارضة الداخل "الجبهة التقدمية".
تأسيساً على ما تقدم، يصبح مؤتمر أستانة المزمع انعقاده بعيداً عن الأطراف الفاعلة في المعارضة السورية مجرّد حجر لتحريك بركة راكدة، قد لا ينتج منه سوى رؤية أوساخها.
في المعارك ربح وخسارة، ونصر وهزيمة، وكذلك في جولات التفاوض. لكن، في الثورات التي تنطلق من لحظة الأزمة التاريخية للشعوب، هناك معبر واحد لا يمكن الرهان على فقدانه، وهو المضي نحو الهدف المنشود، أي إقامة نظام ديمقراطي يضمن حقوق كل المواطنين، ونفض كل ما علق به من أسلمة الثورة وتطييفها، ومن عسكرةٍ تحمل مشاريع الممولين بعيداً عن الهدف الوطني، وهو حماية الشعب السوري من تغوّل أجهزة القمع على مفردات حياته اليومية والمعاشية، وصولاً إلى نبذ كل مدّعٍ بأنه يمثل من لا يمثلهم حقاً.
مؤتمر أستانة المزمع عقده بمرجعية "بيان موسكو" ليس انقلاباً على شرعية المعارضة التي يسميها بعضهم "الخارجية"، وإنما هو، في شكله المعلن حتى الآن، وقبل أن يتلقى أي طرف معارض حقيقي دعوتها، ليس أكثر من توهّمات ألم ولادة بحمل كاذب. وعلى أية حال، ثمّة شكوكٌ مازالت تطرح، بل تتزايد، حول انعقاد هذا المؤتمر، وحول الأطراف المشاركة فيه، وحول جدواه... وعلى الأقل، لم تحسم المعارضة السورية حتى الآن أمرها في هذا الخصوص، بل إن انحسار الزخم الذي رافق بيان موسكو، وبعده إعلان أنقرة، يؤكد أن ما يحصل مجرّد حمل كاذب، أو طبخة بحص.