14 أكتوبر 2024
"خيانة" عبد الناصر
تزامناً مع مرور ذكرى وفاة جمال عبد الناصر، حفلت وسائل التواصل الاجتماعي في مصر بجدل واسع، وتزايدت حدة الانتقادات والهجوم على فترة حكمه. وعلى خلاف الانتقادات المتكرّرة طوال الأعوام الماضية، شهدت ذكراه هذا العام هجوماً عنيفاً تجاوز نقد السياسات والقرارات، إلى الطعن في شخص عبد الناصر، بل والتشكيك، للمرة الأولى، في وطنيته. ليصبح عبد الناصر بعد 47 عاماً من وفاته متهماً بالخيانة والعمالة.
عبد الناصر الذي يمكن اتهامه بأشياء كثيرة، تندرج كلها ضمن الأخطاء غير المقصودة، يصعب وصمه بالخائن أو العميل، فعلى الرغم من وجود شواهد كثيرة وقرائن ذات مصداقية على حدوث اتصالات بين جماعة الضباط الأحرار وواشنطن قبل "23 يوليو 52" وبعدها، إلا أن هذا الأمر يمكن تفسيره بسهولة، إذ تحرص القوى الكبرى دائماً على فتح قنوات اتصال مع كل الأطراف والمكونات السياسية في الدول الإقليمية المهمة مثل مصر، خصوصا إذا كانت تلك القوى تسعى إلى الدخول في دائرة السلطة. أما الخيانة، بمعناها المباشر، أي العمالة المُمنهجة والعمل لصالح طرف خارجي، فلا دلائل عليها سواء قبل 1952 أو بعدها.
بل على العكس، بعد الهزيمة، حين وقع اختيار عبد الناصر على زكريا محي الدين ليخلفه، عقب هزيمة يونيو/ حزيران 1967، قال ناصر صراحة إن السبب هو أن زكريا "رجل اﻷميركان".. ولو كان ناصر نفسه خائنا أو عميلا للأميركيين، لتجنب كشف زكريا، ولأعلن أي سبب آخر لاختياره، بل لكان أصر على التنحّي، وأفسح المجال ﻵخر يكمل المهمة، بعد أن انتهى دوره هو، وأوصل البلاد إلى هزيمة عسكرية مخزية. لكن ما حدث أنه تراجع سريعاً عن فكرة التنحّي، ثم تم إبعاد زكريا محي الدين (كانت صلاته بالأميركيين معروفة) من دائرة السلطة!.
ومن المفيد هنا الرجوع إلى ما كتبه الصحافي المصري، عادل حمودة، في 5 سبتمبر/ أيلول الماضي.. حيث نقل ما قال إنه محضر اجتماع لمجلس الوزراء المصري بعد الهزيمة.. وفي هذا الاجتماع، اعترف ناصر بالأخطاء، وكان يبحث عن سبل تصحيح المسار. وأعلن أمام الحضور بكل شجاعة "ما فعلناه يستحق أن يضربنا الشعب بالأحذية"، وهو كلام لا يصدر عن خائن أو عميل. وإلا لكان سعى إلى تثبيت الوضع القائم، وترسيخ السياسات التي أفضت إلى الهزيمة العسكرية والتدهور السياسي.
مشكلة انتقادات كثيرة توجه إلى عبد الناصر، أنها لا تفرق بين الخطايا والأخطاء، فتخلط الخيانة والعمالة وبيع الوطن، مع الدكتاتورية أو التسلط أو سوء التقدير ونقص الكفاءة. وعلى الرغم من أن قليلين ممن يكرهون ناصر يدركون هذا الفرق جيداً، لكنهم لا يقفون عنده ويغفلونه. كأن تبرئة ناصر من الخيانة ستمثل صك غفران له من أخطائه الأخرى، أو تنفي مسؤوليته عمّا جرى لمصر على يديه وفي عهده. وهذا غير صحيح، فالنزاهة لا تعني المثالية أو الكفاءة، ولا يرتبط الإخلاص دائماً بالنجاح وليس صنوا للتفوق والكمال.
تحرّي اﻷمانة والموضوعية في التقييم مهم، ليس فقط للحكم على الماضي، لكن أيضا على الحاضر، فالخيانة بعيدة عن ناصر مقارنةً بمن كانوا ينصحونه ويشيرون عليه. فلنبحث عن الذي أوعز لعامر بالتحليق فوق الجبهة صبيحة 5 يونيو! وعمن أشار على ناصر باﻻندفاع إلى حرب اليمن. وعمن أحاطوا به وعزلوه عن المجتمع، ومن أوهموه بأن الثورة مستمرة واﻷمور كلها على ما يرام، والكلاب تعوي لكن القافلة تسير. هو يتحمل مسؤولية تصديق هؤﻻء، والخضوع لسيطرتهم عليه. ومسؤولية الاعتماد على أهل الثقة، وأخطاء أخرى كثيرة يتحملها هو وهو وحده.. لأن القرار كان دائماً قراره. لكنها تظل أخطاء أو كوارث وليدة عقلية متسلطة، أو أفق محدود أو سوء تقدير.. ولا ترتبط بالضرورة بخيانة مُتعمدة منه شخصياً.
عبد الناصر الذي يمكن اتهامه بأشياء كثيرة، تندرج كلها ضمن الأخطاء غير المقصودة، يصعب وصمه بالخائن أو العميل، فعلى الرغم من وجود شواهد كثيرة وقرائن ذات مصداقية على حدوث اتصالات بين جماعة الضباط الأحرار وواشنطن قبل "23 يوليو 52" وبعدها، إلا أن هذا الأمر يمكن تفسيره بسهولة، إذ تحرص القوى الكبرى دائماً على فتح قنوات اتصال مع كل الأطراف والمكونات السياسية في الدول الإقليمية المهمة مثل مصر، خصوصا إذا كانت تلك القوى تسعى إلى الدخول في دائرة السلطة. أما الخيانة، بمعناها المباشر، أي العمالة المُمنهجة والعمل لصالح طرف خارجي، فلا دلائل عليها سواء قبل 1952 أو بعدها.
بل على العكس، بعد الهزيمة، حين وقع اختيار عبد الناصر على زكريا محي الدين ليخلفه، عقب هزيمة يونيو/ حزيران 1967، قال ناصر صراحة إن السبب هو أن زكريا "رجل اﻷميركان".. ولو كان ناصر نفسه خائنا أو عميلا للأميركيين، لتجنب كشف زكريا، ولأعلن أي سبب آخر لاختياره، بل لكان أصر على التنحّي، وأفسح المجال ﻵخر يكمل المهمة، بعد أن انتهى دوره هو، وأوصل البلاد إلى هزيمة عسكرية مخزية. لكن ما حدث أنه تراجع سريعاً عن فكرة التنحّي، ثم تم إبعاد زكريا محي الدين (كانت صلاته بالأميركيين معروفة) من دائرة السلطة!.
ومن المفيد هنا الرجوع إلى ما كتبه الصحافي المصري، عادل حمودة، في 5 سبتمبر/ أيلول الماضي.. حيث نقل ما قال إنه محضر اجتماع لمجلس الوزراء المصري بعد الهزيمة.. وفي هذا الاجتماع، اعترف ناصر بالأخطاء، وكان يبحث عن سبل تصحيح المسار. وأعلن أمام الحضور بكل شجاعة "ما فعلناه يستحق أن يضربنا الشعب بالأحذية"، وهو كلام لا يصدر عن خائن أو عميل. وإلا لكان سعى إلى تثبيت الوضع القائم، وترسيخ السياسات التي أفضت إلى الهزيمة العسكرية والتدهور السياسي.
مشكلة انتقادات كثيرة توجه إلى عبد الناصر، أنها لا تفرق بين الخطايا والأخطاء، فتخلط الخيانة والعمالة وبيع الوطن، مع الدكتاتورية أو التسلط أو سوء التقدير ونقص الكفاءة. وعلى الرغم من أن قليلين ممن يكرهون ناصر يدركون هذا الفرق جيداً، لكنهم لا يقفون عنده ويغفلونه. كأن تبرئة ناصر من الخيانة ستمثل صك غفران له من أخطائه الأخرى، أو تنفي مسؤوليته عمّا جرى لمصر على يديه وفي عهده. وهذا غير صحيح، فالنزاهة لا تعني المثالية أو الكفاءة، ولا يرتبط الإخلاص دائماً بالنجاح وليس صنوا للتفوق والكمال.
تحرّي اﻷمانة والموضوعية في التقييم مهم، ليس فقط للحكم على الماضي، لكن أيضا على الحاضر، فالخيانة بعيدة عن ناصر مقارنةً بمن كانوا ينصحونه ويشيرون عليه. فلنبحث عن الذي أوعز لعامر بالتحليق فوق الجبهة صبيحة 5 يونيو! وعمن أشار على ناصر باﻻندفاع إلى حرب اليمن. وعمن أحاطوا به وعزلوه عن المجتمع، ومن أوهموه بأن الثورة مستمرة واﻷمور كلها على ما يرام، والكلاب تعوي لكن القافلة تسير. هو يتحمل مسؤولية تصديق هؤﻻء، والخضوع لسيطرتهم عليه. ومسؤولية الاعتماد على أهل الثقة، وأخطاء أخرى كثيرة يتحملها هو وهو وحده.. لأن القرار كان دائماً قراره. لكنها تظل أخطاء أو كوارث وليدة عقلية متسلطة، أو أفق محدود أو سوء تقدير.. ولا ترتبط بالضرورة بخيانة مُتعمدة منه شخصياً.