11 ابريل 2024
بغداد وكردستان.. هل يحتكمان إلى الحوار؟
على الرغم من أن كردستان العراق لم تحدد مواقيت لجهة إعلان الاستقلال، بل استبقت الاستفتاء بالقول إنه لن يفضي بالضرورة إلى الاستقلال المباشر، فإن هذه الإعلانات لم ترُق لبغداد، ولا إلى الجوار الإقليمي، لا بل فاقمت نتيجة الاستفتاء من العلاقة المتردية بين الإقليم والمركز، ليشدد المركز، عبر حُزمٍ من القرارات والقوانين القاسية بحق الإقليم، ليس آخرها إقرار البرلمان العراقي تعليق عضوية النوّاب الكرد، ووقف التعاملات الماليّة مع الإقليم، في مقابل استمرار قيادة الإقليم التعامل برويّة وعدم التصعيد الكلامي، بغية امتصاص فورة الغضب العارمة التي سببها الاستفتاء.
في الأثناء، كان اللقاء الذي جمع الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان بنظيره الإيراني حسن روحاني قائماً على تنشيط المواقف المشتركة لبلديهما في رفض نتائج الاستفتاء والتلويح بفرض "العزلة" على الإقليم، أي فرض الحصار، وربما الاعتماد على التدخل العسكري، لأجل ثني الكرد عن المضيّ نحو الاستقلال، فالمواقف الاستباقية للبلدين تعكس خشيةً حقيقيّة من إمكان إعلان الكرد الاستقلال في أوقات لاحقة، خصوصاً أن الجانب العراقي لا يمكنه مواجهة الكرد منفرداً، فلا الكرد هم كرد عام 1975 إبان انهيار الثورة الكردية بعيد اتفاق الجزائر الذي وقّعته إيران الشاه وعراق البكر - صدّام، وبرعايةٍ من الرئيس الجزائري هوّاري بومدين، والتي أفضت إلى وقف إمداد إيران الكرد بالسلاح، وبالتالي قطع الشريان الحيوي الذي كان يمدّ البشمركة بسبل الاستمرار، ولا العراق كذلك هو العراق الذي تمكّن من محاصرة الثورة الكردية وإخمادها بالاعتماد على القوّة العارية والاتفاقات الإقليمية، فالأحوال القائمة تشير إلى إمكانية أن تتغلب كردستان على العقبات التي قد تأتيها من بغداد، إلّا في حال تدخل الجوار في لعبة شد الحبل بين الإقليم والمركز، فإن ميزان القوى سينحاز لصالح بغداد، وهذا التدخل هو الحاصل في واقع الأمر.
لم تنفع البراغماتية التي اتبعها الإقليم مع جواره التركي والإيراني، عبر تشبيك المصالح
الاقتصادية، ووقف الأعمال العسكرية للجماعات الكردية المسلحة المناوئة لأنقرة وطهران، كما لم تنفع تصريحات الإقليم في أن الاستفتاء لن يؤثر على علاقات حسن الجوار ولن يؤلّب الكرد في هاتين الدولتين الجارتين لكردستان.
تشعر بغداد بالحرج، وكذا كردستان من الانسداد الحاصل، وتوقّف عجلة الحوارات التي كانت قائمة قبل الاستفتاء، إذ إن دخول العامل الخارجي - الإقليمي في الأزمة ساهم في الدفع باتجاه البحث عن بدائل واقعية، تُخرج الإقليم والمركز من هذا الانسداد، ومن المستقبل المجهول الذي ينوس بين الحرب والصدامات العسكرية، وبين قطع العلاقات، وكأن الحالة تجري في دولتين منفصلتين، لا في دولة اتحادية. لذا يصبح من المعقول أن يحتكم الطرفان إلى التفاوض والحوار، لكن ضمن شروطٍ تريح الطرفين. وهذا يعني أن الخصومة قد تدفع الإقليم، وكذا المركز، إلى البحث عن وسائل وأوراق جديدة تقوّي من مركزهما التفاوضي في قادم الأيام، وإلى أن يتحقّق ذلك ستدخل عوامل كثيرة في طبيعة الأزمة.
في ميزان القوى الحاصل، تحتكم بغداد إلى الدستور، وإلى الأوراق القانونية التي تفردها صباح مساء، كما تستقوي بغداد بالدورين، الإيراني والتركي، وتبث خطبهما الرافضة نتيجة الاستفتاء، إلى جانب أن بغداد تتحكم في حصة الإقليم المالية، فضلاً عن أنها تلوّح بإمكانية زج الجيش والحشد الشعبي لاستعادة بعض المناطق التي استعادتها قوّات البشمركة، أي المناطق المعرّفة في الدستور العراقي بأنها "مناطق متنازع عليها"، من دون إغفال دور بغداد التي أوقفت حركة الملاحة الجوّية الدولية إلى مطاري أربيل والسليمانية.
في كفّة الميزان الأخرى، يتكئ الإقليم على نتيجة الاستفتاء الكاسحة، والتي فاقت الـ 90%، إلى جانب إمكانية أن تدفع الأحداث البشمركة إلى إعلان كركوك مدينة كردستانية بحكم الأمر الواقع، كذلك لدى الإقليم علاقات دوليّة جيّدة قد تحدّ من الخطر العسكري الإيراني والتركي داخل حدودها، وبالتالي فإن الجيش ومليشيا الحشد الشعبي لن يكونا بالكفاءة المطلوبة التي تؤهلهما خوض معارك حاسمة في مواجهة البشمركة الكردية.
ما يهم، بدرجة أكبر، هو الموقف الأميركي ومواقف العواصم الغربية من الأزمة الحاصلة،
فالمواقف الغربية تصرّ على التفاوض الجدّي والحوار المسؤول، وهذا هو بيت القصيد، عند النظر في حل الاستعصاء العراقي، ذلك أنه على الرغم من رفض أميركا بلسان وزير خارجيتها، ريكس تيلرسون، والعواصم الغربية، الاستفتاء ونتيجته، إلا أنهما يخشيان، في المقابل، من انزلاق العراق نحو حرب بين المركز والإقليم، ما يهدّد مصير الحرب على "داعش" من جهة، وما قد يؤدي إلى تغوّل إيران أكثر داخل المشهد العراقي، وبالتالي إزاحة الحضور الأميركي الوازن من المشهد العراقي.
يبدو أن الإصرار الغربي على الحوار والتفاوض بدل التصعيد المتبادل قد وجد تعبيره الأوّلي على لسان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي تحدّث خلال اللقاء الذي جمعه بضيفه رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، عن إمكانية مساعدة فرنسا في إطلاق حوار بين بغداد وكردستان العراق، وفقاً للدستور العراقي ووحدة العراق، وبما يضمن الاعتراف بحقوق الكرد. ولعل هذا الموقف الغربي قد يجد صدى أوسع في مقبل الأيام، وقد يتفاعل بشكلٍ أكبر، خصوصا أن الأمم المتحدة تصر على الحوار، وفوق ذلك هناك إصرار أميركي واضح على الحوار وإنجاحه.
الغالب على الظن أن المواقف الدولية الداعية إلى الحوار قد تنجح في رأب الصدع، ودفع الأطراف إلى تقديم تنازلات متبادلة، قطعاً للطريق على الحرب المحتملة وتدخّل دول الجوار، وعدم تشتيت الجهود المبذولة على صعيد محاربة "داعش". وبالتالي، فإن الحوار برعاية دولية إن تحقّق قد يكون بديلاً مناسباً للكرد في تدويل مشكلاتهم مع بغداد، ويخلّصها من التجاهل المديد الذي أبدته بغداد. وبذا يتحقق جزء يسير مما أراده الكرد من الاستفتاء، وهو دفع بغداد إلى القبول بالحوار، وبالتالي الشراكة الحقيقة.
في الأثناء، كان اللقاء الذي جمع الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان بنظيره الإيراني حسن روحاني قائماً على تنشيط المواقف المشتركة لبلديهما في رفض نتائج الاستفتاء والتلويح بفرض "العزلة" على الإقليم، أي فرض الحصار، وربما الاعتماد على التدخل العسكري، لأجل ثني الكرد عن المضيّ نحو الاستقلال، فالمواقف الاستباقية للبلدين تعكس خشيةً حقيقيّة من إمكان إعلان الكرد الاستقلال في أوقات لاحقة، خصوصاً أن الجانب العراقي لا يمكنه مواجهة الكرد منفرداً، فلا الكرد هم كرد عام 1975 إبان انهيار الثورة الكردية بعيد اتفاق الجزائر الذي وقّعته إيران الشاه وعراق البكر - صدّام، وبرعايةٍ من الرئيس الجزائري هوّاري بومدين، والتي أفضت إلى وقف إمداد إيران الكرد بالسلاح، وبالتالي قطع الشريان الحيوي الذي كان يمدّ البشمركة بسبل الاستمرار، ولا العراق كذلك هو العراق الذي تمكّن من محاصرة الثورة الكردية وإخمادها بالاعتماد على القوّة العارية والاتفاقات الإقليمية، فالأحوال القائمة تشير إلى إمكانية أن تتغلب كردستان على العقبات التي قد تأتيها من بغداد، إلّا في حال تدخل الجوار في لعبة شد الحبل بين الإقليم والمركز، فإن ميزان القوى سينحاز لصالح بغداد، وهذا التدخل هو الحاصل في واقع الأمر.
لم تنفع البراغماتية التي اتبعها الإقليم مع جواره التركي والإيراني، عبر تشبيك المصالح
تشعر بغداد بالحرج، وكذا كردستان من الانسداد الحاصل، وتوقّف عجلة الحوارات التي كانت قائمة قبل الاستفتاء، إذ إن دخول العامل الخارجي - الإقليمي في الأزمة ساهم في الدفع باتجاه البحث عن بدائل واقعية، تُخرج الإقليم والمركز من هذا الانسداد، ومن المستقبل المجهول الذي ينوس بين الحرب والصدامات العسكرية، وبين قطع العلاقات، وكأن الحالة تجري في دولتين منفصلتين، لا في دولة اتحادية. لذا يصبح من المعقول أن يحتكم الطرفان إلى التفاوض والحوار، لكن ضمن شروطٍ تريح الطرفين. وهذا يعني أن الخصومة قد تدفع الإقليم، وكذا المركز، إلى البحث عن وسائل وأوراق جديدة تقوّي من مركزهما التفاوضي في قادم الأيام، وإلى أن يتحقّق ذلك ستدخل عوامل كثيرة في طبيعة الأزمة.
في ميزان القوى الحاصل، تحتكم بغداد إلى الدستور، وإلى الأوراق القانونية التي تفردها صباح مساء، كما تستقوي بغداد بالدورين، الإيراني والتركي، وتبث خطبهما الرافضة نتيجة الاستفتاء، إلى جانب أن بغداد تتحكم في حصة الإقليم المالية، فضلاً عن أنها تلوّح بإمكانية زج الجيش والحشد الشعبي لاستعادة بعض المناطق التي استعادتها قوّات البشمركة، أي المناطق المعرّفة في الدستور العراقي بأنها "مناطق متنازع عليها"، من دون إغفال دور بغداد التي أوقفت حركة الملاحة الجوّية الدولية إلى مطاري أربيل والسليمانية.
في كفّة الميزان الأخرى، يتكئ الإقليم على نتيجة الاستفتاء الكاسحة، والتي فاقت الـ 90%، إلى جانب إمكانية أن تدفع الأحداث البشمركة إلى إعلان كركوك مدينة كردستانية بحكم الأمر الواقع، كذلك لدى الإقليم علاقات دوليّة جيّدة قد تحدّ من الخطر العسكري الإيراني والتركي داخل حدودها، وبالتالي فإن الجيش ومليشيا الحشد الشعبي لن يكونا بالكفاءة المطلوبة التي تؤهلهما خوض معارك حاسمة في مواجهة البشمركة الكردية.
ما يهم، بدرجة أكبر، هو الموقف الأميركي ومواقف العواصم الغربية من الأزمة الحاصلة،
يبدو أن الإصرار الغربي على الحوار والتفاوض بدل التصعيد المتبادل قد وجد تعبيره الأوّلي على لسان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي تحدّث خلال اللقاء الذي جمعه بضيفه رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، عن إمكانية مساعدة فرنسا في إطلاق حوار بين بغداد وكردستان العراق، وفقاً للدستور العراقي ووحدة العراق، وبما يضمن الاعتراف بحقوق الكرد. ولعل هذا الموقف الغربي قد يجد صدى أوسع في مقبل الأيام، وقد يتفاعل بشكلٍ أكبر، خصوصا أن الأمم المتحدة تصر على الحوار، وفوق ذلك هناك إصرار أميركي واضح على الحوار وإنجاحه.
الغالب على الظن أن المواقف الدولية الداعية إلى الحوار قد تنجح في رأب الصدع، ودفع الأطراف إلى تقديم تنازلات متبادلة، قطعاً للطريق على الحرب المحتملة وتدخّل دول الجوار، وعدم تشتيت الجهود المبذولة على صعيد محاربة "داعش". وبالتالي، فإن الحوار برعاية دولية إن تحقّق قد يكون بديلاً مناسباً للكرد في تدويل مشكلاتهم مع بغداد، ويخلّصها من التجاهل المديد الذي أبدته بغداد. وبذا يتحقق جزء يسير مما أراده الكرد من الاستفتاء، وهو دفع بغداد إلى القبول بالحوار، وبالتالي الشراكة الحقيقة.
مقالات أخرى
19 فبراير 2023
10 ابريل 2022
17 فبراير 2022