04 نوفمبر 2024
هذه الحلول الروسية في سورية
يلفظ الصراع المسلح بين النظام السوري والمعارضة أنفاسه الأخيرة، على ما يظهر، بينما تلوّن روسيا، التي باتت تتحكم بالأوضاع السورية، خريطة سورية الجديدة بعلم تركيا الذي بات ينتصب وسط منطقة خفض التصعيد أخيراً في إدلب، وترسم من خلال ذلك ملامح المرحلة المقبلة، وربما النهائية، لمسار مفاوضات أستانة، قبل المضي في الالتفات إلى تحضيرات المعارضة السياسية ("الهيئة العليا للتفاوض" وضمناً "الائتلاف")، التي تتهيأ لخلع كل لاءاتها، أو اعتراضاتها، السابقة، والجلوس وجهاً لوجه مع المعارضات الأخرى الموزّعة بين القاهرة وموسكو، على طاولة الصياغة النهائية لتفسيرات القرارات الدولية، وفقاً لمتغيرات الصراع على سورية ونتائجه، في هذه المرحلة، والتي أثمرت عن تقسيمات مناطق النفوذ الدولية والإقليمية في سورية للدول الأربع (روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا).
وبينما يحتفل النظام السوري بانتصار وهمي أحرزه من خلال روسيا، ومن خلال التموضعات الدولية والإقليمية الجديدة، وعبر اتفاقات أستانة وغيرها، تنقسم المعارضة بشأن تقييم الاتفاقات التي وقعت تحت ما يسمى "خفض التصعيد". هكذا يرى النظام أن كل تفوّق روسي أو إيراني زيادة في رصيده، ويصبّ في مخطط توسيع دائرة نفوذه، وإعادة السوريين إلى سلطته، ولو تدريجيّاً، وهو ما تصرح به شخصيات على مستويات مختلفة في النظام، عسكرية ودبلوماسية وإعلامية، وتؤكد أن ما تم التوصل إليه في مناطق خفض التصعيد هو مجرد عملية مرحلية،
سيتم بعدها استعادة النظام كامل هذه المناطق، ضاربة عرض الحائط بكل ما تصرّح به الدول الموقّعة/ الضامنة (روسيا وإيران وتركيا). في المقابل، تفعل الجهات ذات الصلة في الفصائل المعارضة الشيء نفسه، إذ بعد مئات الآلاف من الضحايا، تروّج أن انسياقها وراء المخطط الروسي هو لحقن الدماء، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي حاصرها النظام، بمساعدة الدولتين الضامنتين ذاتهما إيران وروسيا، اللتين تسببتا بالشراكة مع النظام في قتل أكثر من نصف مليون من السوريين، وتدمير مدنهم وبناهم، وتشريد الملايين داخل سورية وخارجها.
الأسئلة كثيرة التي يمكن طرحها في سياق ازدواجية المعايير في تقييم أداء المعارضة السورية، السياسي والعسكري. مثلاً، لماذا عندما تحدثت أوساط في المعارضة السياسية، في مراحل سابقة، عن تسويات، تؤدي إلى وقف الصراع المسلح، وتسهّل دخول المساعدات وتهيّئ لقيام حل سياسي، اعتبرت الجهات المسلحة ذاتها، التي توقّع اليوم هذه الاتفاقيات، والتي هي أساساً رفعت شعارات الحرب حتى إسقاط النظام، أن كل من يتحدث عن تسويات وخفض الرايات الملونة (السوداء والبيضاء وما بينهما)/ وغالبيتها تتعارض مع فكر الثورة من أجل الحرية هو في صف النظام، بل طالبت بطرده من المعارضة، بينما تذهب هي (المعارضة المسلحة) اليوم إلى عقد اتفاقات بمضمون أقل شأناً من أن ينتج حلاً سياسياً يقوم على أساس إنهاء نظام الاستبداد، وإقامة نظام ديمقراطي يضمن حقوق المواطنة، والعدالة الإنتقالية؟
ثم ما الذي يمنح القوى المسلحة "صلاحيات فوق وطنية"، على الرغم من تبيّن أن أجنداتها تتبع الدول التي تمولها وليس قيادة المعارضة أو قوى الثورة، أو يمنحها فوق صلاحيات القوى غير المسلحة، والتي تحملت أعباء الحرب المفروضة على الثورة، ودفعت أثماناً باهظة؟ فهل يتعلق الأمر بأن من يملك القوة يملك القرار أيضاً؟ فإذا كانت بعض فصائل المعارضة ترى ذلك هو المعيار، فإنها بذلك لا تسير فقط في ركاب الدول التي تضع ثقتها بها (الدول الضامنة)، بل تسير، أيضاً، بالتوازي مع النظام الذي يرى قدرته على فرض الحل تساوي عدد ضحاياه من الحرب.
ومن هنا، يأتي مبعث الخوف من أن ما تسير نحوه المعارضة المسلحة "الأستانية"، ومن هو في سياقها هو بمثابة نوع من تقاسم أدوار في ظل تقاسم النفوذ على سورية، وبالتالي تطبيق ما أراده النظام منذ البداية، بتحويل ثورة السوريين من ثورةٍ ضد الاستبداد، وضد تغوّل القوى الأمنية على الشعب، ومن أجل التغيير الديمقراطي، إلى مجرد صراع مسلح، وصناعة أمراء حرب يمكن التفاوض معهم على تقسيم الغنائم والنفوذ، وتحويل سلاح مقاومة الظلم إلى جزء من منظومة الظلم والإستبداد، وهذا ما شهدناه في بعض المناطق التي سميت "المحرّرة"، مع التأكيد أن النظام يستدرجهم، في هذه المرحلة، ليقوم بتصفيتهم، منطقة إثر أخرى، تحت شعار فرض سيادة الدولة، في مرحلة أخرى، لأن هذا النظام لا يمكن أن يقبل بغير استرجاع "سورية الأسد" بكل مالها وما عليها.
على ذلك، فإن استفراد الجانب المسلح من المعارضة بعقد الاتفاقيات من دون الاستناد إلى
مرجعية سياسية تضمن الحل، وفق القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية، يسهل على روسيا مشروعها في استبدال تلك القرارات باعتبارها مرجعية دولية. وفي أحسن الأحوال، يحصر قراءتها بحسب المفهوم الروسي لها فقط، أو يضع مكانها سلسلة الاتفاقات الثنائية التي هي أقل من تسوية، وأكثر من إشارة استفهام، فيما يتعلق بمحتواها وغياب آليات تنظيمها وضمانتها.
وقف العمليات القتالية، ووقف القصف، في كل حالاته، هو مصلحة سورية، لكن ليس على حساب ما قامت من أجله الثورة، أو لحساب ملوك الطوائف وأمراء الحرب، ما يعني أن ما انتهينا به إلى خطأ، اتكأ أصلاً على سلسلة من الأخطاء، بدأها النظام بحربه على شعب أعزل، وسار في ركابها من رفع رايات الحرب بأجندةٍ غير وطنية، تقطف ثمارها الدول الممولة دون سواها، ما أوصلنا إلى هذا المأزق، أو هذه النهايات. ولهذا، فإن أي حل لا ينتج نظاما ديمقراطياً، ويأخذ في اعتباره، أيضاً، أن سورية بلد التعدّد والقوميات، هو حل ضد الثورة، وليس من أجلها.
وبينما يحتفل النظام السوري بانتصار وهمي أحرزه من خلال روسيا، ومن خلال التموضعات الدولية والإقليمية الجديدة، وعبر اتفاقات أستانة وغيرها، تنقسم المعارضة بشأن تقييم الاتفاقات التي وقعت تحت ما يسمى "خفض التصعيد". هكذا يرى النظام أن كل تفوّق روسي أو إيراني زيادة في رصيده، ويصبّ في مخطط توسيع دائرة نفوذه، وإعادة السوريين إلى سلطته، ولو تدريجيّاً، وهو ما تصرح به شخصيات على مستويات مختلفة في النظام، عسكرية ودبلوماسية وإعلامية، وتؤكد أن ما تم التوصل إليه في مناطق خفض التصعيد هو مجرد عملية مرحلية،
الأسئلة كثيرة التي يمكن طرحها في سياق ازدواجية المعايير في تقييم أداء المعارضة السورية، السياسي والعسكري. مثلاً، لماذا عندما تحدثت أوساط في المعارضة السياسية، في مراحل سابقة، عن تسويات، تؤدي إلى وقف الصراع المسلح، وتسهّل دخول المساعدات وتهيّئ لقيام حل سياسي، اعتبرت الجهات المسلحة ذاتها، التي توقّع اليوم هذه الاتفاقيات، والتي هي أساساً رفعت شعارات الحرب حتى إسقاط النظام، أن كل من يتحدث عن تسويات وخفض الرايات الملونة (السوداء والبيضاء وما بينهما)/ وغالبيتها تتعارض مع فكر الثورة من أجل الحرية هو في صف النظام، بل طالبت بطرده من المعارضة، بينما تذهب هي (المعارضة المسلحة) اليوم إلى عقد اتفاقات بمضمون أقل شأناً من أن ينتج حلاً سياسياً يقوم على أساس إنهاء نظام الاستبداد، وإقامة نظام ديمقراطي يضمن حقوق المواطنة، والعدالة الإنتقالية؟
ثم ما الذي يمنح القوى المسلحة "صلاحيات فوق وطنية"، على الرغم من تبيّن أن أجنداتها تتبع الدول التي تمولها وليس قيادة المعارضة أو قوى الثورة، أو يمنحها فوق صلاحيات القوى غير المسلحة، والتي تحملت أعباء الحرب المفروضة على الثورة، ودفعت أثماناً باهظة؟ فهل يتعلق الأمر بأن من يملك القوة يملك القرار أيضاً؟ فإذا كانت بعض فصائل المعارضة ترى ذلك هو المعيار، فإنها بذلك لا تسير فقط في ركاب الدول التي تضع ثقتها بها (الدول الضامنة)، بل تسير، أيضاً، بالتوازي مع النظام الذي يرى قدرته على فرض الحل تساوي عدد ضحاياه من الحرب.
ومن هنا، يأتي مبعث الخوف من أن ما تسير نحوه المعارضة المسلحة "الأستانية"، ومن هو في سياقها هو بمثابة نوع من تقاسم أدوار في ظل تقاسم النفوذ على سورية، وبالتالي تطبيق ما أراده النظام منذ البداية، بتحويل ثورة السوريين من ثورةٍ ضد الاستبداد، وضد تغوّل القوى الأمنية على الشعب، ومن أجل التغيير الديمقراطي، إلى مجرد صراع مسلح، وصناعة أمراء حرب يمكن التفاوض معهم على تقسيم الغنائم والنفوذ، وتحويل سلاح مقاومة الظلم إلى جزء من منظومة الظلم والإستبداد، وهذا ما شهدناه في بعض المناطق التي سميت "المحرّرة"، مع التأكيد أن النظام يستدرجهم، في هذه المرحلة، ليقوم بتصفيتهم، منطقة إثر أخرى، تحت شعار فرض سيادة الدولة، في مرحلة أخرى، لأن هذا النظام لا يمكن أن يقبل بغير استرجاع "سورية الأسد" بكل مالها وما عليها.
على ذلك، فإن استفراد الجانب المسلح من المعارضة بعقد الاتفاقيات من دون الاستناد إلى
وقف العمليات القتالية، ووقف القصف، في كل حالاته، هو مصلحة سورية، لكن ليس على حساب ما قامت من أجله الثورة، أو لحساب ملوك الطوائف وأمراء الحرب، ما يعني أن ما انتهينا به إلى خطأ، اتكأ أصلاً على سلسلة من الأخطاء، بدأها النظام بحربه على شعب أعزل، وسار في ركابها من رفع رايات الحرب بأجندةٍ غير وطنية، تقطف ثمارها الدول الممولة دون سواها، ما أوصلنا إلى هذا المأزق، أو هذه النهايات. ولهذا، فإن أي حل لا ينتج نظاما ديمقراطياً، ويأخذ في اعتباره، أيضاً، أن سورية بلد التعدّد والقوميات، هو حل ضد الثورة، وليس من أجلها.