12 اغسطس 2018
أي جديد في الانتخابات المحلية الجزائرية؟
كما كان متوقعًا، لم تحدث نتائج الانتخابات المحلية الجزائرية التي جرت يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أي تغيرات في الخريطة السياسية القائمة في الجزائر، إذ حلّ حزب جبهة التحرير الوطني في المرتبة الأولى، بهيمنته على غالبية مقاعد مجالس البلديات، وحافظ على صدارته في المجالس البلدية، حيث فاز بالأغلبية في 603 بلديات من مجموع 1541 بلدية، وبنسبة 30.56%، وجاء في المرتبة الثانية حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي حصل على الأغلبية في 451 بلدية. وحققت جبهة المستقبل المفاجأة باحتلالها المرتبة الثالثة، وحصلت على الأغلبية في 71 بلدية بنسبة 6.2%، وجاءت الحركة الشعبية الجزائرية في المرتبة الرابعة بفوزها في 62 بلدية بنسبة 5.9%، وحركة مجتمع السلم (الإخوان المسلمين ) 49 بلدية بنسبة 4.92%، وهيمنت جبهة القوى الاشتراكية (البربر أو الأمازيغ) على بلديات منطقة القبائل، حيث معاقلها الرئيسية، إذ فازت في 64 بلدية بنسبة 3.61%، وحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الحزب الأمازيغي الثاني في الجزائر) في 37 بلدية، وحزب فجر جديد 12 وتحالف النهضة والعدالة والبناء على ثماني بلديات. أما بخصوص المجالس الشعبية الولائية، فقد جاء حزب جبهة التحرير الوطني في المرتبة الأولى، بنيله 711 مقعدا، وبنسبة 35.48%، ثم احتل حزب التجمع الوطني الديمقراطي المرتبة الثانية بنحو 527 مقعدا بنسبة 20.30%.
وفيما بلغ عدد الجزائريين المسجلين في قوائم الهيئة الانتخابية 22.88 مليون جزائري، أحصتهم وزارة الداخلية التي تشرف على تنظيم الانتخابات، فإنّ نسبة المشاركة في هذا الاستحقاق الانتخابي بلغت 46.83% في المجالس الشعبية البلدية، و44.96% بالنسبة للمجالس الشعبية الولائية، بينما بلغت نسبة العزوف في هذه الانتخابات 54% من الناخبين الجزائريين.
ومرّة أخرى، أصبح "حزب المقاطعة" الحزب الأول في الجزائر، حسب آراء المحللين
الجزائريين، حيث لم يتوجه ما يقارب 13 مليون ناخب إلى مكاتب التصويت للإدلاء بأصواتهم في هذه الانتخابات. كما تم إلغاء ما يقارب المليوني ورقة تصويت، بسبب عدم احترام ناخبيها ورقة التصويت، أو وضع رموز أخرى داخل الظرف الانتخابي. فالظاهرة الجديدة التي باتت تسيطر على المشهد السياسي الجزائري، وتقلق أركان الدولة الجزائرية وبقية الأحزاب السياسية، المؤيدة للسلطة والمعارضة، تكمن في العزوف الشعبي عن المشاركة الانتخابية، إذ أصبحت فئات واسعة من الشعب الجزائري تتعامل تجاه الاستحقاقات الانتخابية، بنوع من السلبية القاتلة، واللامبالاة، ليقينها التام بأن كل مظاهر المشاركة السياسية لم تعد تحقق الأهداف المرجوة، لا سيما عملية التغيير الحقيقية في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة الجزائرية.
وكان الناخبون الجزائريون الرازحون تحت وطأة غلاء المعيشة يعبرون عن معارضتهم الطبقة السياسية الحاكمة بالصمت ومقاطعة الانتخابات. وكان محللون جزائريون يتوقعون أن يكون الامتناع عن التصويت الرابح الأكبر في هذه الانتخابات. وكان الشعب الجزائري مشغولاً عن الانتخابات بمصاعب الحياة اليومية، والإضرابات، والتضخم الهائل، ناهيك عن الخوف الدائم من تجدد الحرب الأهلية. وبعد السنوات الطويلة من التزوير في الانتخابات، لم يعد الجزائريون يأملون في إصلاح النظام القائم. من هنا حالة اللامبالاة العامة حيال الاستحقاقات الانتخابية، فالذين اعتادوا العزوف الانتخابي هم الغاضبون من سياسات السلطة، وهم من يحمّلونها مسؤولية الظروف الصعبة التي يعيشونها، بسبب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. لذلك فإن عدم الإدلاء بأصواتهم يعتبر خسارة لأحزاب المعارضة التي لا تمتلك قواعد شعبية، وظلت تقتات من كشف عيوب السلطة، ومن ممارسات الأحزاب الموالية في البرلمان، حيث يشرع لفرض أعباء ثقيلة على عموم الجزائريين، وتركت الساحة للحزبين الرئيسيين في البلاد (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي)، باعتبارهما أقوى حزبين في الساحة، حتى ولو كانا واجهة السلطة. ويخدم هذا الوضع، بطبيعة الحال، الأحزاب الدائرة في فلك السلطة، لأن من سيصوت في ظل هذه المعطيات هو الوعاء الانتخابي الذي اعتاد التصويت على أحزاب الموالاة.
ويلمس المراقبون المتابعون للشأن الجزائري تراجع حضور الإسلاميين الذين كانوا يشكلون طرفًا رئيسًا في المعادلة السياسية، وفازوا بأول انتخابات محلية في ظل التعددية السياسية في 12 يونيو/ حزيران 1990، حيث شكل الانتصار التاريخي للجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة حاليًا إلى حد كبير، اقتراعًا ضد نظام الحزب الشمولي الذي فقد مصداقيته أمام الشعب، وتأكيدًا صريحًا على القاعدة الشعبية التي يتمتع بها الإسلام السياسي، بوصفه حزبا جماهيريا.
غير أن سنوات الحرب الأهلية الجزائرية، وتنامي التنظيمات الإرهابية، منذ النصف الثاني من عقد التسعينيات من القرن الماضي، وفي مرحلة ما بعد انتفاضات "الربيع العربي"، شكل
مصدرًا للخوف لدى السلطة والمجتمع الجزائريين، والأحزاب العلمانية، من أن أطروحات الإسلام السياسي تناقض الأفكار الديمقراطية، حيث يفيد الناقدون بأن ثمة مبادئ ديمقراطية أساسية، مثل المساواة بين كل المواطنين، والسماح بالمعارضة، وبناء دولة القانون والمؤسسات، هي مفاهيم غريبة عن الشريعة الإسلامية. وهذا ما جعل الشعب الجزائري أكثر وعيا، بالنظر إلى ما لحق به من أزمات، وهو يعي أن الإسلام ملك للجميع، ولا يمكنه الآن أن يقتنع ببرامج انتخابية وحملات فارغة تحت غطاء الإسلام، وهذا هو السبب في تراجع الإسلاميين واختفائهم من الساحة السياسية.
وفي واقع الجزائر، تفتقد البلاد إلى ثقافة سياسية وديمقراطية في التعاطي والتفاعل مع الاستحقاقات الانتخابية، فالمشاركة لا تعبر عن رضى الشعب وقبوله بها، وانتخابه هذا الحزب أو ذاك لا يعبر بالضرورة عن ولائه له، ومقاطعته الانتخابات لا تعني أنها تصب في وعاء المقاطعين، أو أنه غير راض عن الواقع بما فيه، وسبب ذلك غياب الصراع التنافسي بين الأحزاب السياسية، من أجل إصلاح الإدارة الجزائرية التي ينخرها الفساد، حيث لم يعد يهم هذه الإدارة أن تبقى إدارة ناجحة، وإنما أضحت تعتبر أن نجاحها هو في تمرير العملية الانتخابية، وإنجاحها في الدائرة الثانية، ولو بنسبة ضئيلة من المصداقية، وكذلك الطبقة السياسية ليست معنية بنشر الثقافة السياسية الديمقراطية التي تعبر عن توجهاتها في إصلاح الانتخابات، والارتقاء بها لتكون معبرةً عن الطموحات الشعبية وإرادة الإصلاح الحقيقية، ما يجعل أمل الشعب الجزائري مهدورًا من الانتخابات، سواء التشريعية أو المحلية، بما أنّ نتائجها باتت معروفة سلفًا، ومن دون مفاجآت تذكر، وتصب في مصلحة الحزبين الكبيرين (جبهة التحرير الوطني، وحليفه التجمع الوطني الديمقراطي)، ولن تقود إلى التغيير الديمقراطي الحقيقي وتحسين الخدمات للمواطنين.
وفيما بلغ عدد الجزائريين المسجلين في قوائم الهيئة الانتخابية 22.88 مليون جزائري، أحصتهم وزارة الداخلية التي تشرف على تنظيم الانتخابات، فإنّ نسبة المشاركة في هذا الاستحقاق الانتخابي بلغت 46.83% في المجالس الشعبية البلدية، و44.96% بالنسبة للمجالس الشعبية الولائية، بينما بلغت نسبة العزوف في هذه الانتخابات 54% من الناخبين الجزائريين.
ومرّة أخرى، أصبح "حزب المقاطعة" الحزب الأول في الجزائر، حسب آراء المحللين
وكان الناخبون الجزائريون الرازحون تحت وطأة غلاء المعيشة يعبرون عن معارضتهم الطبقة السياسية الحاكمة بالصمت ومقاطعة الانتخابات. وكان محللون جزائريون يتوقعون أن يكون الامتناع عن التصويت الرابح الأكبر في هذه الانتخابات. وكان الشعب الجزائري مشغولاً عن الانتخابات بمصاعب الحياة اليومية، والإضرابات، والتضخم الهائل، ناهيك عن الخوف الدائم من تجدد الحرب الأهلية. وبعد السنوات الطويلة من التزوير في الانتخابات، لم يعد الجزائريون يأملون في إصلاح النظام القائم. من هنا حالة اللامبالاة العامة حيال الاستحقاقات الانتخابية، فالذين اعتادوا العزوف الانتخابي هم الغاضبون من سياسات السلطة، وهم من يحمّلونها مسؤولية الظروف الصعبة التي يعيشونها، بسبب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. لذلك فإن عدم الإدلاء بأصواتهم يعتبر خسارة لأحزاب المعارضة التي لا تمتلك قواعد شعبية، وظلت تقتات من كشف عيوب السلطة، ومن ممارسات الأحزاب الموالية في البرلمان، حيث يشرع لفرض أعباء ثقيلة على عموم الجزائريين، وتركت الساحة للحزبين الرئيسيين في البلاد (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي)، باعتبارهما أقوى حزبين في الساحة، حتى ولو كانا واجهة السلطة. ويخدم هذا الوضع، بطبيعة الحال، الأحزاب الدائرة في فلك السلطة، لأن من سيصوت في ظل هذه المعطيات هو الوعاء الانتخابي الذي اعتاد التصويت على أحزاب الموالاة.
ويلمس المراقبون المتابعون للشأن الجزائري تراجع حضور الإسلاميين الذين كانوا يشكلون طرفًا رئيسًا في المعادلة السياسية، وفازوا بأول انتخابات محلية في ظل التعددية السياسية في 12 يونيو/ حزيران 1990، حيث شكل الانتصار التاريخي للجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة حاليًا إلى حد كبير، اقتراعًا ضد نظام الحزب الشمولي الذي فقد مصداقيته أمام الشعب، وتأكيدًا صريحًا على القاعدة الشعبية التي يتمتع بها الإسلام السياسي، بوصفه حزبا جماهيريا.
غير أن سنوات الحرب الأهلية الجزائرية، وتنامي التنظيمات الإرهابية، منذ النصف الثاني من عقد التسعينيات من القرن الماضي، وفي مرحلة ما بعد انتفاضات "الربيع العربي"، شكل
وفي واقع الجزائر، تفتقد البلاد إلى ثقافة سياسية وديمقراطية في التعاطي والتفاعل مع الاستحقاقات الانتخابية، فالمشاركة لا تعبر عن رضى الشعب وقبوله بها، وانتخابه هذا الحزب أو ذاك لا يعبر بالضرورة عن ولائه له، ومقاطعته الانتخابات لا تعني أنها تصب في وعاء المقاطعين، أو أنه غير راض عن الواقع بما فيه، وسبب ذلك غياب الصراع التنافسي بين الأحزاب السياسية، من أجل إصلاح الإدارة الجزائرية التي ينخرها الفساد، حيث لم يعد يهم هذه الإدارة أن تبقى إدارة ناجحة، وإنما أضحت تعتبر أن نجاحها هو في تمرير العملية الانتخابية، وإنجاحها في الدائرة الثانية، ولو بنسبة ضئيلة من المصداقية، وكذلك الطبقة السياسية ليست معنية بنشر الثقافة السياسية الديمقراطية التي تعبر عن توجهاتها في إصلاح الانتخابات، والارتقاء بها لتكون معبرةً عن الطموحات الشعبية وإرادة الإصلاح الحقيقية، ما يجعل أمل الشعب الجزائري مهدورًا من الانتخابات، سواء التشريعية أو المحلية، بما أنّ نتائجها باتت معروفة سلفًا، ومن دون مفاجآت تذكر، وتصب في مصلحة الحزبين الكبيرين (جبهة التحرير الوطني، وحليفه التجمع الوطني الديمقراطي)، ولن تقود إلى التغيير الديمقراطي الحقيقي وتحسين الخدمات للمواطنين.