01 نوفمبر 2024
هل يقدر ترامب على حماية انقلاب بن سلمان؟
لم يعد خافيا الدعم الجَليِّ الذي قدمه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في قرارات الأخير التي تجاوزت، أخيرا، السقوف الحمراء في المملكة، وتمثلت باعتقال عشرات الأمراء ورجال الأعمال النافذين، والسطو على أرصدتهم. ويمكن القول بثقة هنا إنه لولا هذا الدعم الذي قدمه ترامب مباشرة، لما كان لابن سلمان، ولا حتى لأبيه الملك، أن ينجحا في إحداث هذا الانقلاب الجذريِّ، سواء في ولاية العهد، بعد إطاحة الأمير محمد بن نايف، في يونيو/ حزيران الماضي، ولا في إزاحة أمراء نافذين من أفرع العائلة الأخرى، كوزير الحرس الوطني، الأمير متعب بن عبد الله، الأسبوع الماضي.
لم يكد يمضي يوم أو يومان، بعد موجة الإطاحات الكبرى بأمراء ورجال دولة وأعمال بارزين في المملكة واعتقالهم، مساء السبت وصباح الأحد الماضيين، حتى كان ترامب يعبر عن تأييده لما جرى ويجري في المملكة. وكالعادة، لم يأت موقف ترامب رسميا عبر البيت الأبيض ولا الخارجية الأميركية، وإنما عبر "تويتر"، وسيلته المفضلة للتواصل والتعبير عن قناعاته ومواقفه التبسيطية. أعلن ترامب أن لديه "ثقة كبيرة في الملك سلمان وولي عهد السعودية". وقال: "هما يعلمان جيدا ما يفعلانه". وأضاف: "بعض الذين يعاملونهم بصرامة كانوا يستنزفون بلدهم سنوات"، وذلك في تبنٍ مباشر للرواية السعودية الرسمية بأن الاعتقالات إنما تأتي في إطار حملة واسعة لمكافحة الفساد. قارن هذا الموقف بموقف وزارة الخارجية الأكثر اتزانا، حيث أعلنت أنها حثت السعودية على مقاضاة المحتجزين بطريقة "عادلة وشفافة". أيضا، نعلم أن مستشار ترامب وصهره، جاريد كوشنر، كان قد زار المملكة قبل أيام من انقلاب القصر، والتقى محمد بن سلمان. وحسب تقارير، فإنه اجتمع به إلى ساعات الصباح الباكر، ما يثير كثيرا من الشكوك والريبة بشأن دور مباشر للبيت الأبيض في ما جرى في السعودية.
مواقف ترامب هنا متسقة مع نهجٍ يتبعه مع السعودية تحت حكم الملك سلمان ونجله، وتحديدا
منذ زار المملكة في مايو/ أيار الماضي، ليخاطب قمة أميركية - عربية/ إسلامية، حشدت له فيها السعودية أكثر من 50 زعيم دولة عربية وإسلامية. ولم تخيب السعودية ضيفها الأميركي، فأعطته عقودا تسليحية وتجارية ونفطية واستثمارية بأكثر من 400 مليار دولار. ورد ترامب الجميل بإعلانه الوقوف مع المملكة والإمارات والبحرين ومصر في حصارهم قطر منذ يونيو/ حزيران الماضي، على الرغم من تحفظات وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين. ويبدو أن ثمة تفاهمات إقليمية أوسع بين ترامب، ودائرته المحيطة، مع الملك السعودي وابنه، بتنسيق إماراتي. ولا يمكن، هنا، قراءة التصعيد السعودي - الأميركي الحالي مع إيران بعيدا عن ذلك. وينطبق الأمر نفسه على انحياز ترامب للسعودية في اليمن، على عكس سلفه، باراك أوباما، ثمَّ هذا التوافق المريب بين الطرفين في لبنان، وتصعيد حدّة النبرة المشتركة نحو إيران وحزب الله، والتي وصلت إلى حد إعلان سعد الحريري استقالته من رئاسة الوزراء من الرياض. هذه تحركات إقليمية كبرى واضح أن إسرائيل ليست بعيدة عنها، وهو ما تكشفه تصريحات ووثائق كثيرة، وهو ما يدفع إلى الاعتقاد أن المنطقة مقبلةٌ على حرب، وربما إعادة هيكلة جذرية، كما حذّر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
ولكن، هل يضمن دعم ترامب التغييرات الجذرية الجارية في السعودية مُلكا سلسا وسيطرة مطلقة لمحمد بن سلمان؟ وهل سيعني هذا الدعم استسلام بقية أفرع العائلة التي تشعر بالغبن الآن، وبأن فرع سلمان سرق منها ما تعتبره حقوقا لها، وصادر مصادر قوتها؟ يشكّك خبراء أميركيون كثيرون في ذلك، فأفرع الأسرة الحاكمة الأخرى لم تهمش فحسب، لصالح بن سلمان، بل تمَّت إهانتها باعتقال رموزها من الأمراء، وربما قتل بعضهم، كما يشاع عن عبد العزيز بن فهد، فضلا عن التسريبات عن إسقاط طائرة نائب أمير منطقة عسير، منصور بن مقرن، نجل ولي العهد الأسبق، والذي أعفاه سلمان من منصبه، في انقلاب أبيض، عام 2015، كما فعل
مع خليفته محمد بن نايف. المشكلة هنا، أنه وكما في حالة حصار قطر، لا يبدو أن مؤسسة الحكم الأميركية متحدة في الموقف مما يجري. عندما تمت إطاحة محمد بن نايف في يونيو/ حزيران الماضي، عبر مسؤولون في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) عن قلقهم وانزعاجهم من ذلك، فقد كان محمد بن نايف شريكا محل ثقة للولايات المتحدة، عندما كان يقود وزارة الداخلية. ويتم التعبير عن القلق بطرق مختلفة اليوم، حيث تناقلت وسائل الإعلام الأميركية تصريحا لمسؤول استخباراتي أميركي كبير سابق، قال فيه: "لا يتبع محمد بن سلمان الإرشادات الصحيحة. أعتقد أنه سيكون خارج الحكم، إن لم يكن أسوأ من ذلك، خلال الأشهر القليلة المقبلة". وحسب مسؤول استخباريِّ أميركي سابق آخر، فإنه نظرا للولاءات في الحرس الوطني، فإن ولي العهد قد يواجه رد فعل قويا. وأضاف: "أجد من الصعب تصديق أنه (الحرس الوطني) سيذعن ببساطة، ويقبل بفرض قيادة جديدة بهذا الشكل التعسفي".
باختصار، الانتقال من شرعية حكم العائلة المالكة، بأفرعها المختلفة، بالتشارك في السعودية، كما كان عليه الحال عقودا، متحالفة مع المؤسسة الدينية الرسمية، إلى شرعية حكم الفرد المطلق، والذي يمثله ولي العهد اليوم، أشبه ما يكون بقفزةٍ إلى المجهول. وحتى مع دعم ترامب البَيِّنِ هنا، لن يعني ذلك، بالضرورة، دعما أميركيا مؤسساتيا، بل قد لا تعارض مؤسسة الحكم الأميركية، في حال ما أدت توازنات القوى الداخلية في المملكة إلى نتيجة مختلفة. أبعد من ذلك، ليس استقرار حكم ترامب نفسه محسوما أميركيا، مع استمرار التحقيق في علاقة حملته بروسيا في الانتخابات الرئاسية. ما يهم أميركا، في الغالب، مجيء أمير تثق به وتعرفه، وقادر على تحقيق الاستقرار في المملكة، أكان محمد بن سلمان أم غيره. أخطر من ذلك، إن دخول المملكة في لعبة محاور إقليمية واسعة تستجدي حربا إقليمية كبرى في المنطقة ستنتهي، من دون شك، بكارثة على المملكة، وعلى الكلِّ العربي. تسير المملكة تحت قيادتها الحالية بعمى تام في سياق حسابات إسرائيلية - أميركية، ليس لنا، نحن العرب، فيها مصلحة في غياب رؤية ومشروع مواز للمشروع الإيراني. ضربت فوضى ترامب الولايات المتحدة، وضربت العالم، وهي تضرب منطقتنا تحديدا. وفي حين يظن بعضهم، وتحديدا في السعودية والإمارات، أنهم لاعبون، فيما الحقيقة أنهم ليس أكثر من بيادق يلعب بها الكبار، حتى تنتهي صلاحيتها، أو حين يصبح ثمن الحفاظ عليها أكبر من المردود المأمول من ورائها. هل يتعظ بعضهم قبل أن تقع الواقعة؟ أشك.
لم يكد يمضي يوم أو يومان، بعد موجة الإطاحات الكبرى بأمراء ورجال دولة وأعمال بارزين في المملكة واعتقالهم، مساء السبت وصباح الأحد الماضيين، حتى كان ترامب يعبر عن تأييده لما جرى ويجري في المملكة. وكالعادة، لم يأت موقف ترامب رسميا عبر البيت الأبيض ولا الخارجية الأميركية، وإنما عبر "تويتر"، وسيلته المفضلة للتواصل والتعبير عن قناعاته ومواقفه التبسيطية. أعلن ترامب أن لديه "ثقة كبيرة في الملك سلمان وولي عهد السعودية". وقال: "هما يعلمان جيدا ما يفعلانه". وأضاف: "بعض الذين يعاملونهم بصرامة كانوا يستنزفون بلدهم سنوات"، وذلك في تبنٍ مباشر للرواية السعودية الرسمية بأن الاعتقالات إنما تأتي في إطار حملة واسعة لمكافحة الفساد. قارن هذا الموقف بموقف وزارة الخارجية الأكثر اتزانا، حيث أعلنت أنها حثت السعودية على مقاضاة المحتجزين بطريقة "عادلة وشفافة". أيضا، نعلم أن مستشار ترامب وصهره، جاريد كوشنر، كان قد زار المملكة قبل أيام من انقلاب القصر، والتقى محمد بن سلمان. وحسب تقارير، فإنه اجتمع به إلى ساعات الصباح الباكر، ما يثير كثيرا من الشكوك والريبة بشأن دور مباشر للبيت الأبيض في ما جرى في السعودية.
مواقف ترامب هنا متسقة مع نهجٍ يتبعه مع السعودية تحت حكم الملك سلمان ونجله، وتحديدا
ولكن، هل يضمن دعم ترامب التغييرات الجذرية الجارية في السعودية مُلكا سلسا وسيطرة مطلقة لمحمد بن سلمان؟ وهل سيعني هذا الدعم استسلام بقية أفرع العائلة التي تشعر بالغبن الآن، وبأن فرع سلمان سرق منها ما تعتبره حقوقا لها، وصادر مصادر قوتها؟ يشكّك خبراء أميركيون كثيرون في ذلك، فأفرع الأسرة الحاكمة الأخرى لم تهمش فحسب، لصالح بن سلمان، بل تمَّت إهانتها باعتقال رموزها من الأمراء، وربما قتل بعضهم، كما يشاع عن عبد العزيز بن فهد، فضلا عن التسريبات عن إسقاط طائرة نائب أمير منطقة عسير، منصور بن مقرن، نجل ولي العهد الأسبق، والذي أعفاه سلمان من منصبه، في انقلاب أبيض، عام 2015، كما فعل
باختصار، الانتقال من شرعية حكم العائلة المالكة، بأفرعها المختلفة، بالتشارك في السعودية، كما كان عليه الحال عقودا، متحالفة مع المؤسسة الدينية الرسمية، إلى شرعية حكم الفرد المطلق، والذي يمثله ولي العهد اليوم، أشبه ما يكون بقفزةٍ إلى المجهول. وحتى مع دعم ترامب البَيِّنِ هنا، لن يعني ذلك، بالضرورة، دعما أميركيا مؤسساتيا، بل قد لا تعارض مؤسسة الحكم الأميركية، في حال ما أدت توازنات القوى الداخلية في المملكة إلى نتيجة مختلفة. أبعد من ذلك، ليس استقرار حكم ترامب نفسه محسوما أميركيا، مع استمرار التحقيق في علاقة حملته بروسيا في الانتخابات الرئاسية. ما يهم أميركا، في الغالب، مجيء أمير تثق به وتعرفه، وقادر على تحقيق الاستقرار في المملكة، أكان محمد بن سلمان أم غيره. أخطر من ذلك، إن دخول المملكة في لعبة محاور إقليمية واسعة تستجدي حربا إقليمية كبرى في المنطقة ستنتهي، من دون شك، بكارثة على المملكة، وعلى الكلِّ العربي. تسير المملكة تحت قيادتها الحالية بعمى تام في سياق حسابات إسرائيلية - أميركية، ليس لنا، نحن العرب، فيها مصلحة في غياب رؤية ومشروع مواز للمشروع الإيراني. ضربت فوضى ترامب الولايات المتحدة، وضربت العالم، وهي تضرب منطقتنا تحديدا. وفي حين يظن بعضهم، وتحديدا في السعودية والإمارات، أنهم لاعبون، فيما الحقيقة أنهم ليس أكثر من بيادق يلعب بها الكبار، حتى تنتهي صلاحيتها، أو حين يصبح ثمن الحفاظ عليها أكبر من المردود المأمول من ورائها. هل يتعظ بعضهم قبل أن تقع الواقعة؟ أشك.