05 نوفمبر 2024
ما العمل لإسقاط "سوتشي"؟
خرج اجتماع أستانة، في نسخته الثامنة، متناغماً مع ما يخطط له ساسة النظام الروسي حيال القضية السورية، حيث حدّد البيان الخامتي للاجتماع يومي 29 و30 يناير/ كانون الثاني موعداً لعقد مؤتمر سوتشي، تحت مسمى "الحوار الوطني السوري"، الذي سيحاول فيه الساسة الروس وضع كل ضغوطهم على المشاركين فيه، من أجل أن تأتي مخرجاته متماهيةً مع رؤيتهم لترسيخ وجودهم الاحتلالي في سورية الذي لا يرون متحققاً مستداماً له إلّا من خلال إعادة إنتاج نظام الأسد المجرم.
ولم يتمادَ الروس في المضي لما يخططونه في سورية إلا بعد تطويع المعارضة، وتمييع مواقفها، حيث جرى تنازل كبير من المعارضة في مؤتمر الرياض 2، عبر ضم ممثلين عن منصتي موسكو والقاهرة، وخصوصاً منصة موسكو التي يعتبر رئيسها أن ليس بين السوريين، بمن فيهم النظام، سوى خصومة سياسية، على الرغم من كل ما ارتكبه النظام من جرائم بشعة بحق غالبية السوريين.
والأهم أن ما جرى في مؤتمر الرياض 2 كان تجاوزاً للهيئة العليا للتفاوض، ولم يشترك أي من السوريين في إعداده أو التحضير له، وعقد تحت ضغوط إقليمية ودولية، وكأن السوريين ليس لهم أطر سياسية ولا مرجعيات. وكان المفترض أن تجتمع الهيئة العليا للتفاوض السابقة، وتقدم جردة حسابٍ لعملها، وتحاسب على تقصيرها إن وجد.
ويكرّر الروس، في أيامنا هذه، الأمر نفسه في التحضير لمؤتمر سوتشي، حيث لم يجر التشاور مع أي طرفٍ سوري، ولم تستشر مؤسسات المعارضة وتشكيلاتها، وغاية مؤتمرهم هي تصوير الصراع في سورية، وكأنه صراع أهلي أو نزاع بين أطراف سورية، بما يعني أن ليس هناك ثورة شعب ضد نظام مستبد. لذلك سمّوه مؤتمر الشعوب السورية في البداية، فالخلاف هو بين شعوب سورية، أي أنه نزاع أهلي، والنظام جزء منه، لذلك يجب جمع كل الأطراف والطوائف والشعوب، من أجل تقديم مسوغات حل روسي، وتظهر روسيا كأنها تريد حل هذا النزاع الأهلي، بإصلاحات أو تعديلات دستورية وانتخابات يفوز بها الأسد. وبالتالي، فإنه مؤتمر سيعقد لتشويه القضية السورية وتصفيتها، بوصفها قضيةً عادلةً لشعب يريد الخلاص من الاستبداد، بالقفز فوق قرارات وبيانات دولية وأممية، وخصوصاً بيان جنيف 1 والقرارين الأممين 2118 و2245، تدعو إلى انتقال سياسي يفكّك النظام القائم، وينقل البلاد إلى ضفة التعدّدية السياسية، وهو ما يحاول النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون إفشاله بكل السبل، بما في ذلك ارتكاب المجازر وعدم إطلاق المعتقلين، واستمرار حصار مئات آلاف المدنيين، خصوصاً في الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، والهجوم على محافظة إدلب، بالتزامن مع هجوم تنظيم داعش عليها.
وسيدعى إلى مؤتمر سوتشي أعضاء من المعارضة ومن النظام وشخصيات صنعتها أجهزة الاستخبارات الروسية وسواها، والغاية الأساسية إيجاد حل روسي، وضرب مسار جنيف التفاوضي، ثم تحويل مخرجات المؤتمر إلى الأمم المتحدة، لتسويغها في مسار جنيف وإعطائها الشرعية. وللأسف هناك شخصيات تدّعي الوقوف في صف المعارضة ستهرول للمشاركة في سوتشي، ولا شك في أن النظام الروسي قادر على جمع متنطعين كثيرين، لأخذ أدوار، والتصدّر الشخصاني.
ويبدو أن مواقف الدول الغربية غير مطمئنة، على الرغم من أن الأطراف التي كانت تدعم المعارضة لا تدعم سوتشي علناً. لكن إذا هرول معارضون سوريون إلى سوتشي، فإنها لن تدافع عن الشعب السوري، على الرغم من أنها ستقول إعلامياً تعارض فيه سوتشي، لكنها في النهاية ستغض النظر عمّا قام به الروس.
ويكشف واقع الحال أن ما وصلنا إليه سببه الأساس أن أطر المعارضة، وتشكيلاتها السياسية، كانت تفتقر إلى العمل السياسي المخطط والمنظم، وكانت تتعامل، خلال الست سنوات السابقة، وفق منطق ردود الأفعال، حيث لم تقم بأي فعل يذكر، ولم تبادر، فلم يكن لديها لا خطط أو استراتيجيات. وبالتالي ليس أمام القوى الحية السورية سوى إمكانية توحيد الجهود لتعزيز العمل على تنظيم مقاومة شعبية طويلة المدى، لها مظلة سياسية، من أجل عدم التفريط بمطالب الشعب السوري وطموحاته، والدفاع عنها، حتى ولو نجح النظام الروسي بتمرير حل صوري لن يدوم طويلاً. وهنا تبرز ضرورة الاتصال بالناس على الأرض، والاتصال بالدول التي يمكن أن تساهم في هذا المجال، من أجل محاولة قلب الطاولة على الساسة الروس، والدعوة التي أطلقها الدكتور برهان غليون إلى عقد مؤتمر حوار وطني سوري بين كل أطياف الشعب السوري، بمساعدة الأمم المتحدة وإشرافها، والتشاور مع الدول غير المطمئنة لما سيفعله النظام الروسي في سوتشي، وخصوصاً الدول الغربية والعربية، التي يمكن أن تلعب دوراً إيجابياً إذا رأت قيام محاولة جديدة وجدّية، للوقوف ضد مخططات الروس. وهذا يعتمد على التنظيم
والمبادرة وإيصال الفكرة إلى عموم السوريين، وقطع الطريق على مؤتمر سوتشي، بعقد مؤتمرٍ ينظمه السوريون، وتبيان أن مؤتمر سوتشي ينظمه طرفٌ لا يخفي دعمه لنظام الأسد المجرم، عسكرياً وسياسياً، ولا يتوقف عن ذلك، بهدف تثبيت النظام وتلميعه.
لدى السوريين إمكانية لتشكيل تيار واسع يبلور مشروعاً سورياً جامعاً ومقاوماً، يمكنه قطع الطريق على سوتشي، ولا يكتفي بالقول إننا لن نذهب إلى سوتشي، بل يعمل على إيجاد بديل، عبر التواصل مع السوريين في الداخل وفي المهجر لبلورة الفكرة، والعمل على عقد مؤتمر حوار وطني بأيدي السوريين. وهدف هذه الطريق عدم السماح للساسة الروس كي يملوا ما يريدون على السوريين، من حيث قوائم المدعوين والمخرجات والمقرّرات.
ويمكن إحباط المخطط الروسي، وإعادة بعث المعارضة وإحيائها، عندما يحس السوريون أنه يمكنهم الأخذ بزمام الأمور، لا أن ينتظروا قرارات الأصدقاء والأعداء، وأن لا ينسوا أن الساسة الروس لم يخفوا عداءهم للمعارضة، خصوصاً وأنهم اشترطوا على من يحضر سوتشي التخلي عن مطلب رحيل الأسد، وعدم طرحه بتاتاً في المؤتمر، بل وراحوا يطالبون المعارضة بعدم استخدام مصطلح النظام السوري، بل الحكومة السورية، أي أن النظام ليس طرفاً بالنسبة إليهم بل حكومة مشروعة. وهذا كله من أجل تثبيت الاحتلال الروسي عبر القواعد العسكرية البرية والبحرية التي يرديون إبقاءها على الأرض السورية 49 سنة، قابلة للتمديد بتواطؤ من النظام. وبالتالي كيف يمكن الوثوق بالروس الذين لم يدينوا، ولو مرة، عنف النظام وعمليات القتل والتعذيب الوحشي التي ارتكبها بحق السوريين؟ وكيف يمكن أن يكون هناك اعتقاد لدى من يسمّون أنفسهم المعارضة بأن هدف سوتشي هو إيجاد حل سياسي، وليس إعادة تلميع النظام وتأهيله، وخصوصاً الأسد، بوصفه الضمانة لاستمرار آلة القمع والقتل؟
ويمكن القول إن الكرة اليوم في ملعب السوريين أنفسهم، والأمر يتوقف على مدى قدرتهم على كسر مخططات الروس والإيرانيين، من خلال محورة العمل الوطني في المرحلة الراهنة حول ضرورة إسقاط "سوتشي" أولاً.
ولم يتمادَ الروس في المضي لما يخططونه في سورية إلا بعد تطويع المعارضة، وتمييع مواقفها، حيث جرى تنازل كبير من المعارضة في مؤتمر الرياض 2، عبر ضم ممثلين عن منصتي موسكو والقاهرة، وخصوصاً منصة موسكو التي يعتبر رئيسها أن ليس بين السوريين، بمن فيهم النظام، سوى خصومة سياسية، على الرغم من كل ما ارتكبه النظام من جرائم بشعة بحق غالبية السوريين.
والأهم أن ما جرى في مؤتمر الرياض 2 كان تجاوزاً للهيئة العليا للتفاوض، ولم يشترك أي من السوريين في إعداده أو التحضير له، وعقد تحت ضغوط إقليمية ودولية، وكأن السوريين ليس لهم أطر سياسية ولا مرجعيات. وكان المفترض أن تجتمع الهيئة العليا للتفاوض السابقة، وتقدم جردة حسابٍ لعملها، وتحاسب على تقصيرها إن وجد.
ويكرّر الروس، في أيامنا هذه، الأمر نفسه في التحضير لمؤتمر سوتشي، حيث لم يجر التشاور مع أي طرفٍ سوري، ولم تستشر مؤسسات المعارضة وتشكيلاتها، وغاية مؤتمرهم هي تصوير الصراع في سورية، وكأنه صراع أهلي أو نزاع بين أطراف سورية، بما يعني أن ليس هناك ثورة شعب ضد نظام مستبد. لذلك سمّوه مؤتمر الشعوب السورية في البداية، فالخلاف هو بين شعوب سورية، أي أنه نزاع أهلي، والنظام جزء منه، لذلك يجب جمع كل الأطراف والطوائف والشعوب، من أجل تقديم مسوغات حل روسي، وتظهر روسيا كأنها تريد حل هذا النزاع الأهلي، بإصلاحات أو تعديلات دستورية وانتخابات يفوز بها الأسد. وبالتالي، فإنه مؤتمر سيعقد لتشويه القضية السورية وتصفيتها، بوصفها قضيةً عادلةً لشعب يريد الخلاص من الاستبداد، بالقفز فوق قرارات وبيانات دولية وأممية، وخصوصاً بيان جنيف 1 والقرارين الأممين 2118 و2245، تدعو إلى انتقال سياسي يفكّك النظام القائم، وينقل البلاد إلى ضفة التعدّدية السياسية، وهو ما يحاول النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون إفشاله بكل السبل، بما في ذلك ارتكاب المجازر وعدم إطلاق المعتقلين، واستمرار حصار مئات آلاف المدنيين، خصوصاً في الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، والهجوم على محافظة إدلب، بالتزامن مع هجوم تنظيم داعش عليها.
وسيدعى إلى مؤتمر سوتشي أعضاء من المعارضة ومن النظام وشخصيات صنعتها أجهزة الاستخبارات الروسية وسواها، والغاية الأساسية إيجاد حل روسي، وضرب مسار جنيف التفاوضي، ثم تحويل مخرجات المؤتمر إلى الأمم المتحدة، لتسويغها في مسار جنيف وإعطائها الشرعية. وللأسف هناك شخصيات تدّعي الوقوف في صف المعارضة ستهرول للمشاركة في سوتشي، ولا شك في أن النظام الروسي قادر على جمع متنطعين كثيرين، لأخذ أدوار، والتصدّر الشخصاني.
ويبدو أن مواقف الدول الغربية غير مطمئنة، على الرغم من أن الأطراف التي كانت تدعم المعارضة لا تدعم سوتشي علناً. لكن إذا هرول معارضون سوريون إلى سوتشي، فإنها لن تدافع عن الشعب السوري، على الرغم من أنها ستقول إعلامياً تعارض فيه سوتشي، لكنها في النهاية ستغض النظر عمّا قام به الروس.
ويكشف واقع الحال أن ما وصلنا إليه سببه الأساس أن أطر المعارضة، وتشكيلاتها السياسية، كانت تفتقر إلى العمل السياسي المخطط والمنظم، وكانت تتعامل، خلال الست سنوات السابقة، وفق منطق ردود الأفعال، حيث لم تقم بأي فعل يذكر، ولم تبادر، فلم يكن لديها لا خطط أو استراتيجيات. وبالتالي ليس أمام القوى الحية السورية سوى إمكانية توحيد الجهود لتعزيز العمل على تنظيم مقاومة شعبية طويلة المدى، لها مظلة سياسية، من أجل عدم التفريط بمطالب الشعب السوري وطموحاته، والدفاع عنها، حتى ولو نجح النظام الروسي بتمرير حل صوري لن يدوم طويلاً. وهنا تبرز ضرورة الاتصال بالناس على الأرض، والاتصال بالدول التي يمكن أن تساهم في هذا المجال، من أجل محاولة قلب الطاولة على الساسة الروس، والدعوة التي أطلقها الدكتور برهان غليون إلى عقد مؤتمر حوار وطني سوري بين كل أطياف الشعب السوري، بمساعدة الأمم المتحدة وإشرافها، والتشاور مع الدول غير المطمئنة لما سيفعله النظام الروسي في سوتشي، وخصوصاً الدول الغربية والعربية، التي يمكن أن تلعب دوراً إيجابياً إذا رأت قيام محاولة جديدة وجدّية، للوقوف ضد مخططات الروس. وهذا يعتمد على التنظيم
لدى السوريين إمكانية لتشكيل تيار واسع يبلور مشروعاً سورياً جامعاً ومقاوماً، يمكنه قطع الطريق على سوتشي، ولا يكتفي بالقول إننا لن نذهب إلى سوتشي، بل يعمل على إيجاد بديل، عبر التواصل مع السوريين في الداخل وفي المهجر لبلورة الفكرة، والعمل على عقد مؤتمر حوار وطني بأيدي السوريين. وهدف هذه الطريق عدم السماح للساسة الروس كي يملوا ما يريدون على السوريين، من حيث قوائم المدعوين والمخرجات والمقرّرات.
ويمكن إحباط المخطط الروسي، وإعادة بعث المعارضة وإحيائها، عندما يحس السوريون أنه يمكنهم الأخذ بزمام الأمور، لا أن ينتظروا قرارات الأصدقاء والأعداء، وأن لا ينسوا أن الساسة الروس لم يخفوا عداءهم للمعارضة، خصوصاً وأنهم اشترطوا على من يحضر سوتشي التخلي عن مطلب رحيل الأسد، وعدم طرحه بتاتاً في المؤتمر، بل وراحوا يطالبون المعارضة بعدم استخدام مصطلح النظام السوري، بل الحكومة السورية، أي أن النظام ليس طرفاً بالنسبة إليهم بل حكومة مشروعة. وهذا كله من أجل تثبيت الاحتلال الروسي عبر القواعد العسكرية البرية والبحرية التي يرديون إبقاءها على الأرض السورية 49 سنة، قابلة للتمديد بتواطؤ من النظام. وبالتالي كيف يمكن الوثوق بالروس الذين لم يدينوا، ولو مرة، عنف النظام وعمليات القتل والتعذيب الوحشي التي ارتكبها بحق السوريين؟ وكيف يمكن أن يكون هناك اعتقاد لدى من يسمّون أنفسهم المعارضة بأن هدف سوتشي هو إيجاد حل سياسي، وليس إعادة تلميع النظام وتأهيله، وخصوصاً الأسد، بوصفه الضمانة لاستمرار آلة القمع والقتل؟
ويمكن القول إن الكرة اليوم في ملعب السوريين أنفسهم، والأمر يتوقف على مدى قدرتهم على كسر مخططات الروس والإيرانيين، من خلال محورة العمل الوطني في المرحلة الراهنة حول ضرورة إسقاط "سوتشي" أولاً.