16 أكتوبر 2024
مكارثية على ضفاف السين
لم يقل القضاء بعد كلمته في ما تسمى منذ أسابيع قضية طارق رمضان، أستاذ العلوم الإسلامية في جامعة أكسفورد، بالاتهامات الموجهة له من ناشطة في فرنسا. وعلى الرغم من أن القانون هنا يعتبر المتهم بريئا حتى تثبت إدانته، إلا أن الإعلام، ومنذ تصريح هذه الناشطة، يدينه ويشهّر به، وكأن القانون قال فيه كلمته وأدانه فعلا. لكن هذا الإعلام من "لوفيغارو" إلى "ماريان" ومجلة "شارلي إيبدو" التي نشرت، في المناسبة كاريكاتيرًا مسيئا للمسلمين، إلى أصوات نخبة معروفة تحتل استديوهات ومنصات القنوات والصحف والمجلات، لتعطي دروسا في الأخلاق والقيم، وهي التي لم تتعامل بالطريقة نفسها مع قضايا أخطر مشابهة، كما الحال مع المرشح الرئاسي الاشتراكي السابق، دومينيك شتراوس كان، المعروف لكل الأوساط، وهذه بالذات، بحياته الشخصية المليئة بتصرفاتٍ يدينها القانون، ومنها العمل مع شبكات دعارة، وهو ما حصل مع فضيحته، عشية الترشح للانتخابات عام 2012 في الولايات المتحدة، فقبل أن يدينه القانون الأميركي، دافعت كل هذه الأوساط والمجلات والصحف عنه، وهاجمت المرأة السوداء التي أراد اغتصابها بكل أنواع الشتائم والجمل العنصرية. وقبل ذلك، تدخل الرئيس الفرنسي في حينه، نيكولا ساركوزي، بنفسه للدفاع عن شتراوس كان، بطرد كوميدي إذاعي سخر منه في "سكيتش"، يدعو إلى إطلاق صفارات الإنذار، لكي تنزل النساء إلى المخابئ، عند وصوله إلى أي مكان.
لم يقل أحد من نجوم المشهد الإعلامي، الناعق اليوم ضد طارق رمضان، إنه مع حريه
التعبير، ولم يردد جملة "أنا الكوميدي"، كما أطلقت فيما بعد "أنا شارلي" دفاعا عنه؟ ليس ذلك فحسب، بل إن أصواتاً مشيطنة لرمضان، ومحاربة له منذ سنوات، لها تاريخ معروف بممارساتٍ غير شرعية، يجرّمها القانون، مثل الجنس مع الأطفال. هل تم التشهير بهؤلاء، أو تمت إحالتهم إلى القانون، أو تم طردهم من وظائفهم؟ عين بعضهم في أعلى المؤسسات الإعلامية الفرنسية، وبعضهم يمتلك أهم الصحف مثل "لوموند"؟ ويدعو إلى الاستغراب والعجب في هذه القضية الهجوم الشرس والحاد والتشهير بشخصياتٍ معروفةٍ في المشهد الثقافي والفكري الفرنسي، لمجرّد أنها حاورت مرة طارق رمضان، أو لأنها ألفت معه كتابا أو حضرت معه ندوة، من دون الاهتمام بسمعة فرنسا، وتدهور صورتها في العالم، كما تظهر ذلك مقالات بريطانية وأميركية بشأن هذه القضية، إذ تقوم هذه الأصوات الإعلامية، وعلى طريقة جوزيف مكارثي، النائب الأميركي الذي قام بـ "التطهير الأحمر" أو "ملاحقة السحرة" في طور من الحرب الباردة (1950- 1954) ولاحق ممثلين ورجال سياسة وكتابا وإعلاميين متعاطفين مع الحزب الشيوعي الأميركي، تتهم، من على شاشات القنوات التلفزيونية وفي صفحات المجلات والصحف الأولى، أيدوي بلينيل رئيس تحرير صحيفة ميديا بارت ورئيس تحرير "لوموند" سابقا وباسكال بونيفاس رئيس معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية والمفكر إدغار مورن وآلن غريش وجان لوي بيانكو وإيمانويل تود وفرانسوا بورغا وحوريه بوتيغله ومروان محمد وألكسي باشلي وسهام صباغ وكارولين دوهاس ودانيال أوبونو وبينوا هامون، يتهمونهم فيها "بالتواطؤ الفكري، مع طارق رمضان، حفيد حسن البنا، حتى وصل الحال إلى أن يتصل رئيس الوزراء السابق، إيمانويل فالس، بوزارة الدفاع والخارجية، لكي تقطع هذه الوزارات المساعدات عن معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية، بذريعة أن لرئيسه بونيفاس موقفا متوازنا بشأن القضية الفلسطينية.
ليس ذلك فحسب، بل وجد فالس الذي يتردّد كثيرا على حكومة الاحتلال في فلسطين، منذ خسارة الحزب الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية، عملا جديدا، فقد انضم إلى حلقات الأصوات الإسلاموفوبية، وصرح للإعلام الصهيوني بأن هناك مشكلة إسلام في فرنسا، ومشكلة مسلمين ليضيف إلى سجل تصريحاته المعادية للمسلمين تصريحا إضافيا، لا يقل تطرفا وعنصرية عن تصريحات اليمين المتطرف وأطروحاته. وأمام هذه الهجمة الإعلامية التي شاركت فيها أغلب أجهزة الإعلام الفرنسي ونجوم الصهيونية، لم يتأخر رد هذه الشخصيات المتهمة بالتواطؤ الفكري على الإرهاب الفكري الذي تشنه مجلتا شارلي إيبدو وماريان وصحيفة لوفيغارو، فكتب بونيفاس إن موقفه لن يتغير من القضية الفلسطينية، وإنه ضد كل أشكال العنصرية، سواء مست باليهود أو بالمسلمين الفرنسيين، وإن من حق طارق رمضان أن يقول ما يريد، "حتى لو لا أشاركه رأيه بشأن بعض المواضيع". وخاطب رئيس الوزراء السابق بقوله: لماذا لم يقلقني القضاء أبدا؟ (في إشارة إلى تجريم القضاء الفرنسي المعاداة للسامية). وقال له: لماذا لم تقطع المعونات عن المعهد الذي أديره حينما كنت رئيسا للوزراء؟ وعن كارولين فورست. وكتب بونيفاس "سميتها صاحبة مسلسل الكذب، لكنها لم ترد على توصيفي لها، بينما تردّد، من دون توقف، أن قطر تدفع لي، وأنني إسلامي".
أما إيدوي بلينيل فقد صرح بأنه ليس في حالة حرب مع مجلة شارلي إيبدو التي نشرت عنه
كاريكاتيرا تهزأ به، بل له مواقف مما يجري للعرب والمسلمين الفرنسيين، وما يصيبهم اليوم مشابه لما جرى لليهود قبل الحرب العالمية الثانية (كتابه مع المسلمين)، وقال إن بعضهم يريد تشويه المسلمين، بينما نحن نقول إن من غير الممكن القيام بذلك ضد ديانةٍ ومجموعة وطنية. كما أضاف أن صحيفته "ميديا بارت" سبق أن نشرت تحقيقا حول طارق رمضان، وتأثيره على الشباب المسلم في الضواحي، وتكلمت عنه بكل شفافية. ونشر رمضان فيديو مدته ساعة، يجيب فيه على "ميديا بارت"، لكنني أذهب إلى من يدعوني، كما في ندوة نظمها مواطنونا المسلمون عقب العمليات الإرهابية، وأدنت كل أنواع الحقد والإسلاموفوبيا.
وجدت أوساط فرنسية إسلاموفوبية متطرّفة ومتصهينة في قضية طارق رمضان فرصة ذهبية لتنقض على أسماء فكرية مستقلة، لها مكانتها المؤثرة في المشهد الثقافي الفرنسي، وعلى الفرنسيين، بسبب مواقفهم من الاحتلال الصهيوني، ومن مصير الشعب الفلسطيني والشرعية الدولية، ومن الجالية العربية المسلمة، لتطيح رؤوسهم، وتقصيهم من المشهد الإعلامي والفكري تماما. حاولت هذه الحلقات نفسها قطع رأس كل من يجرؤ على الدفاع عن الحق الفلسطيني في أثناء الانتفاضة الثانية، لكنها لم تنجح، واليوم تعيد الكرة مجدّدا.
قضية طارق رمضان قضية تطهير ثقافي على النمط المكارثي، قبل أن تكون قضية أخلاقية، فهذه النخبة تعرف جيدا أن رمضان بريء، وأن تصريحات الناشطة ضده، ليست إلا عملية تشويه لسمعته لدى العرب والمسلمين، وإسقاط مثله الإيجابي المقنع للمتلقي الفرنسي والأوروبي، ولمنع أي عربي ومسلم من الكلام في المشهد الإعلامي الفرنسي، والإبقاء على برنار هنري ليفي وفينكلكروت والعنصري الإسلاموفوبي إيريك زمور الذي يطالب بتسفير العرب من فرنسا وكارولين فورست المعادية للإسلام بحجة العلمانية، أو أن يكون مسلما وعربيا خادما لمشاريعهم، مثل الإمام المنصب رغما عنه، حسن شلغومي، ومحمد صيفاوي.
لم يقل أحد من نجوم المشهد الإعلامي، الناعق اليوم ضد طارق رمضان، إنه مع حريه
ليس ذلك فحسب، بل وجد فالس الذي يتردّد كثيرا على حكومة الاحتلال في فلسطين، منذ خسارة الحزب الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية، عملا جديدا، فقد انضم إلى حلقات الأصوات الإسلاموفوبية، وصرح للإعلام الصهيوني بأن هناك مشكلة إسلام في فرنسا، ومشكلة مسلمين ليضيف إلى سجل تصريحاته المعادية للمسلمين تصريحا إضافيا، لا يقل تطرفا وعنصرية عن تصريحات اليمين المتطرف وأطروحاته. وأمام هذه الهجمة الإعلامية التي شاركت فيها أغلب أجهزة الإعلام الفرنسي ونجوم الصهيونية، لم يتأخر رد هذه الشخصيات المتهمة بالتواطؤ الفكري على الإرهاب الفكري الذي تشنه مجلتا شارلي إيبدو وماريان وصحيفة لوفيغارو، فكتب بونيفاس إن موقفه لن يتغير من القضية الفلسطينية، وإنه ضد كل أشكال العنصرية، سواء مست باليهود أو بالمسلمين الفرنسيين، وإن من حق طارق رمضان أن يقول ما يريد، "حتى لو لا أشاركه رأيه بشأن بعض المواضيع". وخاطب رئيس الوزراء السابق بقوله: لماذا لم يقلقني القضاء أبدا؟ (في إشارة إلى تجريم القضاء الفرنسي المعاداة للسامية). وقال له: لماذا لم تقطع المعونات عن المعهد الذي أديره حينما كنت رئيسا للوزراء؟ وعن كارولين فورست. وكتب بونيفاس "سميتها صاحبة مسلسل الكذب، لكنها لم ترد على توصيفي لها، بينما تردّد، من دون توقف، أن قطر تدفع لي، وأنني إسلامي".
أما إيدوي بلينيل فقد صرح بأنه ليس في حالة حرب مع مجلة شارلي إيبدو التي نشرت عنه
وجدت أوساط فرنسية إسلاموفوبية متطرّفة ومتصهينة في قضية طارق رمضان فرصة ذهبية لتنقض على أسماء فكرية مستقلة، لها مكانتها المؤثرة في المشهد الثقافي الفرنسي، وعلى الفرنسيين، بسبب مواقفهم من الاحتلال الصهيوني، ومن مصير الشعب الفلسطيني والشرعية الدولية، ومن الجالية العربية المسلمة، لتطيح رؤوسهم، وتقصيهم من المشهد الإعلامي والفكري تماما. حاولت هذه الحلقات نفسها قطع رأس كل من يجرؤ على الدفاع عن الحق الفلسطيني في أثناء الانتفاضة الثانية، لكنها لم تنجح، واليوم تعيد الكرة مجدّدا.
قضية طارق رمضان قضية تطهير ثقافي على النمط المكارثي، قبل أن تكون قضية أخلاقية، فهذه النخبة تعرف جيدا أن رمضان بريء، وأن تصريحات الناشطة ضده، ليست إلا عملية تشويه لسمعته لدى العرب والمسلمين، وإسقاط مثله الإيجابي المقنع للمتلقي الفرنسي والأوروبي، ولمنع أي عربي ومسلم من الكلام في المشهد الإعلامي الفرنسي، والإبقاء على برنار هنري ليفي وفينكلكروت والعنصري الإسلاموفوبي إيريك زمور الذي يطالب بتسفير العرب من فرنسا وكارولين فورست المعادية للإسلام بحجة العلمانية، أو أن يكون مسلما وعربيا خادما لمشاريعهم، مثل الإمام المنصب رغما عنه، حسن شلغومي، ومحمد صيفاوي.
دلالات
مقالات أخرى
27 سبتمبر 2024
02 سبتمبر 2024
16 اغسطس 2024