09 نوفمبر 2024
ترامب أسير القضاء الأميركي
أظهرت انتفاضة القضاء الأميركي ضد الرئيس دونالد ترامب مدى أهمية مبدأ "استقلالية القضاء" عن السياسة والسياسيين. لم تستطع أي قوة قانونية نقض قرارات ترامب سوى القضاء. الملاذ الأخير الذي ركن إليه معارضو ترامب. وإذا كان رافضو قرار الرئيس منع السفر من سبع دول إلى أميركا سعداء بالقرارات القضائية، فإن موقف ترامب بالذات يبقى نموذجاً على طريقة التعاطي بين السلطات في الولايات المتحدة.
وقد أيدت محكمة الاستئناف في سان فرانسيسكو، مساء الخميس، تعليق مرسوم مناهض للهجرة أصدره ترامب، ثم عطّله قضاة في بروكلين وسياتل في وقتٍ سابق. واعتبر القضاة الثلاثة في محكمة الاستئناف، في قرار اتخذوه بالإجماع، أن "الطعن الذي تقدّم به البيت الأبيض مرفوض"، مشدّدين على ضرورة حماية "المصلحة العامة". وخلصوا إلى أن "الإدارة الأميركية لم تبرهن أن استمرار تعليق مرسوم ترامب قد يؤدي إلى انتهاكات خطيرة لأمن الولايات المتحدة".
ردّ فعل ترامب هو الأساس هنا. لم يتحمّل الرجل الخسائر المتلاحقة. قرّر تحدّي الجسم القضائي، مطلقاً العنان لهجومه، الذي كان... إمساكه بهاتفه، ونشره تغريدةً على "تويتر"، مهدّداً بأنه "سيستمر في المواجهة في المحاكم، لأن أمن بلادنا على المحك". ترامب الذي يُجسّد كل مساوئ اليمين في الولايات المتحدة، شخصياً، أو عبر مستشاريه المنتشرين حوله، لم يخرج عن الأطر القانونية في صراعه مع القضاء، ومع كل من يناقض قراراته التنفيذية، في صورةٍ تكرّس مدى اهتمام واشنطن بحماية القضاء العادل، الفاصل في أكثر الملفات حدّة وضراوة.
هذا في الولايات المتحدة التي تشهد تحوّلاً في نمطيتها التقليدية من "جنّة الأحلام" التي يسعى كثيرون إلى بلوغها، إلى "الجزيرة المعزولة" عن العالم، بفعل سياسات ساكن البيت الأبيض الجديد. أما في بعض الدول العربية، فلا يبدو القضاء سوى صورة عن الطبقة الحاكمة، ونسخة "قانونية" منه، يشرّع ما يناسب السياسيين إعلامياً ومالياً وسياسياً، من دون تحقيق الهدف الفعلي له وهو: العدالة.
في لبنان، مثلاً، تبدو آلاف الملفات عالقةً في قصور العدل، لأن أصحابها غير مدعومين من أحد سياسياً، أو أنه يتم التعامل معهم على أسس سياسية وطائفية وطبقية ومناطقية واجتماعية. في سورية، يموت الآلاف في السجون، من دون محاكمات. وفي مصر، يعمل القضاء وفقاً لسير النظم الاستخباراتية في البلاد. وفي دول عربية عدة، يتمّ اعتماد القوانين المشتقة من الشرائع الدينية فقط للحكم، من دون أي تطوير لها، على الرغم من التطور الاجتماعي على مستوى العالم.
قياساً على ذلك، لو كان ترامب عربياً، لسجن كل قاضٍ واجهه، ولأعدم مئات القانونيين والمحتجين، وبدأ يمهّد لمسيرة ديكتاتورية طويلة، مغلّفة بديمقراطية جوفاء. كما كان قد سخّر كل أجهزة الدولة لصالحه للبحث عن كل من كتب ستايتوس على "فيسبوك" ضده أو تغريدةً تناوئه. أيضاً كان قد عمل على تأميم قطاعات، أو دخل شريكاً في قطاعات أخرى، وتسخيرها لصالح عائلته. لكن ترامب لم يفعل ذلك، ولن يفعل ذلك، فالنظام الأميركي أقوى من أن يتحكّم به فردٌ واحد، أو مجموعة واحدة. وإذا كان ترامب، اليميني العنصري، لم يفعل أي شيء غير قانوني في مواجهة قضاء بلاده، فهذا يعني أن "أميركا ـ القانون" باتت أقوى من "أميركا ـ الغرب الأميركي"، بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945). لا مجال لتصفية الحسابات سوى في القضاء، لا في الشوارع.
ترامب، وقبله فرانسوا فيون وجاك شيراك ونيكولا ساركوزي ومارين لوبان في فرنسا، وديفيد كاميرون في بريطانيا، أظهروا أن تحوّل القضاء إلى العنصر الأقوى في بلادهم كافٍ لبناء دولة عادلة، والباقي تفاصيل. لا يمكن وفقاً لهذا التبجّح بوجود دولةٍ قويةٍ، ما لم يكن قضاؤك عادلاً، انظروا إلى روسيا بعد فلاديمير بوتين.
وقد أيدت محكمة الاستئناف في سان فرانسيسكو، مساء الخميس، تعليق مرسوم مناهض للهجرة أصدره ترامب، ثم عطّله قضاة في بروكلين وسياتل في وقتٍ سابق. واعتبر القضاة الثلاثة في محكمة الاستئناف، في قرار اتخذوه بالإجماع، أن "الطعن الذي تقدّم به البيت الأبيض مرفوض"، مشدّدين على ضرورة حماية "المصلحة العامة". وخلصوا إلى أن "الإدارة الأميركية لم تبرهن أن استمرار تعليق مرسوم ترامب قد يؤدي إلى انتهاكات خطيرة لأمن الولايات المتحدة".
ردّ فعل ترامب هو الأساس هنا. لم يتحمّل الرجل الخسائر المتلاحقة. قرّر تحدّي الجسم القضائي، مطلقاً العنان لهجومه، الذي كان... إمساكه بهاتفه، ونشره تغريدةً على "تويتر"، مهدّداً بأنه "سيستمر في المواجهة في المحاكم، لأن أمن بلادنا على المحك". ترامب الذي يُجسّد كل مساوئ اليمين في الولايات المتحدة، شخصياً، أو عبر مستشاريه المنتشرين حوله، لم يخرج عن الأطر القانونية في صراعه مع القضاء، ومع كل من يناقض قراراته التنفيذية، في صورةٍ تكرّس مدى اهتمام واشنطن بحماية القضاء العادل، الفاصل في أكثر الملفات حدّة وضراوة.
هذا في الولايات المتحدة التي تشهد تحوّلاً في نمطيتها التقليدية من "جنّة الأحلام" التي يسعى كثيرون إلى بلوغها، إلى "الجزيرة المعزولة" عن العالم، بفعل سياسات ساكن البيت الأبيض الجديد. أما في بعض الدول العربية، فلا يبدو القضاء سوى صورة عن الطبقة الحاكمة، ونسخة "قانونية" منه، يشرّع ما يناسب السياسيين إعلامياً ومالياً وسياسياً، من دون تحقيق الهدف الفعلي له وهو: العدالة.
في لبنان، مثلاً، تبدو آلاف الملفات عالقةً في قصور العدل، لأن أصحابها غير مدعومين من أحد سياسياً، أو أنه يتم التعامل معهم على أسس سياسية وطائفية وطبقية ومناطقية واجتماعية. في سورية، يموت الآلاف في السجون، من دون محاكمات. وفي مصر، يعمل القضاء وفقاً لسير النظم الاستخباراتية في البلاد. وفي دول عربية عدة، يتمّ اعتماد القوانين المشتقة من الشرائع الدينية فقط للحكم، من دون أي تطوير لها، على الرغم من التطور الاجتماعي على مستوى العالم.
قياساً على ذلك، لو كان ترامب عربياً، لسجن كل قاضٍ واجهه، ولأعدم مئات القانونيين والمحتجين، وبدأ يمهّد لمسيرة ديكتاتورية طويلة، مغلّفة بديمقراطية جوفاء. كما كان قد سخّر كل أجهزة الدولة لصالحه للبحث عن كل من كتب ستايتوس على "فيسبوك" ضده أو تغريدةً تناوئه. أيضاً كان قد عمل على تأميم قطاعات، أو دخل شريكاً في قطاعات أخرى، وتسخيرها لصالح عائلته. لكن ترامب لم يفعل ذلك، ولن يفعل ذلك، فالنظام الأميركي أقوى من أن يتحكّم به فردٌ واحد، أو مجموعة واحدة. وإذا كان ترامب، اليميني العنصري، لم يفعل أي شيء غير قانوني في مواجهة قضاء بلاده، فهذا يعني أن "أميركا ـ القانون" باتت أقوى من "أميركا ـ الغرب الأميركي"، بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945). لا مجال لتصفية الحسابات سوى في القضاء، لا في الشوارع.
ترامب، وقبله فرانسوا فيون وجاك شيراك ونيكولا ساركوزي ومارين لوبان في فرنسا، وديفيد كاميرون في بريطانيا، أظهروا أن تحوّل القضاء إلى العنصر الأقوى في بلادهم كافٍ لبناء دولة عادلة، والباقي تفاصيل. لا يمكن وفقاً لهذا التبجّح بوجود دولةٍ قويةٍ، ما لم يكن قضاؤك عادلاً، انظروا إلى روسيا بعد فلاديمير بوتين.