09 نوفمبر 2024
الخلاف التركي الإيراني تحصيل حاصل
لم يكن بروز الخلاف بين أنقرة وطهران، أخيرا، أمرا دراماتيكيا، بل هو أقرب ما يكون إلى تحصيل حاصل. وقد ساعد استئناف المفاوضات السورية في جنيف، وقبلها الاجتماع الثلاثي الروسي التركي الإيراني في أستانة، على تظهير الخلافات العميقة بالفعل، فإيران تسعى إلى مزيج من حمل المعارضة السورية على الاستسلام، وعلى إلغاء وجودها. ولم يسبق لطهران أن أعلنت التزامها بمرجعية التفاوض، على العكس من أنقرة جارة سورية التي تتمسك بهذه المرجعية، فيما تتمسّك موسكو شكليا بالمرجعية، مع سعيها الدائم والثابت إلى إفراغها من مضمونها، وهو الانتقال السياسي في سورية بوابة للحل وشرطا شارطا له.
وقد دبّ بعض الحرارة في علاقة البلدين، بعد التقارب الروسي التركي صيف 2016. وقد سعت طهران إلى التقرب من تركيا، خشية أن يتم تقارب موسكو وأنقرة، بصورة من الصور، على حسابها، فكانت زيارة وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، إلى أنقرة في أغسطس/ آب الماضي، وما اتسمت به تلك الزيارة من دفء دبلوماسي، تبين أنه كان آنياً وعابرا، ولم يؤسس لتقارب جدي. ومع ذلك، اهتبلت موسكو ما بدا أنه تقارب إيراني تركي، لكي تخرج بصيغة اجتماعي أستانة، بمشاركة قادة عسكريين من المعارضة السورية، وكان الهدف منهما تثبيت وقف إطلاق النار، وهو ما لم تلتزم به موسكو ولا إيران، ولا المليشيات التابعة للأخيرة، ولا النظام في دمشق.
يبدو الخلاف بين الجانبين، من منظور أوسع، على نفوذهما في المنطقة، وهو أمر صحيح جزئيا، إذ إن التنافس على النفوذ أمر مشروع نظرياً، ما دام يراعي أحكام القانون الدولي، غير أن التحفظ التركي، في هذا الصدد، يدور حول الأساليب غير المشروعة التي تنتهجها طهران لبسط نفوذها، من قبيل إنشاء مليشيات محلية وتمويلها، وعلى شاكلة العبث الخطير بنسيج مجتمعات المنطقة. وعموما، يتخذ النفوذ الإيراني طابعا تدخليا فجّا، مع ادعاء الوصاية على المنطقة وشعوبها. وفي ذلك، تتخذ تركيا موقفا قريبا من الموقف العربي الإجمالي بهذا
الخصوص. وما تحدث به وزير الخارجية، مولود جاويش، في ميونخ، وبطريقة صريحة عن مسعى طهران إلى تغيير هوية المجتمعات المذهبية، وخصوصا في سورية والعراق، يأتي متساوقا مع الموقف العربي، ومع موقف عشرات الدول الإسلامية. وفي النهاية، يُستخدم التأجيج الطائفي الذي تعمد إليه طهران لأغراض سياسية، وتعبيراً عن طموح قومي فارسي، كما عبّر عن ذلك الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
حمل الظرف السياسي القائم، كما يبدو، أنقرة على تظهير الخلافات الكامنة، فمفاوضات جنيف السورية تنعقد مجدّدا بعد فشل طهران في نسف المرجعية الدولية، وفي إبطال الحاجة إلى التفاوض. وكان مسؤولون إيرانيون، إضافة إلى أمين عام حزب الله في لبنان السيد حسن نصرالله، قد نعوا الحلول السياسية بعد معركة حلب، وواظبوا على القول إن الحسم العسكري وحده ما يضع حداً للأزمة وحلاً لها. علماً أن وجود إيران ومليشياتها، أربع سنوات على الأقل، لم يؤد إلى أي تغيير في موازين القوى، وهو ما فعلته موسكو بحملتها الجوية والصاروخية المدمرة على حلب المحاصرة.
على نطاق أوسع، أشاع تجدد التعاون التركي الأميركي، في ظل الإدارة الأميركية الجديدة، ارتياحاً واسعاً في أنقرة، بعد موجةٍ من الفتور والتباينات في المواقف بين واشنطن وأنقرة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. وقد رأت أنقرة، على سبيل المثال، أن إطلاق الرئيس دونالد ترامب مشروع مناطق آمنة في سورية، هو بمنزلة تزكية للموقف التركي الذي ظل يطرح هذه الفكرة على الإدارة الأميركية السابقة، من دون أن تلقى قبولا. وبموازاة عودة الحرارة إلى العلاقات الأميركية التركية، شهدت العلاقات الإيرانية الأميركية توتراً حاداً، على خلفية الاتفاق النووي وإطلاق طهران صواريخ باليستية، وقد تصاعدت الخلاف مع اتهامات أركان في الإدارة الجديدة طهران برعاية الإرهاب في المنطقة. وعلى أثر ذلك، اندلعت حرب تصريحات بين طهران وواشنطن. ولنا أن نستذكر أن التقارب التركي الإيراني القصير قد جرى في أجواء ما بعد الانقلاب في تركيا في يوليو/ تموز الماضي، وحيث اتهمت أنقرة حينها واشنطن بممالأة الانقلابيين. في تلك الظروف، حدثت استدارة تركية نحو موسكو، وبدرجة أقل نحو طهران. الآن، تلك الظروف في سبيلها إلى التغير، إن لم تكن قد تغيرت بالفعل. ولم تعد الاندفاعة الإيرانية في المنطقة تقابل بـغض النظر في واشنطن، كما كان عليه الحال لدى إدارة أوباما الذي كان يسعى، مثلاً، إلى حوار إيراني سعودي، بدل اتخاذ موقف حازم من التدخلات الإيرانية الفظة في شؤون المنطقة، دولاً ومجتمعات.
ومن المهم، خلال ذلك، ملاحظة أن أنقرة لم تعمد إلى اتخاذ أية إجراءات بحق طهران،
واكتفت، في هذه الآونة، بتسجيل موقفٍ يندّد بالسياسة المذهبية لطهران، لتحقيق طموحاتٍ قومية توسعية. وهو موقفٌ يُراد منه إيضاح صورة العلاقات مع طهران التي ما زال يكتنفها خلافٌ عميق. وبطبيعة الحال، سوف تنعكس التصريحات التركية لاحقا على مستوى العلاقات باتجاه تخفيضها، بعد أن ثبت لأنقرة أن طهران ترفض مراجعة سياستها التدخلية، أو كبح اندفاعها غير المشروع في المنطقة. وإنها تسعى، خلال ذلك، إلى الإخلال بتوازنات المنطقة، والمساس بالوزن الاستراتيجي لتركيا. وكان مسؤولون إيرانيون، في الحرس الثوري خصوصا، قد دعوا أنقرة، خلال الأسابيع الماضية، لسحب قواتها من سورية، الأمر الذي تجاهلت أنقرة الرد عليه، علماً أن لديها ما تقوله في هذا الصدد، فهي جارة لسورية بحدود طويلة، خلافاً لحال إيران، وهي تستضيف مليونا ونصف مليون سوري على أراضيها، فيما لم تستضف إيران لاجئاً سورياً واحداً، بل تساهم مساهمة عسكرية مباشرة في التنكيل بالسوريين، ودفعهم، بصورةٍ قسرية، إلى اللجوء للخارج، تطبيقا لسياستها في إعادة هندسة المجتمع السوري، بما في ذلك إحداث تغييرات ديمغرافية كبيرة.
ومع الخفض المنتظر في العلاقات بين الجانبين من دون قطعها، ومع الحفاظ على العلاقات الاقتصادية والتنسيق حول المسألة الكردية، فإن العلاقة التركية الإيرانية تأخذ حجمها الطبيعي بغير مبالغاتٍ، وبدون وحدة من هما في حُكم الخصمين.
وقد دبّ بعض الحرارة في علاقة البلدين، بعد التقارب الروسي التركي صيف 2016. وقد سعت طهران إلى التقرب من تركيا، خشية أن يتم تقارب موسكو وأنقرة، بصورة من الصور، على حسابها، فكانت زيارة وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، إلى أنقرة في أغسطس/ آب الماضي، وما اتسمت به تلك الزيارة من دفء دبلوماسي، تبين أنه كان آنياً وعابرا، ولم يؤسس لتقارب جدي. ومع ذلك، اهتبلت موسكو ما بدا أنه تقارب إيراني تركي، لكي تخرج بصيغة اجتماعي أستانة، بمشاركة قادة عسكريين من المعارضة السورية، وكان الهدف منهما تثبيت وقف إطلاق النار، وهو ما لم تلتزم به موسكو ولا إيران، ولا المليشيات التابعة للأخيرة، ولا النظام في دمشق.
يبدو الخلاف بين الجانبين، من منظور أوسع، على نفوذهما في المنطقة، وهو أمر صحيح جزئيا، إذ إن التنافس على النفوذ أمر مشروع نظرياً، ما دام يراعي أحكام القانون الدولي، غير أن التحفظ التركي، في هذا الصدد، يدور حول الأساليب غير المشروعة التي تنتهجها طهران لبسط نفوذها، من قبيل إنشاء مليشيات محلية وتمويلها، وعلى شاكلة العبث الخطير بنسيج مجتمعات المنطقة. وعموما، يتخذ النفوذ الإيراني طابعا تدخليا فجّا، مع ادعاء الوصاية على المنطقة وشعوبها. وفي ذلك، تتخذ تركيا موقفا قريبا من الموقف العربي الإجمالي بهذا
حمل الظرف السياسي القائم، كما يبدو، أنقرة على تظهير الخلافات الكامنة، فمفاوضات جنيف السورية تنعقد مجدّدا بعد فشل طهران في نسف المرجعية الدولية، وفي إبطال الحاجة إلى التفاوض. وكان مسؤولون إيرانيون، إضافة إلى أمين عام حزب الله في لبنان السيد حسن نصرالله، قد نعوا الحلول السياسية بعد معركة حلب، وواظبوا على القول إن الحسم العسكري وحده ما يضع حداً للأزمة وحلاً لها. علماً أن وجود إيران ومليشياتها، أربع سنوات على الأقل، لم يؤد إلى أي تغيير في موازين القوى، وهو ما فعلته موسكو بحملتها الجوية والصاروخية المدمرة على حلب المحاصرة.
على نطاق أوسع، أشاع تجدد التعاون التركي الأميركي، في ظل الإدارة الأميركية الجديدة، ارتياحاً واسعاً في أنقرة، بعد موجةٍ من الفتور والتباينات في المواقف بين واشنطن وأنقرة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. وقد رأت أنقرة، على سبيل المثال، أن إطلاق الرئيس دونالد ترامب مشروع مناطق آمنة في سورية، هو بمنزلة تزكية للموقف التركي الذي ظل يطرح هذه الفكرة على الإدارة الأميركية السابقة، من دون أن تلقى قبولا. وبموازاة عودة الحرارة إلى العلاقات الأميركية التركية، شهدت العلاقات الإيرانية الأميركية توتراً حاداً، على خلفية الاتفاق النووي وإطلاق طهران صواريخ باليستية، وقد تصاعدت الخلاف مع اتهامات أركان في الإدارة الجديدة طهران برعاية الإرهاب في المنطقة. وعلى أثر ذلك، اندلعت حرب تصريحات بين طهران وواشنطن. ولنا أن نستذكر أن التقارب التركي الإيراني القصير قد جرى في أجواء ما بعد الانقلاب في تركيا في يوليو/ تموز الماضي، وحيث اتهمت أنقرة حينها واشنطن بممالأة الانقلابيين. في تلك الظروف، حدثت استدارة تركية نحو موسكو، وبدرجة أقل نحو طهران. الآن، تلك الظروف في سبيلها إلى التغير، إن لم تكن قد تغيرت بالفعل. ولم تعد الاندفاعة الإيرانية في المنطقة تقابل بـغض النظر في واشنطن، كما كان عليه الحال لدى إدارة أوباما الذي كان يسعى، مثلاً، إلى حوار إيراني سعودي، بدل اتخاذ موقف حازم من التدخلات الإيرانية الفظة في شؤون المنطقة، دولاً ومجتمعات.
ومن المهم، خلال ذلك، ملاحظة أن أنقرة لم تعمد إلى اتخاذ أية إجراءات بحق طهران،
ومع الخفض المنتظر في العلاقات بين الجانبين من دون قطعها، ومع الحفاظ على العلاقات الاقتصادية والتنسيق حول المسألة الكردية، فإن العلاقة التركية الإيرانية تأخذ حجمها الطبيعي بغير مبالغاتٍ، وبدون وحدة من هما في حُكم الخصمين.