05 نوفمبر 2024
ترامب وإيران... فات القطار
ترفع حكومات عربية عديدة سقف توقعاتها من التصريحات والتوجهات المعادية لإيران في أوساط الإدارة الأميركية الجديدة، بما يمكن أن يعيد صوغ موازين القوى الإقليمية، ويحجّم النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة.
مشكلة هذه التوقعات أنّها تتجاوز الوقائع على الأرض، وعامل الوقت الذي أصبح في خدمة السياسة الإيرانية، وتتجاهل تراجع الدور الأميركي الفعلي في المنطقة، في العراق وسورية بصورة خاصة، فضلاً عن صعود الدور الروسي الذي اقترن، منذ التدخل العسكري في سورية، بالتحالف مع إيران.
المعضلة التي لا تواجه العرب فقط، بل حتى أي نيات جدية للإدارة الأميركية للاشتباك مع إيران، تتمثل في أنّ أميركا نفسها تتحالف بصورةٍ غير مباشرة، لكنها واقعية مع الإيرانيين على الأرض، وتحديداً في العراق، ما يبدو جلياً في الحرب الحالية في الموصل، فعملياً يقصف الأميركيون من الجو، وإيران بنفوذها في العراق تجني المكاسب على الأرض، ما يجعل أي دور أميركي مناقض في العراق عسكرياً عبثياً، وسياسياً هو دور عاجز تماماً.
فات القطار، أيضاً في سورية، فالإدارة الأميركية تقدم مقاربةً غير واقعية في حربها على إيران من جهة، ونسجها التحالفات مع الروس، من جهة أخرى، في مواجهة تنظيم داعش، فالحرس الثوري الإيراني وحزب الله والمليشيات المرتبطة بها هي، أيضاً، من يجني المكاسب على الأرض، في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، ولن يتخلى الروس من دون مقابل عن إيران، وغير مستعدّين لفك تحالفهم مع إيران، طالما أنّ الأخيرة هي الموجودة على الأرض.
عملياً ومنطقياً، كلام الإدارة الأميركية المعادي لإيران غير متسق ومتناقض، وأحسب أنّ الإيرانيين لا يأخذونه على محمل الجدّ. بالنتيجة الانعكاس المباشر والأكبر له هو على التحضير للانتخابات الرئاسية الإيرانية (المرتقبة في العام المقبل) في إضعاف التيار الإصلاحي، وتعزيز وتقوية فرص مرشحي التيار المحافظ.
يمكن أن يتمحور التدخل الأميركي في التسابق مع الروس والإيرانيين في معركة الرقة، ضد تنظيم داعش، مع وجود تعقيدات التعامل مع الأتراك والأكراد في تلك المنطقة، والمنظمات الإسلامية الأخرى، بصورة خاصة ذات الطابع الإسلامي، أو في الجنوب عبر تعزيز الدعم للقوى القريبة من غرفة الموك، لكنّها تغييراتٌ ليست جوهرية، ولا نوعية على المدى القريب على الأقل، وتواجه تعقيدات متعددة.
الدولة الوحيدة التي يمكن أن يكون تأثير الأميركيين فيها هي اليمن، والصراع العسكري الحالي مع الحوثيين، وهي قد تمثل أولوية لدول الخليج، لكنها ليست بالمستوى نفسه لدى الإيرانيين، هذا من زاوية. ومن زاوية ثانية، الدعم الأميركي - إن كان - للتحالف العربي هو موضع تساؤل، في مدى قدرة الإدارة الأميركية بالفعل على إحداث تحولٍ نوعي في موازين القوى هناك، سواء في السؤال عن المصلحة الأميركية في التورّط أكثر في صراع معقد داخلي، وثانياً في طبيعة التدخل وحجمه ومستواه، ما يطرح شكوكاً جديةً حول أي نياتٍ حقيقية للتدخل في هذا الصراع.
بالنتيجة؛ لم يبن الإيرانيون نفوذهم في المنطقة من لا شيء، إذ زجّوا الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، وبنوا شبكة مليشيات فاعلة، ويخلطون بين الجانبين، الطائفي والسياسي، ولديهم قاعدة متينة من التحالفات الدولية والإقليمية، ودفعوا كلفة كبيرة، حتى خسروا جنرالات من الحرس الثوري الإيراني، وآلافاً من أنصارهم في تلك الحروب، وتعاملوا مع الملفات العراقية والسورية كأنها ملفات داخلية مشتبكة مع المصالح الحيوية الإيرانية، وما يحصدونه اليوم لن يتنازلوا عنه بسهولة، ووقائع على الأرض، وليست مجرد تصريحات صادرة عن البيت الأبيض.
من السذاجة الرهان، إذاً، على دور أميركي مفصلي، يغير هذا الواقع الجديد، إذا لم يكن هنالك تغيير جوهري في المقاربة العربية عموماً لمسائل المنطقة، أو محاولة استعادة النظام الإقليمي القديم، بديناميكياته وقواه الفاعلة، فهنالك مياه كثيرة جرت تحت الأقدام، لن تتغير بمجرد نوايا أو توجهات جديدة لدى "العم سام".
مشكلة هذه التوقعات أنّها تتجاوز الوقائع على الأرض، وعامل الوقت الذي أصبح في خدمة السياسة الإيرانية، وتتجاهل تراجع الدور الأميركي الفعلي في المنطقة، في العراق وسورية بصورة خاصة، فضلاً عن صعود الدور الروسي الذي اقترن، منذ التدخل العسكري في سورية، بالتحالف مع إيران.
المعضلة التي لا تواجه العرب فقط، بل حتى أي نيات جدية للإدارة الأميركية للاشتباك مع إيران، تتمثل في أنّ أميركا نفسها تتحالف بصورةٍ غير مباشرة، لكنها واقعية مع الإيرانيين على الأرض، وتحديداً في العراق، ما يبدو جلياً في الحرب الحالية في الموصل، فعملياً يقصف الأميركيون من الجو، وإيران بنفوذها في العراق تجني المكاسب على الأرض، ما يجعل أي دور أميركي مناقض في العراق عسكرياً عبثياً، وسياسياً هو دور عاجز تماماً.
فات القطار، أيضاً في سورية، فالإدارة الأميركية تقدم مقاربةً غير واقعية في حربها على إيران من جهة، ونسجها التحالفات مع الروس، من جهة أخرى، في مواجهة تنظيم داعش، فالحرس الثوري الإيراني وحزب الله والمليشيات المرتبطة بها هي، أيضاً، من يجني المكاسب على الأرض، في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، ولن يتخلى الروس من دون مقابل عن إيران، وغير مستعدّين لفك تحالفهم مع إيران، طالما أنّ الأخيرة هي الموجودة على الأرض.
عملياً ومنطقياً، كلام الإدارة الأميركية المعادي لإيران غير متسق ومتناقض، وأحسب أنّ الإيرانيين لا يأخذونه على محمل الجدّ. بالنتيجة الانعكاس المباشر والأكبر له هو على التحضير للانتخابات الرئاسية الإيرانية (المرتقبة في العام المقبل) في إضعاف التيار الإصلاحي، وتعزيز وتقوية فرص مرشحي التيار المحافظ.
يمكن أن يتمحور التدخل الأميركي في التسابق مع الروس والإيرانيين في معركة الرقة، ضد تنظيم داعش، مع وجود تعقيدات التعامل مع الأتراك والأكراد في تلك المنطقة، والمنظمات الإسلامية الأخرى، بصورة خاصة ذات الطابع الإسلامي، أو في الجنوب عبر تعزيز الدعم للقوى القريبة من غرفة الموك، لكنّها تغييراتٌ ليست جوهرية، ولا نوعية على المدى القريب على الأقل، وتواجه تعقيدات متعددة.
الدولة الوحيدة التي يمكن أن يكون تأثير الأميركيين فيها هي اليمن، والصراع العسكري الحالي مع الحوثيين، وهي قد تمثل أولوية لدول الخليج، لكنها ليست بالمستوى نفسه لدى الإيرانيين، هذا من زاوية. ومن زاوية ثانية، الدعم الأميركي - إن كان - للتحالف العربي هو موضع تساؤل، في مدى قدرة الإدارة الأميركية بالفعل على إحداث تحولٍ نوعي في موازين القوى هناك، سواء في السؤال عن المصلحة الأميركية في التورّط أكثر في صراع معقد داخلي، وثانياً في طبيعة التدخل وحجمه ومستواه، ما يطرح شكوكاً جديةً حول أي نياتٍ حقيقية للتدخل في هذا الصراع.
بالنتيجة؛ لم يبن الإيرانيون نفوذهم في المنطقة من لا شيء، إذ زجّوا الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، وبنوا شبكة مليشيات فاعلة، ويخلطون بين الجانبين، الطائفي والسياسي، ولديهم قاعدة متينة من التحالفات الدولية والإقليمية، ودفعوا كلفة كبيرة، حتى خسروا جنرالات من الحرس الثوري الإيراني، وآلافاً من أنصارهم في تلك الحروب، وتعاملوا مع الملفات العراقية والسورية كأنها ملفات داخلية مشتبكة مع المصالح الحيوية الإيرانية، وما يحصدونه اليوم لن يتنازلوا عنه بسهولة، ووقائع على الأرض، وليست مجرد تصريحات صادرة عن البيت الأبيض.
من السذاجة الرهان، إذاً، على دور أميركي مفصلي، يغير هذا الواقع الجديد، إذا لم يكن هنالك تغيير جوهري في المقاربة العربية عموماً لمسائل المنطقة، أو محاولة استعادة النظام الإقليمي القديم، بديناميكياته وقواه الفاعلة، فهنالك مياه كثيرة جرت تحت الأقدام، لن تتغير بمجرد نوايا أو توجهات جديدة لدى "العم سام".