01 يناير 2024
"درع فرات" أردنية في سورية
قصف الطيران الأردني أوائل فبراير/ شباط الحالي، ولأول مرّة منذ سنة تقريباً، مواقع لتنظيم داعش في جنوب سورية، بالتزامن مع شيوع أنباء عن تفكير عمّان بعملية درع فرات أردنية، في المنطقة نفسها، وقد حصل هذا بعد أيام قليلة من زيارة العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، لموسكو وواشنطن. وقد سمع كلاماً مهماً من القيادة الروسية عن توجهات سياساتها وخلافاتها مع طهران وحشدها بل حشودها الشعبية في سورية.
لماذا تغير، أو بالأحرى تطور، الموقف الأردني؟ وما علاقة ذلك، ليس فقط بجولة الملك الخارجية، وإنما بالمتغيرات والتطورات في سورية، كما في واشنطن بعد تسلّم الرئيس المنتخب مقاليد السلطة منذ أربعة أسابيع تقريباً؟
لا شك في أن الأردن فكّر، منذ فترة طويلة، في تنفيذ عملية عسكرية على غرار "درع الفرات" في مناطق الجنوب، بالتعاون أو بالاعتماد على الجيش الحرّ لمواجهة تنظيم داعش، ومنعه من تهديد الأمن الأردني، كما لإقامة منطقة آمنة لاستيعاب اللاجئين، ولتكريس دور الأردن في القضية السورية وتسريع فرصة التوصل إلى حلّ سياسي عادل للقضية السورية، وفق إعلان جنيف نصّاً وروحاً. غير أن الأردن لا يملك مقدرات تركيا وقوتها، لكي يقوم منفرداً بتنفيذ عملية عسكرية ودعمها، وإقامة منطقة آمنة أو عازلة، وتكريس دوره سورياً رغماً عن واشنطن أو وضعها تحت الأمر الواقع، وهو بالمناسبة ما فعلته السعودية في عملية "عاصفة الحزم" في اليمن، عندما دافعت عن أمنها ومصالحها، رغماً عن إدارة أوباما ومواقفها المتناغمة مع طهران وحشودها الشعبية في طول المنطقة وعرضها.
إلى ذلك، فإن القيام بعملية على غرار "درع الفرات" لا يقتضي قوة سياسية وعسكرية فقط، وإنما اقتصادية أيضاً لجهة الإشراف على مناحي الحياة المختلفة في المناطق التي يتم طرد "داعش" منها، وتأسيس بنى تحتية جدية ومحترمة في السياق الاقتصادي الاجتماعي التعليمي الصحي الأمني تماماً، كما فعلت وتفعل تركيا في مناطق "درع الفرات"، وهو ما يعرف بنموذج جرابلس، حيث لا يتم تدمير المدن والقرى، بل تعميرها، ولا يتم تهجير أهلها والمواطنين، بل إعادتهم إليها.
تبدو الأمور والمعطيات، الآن، مختلفة في واشنطن وموسكو على حد سواء، علماً بأنه على عكس ما يبدو ظاهراً وشكلاً فقط، كانت واشنطن، وما زالت، اللاعب الرئيسي في القضية السورية، بفعلها أو سكونها، وتغاضيها عن أفعال الآخرين وممارساتهم، بضوء أخضر أو برتقالي منها، تماماً كما حصل مع موسكو وطهران.
رفضت واشنطن القديمة فكرة المنطقة الآمنة، أو أي انخراط أردني جدّي في القضية السورية، بسبب سياسة أوباما المنكفئة عن المنطقة، واتباع واشنطن سياسة مهادنة لإيران، ومتغاضية عن نشاطها وسلوكها في المنطقة عموماً، وسورية والعراق تحديداً، طالما أنه لا يتعدّى الخطوط الحمر المرسومة أميركياً، ويندرج ضمن الصفقة الشاملة التي أبرمها أوباما مع طهران عبر الاتفاق النووي، والتي تخلت طهران بموجبها عن مشروعها النووي في مقابل امبراطوريتها الشوفينية، امبراطورية الدم والوهم، كما قال يونس خالصي، مستشار الرئيس الإيراني مرة عن المنطقة. ومع ذلك، جرى دعم الأردن وتحصينه سياسياً عسكرياً اقتصادياً وأمنياً، وبذلت جهود أميركية جدية لحمايته وتقليص الآثار السلبية لمعادلة "الأسد أو نحرق سورية" التى تم تحديثها من حلفاء النظام، لتصبح "الأسد أو نحرق المنطقة".
التدخل أو الاحتلال الروسي لسورية في سبتمبر/ أيلول العام قبل الماضي تضمن تفاهماً غير معلن مع الأردن، لحظ عدم اتباع موسكو الخيار الشيشاني في المنطقة الجنوبية، بما يراكم مزيداً من الأعباء على الأردن، أمنياً واقتصادياً واجتماعياً، مع موجات كثيفة أخرى من النزوح واللاجئين، في مقابل تهدئة الجبهة، والحفاظ على خطوط القتال، كما كانت قبل التدخل الروسي.
تغيرت الأمور، الآن، بشكل جذري تقريباً من واشنطن وموسكو على حد سواء، فواشنطن تريد الانخراط أكثر في سورية، للتأثير على التسوية السياسية فيها، كما لمواجهة المدّ الإيراني، وتخفيف أضرار الكارثية لاتفاق أوباما معها، و لزيادة إمكاناتها وقدراتها في مواجهة "داعش". يعتقد المتنفذون في إدارة ترامب أنه لا إمكانية لهزيمة "داعش"، من دون انخراط أكثر فاعلية في القضية السورية، ومن دون تحجيم إيران، وأدواتها وحشودها الشعبية في طول المنطقة وعرضها.
أما موسكو فتريد أيضاً تسوية سياسية على أساس مصالحها، وما فرضته من وقائع بعد تدخلها الاحتلالي، وهي فهمت طبعاً أن من المستحيل تعميم الخيار الشيشاني على كامل الأراضي السورية، وبعد ما اعتقدت أنها حصلت على علامة انتصارٍ إثر تدمير حلب، تريد العمل الآن باتجاه تسويةٍ مناسبة، وتعتقد أن وجود الأردن ضروري لعوامل جيوسياسية، ولاستغلال نفوذه وعلاقاته في المنطقة الجنوبية من سورية، وربما هي تعتقد أيضاً أن الأردن لن يطرح مطالب كثيرة أو معقدة أو يفاوض، ويناقش موسكو على الخطة نفسها، وليس فقط تنفيذ دوره فيها، وفق السيناريو المرسوم روسياً.
في كل الأحوال، سيسعى الأردن إلى أن يكون لاعباً مهماً في القضية السورية، سيتساوق مع السياسة الأميركية الجديدة. ومع تنامي خطر "داعش" على الأمن الوطني، وتزايد عملياته في العمق الأردني في الفترة الأخيرة، ستكون عمّان متحمسة لفكرة نقل المعركة إلى عمق مناطق سيطرة التنظيم في الأراضى السورية، وهذا لن يحدث في الفراغ، وإنما ضمن بيئة سياسية أمنية، تتعلق بالاعتماد على الجيش الحر، وربما وجود على الأرض للقوات الخاصة الأردنية، مع دعم سياسي وأمني وجوي من التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن.
لن تمانع روسيا، هي الأخرى، أي دور نشط للأردن، طالما أنه سيركز على مقاتلة "داعش"، ولن يهدّد النظام بشكل مباشر، أو يعرقل الخطوط العامة للتسوية السياسية التي تحاول موسكو رسمها، وفرضها على الفرقاء الآخرين، غير أن انخراطاً جديا لواشنطن في القضية السورية، وتمتين تحالفها وتعاونها مع أنقرة والرياض والدوحة في مواجهة "داعش"، والضغط باتجاه تسوية سياسية عادلة، وفق إعلان جنيف وقررات الأمم المتحدة ذات الصلة، فستكون عمان حتماً عندئذ أقرب إلى هذا الفريق، وستمتلك القدرة على مناقشة موسكو في المحدّدات والقواعد التي سعت وتسعى إلى فرضها في سورية، كما أن موسكو ستكون هي نفسها مضطرة لمراجعة سياساتها وحمايتها النظام ومهادنتها المليشيات الأجنبية المدعومة من طهران، وممارساتها المؤذية والضارة في سورية والمنطقة بشكل عام، علماً بأن الملك عبدالله الثاني سمع في موسكو كلاماً من هذا القبيل.
لماذا تغير، أو بالأحرى تطور، الموقف الأردني؟ وما علاقة ذلك، ليس فقط بجولة الملك الخارجية، وإنما بالمتغيرات والتطورات في سورية، كما في واشنطن بعد تسلّم الرئيس المنتخب مقاليد السلطة منذ أربعة أسابيع تقريباً؟
لا شك في أن الأردن فكّر، منذ فترة طويلة، في تنفيذ عملية عسكرية على غرار "درع الفرات" في مناطق الجنوب، بالتعاون أو بالاعتماد على الجيش الحرّ لمواجهة تنظيم داعش، ومنعه من تهديد الأمن الأردني، كما لإقامة منطقة آمنة لاستيعاب اللاجئين، ولتكريس دور الأردن في القضية السورية وتسريع فرصة التوصل إلى حلّ سياسي عادل للقضية السورية، وفق إعلان جنيف نصّاً وروحاً. غير أن الأردن لا يملك مقدرات تركيا وقوتها، لكي يقوم منفرداً بتنفيذ عملية عسكرية ودعمها، وإقامة منطقة آمنة أو عازلة، وتكريس دوره سورياً رغماً عن واشنطن أو وضعها تحت الأمر الواقع، وهو بالمناسبة ما فعلته السعودية في عملية "عاصفة الحزم" في اليمن، عندما دافعت عن أمنها ومصالحها، رغماً عن إدارة أوباما ومواقفها المتناغمة مع طهران وحشودها الشعبية في طول المنطقة وعرضها.
إلى ذلك، فإن القيام بعملية على غرار "درع الفرات" لا يقتضي قوة سياسية وعسكرية فقط، وإنما اقتصادية أيضاً لجهة الإشراف على مناحي الحياة المختلفة في المناطق التي يتم طرد "داعش" منها، وتأسيس بنى تحتية جدية ومحترمة في السياق الاقتصادي الاجتماعي التعليمي الصحي الأمني تماماً، كما فعلت وتفعل تركيا في مناطق "درع الفرات"، وهو ما يعرف بنموذج جرابلس، حيث لا يتم تدمير المدن والقرى، بل تعميرها، ولا يتم تهجير أهلها والمواطنين، بل إعادتهم إليها.
تبدو الأمور والمعطيات، الآن، مختلفة في واشنطن وموسكو على حد سواء، علماً بأنه على عكس ما يبدو ظاهراً وشكلاً فقط، كانت واشنطن، وما زالت، اللاعب الرئيسي في القضية السورية، بفعلها أو سكونها، وتغاضيها عن أفعال الآخرين وممارساتهم، بضوء أخضر أو برتقالي منها، تماماً كما حصل مع موسكو وطهران.
رفضت واشنطن القديمة فكرة المنطقة الآمنة، أو أي انخراط أردني جدّي في القضية السورية، بسبب سياسة أوباما المنكفئة عن المنطقة، واتباع واشنطن سياسة مهادنة لإيران، ومتغاضية عن نشاطها وسلوكها في المنطقة عموماً، وسورية والعراق تحديداً، طالما أنه لا يتعدّى الخطوط الحمر المرسومة أميركياً، ويندرج ضمن الصفقة الشاملة التي أبرمها أوباما مع طهران عبر الاتفاق النووي، والتي تخلت طهران بموجبها عن مشروعها النووي في مقابل امبراطوريتها الشوفينية، امبراطورية الدم والوهم، كما قال يونس خالصي، مستشار الرئيس الإيراني مرة عن المنطقة. ومع ذلك، جرى دعم الأردن وتحصينه سياسياً عسكرياً اقتصادياً وأمنياً، وبذلت جهود أميركية جدية لحمايته وتقليص الآثار السلبية لمعادلة "الأسد أو نحرق سورية" التى تم تحديثها من حلفاء النظام، لتصبح "الأسد أو نحرق المنطقة".
التدخل أو الاحتلال الروسي لسورية في سبتمبر/ أيلول العام قبل الماضي تضمن تفاهماً غير معلن مع الأردن، لحظ عدم اتباع موسكو الخيار الشيشاني في المنطقة الجنوبية، بما يراكم مزيداً من الأعباء على الأردن، أمنياً واقتصادياً واجتماعياً، مع موجات كثيفة أخرى من النزوح واللاجئين، في مقابل تهدئة الجبهة، والحفاظ على خطوط القتال، كما كانت قبل التدخل الروسي.
تغيرت الأمور، الآن، بشكل جذري تقريباً من واشنطن وموسكو على حد سواء، فواشنطن تريد الانخراط أكثر في سورية، للتأثير على التسوية السياسية فيها، كما لمواجهة المدّ الإيراني، وتخفيف أضرار الكارثية لاتفاق أوباما معها، و لزيادة إمكاناتها وقدراتها في مواجهة "داعش". يعتقد المتنفذون في إدارة ترامب أنه لا إمكانية لهزيمة "داعش"، من دون انخراط أكثر فاعلية في القضية السورية، ومن دون تحجيم إيران، وأدواتها وحشودها الشعبية في طول المنطقة وعرضها.
أما موسكو فتريد أيضاً تسوية سياسية على أساس مصالحها، وما فرضته من وقائع بعد تدخلها الاحتلالي، وهي فهمت طبعاً أن من المستحيل تعميم الخيار الشيشاني على كامل الأراضي السورية، وبعد ما اعتقدت أنها حصلت على علامة انتصارٍ إثر تدمير حلب، تريد العمل الآن باتجاه تسويةٍ مناسبة، وتعتقد أن وجود الأردن ضروري لعوامل جيوسياسية، ولاستغلال نفوذه وعلاقاته في المنطقة الجنوبية من سورية، وربما هي تعتقد أيضاً أن الأردن لن يطرح مطالب كثيرة أو معقدة أو يفاوض، ويناقش موسكو على الخطة نفسها، وليس فقط تنفيذ دوره فيها، وفق السيناريو المرسوم روسياً.
في كل الأحوال، سيسعى الأردن إلى أن يكون لاعباً مهماً في القضية السورية، سيتساوق مع السياسة الأميركية الجديدة. ومع تنامي خطر "داعش" على الأمن الوطني، وتزايد عملياته في العمق الأردني في الفترة الأخيرة، ستكون عمّان متحمسة لفكرة نقل المعركة إلى عمق مناطق سيطرة التنظيم في الأراضى السورية، وهذا لن يحدث في الفراغ، وإنما ضمن بيئة سياسية أمنية، تتعلق بالاعتماد على الجيش الحر، وربما وجود على الأرض للقوات الخاصة الأردنية، مع دعم سياسي وأمني وجوي من التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن.
لن تمانع روسيا، هي الأخرى، أي دور نشط للأردن، طالما أنه سيركز على مقاتلة "داعش"، ولن يهدّد النظام بشكل مباشر، أو يعرقل الخطوط العامة للتسوية السياسية التي تحاول موسكو رسمها، وفرضها على الفرقاء الآخرين، غير أن انخراطاً جديا لواشنطن في القضية السورية، وتمتين تحالفها وتعاونها مع أنقرة والرياض والدوحة في مواجهة "داعش"، والضغط باتجاه تسوية سياسية عادلة، وفق إعلان جنيف وقررات الأمم المتحدة ذات الصلة، فستكون عمان حتماً عندئذ أقرب إلى هذا الفريق، وستمتلك القدرة على مناقشة موسكو في المحدّدات والقواعد التي سعت وتسعى إلى فرضها في سورية، كما أن موسكو ستكون هي نفسها مضطرة لمراجعة سياساتها وحمايتها النظام ومهادنتها المليشيات الأجنبية المدعومة من طهران، وممارساتها المؤذية والضارة في سورية والمنطقة بشكل عام، علماً بأن الملك عبدالله الثاني سمع في موسكو كلاماً من هذا القبيل.