05 نوفمبر 2024
العرب وتفكيك النظام الجيوستراتيجي؟
لم يعد جوزف ستيغلز، الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد يكتفي بالأرقام في اقتفاء آثار العالم الجديد، بل وجد أن جزءاً أساسيا منه يتم في بواطن الاستراتيجية. وهو، على عكس اقتصاديين مرموقين عديدين، لم يخْتلِ بالأرقام في الغرف المكيفة للثراء العالمي، بل يرى أن من واجبه أن يقول حقيقة ما يحدث في العالم، باللغة التي يجيدها العالم، أي خريطة سياسته.
ولهذا السبب، من بين أسباب أخرى، عندما تريد المنابر الدولية التي تصنع جزءاً من القرار الدولي أن تنفذ إلى أعماق هذا العالم المتموّج، منذ مجيء دونالد ترامب إلى قيادته، تسعى إلى استنطاقه.
وعن سؤال "هل يمكن لأميركا دونالد ترامب، أن تتملص من المساهمة في الحكامة الدولية" الذي طرحته الصحافيتان الفرنسيتان، ماري دو فيرجيس وماري شاريل، كان جواب الاقتصادي إن ترامب يقوم الآن بتدمير النظام الجيوستراتيجي العالمي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث أن الولايات المتحدة الأميركية ستتقوقع الآن على نفسها بعيدا عن المجموعة الدولية.
هذا النظام الجيوستراتيجي القادم، على الرغم من كل نتوءاته، لا يعجب دونالد ترامب، وفريقه القادم معه. وهو نظام يريد أن يفكّكه ويجعله ينهار، بالتقوقع على أميركا التي ستقلد كوريا الشمالية، وتغلق العالم في وجه نفسها، لكي تبقى الأيدولوجيا الانعزالية، لا سيما في الجانب الاقتصادي، هي السائدة.
غير أن مقومات النظام الجيوستراتيجي ليست كلها أرقاما اقتصادية، بل هناك تحولات يحضر فيها نظام جنيني، تحاول بناءه الدول الصاعدة، من قبيل البرازيل والهند والصين، وهي الدول التي قال عنها غاييل جيرو، رئيس القسم الاقتصادي في الوكالة الفرنسية للتنمية، إنها في طور وضع لبنات أبناكها الخاصة للتنمية، وتكدّ من أجل تقليص تبعيتها للنظام العالمي الذي ولد من نظام بروتون وودز، كناية عن مؤتمر النقد الدولي الذي عقد في 1944 في غابات بريتون في نيوهامبشر في الولايات المتحدة، ونتج عنه تأسيس نظام الصرف الأجنبي في مرحلة ما بعد الحرب وإنشاء صندوق النقد الدولي، إضافة إلى نظام ثابت للصرف الأجنبي. ومعنى ذلك، بالنسبة له أن عهد ترامب يمكنه أن يتيح اندفاعة جديدة للصين، لكي تصبح رائدة هذه الدول الصاعدة، وبالتالي يمكنها بناء نظام دولي على طريقتها.
فيما من بين هذه الدول ليست هناك أي دولة شرق أوسطية، أو أفريقية بالأحرى، عربية أو إسلامية، وبالتالي، فإن النظام العالمي الجديد الذي تنبأ له ستيغلز بالانهيار لن يكون فيه أي وجود حقيقي لدول شعوب منطقة العرب، كما أن النظام الذي يولد اليوم، بناء على صياغة جديدة للمصالح والعلاقات الاقتصادية والاستراتيجية، يولد بدون العرب. لا هم في عالم يسير نحو الماضي، ولا في عالم يسير نحو المستقبل.
تابعنا الضجة الدولية، والداخلية في دول العالم الغربي وأميركا من قرار دونالد ترامب، وقف الهجرة، ولم نلحظ، لا في أوساط الشعوب، ولا في أوساط المنظمات الأهلية والمهنية، أي رد فعل قوي، بحجم ما رأيناه حتى في قلب أميركا وأوروبا.
سيحتفظ هذا النـظام العالمي، بسجلات الهجرة، كجزء من هياكله، وجزء من فلسفته العامة كأحد الأعمدة التي قام عليها منذ الحرب العالمية الثانية: أولا، في إعادة بناء الاقتصاديات التي أنهكتها الحرب الأولى ثم الثانية. ثانياً، مركزيتها في الانقلابات الكبرى في أنظمة التعاون الدولي، بعد انفتاح اقتصاديات العولمة على التكتلات الكبرى، منذ نهاية القرن الماضي، ثم مع بروز الحاجة إلى بناء كوكب جديد، منذ انهيار معسكر الشرق الستاليني، وميلاد الديمقطرايات الشرقية، في آسيا وأوروبا. ولعل الجوهري، في هذا كله هو الاتفاق الدولي حول الحق، بناء على الأرض، حق الأرض في بناء الهوية العالمية للإنسان، بعد أن كان حق الدم هو محدّد الانتماء.
وعلى الرغم من أن دولا عربية وإسلامية كانت متأثرة سلبا بما يعيد بناءه النظام الأميركي الجديد، فإن الحركة الاحتجاجية الرسمية والشعبية لم تلتقط هذا الحماس العالمي لفائدة المهاجرين. ومن شأن سؤال أين سيقيم العرب بعد تفكيك النظام الجيوستراتيجي القائم أن يتخذ صيغة الحياة والموت.
أولا، خرجت دول شرق المتوسط وغربه من أية معادلات إقليمية، بعد تفكك كثير منها ودخول الباقي منطقة التردّد والشك، بفعل الانفلاتات العرقية تارة، أو بسبب الفشل في ضمان الحد الأدنى من الانتقال الديمقراطي، بدون تفكك الدول، وبالحفاظ على الوجود في مستوياته الأولية: الحدود، الأرض السيادة الصراع السلمي.
ثانيا، لم تقرأ الدول المعنية تحولات ما يحدث، سواء قبل الحروب الداخلية أو بعدها، وتوجهات الريح الاستراتيجية مع باراك أوباما قبلا، ثم مع مجيء الرئيس الجديد.
ثالثاً، لم تنتبه إلى أنها جزء من موضوعٍ لا تأثير لها فيه، بقدر ما أنه لا معنى لسؤال بقاء الأنظمة القائمة، من الآن فصاعدا مع انهيار النظام الجيوستراتيجي القائم، كما حذّرت منه تحليلات جوزيف ستيغلز. والواضح أن الدول في شرق المتوسط وغربه ستبقى على قارعة أي نظام يولد، لأنها لم تمتلك، إلى حدود الساعة، سلطة تحديد مكانها فيه، وأيضا أسئلتها الخاصة، بعيدا عن رهانات السلطة وديمومة الأنظمة، ناهيك عن غياب أسئلة التنمية الطويلة المدى، والديمقراطية المنتجة، والتعدّد الحضاري المطلوب في التسويات التاريخية الكبرى بين مكونات هذه البلدان.
ولهذا السبب، من بين أسباب أخرى، عندما تريد المنابر الدولية التي تصنع جزءاً من القرار الدولي أن تنفذ إلى أعماق هذا العالم المتموّج، منذ مجيء دونالد ترامب إلى قيادته، تسعى إلى استنطاقه.
وعن سؤال "هل يمكن لأميركا دونالد ترامب، أن تتملص من المساهمة في الحكامة الدولية" الذي طرحته الصحافيتان الفرنسيتان، ماري دو فيرجيس وماري شاريل، كان جواب الاقتصادي إن ترامب يقوم الآن بتدمير النظام الجيوستراتيجي العالمي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث أن الولايات المتحدة الأميركية ستتقوقع الآن على نفسها بعيدا عن المجموعة الدولية.
هذا النظام الجيوستراتيجي القادم، على الرغم من كل نتوءاته، لا يعجب دونالد ترامب، وفريقه القادم معه. وهو نظام يريد أن يفكّكه ويجعله ينهار، بالتقوقع على أميركا التي ستقلد كوريا الشمالية، وتغلق العالم في وجه نفسها، لكي تبقى الأيدولوجيا الانعزالية، لا سيما في الجانب الاقتصادي، هي السائدة.
غير أن مقومات النظام الجيوستراتيجي ليست كلها أرقاما اقتصادية، بل هناك تحولات يحضر فيها نظام جنيني، تحاول بناءه الدول الصاعدة، من قبيل البرازيل والهند والصين، وهي الدول التي قال عنها غاييل جيرو، رئيس القسم الاقتصادي في الوكالة الفرنسية للتنمية، إنها في طور وضع لبنات أبناكها الخاصة للتنمية، وتكدّ من أجل تقليص تبعيتها للنظام العالمي الذي ولد من نظام بروتون وودز، كناية عن مؤتمر النقد الدولي الذي عقد في 1944 في غابات بريتون في نيوهامبشر في الولايات المتحدة، ونتج عنه تأسيس نظام الصرف الأجنبي في مرحلة ما بعد الحرب وإنشاء صندوق النقد الدولي، إضافة إلى نظام ثابت للصرف الأجنبي. ومعنى ذلك، بالنسبة له أن عهد ترامب يمكنه أن يتيح اندفاعة جديدة للصين، لكي تصبح رائدة هذه الدول الصاعدة، وبالتالي يمكنها بناء نظام دولي على طريقتها.
فيما من بين هذه الدول ليست هناك أي دولة شرق أوسطية، أو أفريقية بالأحرى، عربية أو إسلامية، وبالتالي، فإن النظام العالمي الجديد الذي تنبأ له ستيغلز بالانهيار لن يكون فيه أي وجود حقيقي لدول شعوب منطقة العرب، كما أن النظام الذي يولد اليوم، بناء على صياغة جديدة للمصالح والعلاقات الاقتصادية والاستراتيجية، يولد بدون العرب. لا هم في عالم يسير نحو الماضي، ولا في عالم يسير نحو المستقبل.
تابعنا الضجة الدولية، والداخلية في دول العالم الغربي وأميركا من قرار دونالد ترامب، وقف الهجرة، ولم نلحظ، لا في أوساط الشعوب، ولا في أوساط المنظمات الأهلية والمهنية، أي رد فعل قوي، بحجم ما رأيناه حتى في قلب أميركا وأوروبا.
سيحتفظ هذا النـظام العالمي، بسجلات الهجرة، كجزء من هياكله، وجزء من فلسفته العامة كأحد الأعمدة التي قام عليها منذ الحرب العالمية الثانية: أولا، في إعادة بناء الاقتصاديات التي أنهكتها الحرب الأولى ثم الثانية. ثانياً، مركزيتها في الانقلابات الكبرى في أنظمة التعاون الدولي، بعد انفتاح اقتصاديات العولمة على التكتلات الكبرى، منذ نهاية القرن الماضي، ثم مع بروز الحاجة إلى بناء كوكب جديد، منذ انهيار معسكر الشرق الستاليني، وميلاد الديمقطرايات الشرقية، في آسيا وأوروبا. ولعل الجوهري، في هذا كله هو الاتفاق الدولي حول الحق، بناء على الأرض، حق الأرض في بناء الهوية العالمية للإنسان، بعد أن كان حق الدم هو محدّد الانتماء.
وعلى الرغم من أن دولا عربية وإسلامية كانت متأثرة سلبا بما يعيد بناءه النظام الأميركي الجديد، فإن الحركة الاحتجاجية الرسمية والشعبية لم تلتقط هذا الحماس العالمي لفائدة المهاجرين. ومن شأن سؤال أين سيقيم العرب بعد تفكيك النظام الجيوستراتيجي القائم أن يتخذ صيغة الحياة والموت.
أولا، خرجت دول شرق المتوسط وغربه من أية معادلات إقليمية، بعد تفكك كثير منها ودخول الباقي منطقة التردّد والشك، بفعل الانفلاتات العرقية تارة، أو بسبب الفشل في ضمان الحد الأدنى من الانتقال الديمقراطي، بدون تفكك الدول، وبالحفاظ على الوجود في مستوياته الأولية: الحدود، الأرض السيادة الصراع السلمي.
ثانيا، لم تقرأ الدول المعنية تحولات ما يحدث، سواء قبل الحروب الداخلية أو بعدها، وتوجهات الريح الاستراتيجية مع باراك أوباما قبلا، ثم مع مجيء الرئيس الجديد.
ثالثاً، لم تنتبه إلى أنها جزء من موضوعٍ لا تأثير لها فيه، بقدر ما أنه لا معنى لسؤال بقاء الأنظمة القائمة، من الآن فصاعدا مع انهيار النظام الجيوستراتيجي القائم، كما حذّرت منه تحليلات جوزيف ستيغلز. والواضح أن الدول في شرق المتوسط وغربه ستبقى على قارعة أي نظام يولد، لأنها لم تمتلك، إلى حدود الساعة، سلطة تحديد مكانها فيه، وأيضا أسئلتها الخاصة، بعيدا عن رهانات السلطة وديمومة الأنظمة، ناهيك عن غياب أسئلة التنمية الطويلة المدى، والديمقراطية المنتجة، والتعدّد الحضاري المطلوب في التسويات التاريخية الكبرى بين مكونات هذه البلدان.
نعيد السؤال: أين سيقيم العرب بعد تفكيك النظام الجيوستراتيجي القائم؟ في مطارات الدولة الكبرى أم خارج جدار المكسيك؟ في استعارة قاسية عمّا ينتظر الشعوب التي لا تحسن فهم العالم.