07 يوليو 2020
إيران بعيون فلسطينية في "المؤشر العربي"
صدر عن المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات نتائجَ الاستطلاع السنوي "المؤشّر العربيّ" لعام 2016، في مؤتمر صحافي عقدته وحدة قياس الرأي العامّ العربي. وكشف التقرير عن أبرز تحوّلات اتجاهات الرأي العام العربيّ في عام 2016. والمؤشر العربي هو أكبر برنامج بحثي مسحي إحصائي في الوطن العربي، يرصد اتجاهات الرأي العام العربي حول قضايا عديدة تقع في نطاق اهتمام المواطن العربي ومشاغله.
وقد نُفذ الاستطلاع في 12 دولة عربية، واستغرق تنفيذه أكثر من 45 ألف ساعة، وعمل عليه 840 باحثة وباحثاً، وكانت فلسطين ضمن الدول التي تم قياس الرأي العام فيها تجاه مروحة واسعة من القضايا، وفي مقدمها كيف ينظر الفلسطينيون إلى السياسات الخارجية للقوى الإقليمية والدولية الفاعلة. فقد كشفت النتائج عن نظرة سلبية من الفلسطينيين تجاه تلك القوى، فأكثرية المستجيبين قيّموا السياسات الخارجية الصينية والفرنسية والروسية والأميركية بالسلبية، والموقف تجاه الولايات المتحدة الأكثر سلبية، حيث أفاد ما نسبته 90% من الفلسطينيين بأن سياسات واشنطن في المنطقة سلبية، مقابل 1% أفادوا بأنها إيجابية، و7% أفادوا بأنها إيجابية إلى حد ما. أما روسيا فقد توافق ثلاثة أرباع المستجيبين على أن سياسات موسكو سلبية في المنطقة. واللافت أن تقييم السياسات الخارجية لجميع تلك القوى الدولية قد تراجع خلال السنوات الثلاث السابقة، إذ إن 33% من الفلسطينيين كانوا يعتقدون أن سياسات الصين الخارجية تجاه المنطقة سلبية في عام 2014، في حين انحدر التقييم وفق "المؤشر العربي" إلى 42%، واستمر ليصل إلى 53% في عام 2016. ويمكن إرجاع ذلك إلى زيادة تدخلات تلك القوى بطريقة سلبية في إدارة الأزمات الملتهبة، وفي مقدمتها الأزمة السورية، ما يجعل نظرة الفلسطينيين إلى سياسات تلك القوى سلبية.
المميز في التقرير كيف ينظر الفلسطينيون إلى سياسات طهران الخارجية في المنطقة العربية، واختيار إيران هنا يرجع إلى الدور الذي تلعبه طهران في المنطقة بشكل عام، وفي الساحة الفلسطينية خصوصا، من ناحية أن موقف إيران الخارجي الداعم للقضية الفلسطينية، والذي تعبر عنه طهران، في خطابها الدبلوماسي الخارجي، وتأييدها حقوق الفلسطينيين بالتحرّر وإقامة دولتهم المستقلة، ودعمها فصائل فلسطينية، لم يؤثر على اتجاهات الرأي العام الفلسطيني، ما يعني أن الشعب الفلسطيني جزء من الشعوب العربية في المنطقة، وقادر على التمييز بين الخطاب الخارجي الدبلوماسي والسياسات الواقعية التي تقوم بها القوى الإقليمية في الدول العربية. إن لإيران دوراً ونفوذاً في عدد من الدول العربية، وخصوصا سورية والعراق، ومع ذلك استطاع الشارع الفلسطيني أن يميز ما هو واقع وما هو خطاب دبلوماسي خارجي تجاه فلسطين.
جاء تقييم الرأي العام الفلسطيني سياسات طهران الخارجية سلبيا، إذ إن 70% من الفلسطينيين متوافقون على أنها تجاه المنطقة العربية سلبية وسلبية إلى حد ما، بل إن نصف المجتمع الفلسطيني متيقن بأن هذه السياسة سلبية، في مقابل 6% قيّموها بالإيجابية، و15% أفادوا بأنها إيجابية إلى حد ما، الأمر الذي يعني أن نسبة الذين لديهم رأي واضح وقطعي بإيجابية السياسة الإيرانية في المنطقة هي 6%، ويقابل ذلك أكثر من ثمانية أضعافهم، ونسبة 50% عبّروا عن رأي قطعي في سلبية السياسات الإيرانية.
وقد ركز التقرير على دراسة اتجاهات الرأي العام الفلسطيني نحو سياسات إيران الخارجية في بلدان خمسة وهي: (فلسطين، سورية، اليمن، العراق، ليبيا)، وتم تسليط الضوء على هذه الدول باعتبارها دولا تتعرّض لأزمات يتداخل فيها البعد الداخلي بالدولي، خصوصاً أن لإيران دوراً واضحاً ومؤثراً فيها. وقيّمت أغلبية الفلسطينيين سياسة طهران نحو جميع تلك الدول بالسلبية. إذ عبّر أكثر من نصف المستجيبين عن ذلك. وكان هناك شبه إجماعٍ على سلبية السياسات الإيرانية نحو كل من العراق وسورية، فقد عبّر 69% و64%، على التوالي، عن أن سياسات طهران في البلدين سيئة وسيئة جدًا، في مقابل 14% إلى 24% من المستجيبين أفادوا بأن سياسات إيران في كل من العراق وسورية، على التوالي، جيدة أو جيدة جدا. بل إن 43% من الفلسطينيين أفادوا بأن سياسة إيران في العراق سيئة جدًا، و40% أفادوا بذلك بالنسبة إلى سياساتها في سورية. ما يعكس بصورة جلية مدى رفض السياسات الإيرانية في العراق وسورية. في حين كان التقييم لسياسات إيران في اليمن وليبيا أقل سلبية، فقد قيم 58% من الفلسطينيين سياسة إيران تجاه اليمن بالسلبية، و56% نحو ليبيا، والجدير بالذكر أن نحو ثلث الفلسطينيين قالوا إنهم لا يعرفون عن السياسة الإيرانية نحو اليمن وليبيا.
وفي ما يتعلق بتقييم السياسة الإيرانية نحو القضية الفلسطينية، كانت الأقل سلبية من تقييم مواقف إيران من البلدان الأخرى، فقد عبر 52% من الفلسطينيين عن أن سياسات إيران نحو فلسطين مواقف سلبية (24% سيئة جدًا و28% سيئة) مقابل، 36% أفادوا بأن السياسات الإيرانية نحو فلسطين إيجابية جدًا أو إيجابية. وكانت نسبة الذين اعتبروا أن سياسات طهران نحو فلسطين جيدة جدًا، أي الذين لديهم رأي إيجابي قطعي تجاه مواقف إيران نحو فلسطين يمثلون 9% من جميع مستجيبي فلسطين. وهذا يعني أن اقتناع الفلسطينيين هو في أدنى مستوياته إزاء اعتبار الخطاب الإيراني تجاه فلسطين ذا مصداقية، وأنه يترجم على أرض الواقع. الملاحظ أن التقييم السلبي لدى الفلسطينيين لسياسات طهران في المنطقة بصفة عامة مرتبط بتقييمهم لهذه السياسات في البلدان العربية، خصوصا في العراق وسورية.
كما أن أغلبية الرأي العام الفلسطيني يعتقد بأن إيران تستغل الأزمات في المنطقة، من أجل توسيع نفوذها، إذ أيد 72% من الفلسطينيين ذلك الطرح، بل أيد نصف المستجيبين بشدة استثمار إيران أزمات المنطقة في البحث عن دور وتأثير ونفوذ أوسع. في حين عبّر ما نسبتهم 17% من المستجيبين عن معارضتهم تلك العبارة، كما أيد 68% من الفلسطينيين عبارة (إيران تغذي النزعات الطائفية والعرقية والانفصالية في البلدان العربية) مقابل 18% عارضوها. كما عارضت أغلبية الفلسطينيين 68% العبارة التي تفيد بأن (إيران تساهم في تعزيز أمن المنطقة واستقرارها)، في حين أن 7% وافقوا على هذه العبارة، و13% وافقوا إلى حد ما.
كما عارض نحو ثلثي الفلسطينيين 65% العبارة التي تفيد (إيران تدعم التحول الديمقراطي في البلدان العربية)، في مقابل 4% أيدوا هذه العبارة، و18% عبروا عن موافقتهم عليها بشدة. وتفيد النتائج التي توصل إليها "المؤشر العربي" بأن الرأي العام الفلسطيني يتخذ رأيًا سلبيا تجاه دور إيران في المنطقة العربية، حيث يجمع الفلسطينيون على أن طهران تحاول الاستثمار في أزمات المنطقة، من أجل لعب دور أكثر فاعلية وتأثيرا، كما أنها تستثمر في النزعات الطائفية والعرقية وتغذيها في الوقت نفسه، وبالتالي هي قوة معيقة لعملية التحول الديمقراطي في الدول العربية التي شهدت ثورات شعبية، تطالب بالحرية والعدالة والكرامة.