04 نوفمبر 2024
مفاجأة أميركية للمعارضة السورية
أنهى المبعوث الأميركي، مايكل راتني، مهمته مع المعارضة السورية، بإصدار بيان تفصيلي حاد اللهجة، يكاد يرقى إلى صيغة الإنذار الأخير (10/3)، يحملها فيه مسؤولية السكوت عن جبهة النصرة، بكل مسمياتها من النصرة إلى جبهة فتح الشام وصولاً إلى هيئة تحرير الشام، وتغطية ممارساتها ومواقفها من الشعب السوري وثورته، معتبراً أن ذلك هو السبب الرئيسي وراء عدم مد الدول الصديقة أيديها لدعم الثورة السورية، مؤكداً أن هذه الجبهة هي واجهة لتنظيم القاعدة الإرهابي.
لم يكتف راتني بذلك، بل اعتبر أن جبهة النصرة أسهمت في تدمير الثورة السورية "بضرب رموزها وباعتداءاتها المتكرّرة على الفصائل الثورية، والتي طاولت حتى حركة أحرار الشام". معتبراً تلك الجبهة وجهاً آخر للاستبداد، وأن تهديدها لا يطاول الغرب وحده، وإنما الإسلام والمسلمين، منهياً بيانه بالتحذير بأنها ستأخذ سورية نحو الدمار، والمعارضة السورية نحو الانتحار.
يستشعر قارئ البيان مدى جدية التغيير في الموقف الأميركي، بعد انخراطهم في المعركة ضد الإرهاب، وفي الوقت نفسه، هي محاولة لكشف الغطاء عن جهات المعارضة التي مالأت هذا التنظيم الإرهابي، على الرغم من كل ما فعله بحق الثورة السورية، النشطاء المدنيين وفصائل الجيش الحر، وبحق السوريين في "المناطق المحرّرة" التي أخضعها لسيرته واستبداده بوسائل العنف والقوة.
يحق لنا أن نتساءل مع راتني، ومن دونه، كيف يمكن لمعارضةٍ محسوبةٍ على الثورة أن
تناصر تنظيماً لم يعترف بثورتها أساساً، ولا يعترف بدولتها التي خرجوا لتحريرها من استبداد حاكمها، بل ويعتبرهم مرتدّين عن الدين، وحلل قتلهم واعتقالهم، كما فعل، مثلاً، في جنوب سورية عندما اعتقل بعض قادة "الجيش الحر" وغيّبهم، ولم تستصدر الجهة التي اعتبرت نفسها الممثل الشرعي الوحيد للثورة أي بيان إدانة أو استنكار، ما يعني الموافقة الضمنية على إجراءات هذا التنظيم الإرهابي. ومعلوم أن جبهة النصرة انشغلت بقتال الجيش الحر وإزاحته من المشهد، وعملت على انتزاع المناطق المحرّرة منه، وليس من النظام.
كما يمكن أن نسأل صراحة قيادة المعارضة (وخصوصا الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية): ما الذي فعلته بخصوص توضيح موقفها من جبهة النصرة، قبل معركة حلب (أواخر العام 2016)، سيما أن راتني تحدث صراحةً عن ذلك لدى اجتماعه مع قادة "الائتلاف"، في اسطنبول (أغسطس/ آب 2016) محذراً إياهم من وجود هذه الجبهة طرفا في معركة حلب، مطالباً بتحييدها، لأنها ستكون سبباً في هزيمة فصائل المعارضة ودمار الأحياء التي كانت تسيطر عليها.
سؤال آخر لقيادة "الائتلاف"، لماذا تأخرت هذه القيادة باستصدار بيان يتبرأ من جبهة النصرة، ويعلن إدانته أعمالها، على الرغم من أن الهيئة العامة للائتلاف، في اجتماعها في ديسمبر/ كانون الأول 2016، اتخذت قراراً بذلك، إذ ظهر رئيس "الائتلاف"، أنس العبدة، وقتها في مؤتمر صحافي، متحدثا بلغةٍ مواربة يدين فيها تنظيم القاعدة، بدلاً من تسمية جبهة النصرة بالاسم، ما دفع قادة في "الائتلاف" إلى الظهور الإعلامي، لإعلان موقفهم المفارق في موضوع "النصرة"، وبعضهم غادره نهائياً؛ وكنت منهم.
وأخيرا، جاء البيان التنديدي بجبهة النصرة من "الائتلاف" (أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي)، متأخراً جداً أربع سنوات، فقط بعد أن أصدرت تركيا موقفاً يقطع مع هذه الجبهة، وبعد تغطية من مرجعيات "الائتلاف" المشيخية لهذا الموقف، ما يعني أن "الائتلاف" يتحمل وزر السكوت عن جبهة النصرة كل ذلك الوقت، على الرغم من كل ما فعلته، كما يتحمل وزر التبعية لجهات أخرى.
خضعت أطياف في المعارضة السورية لمحاباة تلك الجبهة، أو السكوت عنها، بدعوى من بعضهم أن الأولوية لمحاربة النظام، وبدعوى الوحدة "العقائدية" من بعض آخر، ما أسهم في تحويل مفهوم الصراع مع النظام من صراع سياسي إلى صراع طائفي، أو ديني، وهو الأمر الذي سعى إليه النظام منذ بداية الثورة، ونفذته الأيادي الخفية للقاعدة بكل مسمياتها، مع أبواقها، بحسن نية أو بسوء نية في كيانات المعارضة والإعلام.
أما ما يتعلق بخطاب راتني، والموقف الأميركي عموماً من الثورة السورية، فهو ليس بتلك
البراءة التي يدّعيها البيان المذكور، وليس منطقياً القبول بتبرير إحجام مجموعة دول "أصدقاء الشعب السوري"، وضمنهم الولايات المتحدة خصوصا، عن مساعدة السوريين بوجود فصيل إرهابي نما وكبر، أصلاً، تحت أنظار المجتمع الدولي، بل توافد عناصره من كل حدبٍ وصوب، من دون أن تعرقلهم حدود، أو تحد من حركتهم صحارى واسعة، مشوا عبرها من الشمال السوري حتى الجنوب، من دون أن تعترضهم رصاصة قناص أو برميل متفجر، في حين لم تفرغ السماء السورية من الطائرات التي تقذف حممها المدنيين في طول سورية وعرضها.
أيضاً، لا يوجد ما يبرّر سكوت هذه الدول، وخصوصا الولايات المتحدة، عن استخدام النظام البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية في قتل شعبه، ولا إحجامها عن إيجاد مناطق آمنة، أو مناطق حظر جوي، ولا حؤولها دون تدخل إيران وروسيا عسكريا في قتل السوريين، دفاعا عن النظام، خصوصا أن هذا الموقف لم يكن أفضل حالا بكثير في الأشهر الأولى من الثورة السورية السلمية. أخيراً، يمكن القول لراتني: كان يمكن أن نتفهم هذا الخطاب، لو أن الدول الصديقة مدت يد العون الحقيقية لفصائل الجيش السوري الحر، لتمنع نمو ظاهرة جبهة النصرة، لكن هذه الدول لم تفعل شيئا إزاء ذلك، وفضلت الصمت الطويل، إلى أن جاءنا "بيانكم" الفصيح.
قصارى القول، شكلت جبهة النصرة خطراً كبيراً على الثورة والشعب السوريين، كان ينبغي تداركه منذ البدايات. وتقع المسؤولية في ذلك على عاتق بعض المعارضة، كما على عاتق الدول التي تضمنت مصالحها التلاعب بثورة السوريين، وحرفها عن مقاصدها النبيلة، في الحرية والمواطنة والديمقراطية.
لم يكتف راتني بذلك، بل اعتبر أن جبهة النصرة أسهمت في تدمير الثورة السورية "بضرب رموزها وباعتداءاتها المتكرّرة على الفصائل الثورية، والتي طاولت حتى حركة أحرار الشام". معتبراً تلك الجبهة وجهاً آخر للاستبداد، وأن تهديدها لا يطاول الغرب وحده، وإنما الإسلام والمسلمين، منهياً بيانه بالتحذير بأنها ستأخذ سورية نحو الدمار، والمعارضة السورية نحو الانتحار.
يستشعر قارئ البيان مدى جدية التغيير في الموقف الأميركي، بعد انخراطهم في المعركة ضد الإرهاب، وفي الوقت نفسه، هي محاولة لكشف الغطاء عن جهات المعارضة التي مالأت هذا التنظيم الإرهابي، على الرغم من كل ما فعله بحق الثورة السورية، النشطاء المدنيين وفصائل الجيش الحر، وبحق السوريين في "المناطق المحرّرة" التي أخضعها لسيرته واستبداده بوسائل العنف والقوة.
يحق لنا أن نتساءل مع راتني، ومن دونه، كيف يمكن لمعارضةٍ محسوبةٍ على الثورة أن
كما يمكن أن نسأل صراحة قيادة المعارضة (وخصوصا الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية): ما الذي فعلته بخصوص توضيح موقفها من جبهة النصرة، قبل معركة حلب (أواخر العام 2016)، سيما أن راتني تحدث صراحةً عن ذلك لدى اجتماعه مع قادة "الائتلاف"، في اسطنبول (أغسطس/ آب 2016) محذراً إياهم من وجود هذه الجبهة طرفا في معركة حلب، مطالباً بتحييدها، لأنها ستكون سبباً في هزيمة فصائل المعارضة ودمار الأحياء التي كانت تسيطر عليها.
سؤال آخر لقيادة "الائتلاف"، لماذا تأخرت هذه القيادة باستصدار بيان يتبرأ من جبهة النصرة، ويعلن إدانته أعمالها، على الرغم من أن الهيئة العامة للائتلاف، في اجتماعها في ديسمبر/ كانون الأول 2016، اتخذت قراراً بذلك، إذ ظهر رئيس "الائتلاف"، أنس العبدة، وقتها في مؤتمر صحافي، متحدثا بلغةٍ مواربة يدين فيها تنظيم القاعدة، بدلاً من تسمية جبهة النصرة بالاسم، ما دفع قادة في "الائتلاف" إلى الظهور الإعلامي، لإعلان موقفهم المفارق في موضوع "النصرة"، وبعضهم غادره نهائياً؛ وكنت منهم.
وأخيرا، جاء البيان التنديدي بجبهة النصرة من "الائتلاف" (أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي)، متأخراً جداً أربع سنوات، فقط بعد أن أصدرت تركيا موقفاً يقطع مع هذه الجبهة، وبعد تغطية من مرجعيات "الائتلاف" المشيخية لهذا الموقف، ما يعني أن "الائتلاف" يتحمل وزر السكوت عن جبهة النصرة كل ذلك الوقت، على الرغم من كل ما فعلته، كما يتحمل وزر التبعية لجهات أخرى.
خضعت أطياف في المعارضة السورية لمحاباة تلك الجبهة، أو السكوت عنها، بدعوى من بعضهم أن الأولوية لمحاربة النظام، وبدعوى الوحدة "العقائدية" من بعض آخر، ما أسهم في تحويل مفهوم الصراع مع النظام من صراع سياسي إلى صراع طائفي، أو ديني، وهو الأمر الذي سعى إليه النظام منذ بداية الثورة، ونفذته الأيادي الخفية للقاعدة بكل مسمياتها، مع أبواقها، بحسن نية أو بسوء نية في كيانات المعارضة والإعلام.
أما ما يتعلق بخطاب راتني، والموقف الأميركي عموماً من الثورة السورية، فهو ليس بتلك
أيضاً، لا يوجد ما يبرّر سكوت هذه الدول، وخصوصا الولايات المتحدة، عن استخدام النظام البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية في قتل شعبه، ولا إحجامها عن إيجاد مناطق آمنة، أو مناطق حظر جوي، ولا حؤولها دون تدخل إيران وروسيا عسكريا في قتل السوريين، دفاعا عن النظام، خصوصا أن هذا الموقف لم يكن أفضل حالا بكثير في الأشهر الأولى من الثورة السورية السلمية. أخيراً، يمكن القول لراتني: كان يمكن أن نتفهم هذا الخطاب، لو أن الدول الصديقة مدت يد العون الحقيقية لفصائل الجيش السوري الحر، لتمنع نمو ظاهرة جبهة النصرة، لكن هذه الدول لم تفعل شيئا إزاء ذلك، وفضلت الصمت الطويل، إلى أن جاءنا "بيانكم" الفصيح.
قصارى القول، شكلت جبهة النصرة خطراً كبيراً على الثورة والشعب السوريين، كان ينبغي تداركه منذ البدايات. وتقع المسؤولية في ذلك على عاتق بعض المعارضة، كما على عاتق الدول التي تضمنت مصالحها التلاعب بثورة السوريين، وحرفها عن مقاصدها النبيلة، في الحرية والمواطنة والديمقراطية.