23 ابريل 2017
مسلمو الهند بعد فوز المتطرفين الساحق.. مخاطر الشعبوية والتعصب
بينما يركب موجة الشعبوية والكاريزما، بفضل حملة عدوانية وذكية وخبيرة بالتكنولوجيا، يُحكِم رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، سيطرته على الهند، أكثر مما فعل منذ مايو/ أيار 2014، فقد عيّن حزبه (بهاراتيا جاناتا أو حزب الشعب الهندي) يوغي إدياتناث، الراديكالي في كراهيته الإسلام، كبير وزراء أكبر ولاية في الهند، والتي يُشكّل المسلمون 19% من سكانها.
فاز الحزب الهندوسي المتطرّف في أُتر براديش في ثلاثة عقود، ومن بين المنتصرين أنصار متشددون للقومية الهندوسية المتعصبة (هندوتفا)، وأفراد عصابات ومجرمون استخدموا نفوذاً ونقوداً لوضع ترشيحات الحزب، وكذلك لشراء الأصوات.
ومثل مودي، دعا راهب زاهد مثير يرتدي لون الزعفران إلى تحويل المقابر الإسلامية إلى أماكن إحراق جثث (أماكن هندوسية لحرق الأموات). ووبّخت لجنة الانتخابات الهندية يوغي، بسبب حثّه الهندوس على تحويل مائة مسلم إلى الهندوسية، في مقابل كل هندوسي يعتنق الإسلام. وإذا تزوجت فتاة هندوسيةٌ من مسلم يسمي يوغي ذلك "جهاد الحب"، ويحثّ أتباعه على اضطهاد الزوجين وعائلتيهما. وقد نقلت الصحف الهندية أنه حثّ أتباعه حتى على اغتصاب جثث المسلمات. فلا عجب أنه، في اليوم التالي لفوزه، استيقظت مدينة بريلي، ذات الأغلبية المسلمة، على ملصقات تقول: اتركوا الهند أو واجهوا أفعالاً "شبيهة بترامب".
وكبير الوزراء المعيّن حديثاً هو الأكثر تطرّفاً، بسبب لائحةٍ طويلة من القضايا الجنائية ضده بما في ذلك محاولة قتل، وترهيب، وتعزيز العداوة الدينية، وتدنيس أماكن العبادة، والشغب، وانتهاك حرمة أماكن الدفن. وهو واحد من هندوس متطرفين عديدين، يعيّنهم مودي في مناصب عليا، أولاً كبير وزراء في ولاية كوجرات، ورئيس وزراء منذ عام 2014. أما أوما بهارتي، وهي رئيسة حكومة سابقة في ماديا براديش، فلها تاريخ مماثل من خطاب الكراهية والعنف الديني، وهي الآن وزيرة الموارد المائية في حكومة مودي.
متطرّفو مودي
تُظهر الانتخابات الأكثر أهمية سياسياً عدداً كبيراً من المخاوف بشأن استجابة الهند لحكم مودي حتّى الآن. وقبل تحليل المشهد السياسي بعد تصويت 11مارس/ آذار، هذا ملخص سريع للتطورات الأخيرة:
فاز حزب بهاراتيا جاناتا في أُتر براديش وأوتاراخند، بينما حصل حزب المؤتمر الوطني الهندي على بعض التعزية من خلال نصره في بنجاب. وشكّل حزب مودي حكومة ائتلافية في الولايتين التي لم يظهر فيهما حزباً قائدا.
ويبقى الأهم من ذلك كله نتيجة تصويت أُتر براديش، حيث 19% من السكان مسلمون،
سجل موالو مودي رقماً قياسياً بحصولهم على 309 مقاعد في عام 1980 من حزب المؤتمر الذي كانت ترأسه أنديرا غاندي، بعد حصولهم على 312 مكاناً في الجمعية التشريعية التي تتألف من 403 أعضاء. لم يضع الحزب الحاكم مرشحاً مسلماً واحداً. وبشكل عام، انخفض عدد الأعضاء المسلمين المنتخبين في مجلس النواب من 69 إلى 24، وجميعهم يجلسون على مقاعد المعارضة. ومن المثير للاهتمام، أن مرشحي مودي تفوقوا في مدينة ديوبند التي تضم أغلبية مسلمة (نادراً ما يصوّت المسلمون في الهند لحزب واحد بالإجمال) وقد شهِدت أُتر براديش، وهي نموذج مصغّر عن الهند، تلاعباً شبه مثالي بنفسية الناخب، عبر هندسة انتخاباتٍ أنيقة، إمّا باختيار المرشحين أو بصياغة الخطابات.
وعلى الرغم من أن الفوز المبهر لحزب الزعفران (نسبة إلى لون الزعفران الذي يرتدونه)، لا يمكن أن يُعزى إلى أي عامل وحيد، إلا أنه تجسيدٌ واضحٌ لفكرة أن الطابع العلماني المتبقي في الهند قد يتآكل كلياً في الانتخابات العامة المقبلة.
تمثّلت معضلة الهند في نقص الكاريزما والفطنة السياسية داخل أحزاب المعارضة. فالحزب المعارض الرئيسي، حزب المؤتمر، على سبيل المثال، لا يفتقر إلى القيادة والاستراتيجية فحسب، ولكن أيضاً يواجه اقتتالاً داخلياً شرساً، وبالتالي، بقي التصويت ضد مودي مقسّماً بشكل كبير. وبالنسبة لناشطي المجتمع المدني، فإن صعود حزب بهاراتيا جاناتا كابوس، وتبشير بحضور أكبر لسياسةٍ ترتكز على الدين وخطاب الأغلبية. كما أن انتصار متطرّفي هندوتفا في الهند ليس خبراً جيداً لجيرانها، أي شعوب باكستان وبنغلادش وسيريلانكا. حيث تعتبره حكومة مودي بالفعل تأييدا شاملا لسياساتها، المحلية والخارجية. ومن المرجح أن تستمر دلهي بمزيد من المواقف العدوانية على طول خط السيطرة، في حين تُصعّد الموقف ضد باكستان في المحافل الدولية. وقد أدى نشر طيارات بدون طيار أميركية الصنع على طول خط السيطرة إلى قرع أجراس الخطر في باكستان، وفي الأمم المتحدة أيضاً. أما الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، فقد نصحه بحق مساعدوه بالضغط من أجل السلام، واستئناف المحادثات بين الهند وباكستان. يجب على الأمم المتحدة والقوى العظمى التدخل قبل فوات الأوان.
ومع خروق لوقف إطلاق النار على الحدود مع باكستان، يؤشر نشر الهند قوات لها احتمالات أكبر لأجواء عدوانية متزايدة مع باكستان في الصيف. كما أن تجارب الصواريخ في الهند أخيراً، وتنصيب مجموعة واسعة من الأنظمة العسكرية، يكمل النهج المتشدّد الذي تتّبعه قيادة حزب بهاراتيا جاناتا. كما أن الصعود الجديد لنجم مودي يضعه تقريباً على قدم المساواة مع شعبية جواهر لال نهرو وقوته الانتخابية.
من بائع شاي إلى قائد شعبوي
وعلى الرغم من أن قضية زكية جفري (أرملة السياسي المسلم والنائب السابق عن حزب
وقبل ثلاثة أعوام، قال الصحافي نيلانجان موخوبادياي، وهو خبير معروف في السياسة اليمينية الهندوسية، إن حياة مودي السياسية كلها مبنية على عام 2002. لو لم تحدث أعمال شغب في ذلك العام، لم يكن مودي ليربح انتخابات عام 2003 في كوجرات مع الأغلبية التي أدارها".
كان السلاح المفضل لمودي الذي وصل إلى أعلى منصب مُنتخب في أعقاب تجارب راديكالية كهذه تحت مظلة منظمة هندوسية عسكرية "راشتريا سوايام سيفاك سانغ (جمعية المتطوعين الوطنية)"، هو التشهير والقدح، بينما يلعب الورقة الدينية. تهدف راشتريا سوايام سيفاك سانغ إلى تطهير الهند من الديانات غير الأصلية، مثل الإسلام والمسيحية، اللذين برأيها "أفسدا المجتمع والثقافة من خلال الاحتلال"، بدءاً بمحمد بن القاسم الثقفي في عام 711 الذي أرسله الحجاج بن يوسف، وهو حاكم في فترة الخلافة الأموية.
وتحت إشراف الموظف البارز في راشتريا، سوايام سيفاك سانغ "مورلي مانوهار جوشي"، ارتفع مودي، ابن بائع الشاي الفقير، بسرعة عبر صفوف المنظمة، ونُقِل، في نهاية المطاف، إلى جناح المنظمة السياسي، أي حزب بهاراتيا جاناتا.
يتباهى جزّار الأعوام الماضية لكوجرات والأيقونة السياسية للهند اليوم بالألبسة الحريرية، والنظارات رقيقة الإطار والبدلات الإنكليزية لأحدث المصممين. وحتّى في أثناء شغله منصب رئيس الوزراء، سعى إلى مساعدة المدرّسين لتلميع لغته الإنكليزية.
وعبر التفاني لهندوتفا والعمل الشاق، حطّم الرجل ذو الجذور المتواضعة شخصية القائد المتبنّية رؤية نهرو (النهروية) عند المقارنة مع خصمه الرئيسي راهول غاندي، وريث سلالة السلطة في الهند، فالرجل ذو الـ 66 عاماً يسقط بشكل متزايد في اللعنة الأيديولوجية لهندوتفا، بينما يقوم كبار الرفاق في راشتريا سوايام سيفاك سانغ بتقديم النصح له. فباءت بالفشل محاولات تصوير مودي بوصفه علمانياً وإنسانياً، ويعود السبب في ذلك إلى أفعاله الفظّة، والاختيارات الغريبة للمستشارين.
مرت ثلاث سنوات في مكتب رئاسة الوزراء والهمسات حول مخالفاته المالية، ولا سيما التقارب مع البليونير موكيش أمباني، والتي تتردّد في المناقشات الصريحة وأعمدة الصحف.
ومنذ أن أثبت مودي اليوم أنه متعلم سريع ومقامر ثاقب الرأي، لا يسمح لوبي راشتريا سوايام سيفاك سانغ بأن تمرّ قراراته بلا رقيب. لكن، يبقى السؤال الأصعب: بغض النظر عن النظريات الأيديولوجية، هل سيكون الرجل مستقلاً بالكامل يوماً ما؟
غالباً ما يؤكد المحللون السياسيون الهنود أن مودي قائد شمولي، لا يقبل بأي شيء أقل من الولاء المطلق. أما لغة جسده المترفة والمُقنِعة، فتكشف عن توقعات مشابهة من بلدان صديقة للهند. ومن المؤكد أن السياسات الدولية لا تعارض مثل هذا الولاء.
إلى أين نذهب؟
مع تزايد خطر نشوب صراع محدود في كشمير واحتمالات ضئيلة لاستئناف المحادثات مع باكستان، فإن مستقبل اقتصاد الهند المتنامي يبدو قاتماً، ومن شأن العنف الطائفي الناجم عن الكراهية الدينية-الإثنية أن يحدّ من تقدّم البلد.
وبدلاً من حل النزاع، ستضغط حكومة مودي أكثر، من أجل تغيير الوضع الخاص للكشميريين
كانت الشعبوية تستولي على العالم تدريجياً. وقد احتاجت إلى أكثر من عقد ونصف العقد لتبلغ أوجها في الهند. وبعد انتخاب 11 مارس/ آذار، يبدو أنها ستبقى هناك. أما رجال أعمال الهند الأذكياء، فدوماً ما دعموا القادة الشعبويين تاريخياً. لكن خياراتهم نادراً ما كانت مستمرة. استثمر كل من مجتمع الأعمال الهندي، ومستثمرون أجانب، بشكل كبير في تخفيف بقع (علامات) كوجرات من وجه مودي. كما أنه كان متوقعاً أن يكون رجلاً يمثّل الأعمال والتطور، فلنفترض أنه يطمح إلى تطوير الهند. بيد أن السؤال يبقى قائماً: هل يمكن تمويه الاضطهاد المتفاقم للأقليات بما في ذلك المسلمون والمسيحيون؟
في عالم مثالي، يود رجل دولة يتمتع بدعم شعبي مدهش أن ينحّي السياسات الشعبوية جانباً، وأن يضع نصب عينيه هدفاً يتمثّل في حل الخلافات التي طال أمدها. في هند بهاراتيا جاناتا، تتطلب احتمالية كهذه معجزةً، نظراً للحضور الجماهيري، لمتشددي هندوتفا في مجلس الوزراء، والمجمعات الصناعية العسكرية العالمية المتنافسة، لاحتضان دلهي. وشخصياً، أثبت مودي أنه نرجسي محافظ على ذاته، ولديه طموح أن يُجسّد كملك محارب. أما الأكثر تفاؤلاً فيوصي بقراءة كتاب نيلانجان موخوبادياي المعنون "ناريندرا مودي.. الرجل والزمن".
كان تسلط حكومة مودي المستمر منذ ثلاث سنوات صعباً بالفعل على الحريات المدنية، إضافة إلى وسائل الإعلام وهذه، كما المنظمات غير الحكومية، ليستا من أحستا بضغط، وغالباً ما دفعت ثمن معارضتها، بل أيضاً شخصيات عامة وشباب كانوا يلقّبون بألقاب سيئة، بسبب معارضتهم المتشددين. أُعمي الكشميريون الأبرياء بواسطة رصاصات تتفجّر عند إطلاقها، كما قُتلوا بنيران مباشرة، بسبب التظاهر ضد وجود الجيش الهندي، والمطالبة باستفتاء وعدت به الأمم المتحدة. واعتُقِل طلاب جامعة جواهر لال نهرو وسُمّوا خونة. ومع ازدياد شعبية مودي، يبدو أن الأسوأ سيأتي. فوعده بـ "الهند الجديدة" بحلول عام 2022 جلب رعباً شديداً للأقليات والمجتمع المدني. إذ كم سيكون من المخيف أن يخلف يوغي إدياتناث مودي، ليس فقط رئيساً للحزب، بل غالباً رئيس وزراء للهند.
إن كان العالم يتغاضى عن سياساته المحمّلة بالكره، فهل سيكون هناك رد فعل عنيف من المسلمين المضطهدين، والطبقة الدنيا من الهندوس، والمسيحيين والمقيمين في الولايات الجنوبية الشرقية المتخلفة؟ ألا يهيّئ هو الظروف للشباب لتبني "القاعدة" أو "داعش" من أجل محاربة متعصبي راشتريا سوايام سيفاك سانغ؟.
لن يترك المتعاطفون مع راشتريا سوايام سيفاك سانغ وحزب بهاراتيا جاناتا كرههم المناهض للمسلمين خلفهم، عندما يغادرون للعمل في الغرب، أو في العالم العربي، اللذين يلومونهما لنشر دينهما من خلال واعظين وغزاة.
وأخيراً، لن يكون من الإنصاف أن نستنتج أن الكره المناهض للمسلمين سينتهي في الهند، إذا خسر راشتريا سوايام سيفاك سانغ وحزب بهاراتيا جاناتا السلطة. وبينما يتردّد الآخرون في استخدام خطاب فظّ مثل هذا، لا تخفي مجموعة مودي كرهها المناهض للمسلمين. أما أنديرا غاندي فنفّذت سياساتها المضادة للسيخ وللمسلمين من منصّة حزب المؤتمر. ومن المتوقع أن تصبح الشعبوية العارمة عبئا على الهند، كما هي عبء على أصدقائها وحلفائها.