31 أكتوبر 2017
حماس والرهانات المحدودة على وثيقتها الجديدة
على الرغم من أنه لم يتم الإعلان بشكل رسمي عن بنودها، إلا أن النص المسرّب لوثيقة المبادئ السياسية الجديدة التي أنجزتها حركة حماس أخيرا، وأكدت قيادتها أنه سيتم الإعلان عنها قريبا، يدلل على أنها تهدف، أساساً، إلى تحسين قدرة الحركة على المناورة السياسية في ظروف داخلية وإقليمية ودولية بالغة التعقيد. في الوقت نفسه، ترمي الوثيقة أيضا إلى تلافي آثار بعض بنود ميثاق الحركة الذي تمت صياغته عام 1988، والغارق في ديباجةٍ دينيةٍ أملت منطلقات أيديولوجية فضفاضة، لا تتعلق فقط بالصراع مع الكيان الصهيوني، بل تتجاوزه لتلزم الحركة بدورٍ في المعركة "بين الحق والباطل"، من دون تحديد الفضاء الجغرافي والسياق التاريخي لهذه المعركة. من هنا، تحصر الوثيقة الجديدة جغرافيا الصراع في فلسطين، وتحدّد هدفه في تحريرها. إلى جانب ذلك، عمدت الوثيقة إلى معالجة الخطأ الجسيم الذي تضمنه الميثاق، أي عدم التفريق بين اليهود والصهاينة، وهو ما سهل على ماكنة الدعاية الصهيونية مهمة شيطنة الحركة، وتسويقها في الغرب "معادية للسامية".
وتزيل الوثيقة القيد الذي صنعه الميثاق، والذي قلص "نظريا" من فرص الالتقاء مع شركاء الوطن ورفاق النضال ضد الاحتلال، حيث رفض الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية بسبب "علمانيتها"؛ مع العلم بأن الحركة تجاوزت عمليا هذه النصوص، حيث أنها توصلت إلى اتفاقات عديدة لإنهاء الانقسام، تضمنت آليات تؤسس لانضمامها إلى منظمة التحرير. ونجد أن الوثيقة الجديدة ترى في المنظمة "إطارا وطنيا للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج".
تعد وثيقة حماس ترجمةً لإدراكها (المتأخر) بوجوب الوفاء بمتطلبات انخراطها في العمل السياسي، وتسهيل اضطلاعها بمهمة إدارتها حكم قطاع غزة، واضطرارها لإعادة صياغة علاقاتها الإقليمية على أسس جديدة. من هنا، حملت الوثيقة الجديدة تطميناتٍ للقوى العربية
الإقليمية التي تتربص بالحركة، والتي لم تتردّد في توفير البيئة المناسبة لتمكين إسرائيل من ضربها، من خلال الإيحاء بفك العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين التي تعاديها هذه القوى، عبر إعادة صياغة تعريفها بوصفها "حركة تحرّر وطني فلسطينية إسلامية"، في حين أنها عرّفت نفسها في الميثاق بأنها "من أجنحة الإخوان المسلمين".
وفي ما يتعلق بموقف الحركة من الصراع والكيان الصهيوني ومشاريع التسوية معه، لم تتجاوز الوثيقة الجديدة ثوابت الحركة وخطوطها الحمراء، على الرغم من أن معدّي الوثيقة حاولوا تضمينها بندا يجعلها تبدو كأنها تحمل جديدا. فالوثيقة الجديدة لا تعارض إقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من يونيو/ حزيران عام 1967، لكنها، في الوقت نفسه، ترفض التنازل عن بقية فلسطين، إلى جانب إفرادها بنودا خاصة تنص على رفض أي تنازل يتعلق بالقدس وحق اللاجئين في العودة، ناهيك عن مواصلة التشبث بخيار المقاومة، إلى جانب التشديد على رفض شرعية الكيان الصهيوني.
على الرغم من أن الوثيقة الجديدة تستحق التقدير، لأنها تحاول إصلاح ما تضمنه الميثاق من مكامن شطط واضحة، وتمثل استعدادا، وإن متأخرا، لإعادة تقييم مسار "حماس" وفق معطيات الواقع، إلا أنه يجدر بالحركة أن تخفّض من سقف توقعاتها من هذه الخطوة ورهاناتها على إسهامها في تحسين قدرتها على المناورة السياسية. فهذه الوثيقة ما زالت تتعارض بوضوح مع شروط الرباعية الدولية، والتي يمثل قبولها الحد الأدنى المطلوب ليحظى أي فصيل فلسطيني بالشرعية الدولية أو الإقليمية، فالرباعية تشترط: الاعتراف بإسرائيل واحترام الاتفاقات الموقعة معها ونبذ المقاومة بوصفها "إرهابا".
ولن تُفضي هذه المبادرة إلى تغيير جذري على شبكة علاقات "حماس" الإقليمية؛ حيث أن الحكام العرب الذين يهرولون إلى واشنطن، ويتنافسون في ما بينهم على إظهار مدى استعدادهم للانخراط في حرب دونالد ترامب على الإرهاب؛ لا يمكن أن تنجح هذه الوثيقة في تغيير موقفهم من الحركة التي تصنف أميركيا وإسرائيليا منظمة إرهابية. وإن كانت "حماس" ترى في فك الارتباط بجماعة الإخوان المسلمين من ضروريات المرحلة، لا سيما في ظل استهداف الجماعة إقليميا ومحليا، فإن عليها أن تعلم أن "جُرمها" الأكبر في نظر إسرائيل والقوى الإقليمية والدولية يتمثل في مقاومتها الاحتلال.
ولا حاجة للتذكير بأن جنون التطرّف الصهيوني والإسناد الأميركي له لا يدع مجالا للتعاطي مع مبادرة "حماس" الجديدة، فعلى الرغم من حرص رئيس السلطة، محمود عباس، على نبذه المقاومة وشيطنتها، ويصر على مواصلة التعاون الأمني مع الاحتلال، إلا أن أطرافا إقليمية، نزولا عند رغبة ترامب، تمارس الضغوط عليه لإرغامه على قبول صيغ تسويةٍ تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
إن انطلاق إسرائيل من افتراضٍ مفاده أن مواجهة فاصلة مع "حماس" في قطاع غزة مسألة وقت، لن تسمح بأن تساعد الوثيقة الجديدة في تحسين المكانة الإقليمية أو الدولية للحركة بشكل يشوّش على مخططاتها تجاهها. من هنا، سارعت النخب المرتبطة بدوائر الحكم في تل أبيب إلى وصف الوثيقة بأنها "ليست أكثر من تبييض مواقف وغسيل كلمات".
ارتكبت حركة حماس خطأ جسيما عندما استدرجت إلى فخ المشاركة في انتخابات 2006، وتوريطها في حكم غزة، ما أجبرها حاليا على البحث عن مخارج تسمح بزيادة مدى المناورة السياسية لمواجهة تبعات هذا الخطأ. لكن على الحركة أن تعي أنه ما لم يحدث تغيير جذري على البيئة الداخلية أو الإقليمية أو كليهما معا، فإن مثل هذه المبادرة لن تسمح بتغيير واقع التعاطي معها.
وتزيل الوثيقة القيد الذي صنعه الميثاق، والذي قلص "نظريا" من فرص الالتقاء مع شركاء الوطن ورفاق النضال ضد الاحتلال، حيث رفض الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية بسبب "علمانيتها"؛ مع العلم بأن الحركة تجاوزت عمليا هذه النصوص، حيث أنها توصلت إلى اتفاقات عديدة لإنهاء الانقسام، تضمنت آليات تؤسس لانضمامها إلى منظمة التحرير. ونجد أن الوثيقة الجديدة ترى في المنظمة "إطارا وطنيا للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج".
تعد وثيقة حماس ترجمةً لإدراكها (المتأخر) بوجوب الوفاء بمتطلبات انخراطها في العمل السياسي، وتسهيل اضطلاعها بمهمة إدارتها حكم قطاع غزة، واضطرارها لإعادة صياغة علاقاتها الإقليمية على أسس جديدة. من هنا، حملت الوثيقة الجديدة تطميناتٍ للقوى العربية
وفي ما يتعلق بموقف الحركة من الصراع والكيان الصهيوني ومشاريع التسوية معه، لم تتجاوز الوثيقة الجديدة ثوابت الحركة وخطوطها الحمراء، على الرغم من أن معدّي الوثيقة حاولوا تضمينها بندا يجعلها تبدو كأنها تحمل جديدا. فالوثيقة الجديدة لا تعارض إقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من يونيو/ حزيران عام 1967، لكنها، في الوقت نفسه، ترفض التنازل عن بقية فلسطين، إلى جانب إفرادها بنودا خاصة تنص على رفض أي تنازل يتعلق بالقدس وحق اللاجئين في العودة، ناهيك عن مواصلة التشبث بخيار المقاومة، إلى جانب التشديد على رفض شرعية الكيان الصهيوني.
على الرغم من أن الوثيقة الجديدة تستحق التقدير، لأنها تحاول إصلاح ما تضمنه الميثاق من مكامن شطط واضحة، وتمثل استعدادا، وإن متأخرا، لإعادة تقييم مسار "حماس" وفق معطيات الواقع، إلا أنه يجدر بالحركة أن تخفّض من سقف توقعاتها من هذه الخطوة ورهاناتها على إسهامها في تحسين قدرتها على المناورة السياسية. فهذه الوثيقة ما زالت تتعارض بوضوح مع شروط الرباعية الدولية، والتي يمثل قبولها الحد الأدنى المطلوب ليحظى أي فصيل فلسطيني بالشرعية الدولية أو الإقليمية، فالرباعية تشترط: الاعتراف بإسرائيل واحترام الاتفاقات الموقعة معها ونبذ المقاومة بوصفها "إرهابا".
ولن تُفضي هذه المبادرة إلى تغيير جذري على شبكة علاقات "حماس" الإقليمية؛ حيث أن الحكام العرب الذين يهرولون إلى واشنطن، ويتنافسون في ما بينهم على إظهار مدى استعدادهم للانخراط في حرب دونالد ترامب على الإرهاب؛ لا يمكن أن تنجح هذه الوثيقة في تغيير موقفهم من الحركة التي تصنف أميركيا وإسرائيليا منظمة إرهابية. وإن كانت "حماس" ترى في فك الارتباط بجماعة الإخوان المسلمين من ضروريات المرحلة، لا سيما في ظل استهداف الجماعة إقليميا ومحليا، فإن عليها أن تعلم أن "جُرمها" الأكبر في نظر إسرائيل والقوى الإقليمية والدولية يتمثل في مقاومتها الاحتلال.
ولا حاجة للتذكير بأن جنون التطرّف الصهيوني والإسناد الأميركي له لا يدع مجالا للتعاطي مع مبادرة "حماس" الجديدة، فعلى الرغم من حرص رئيس السلطة، محمود عباس، على نبذه المقاومة وشيطنتها، ويصر على مواصلة التعاون الأمني مع الاحتلال، إلا أن أطرافا إقليمية، نزولا عند رغبة ترامب، تمارس الضغوط عليه لإرغامه على قبول صيغ تسويةٍ تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
إن انطلاق إسرائيل من افتراضٍ مفاده أن مواجهة فاصلة مع "حماس" في قطاع غزة مسألة وقت، لن تسمح بأن تساعد الوثيقة الجديدة في تحسين المكانة الإقليمية أو الدولية للحركة بشكل يشوّش على مخططاتها تجاهها. من هنا، سارعت النخب المرتبطة بدوائر الحكم في تل أبيب إلى وصف الوثيقة بأنها "ليست أكثر من تبييض مواقف وغسيل كلمات".
ارتكبت حركة حماس خطأ جسيما عندما استدرجت إلى فخ المشاركة في انتخابات 2006، وتوريطها في حكم غزة، ما أجبرها حاليا على البحث عن مخارج تسمح بزيادة مدى المناورة السياسية لمواجهة تبعات هذا الخطأ. لكن على الحركة أن تعي أنه ما لم يحدث تغيير جذري على البيئة الداخلية أو الإقليمية أو كليهما معا، فإن مثل هذه المبادرة لن تسمح بتغيير واقع التعاطي معها.