02 نوفمبر 2024
مكافحة الفساد في تونس.. الرسائل والمحاذير
بعد لأي وطول انتظار، بادرت حكومة الوحدة الوطنية في تونس بشنّ حملة ملاحقة أمنية وقضائية ضدّ من يُشتبه في تورّطهم في ملفّات فساد. وأعلن رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، أنّه حسم أمره، واختار الانحياز إلى الدولة في مواجهة سرطان الفساد الذي استشرى في البلاد قبل الثورة وبعدها. وتأتي تلك البادرة إثر تواتر تقارير صادرة عن جهاتٍ موثوقةٍ تفيد بأنّ الفساد أصبح ظاهرةً لافتة للانتباه في البلاد. وفي هذا السياق، نبّهت منظّمة الأزمات الدولية إلى أنّ تونس توشك أن تصبح بلداً محكوماً بمافيات الفساد التي يقودها زهاء 300 من رجال الأعمال والمهرّبين المتنفّذين الذين اخترقوا أجهزة الدولة الرسمية (الإعلام، القضاء، الإدارة، الجمارك...) ووظفوها لخدمة مصالحهم. كما ذكرت منظّمة الشفافية الدولية أنّ تونس لا تبذل جهوداً كبيرة في مكافحة الفساد، وتحتلّ مرتبة متأخّرة في هذا المجال (75 عالمياً). وكان لتصريحات عماد الطرابلسي، صهر الرئيس المخلوع، أمام هيئة الحقيقة والكرامة وقعٌ صادم على عموم التونسيين، لما قدّمه، في شهادته، من إفادات جريئة وصريحة، أخبر فيها أنّ أخطبوط الفساد ممتدّ في أركان الدولة التونسية ومؤسساتها، ماضياً وحاضراً، وأنّ عتاة المفسدين والمتمعّشين من حركة الفساد وناهبي المال العامّ مازالوا فاعلين في المشهد المجتمعي في تونس الآن وهنا.
دفعت تلك المعطيات مجتمعة الحكومة إلى خوض معركة إطاحة من تحوم حولهم شبهات فسادٍ فعمدت إلى اعتقال بعض أباطرة المال والأعمال ورؤوس المهرّبين وبعض رجال الجمارك، ووضعتهم تحت الإقامة الجبرية في انتظار إحالتهم على القضاء العسكري، وكلّفت لجنة
وتروم تلك الحملة الحكومية إخبار المستثمرين التونسيين والأجانب أنّ الدولة هي دولة قانون، لا "دولة مافيا"، كما يزعم ملاحظون ومعارضون للنظام الحاكم. والمراد طمأنة الفاعلين الاقتصاديين، وتشجيعهم على بعث مشاريع استثمارية في تونس الجديدة. وجاءت المبادرة الحكومية أشهراً قليلة قبل الانتخابات البلدية، ولا شكّ أنّها ذات مدلول سياسي، من جهة أنّها تروم الترفيع من شعبية رئيس الحكومة من ناحية، ورصّ الصفوف من حول الائتلاف الحاكم، وتعزيز قاعدته الانتخابية من ناحية أخرى. والثابت أنّ الإقدام على منازلة رموز الفساد، وإخضاعهم للملاحقة القانونية، واستدراجهم للمحاكمة ساهم في امتصاص الغضب الشعبي، الناجم عن ارتفاع الأسعار، وانتشار البطالة، ومكّن من التخفيف من وتيرة الاستقطاب السياسي الثنائي بين الحكومة والمعارضين، وأدّى، ولو إلى حين، إلى التغطية على أصوات المحتجّين في تطاوين والمحافظات الداخلية المطالبين بالتشغيل والتنمية والتوزيع العادل للثروة.
ولكي تكون الحملة المشهودة على الفساد ناجعةً، وتكتسب مصداقيةً، وتجد لها تجاوباً واسعاً من التونسيين، يُفترض أن تتحلّى الحكومة بالشفافية، وتتّجه إلى القبض على كلّ المتورّطين في
بعثت حملة مكافحة الفساد رسائل إيجابية إلى التونسيين وعموم الملاحظين في الداخل والخارج، وجدّدت الثقة بين الحاكم والمحكوم، وهي خطوةٌ مهمّة على درب الانتقال الاقتصادي، تبقى نجاعتها مرتبطةً بمدى التزام الحكومة بالشفافية والنزاهة، والنأي عن الانتقائية في التعامل مع المفسدين، والاحتكام إلى علوية القانون، مع مصارحة المواطنين بمسارات الحملة وأهدافها والنتائج التي أفضت إليها.