03 نوفمبر 2024
هؤلاء السياسيون في تونس
قال الصحافي والكاتب والروائي البريطاني، جورج أورويل، مرة "السياسيون في العالم مثل القرود في الغابة، إذا تشاجروا أفسدوا الزرع، وإذا تصالحوا أكلوا المحصول". وفي تونس، هناك خشية من أن يصبح حال السياسيين يشبه هذه الصورة الكاريكاتورية المخيفة التي استعملها صاحب رواية "مزرعة الحيوان" التي كانت تعتبر الأكثر رواجا في العالم عند صدورها. ففي وقتٍ يتم التأكيد على أن بعض المؤشرات التي توحي باحتمال حصول نسق تصاعدي في النمو، ترتفع أصوات منادية بتغيير الحكومة ورئيسها، على الرغم من مرور ثمانية أشهر فقط على تشكيلها، وذلك بحجة فشلها في تحقيق الوعود التي أعلنت عنها أمام البرلمان وأمام الرأي العام، وهو ما ولّد حالةً من الإرباك في صفوف التونسيين، لأن حكومة يوسف الشاهد هي الثامنة في مرحلة بعد الثورة، من دون أن ينقشع الضباب، وتتضح معالم الطريق.
هناك من يقول إن من الطبيعي أن تنتقد المعارضة أداء الحكومة، فذلك جزء من مهمتها، ومن وسائل التعبئة والتجييش السياسي، لكن ما يثير المخاوف وجود إحساس واسع لدى الرأي العام بأن باخرة الحكم لا تزال تترنّح، وأن الماسكين بقيادتها ليسوا على قلب رجلٍ واحد. إذ على الرغم من أن العمر القصير لهذه الحكومة، فإنها فقدت الآن أربعة وزراء، وهناك أخبار تتردّد بقوة عن قرب تغيير آخرين بسبب ضعف الأداء. والوزراء نوعان، بعضهم يرضى بمصيره وينسحب بهدوء في انتظار فرصةٍ أخرى، وصنف آخر يرد الفعل بشدة، ويحاول أن يقلب الطاولة على رؤوس الجميع، مثلما يفعل حاليا وزير التربية المقال، ناجي جلول، الذي انتقد رئيس الحكومة، وهاجم بشدة حركة النهضة التي يعتقد أنها كانت وراء إبعاده، معلنا عن شروعه في تنظيم حملةٍ سياسيةٍ مضادّة للمنظومة التي كان هو جزءاً منها قبل إقالته، متهماً "النهضة" بالعمل على القيام بانقلاب عقائدي على نظام الحكم (!).
تحدث هذه التجاذبات والصراعات الصغيرة في بيئةٍ غير مستقرةٍ، حيث تتواصل التحرّكات الاحتجاجية في مناطق عديدة من البلاد التونسية. وعلى الرغم من أن الغالب على هذا الحراك الاجتماعي هو طابعه السلمي، إلا أنه يتمتع بزخم قوي، إلى جانب قدرته على إرباك الحكومة ودفعها نحو تعديل أجندتها وميزانيتها، وحتى أولوياتها. لقد ملّ الشباب المهمش الوعود ومناورات السياسيين، وأصبح اليوم في حركةٍ دائمةٍ يمارس أسلوب الكرّ والفرّ، يطالب بحلولٍ عاجلةٍ وجديةٍ، لأوضاعه المترديّة. لكن جزءاً من هذا الشباب يمكن أن يتحوّل ورقة ضغط أو ابتزاز من أطرافٍ لا تريد للبلاد أن تستقر وترى أن من مصلحتها أن تستمر حالة الحيرة والقلق والإحساس بالدوران في حلقةٍ مفرغة.
هنا، يجب البحث عن الأطراف التي ليس من مصلحتها أن تستعيد الدولة هيبتها الفعلية من خلال تطبيق القانون واحترام المؤسسات ومراعاة مصالح المواطنين. وفي هذه المنطقة الرمادية، تختلط المسائل والمقاييس، وتكثر الأشباح والفراغات والتأويلات. يرعى الجميع شعار مكافحة الفساد، لكنّ للكثيرين نصيباً في الخضوع لدرجاتٍ متفاوتةٍ لابتزاز شبكات الفساد ورؤوسها. وهي رؤوسٌ معلومٌ أصحابها، ويمكن مواجهتهم والضرب على أيديهم. لكن، على مستوى الفعل، تتدخل المصالح وتتصاعد الهواجس، وتكثر الحسابات الظرفية والفئوية، وتستوي، في هذه اللعبة الخطرة، جل الأحزاب والمجموعات، فتكون النتيجة الاستمرار في لعبة الأقنعة، وتتأجل الإصلاحات الفعلية والجذرية.
على الرغم من الإنجازات الأمنية المهمة والنوعية التي تتحقق على الأرض، تبقى الحالة التونسية هشّةً وقابلة للانتكاس والتعثّر المتجدّد، بسبب نخبها السياسية التي لا تزال تعيد ارتكاب الأخطاء نفسها، ما يجعلها حبيسة المربعات الصغيرة، على الرغم مما تتمتع به تونس اليوم من فرصٍ، لا تزال قويةً للانتقال إلى مرحلةٍ جديدةٍ واعدة ومفتوحة.
هناك من يقول إن من الطبيعي أن تنتقد المعارضة أداء الحكومة، فذلك جزء من مهمتها، ومن وسائل التعبئة والتجييش السياسي، لكن ما يثير المخاوف وجود إحساس واسع لدى الرأي العام بأن باخرة الحكم لا تزال تترنّح، وأن الماسكين بقيادتها ليسوا على قلب رجلٍ واحد. إذ على الرغم من أن العمر القصير لهذه الحكومة، فإنها فقدت الآن أربعة وزراء، وهناك أخبار تتردّد بقوة عن قرب تغيير آخرين بسبب ضعف الأداء. والوزراء نوعان، بعضهم يرضى بمصيره وينسحب بهدوء في انتظار فرصةٍ أخرى، وصنف آخر يرد الفعل بشدة، ويحاول أن يقلب الطاولة على رؤوس الجميع، مثلما يفعل حاليا وزير التربية المقال، ناجي جلول، الذي انتقد رئيس الحكومة، وهاجم بشدة حركة النهضة التي يعتقد أنها كانت وراء إبعاده، معلنا عن شروعه في تنظيم حملةٍ سياسيةٍ مضادّة للمنظومة التي كان هو جزءاً منها قبل إقالته، متهماً "النهضة" بالعمل على القيام بانقلاب عقائدي على نظام الحكم (!).
تحدث هذه التجاذبات والصراعات الصغيرة في بيئةٍ غير مستقرةٍ، حيث تتواصل التحرّكات الاحتجاجية في مناطق عديدة من البلاد التونسية. وعلى الرغم من أن الغالب على هذا الحراك الاجتماعي هو طابعه السلمي، إلا أنه يتمتع بزخم قوي، إلى جانب قدرته على إرباك الحكومة ودفعها نحو تعديل أجندتها وميزانيتها، وحتى أولوياتها. لقد ملّ الشباب المهمش الوعود ومناورات السياسيين، وأصبح اليوم في حركةٍ دائمةٍ يمارس أسلوب الكرّ والفرّ، يطالب بحلولٍ عاجلةٍ وجديةٍ، لأوضاعه المترديّة. لكن جزءاً من هذا الشباب يمكن أن يتحوّل ورقة ضغط أو ابتزاز من أطرافٍ لا تريد للبلاد أن تستقر وترى أن من مصلحتها أن تستمر حالة الحيرة والقلق والإحساس بالدوران في حلقةٍ مفرغة.
هنا، يجب البحث عن الأطراف التي ليس من مصلحتها أن تستعيد الدولة هيبتها الفعلية من خلال تطبيق القانون واحترام المؤسسات ومراعاة مصالح المواطنين. وفي هذه المنطقة الرمادية، تختلط المسائل والمقاييس، وتكثر الأشباح والفراغات والتأويلات. يرعى الجميع شعار مكافحة الفساد، لكنّ للكثيرين نصيباً في الخضوع لدرجاتٍ متفاوتةٍ لابتزاز شبكات الفساد ورؤوسها. وهي رؤوسٌ معلومٌ أصحابها، ويمكن مواجهتهم والضرب على أيديهم. لكن، على مستوى الفعل، تتدخل المصالح وتتصاعد الهواجس، وتكثر الحسابات الظرفية والفئوية، وتستوي، في هذه اللعبة الخطرة، جل الأحزاب والمجموعات، فتكون النتيجة الاستمرار في لعبة الأقنعة، وتتأجل الإصلاحات الفعلية والجذرية.
على الرغم من الإنجازات الأمنية المهمة والنوعية التي تتحقق على الأرض، تبقى الحالة التونسية هشّةً وقابلة للانتكاس والتعثّر المتجدّد، بسبب نخبها السياسية التي لا تزال تعيد ارتكاب الأخطاء نفسها، ما يجعلها حبيسة المربعات الصغيرة، على الرغم مما تتمتع به تونس اليوم من فرصٍ، لا تزال قويةً للانتقال إلى مرحلةٍ جديدةٍ واعدة ومفتوحة.