09 أكتوبر 2024
عندما يرقص ترامب "العرضة"
سألت دبلوماسياً غربياً أمضى أكثر من عقد عاملا في الشرق الأوسط، وقد أكسبته فترة عمله تلك معرفة وخبرة عريضتين بما تحمله المنطقة من أسرار وخبايا، سألته عما يراه في "الزلزال" الذي هز منطقة الخليج أخيرا. قبل أن يجيب، ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ ماكرةٌ، لمحتُ فيها شيئا من خبث، وشيئا من دهاء، قال: هل تتذكّر ما حدث في المنطقة قبل زلزال غزو العراق الكويت، وفي أثنائه وبعده؟ وقبل أن يسمع إجابتي، استرسل يروي قصة الغزو من بداياتها إلى نهاياتها، وكان شاهدا عليها، كما قال، في عمله في سفارة بلاده في دولة خليجية:
تملّك صدّام بعد انتهاء حربه مع إيران خليط من مشاعر الانتشاء والفخر بأنه أنقذ العرب، ودول الخليج خصوصا، من تغوّل البعبع الإيراني في بلدانهم، وساورته فكرةٌ مجنونة بأن عليهم دفع الحساب والقبول به "شرطيا" يقرّر مصائرهم، فإن لم يفعلوا فلا بد أن يكون هناك نوع من العقاب، ولتكن البداية من الكويت، خصوصا أن هناك مبرّرات تاريخية وجغرافية، يمكن استرجاعها، ووضعها في خدمة ما يريد أن يفعله. ووجد الأميركيون في طموح صدام ما يدفعهم إلى إيقاد النار في المنطقة من جديد، على وقع مستصغر الشرّر الذي كان يحمله صدام في يده. وكان أن أوحوا له أنهم لن يتدخّلوا في ما يريد فعله، وأدّت سفيرة الولايات المتحدة، غلاسبي، مهمة نقل رسالة حكومتها إلى صدام على أكمل وجه، فيما رأى صدّام في الموقف الأميركي والوضع الدولي الماثل آنذاك ما يتيح له أن يتصرّف كما يشاء، وما يقنعه بأن مخططاته سوف تمر بسهولة، فأقدم على حماقة غزو الكويت، لكنه لم يستطع أن يُقنع أيا من الأطراف العربية والدولية، ولا حتى العراقيين أنفسهم بعدالة الموقف الذي اتخذه، وقد تخبّط في إعطاء مبرّر للغزو، فقد زعم أن ثورةً نشبت في البلد الشقيق، وأن قائد الثورة طلب نجدة عسكرية من العراق، ثم ما لبث أن اعتبر العملية إعادة للجزء المقتطع من العراق، وجعل من الكويت المحافظة العراقية التاسعة عشرة، وعاد وتحدّث أن غزوته كانت ردا على مؤامرةٍ دبرها الكويتيون لتدمير اقتصاد بلاده بسرقة آبارها النفطية. هنا، تحرّك الأميركيون، وقد أدركوا أن صدّام وقع في المصيدة، وعليهم فقط أن يُحكموا وثاقها، ولن يدعوه يفلت من بين أيديهم. عندها شرعوا في تنفيذ الصفحة الأخرى من مخططهم المضاد، والغرض هو إنهاء دور العراق، والسيطرة على ثرواته، وكان أن صدرت القرارات الدولية بحق العراق، وأجبر على الانسحاب من الكويت جرّاء الحملة العسكرية العالمية التي قادتها واشنطن، ورضخ للشروط الأميركية، وحوصر سياسيا واقتصاديا، واكتملت صفحات المخطط الأميركي باحتلال العراق، والقضاء على صدام بعد أكثر من عقد من غزوه الكويت.
هنا تنهّد الدبلوماسي الغربي، وعلت شفتيه، مرة أخرى، ابتسامته الماكرة، ولم أشك هذه المرة في أنها تعكس كثيراً من الخبث، ومن الدهاء. وأضاف وكأنه يطلق حكما جازما: ما يجري اليوم نسخة منقحة من سيناريو غزو الكويت، وقد لعب ترامب وهو يرقص "العرضة" في لقاء الرياض الدور نفسه الذي لعبته غلاسبي. أعطى الضوء الأخضر لإطلاق ساعة الصفر، لتنفيذ مخطط شرير، وحصل بعد ذلك ما حصل. وها هي واشنطن تارة تدعو دول الخليج إلى تهدئة الوضع، وتخفيف الحصار عن قطر، وحل مشكلاتها مع بعضها بعضاً، وأخرى تحمّل قطر الذنب، وتدعوها إلى الكف عن تمويل الإرهاب!
وتابع: للأسف، لا يتقن حكامكم استجلاء ما يدور حولهم. ولا يقرؤون التاريخ قراءة فاحصة، حتى القريب منه. ولا يمتلكون الحكمة التي تجعلهم يتصرّفون بقدرٍ من الموضوعية والحصافة، هم في ذلك لم يتخلوا بعد عن بداوتهم، وإن استخدموا أدوات الحضارة في قصورهم ومنتجعاتهم. ألا يدرك حكامكم ما الذي كان ترامب يفكر فيه، عندما شارك مضيفيه في رقصة (العرضة)؟ ألم يسمعوا ترامب نفسه وهو يبشّر قومه أنه عاد من سفرته الملكية محملا بمليارات.. ومليارات.. ووظائف.. وظائف.. وظائف؟ ألا ترى معي أن حكاية صدام مع الكويت تتكرّر اليوم، وأن الليلة تشبه البارحة.
أطلق الدبلوماسي الغربي عبارته الأخيرة، وأخذ يحدّق في الأفق البعيد، كأنه يستشرف عالما عربيا مختلفا.
تملّك صدّام بعد انتهاء حربه مع إيران خليط من مشاعر الانتشاء والفخر بأنه أنقذ العرب، ودول الخليج خصوصا، من تغوّل البعبع الإيراني في بلدانهم، وساورته فكرةٌ مجنونة بأن عليهم دفع الحساب والقبول به "شرطيا" يقرّر مصائرهم، فإن لم يفعلوا فلا بد أن يكون هناك نوع من العقاب، ولتكن البداية من الكويت، خصوصا أن هناك مبرّرات تاريخية وجغرافية، يمكن استرجاعها، ووضعها في خدمة ما يريد أن يفعله. ووجد الأميركيون في طموح صدام ما يدفعهم إلى إيقاد النار في المنطقة من جديد، على وقع مستصغر الشرّر الذي كان يحمله صدام في يده. وكان أن أوحوا له أنهم لن يتدخّلوا في ما يريد فعله، وأدّت سفيرة الولايات المتحدة، غلاسبي، مهمة نقل رسالة حكومتها إلى صدام على أكمل وجه، فيما رأى صدّام في الموقف الأميركي والوضع الدولي الماثل آنذاك ما يتيح له أن يتصرّف كما يشاء، وما يقنعه بأن مخططاته سوف تمر بسهولة، فأقدم على حماقة غزو الكويت، لكنه لم يستطع أن يُقنع أيا من الأطراف العربية والدولية، ولا حتى العراقيين أنفسهم بعدالة الموقف الذي اتخذه، وقد تخبّط في إعطاء مبرّر للغزو، فقد زعم أن ثورةً نشبت في البلد الشقيق، وأن قائد الثورة طلب نجدة عسكرية من العراق، ثم ما لبث أن اعتبر العملية إعادة للجزء المقتطع من العراق، وجعل من الكويت المحافظة العراقية التاسعة عشرة، وعاد وتحدّث أن غزوته كانت ردا على مؤامرةٍ دبرها الكويتيون لتدمير اقتصاد بلاده بسرقة آبارها النفطية. هنا، تحرّك الأميركيون، وقد أدركوا أن صدّام وقع في المصيدة، وعليهم فقط أن يُحكموا وثاقها، ولن يدعوه يفلت من بين أيديهم. عندها شرعوا في تنفيذ الصفحة الأخرى من مخططهم المضاد، والغرض هو إنهاء دور العراق، والسيطرة على ثرواته، وكان أن صدرت القرارات الدولية بحق العراق، وأجبر على الانسحاب من الكويت جرّاء الحملة العسكرية العالمية التي قادتها واشنطن، ورضخ للشروط الأميركية، وحوصر سياسيا واقتصاديا، واكتملت صفحات المخطط الأميركي باحتلال العراق، والقضاء على صدام بعد أكثر من عقد من غزوه الكويت.
هنا تنهّد الدبلوماسي الغربي، وعلت شفتيه، مرة أخرى، ابتسامته الماكرة، ولم أشك هذه المرة في أنها تعكس كثيراً من الخبث، ومن الدهاء. وأضاف وكأنه يطلق حكما جازما: ما يجري اليوم نسخة منقحة من سيناريو غزو الكويت، وقد لعب ترامب وهو يرقص "العرضة" في لقاء الرياض الدور نفسه الذي لعبته غلاسبي. أعطى الضوء الأخضر لإطلاق ساعة الصفر، لتنفيذ مخطط شرير، وحصل بعد ذلك ما حصل. وها هي واشنطن تارة تدعو دول الخليج إلى تهدئة الوضع، وتخفيف الحصار عن قطر، وحل مشكلاتها مع بعضها بعضاً، وأخرى تحمّل قطر الذنب، وتدعوها إلى الكف عن تمويل الإرهاب!
وتابع: للأسف، لا يتقن حكامكم استجلاء ما يدور حولهم. ولا يقرؤون التاريخ قراءة فاحصة، حتى القريب منه. ولا يمتلكون الحكمة التي تجعلهم يتصرّفون بقدرٍ من الموضوعية والحصافة، هم في ذلك لم يتخلوا بعد عن بداوتهم، وإن استخدموا أدوات الحضارة في قصورهم ومنتجعاتهم. ألا يدرك حكامكم ما الذي كان ترامب يفكر فيه، عندما شارك مضيفيه في رقصة (العرضة)؟ ألم يسمعوا ترامب نفسه وهو يبشّر قومه أنه عاد من سفرته الملكية محملا بمليارات.. ومليارات.. ووظائف.. وظائف.. وظائف؟ ألا ترى معي أن حكاية صدام مع الكويت تتكرّر اليوم، وأن الليلة تشبه البارحة.
أطلق الدبلوماسي الغربي عبارته الأخيرة، وأخذ يحدّق في الأفق البعيد، كأنه يستشرف عالما عربيا مختلفا.